من الفكر الإسلامي: كيف نفهم الإسلام؟
2016/10/30م
المقالات
2,488 زيارة
من الفكر الإسلامي:
كيف نفهم الإسلام؟
إن المسلمين الأوائل فهموا الإسلام عقيدة ونظاماً للحياة فاتخذوا من الإسلام مفاهيم ومقاييس وقناعات صاغت حياتهم وعينت سلوكهم وحددت مشاعرهم وضبطت أهواءهم، فكانت حياتهم ترجمة حية لما رسخ في عقولهم وسكن في صدورهم من إيمان راسخ وفهم مستنير للإسلام، فأصبح المجتمع له نمط متميز من العيش صاغته النصوص الشرعية من قرآن وسنة، وأثْرته الإبداعات الفكرية للسياسيين من علماء ومجتهدين بالمفاهيم الراقية والأحكام الشرعية التفصيلية التي شملت جميع أفعال الإنسان وعاش المسلمون في ظل هذا المجتمع ينعمون برقي حضاري وازدهار مدني لم يعرفه التاريخ من قبل. ثم تخلى المسلمون عن إسلامهم فأصابهم الانحطاط الذي أفقدهم الكيفية الصحيحة لفهم دينهم وتطبيق إسلامهم، واليوم وقد مَنَّ الله على المسلمين بتحسس الطريق للنهضة والعمل لإحياء إسلامهم، ليس في نفوسهم فحسب بل في الدولة والمجتمع، لا ينفك الكافر وعملائه عن بذل كل جهد لتضليلهم عن الفهم الصحيح للإسلام باعتباره عقيدة ونظاماً للحياة متميزاً كل التميز عن سائر المبادئ الأخرى.
وهذا المقال يأتي في إطار محاولات تنبيه الأمة إلى ما يحاك لها من مكر وتآمر، وبيان الكيفية الصحيحة لفهم الإسلام؟
أولاً: ما هو أساس الإسلام؟
أساس الإسلام هو اليقين القطعي بوجود الإله، واليقين القطعي بأن القرآن كلام الله، واليقين القطعي بأن محمداً رسول الله. هذا اليقين القطعي بهذه الثلاث معاً هو أساس الإسلام وعنها تتفرع جميع عقائد الإسلام وأحكامه.
فاليقين بوجود صلة الإنسان بالله أي بأن هناك أشياء روحية بهذا المعنى متفرع عن اليقين بوجود الله، وإذا كان هناك يقين بوجود الله فيجب أن يكون هناك إدراك لصلة الإنسان بالله أي يجب أن يكون هناك ناحية روحية في المسلم، ومن كما إيمانه أن يجعلها مسيطرة عليه في أقواله وأعماله وسائر تصرفاته، واليقين بأن الله ورسوله والجهاد في سبيله يجب أن يكون أحب إلى المسلم من أبويه وأبنائه وإخوته وزوجته وعشيرته وأمواله وتجارته ومسكنه الذي يرضى، متفرع عن اليقين بأن القرآن كلام الله، وإذا كان هنالك يقين بالقرآن فيجب أن يكون كفاح أحكام الكفر وإزالة الكفر معتقداً بأنه أحب وأولى من الأهل والولد.
واليقين بوجوب اتباع ما ثبت أن محمداً بن عبد الله أمر به كما أمر به متفرع عن اليقين بأنه رسول الله. وإذا كان هنالك يقين برسالة محمد فيجب أن يكون التقيد بما ثبت أن الله أوحاه له به معتقداً بأنه كالقرآن سواء بسواء، وعلى هذا فإن جعل المادة أو المادية تسيطر على عقليتنا ونفسيتنا هو كفر إن كان عن جحود لوجود الصلة بالله، وضعف إيمان إن كان عن غفلة عن إدراك هذه الصلة.
وعلى هذا أيضاً فإن القول بأن المسلم يجب أن يكون أولاده أحب إليه وأولى من إزالة أحكام الكفر هو كفر. أما جعل سعيه لأولاده أولى من سعيه لله ولرسوله وللجهاد في سبيله فهو كفر إن كان عن جحود لأفضلية الجهاد على السعي للأولاد وضعف إيمان إن كان عن غفلة عن ذلك.
وعلى ذلك أيضاً فإن القول بأن ابتاع الرسول في هذا العصر رجعية وتأخر أو لا يجب هو كفر.
أما إذا أُخِذ حكم لمسألة من غير ما أتى به الرسول فإن كفر إن كان عن جحود لما أتى به الرسول، أو عن اعتقاد بعدم صلاحه، وضعف إيمان إن كان عن غفلة عن ذلك.
ومن ذلك تبين أن أعمال المسلمين وأقوالهم وسائر تصرفاتهم في علاقاتهم مع بعضهم أو غيرهم إذا لوحظ تفرعها على غير أساس الإسلام لا تخرج عن كونها كفراً أو ضعف إيمان، ولهذا لا بد للمسلم أن يجعل علاقاته مبنية على الإيمان بوجود الله وبرسالة محمد وبالقرآن فيدرك تفرعه عن هذا الأساس إدراكاً ملموساً حتى لا يقع في الكفر وهو لا يدري.
ثانياً: الوحي وشبهة الدليل:
قال تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقال عز وجل: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
هذه الآيات الكريمة تدل دلالة قطعية على حصر مصدر التشريع بالوحي، وأن الإسلام ما هو إلا الوحي فقط، ولك زيادة أو نقصان هي تحريف للإسلام وتزييف له، ولذا فإنه يجب أن يكون حياً في عقولنا وقلوبنا حين نقبل على دراسة الإسلام وتفهمه أن الوحي فقط هو الذي يجعل موضع الدراسة والبحث والفهم، وكذلك يجدر بنا إدراك حقيقة كون أغلب النصوص التي حوت الأحكام الشرعية ظنية الدلالة بمعنى أن تعدد الأفهام فيها واقع، وبالتالي يقع فيها الاختلاف في إصدار الأحكام على الوقائع المتعددة ولا يعني هذا أن تعدد هذه الأفهام غير منضبط تمام الانضباط، فعلى سبيل المثال أي فهم للنصوص يخالف اللغة العربية لا قيمة له أو أي تأويل يتعارض مع نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة فلا قيمة له، ويعتبر خطأ محضاً، ولنضرب لذلك مثالاً: فإن القائل بأن حروب الردة كانت مواجهة لردة سياسة وليست ردة عن الإسلام، وبالتالي فإن حديث «من بدل دينه فاقتلوه» لا ينطبق على المرتد عن الإسلام ويستدل بقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، مثل هذا الفهم لا يعتبر تقيداً بالوحي وفهماً تشريعياً له بل هو جرأة على الله وتأثر بالواقع وترديد لما يريده الغرب، فإنه وفقاً للغة العرب فإن الحديث لا يدل لا منطوقاً ولا مفهوماً على ما ذهب إليه القائل بالردة السياسية، فضلاً عن تجاهل تطبيق الصحابة لهذا الحد في كل مكان، وأما الآية فإنها تعني أنه لا يجبر أحد على اعتناق الإسلام ابتداء، ولا علاقة لها بالمرتد عن الإسلام.
لذا فإن إلغاء النص وإعمال العقل، وجعل الواقع مصدر الحكم والتفكير لا يسمح لنا بأي حال انطلق على ذلك فكراً إسلامياً أو فهماً شرعياً له شبهة الدليل، ولا يجوز لنا قبوله كأحد الآراء الشرعية التي أجاز الإسلام لنا أن نأخذها عندما يكون النص متشابهاً بمعنى أنه يحمل أكثر من معنى وبالتالي يتعدد فيه الفهم والاستنباط.
وعلينا أن ندرك أن الحكم الذي يقال إنّ له شبهة الدليل وبالتالي يمكن قبوله لا بد أن يتوافر فيه الشروط التالية:
1- أن يكون النص من الوحي، أي قرآناً أو سنة أو ما يرشدان إليه كإجماع الصحابة والقياس.
2- أن يكون مناط الحكم أي واقع القضية التي نريد أن نستنبط لها حكماً شرعياً مدركاً إدراكاً صحيحاً.
فمثلاً في نشرة مجلة الوطن العربي مقابلة لأحد العلماء ذكر فيها أن التعددية في الإسلام جائزة وجاء بأدلة تعالج واقع اختلاف علماء المسلمين في الاجتهاد، وكذلك واقع معاملة أهل الكتاب وفق أحكام الإسلام.
وكل ما ذكره من أدلة ووقائع صحيحة ولكن لا علاقة له بالتعددية السياسية والتي تعني وجود أحزاب وأفكار غير أحكام الإسلام يُدعى لها ويعمل على إيصالها للحكم في بلاد المسلمين مما يعني أن نكفل حرية العمل للأحزاب والمفكرين الذين يعملون على أساس ديمقراطي أو اشتراكي أو غيره، وهذا مما لا يجوز ولا يسمح به مطلقاً، بل تعدد الأحزاب يكون فقط للأحزاب القائمة على أساس الإسلام في فكرتها وطريقتها، فإذاً لا بد من إدراك واقع الحكم أي المناط إدراكاً صحيحاً، ولذا فإن مثل هذا الرأي لا يعتبر رأياً شرعياً، فنقول له شبهة دليل علينا قبوله، فإن الأدلة التي سيقت لا علاقة لبها بالواقع الذي أعطي له الحكم.
3- لا بد أن يكون الفهم فهماً تشريعياً بمعنى أن تستحضر النصوص والأدلة جميعها التي تعالج القضية ولا يقتصر على إيراد نص وإعماله والأخذ به كدليل وترك بقية الأدلة، فحديث الفقهاء عن العام والخاص والمطلق والمقيد، وإعمال الأدلة جميعها والجمع بينها قضية أساسية في إصدار الأحكام.
فلا يصح أن يستدل بمفهوم المخالفة بقوله تعالى: (تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) على إباحة شرب الخمر في غير الصلاة لأن هناك نصوصاً أخرى تحرم الخمر كقوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وكقوله الرسول: «حرمت الخمر لعينها».
4- الوحي جاء قرآناً وسنة بلغة العرب، وبالتالي لا يمكن فهمها بدون اللغة العربية أي لغة العرب الأقحاح، ولذا فإن أي تأويل يخالف اللغة العربية لا قيمة ولا يعتبر صحيحاً.
ثالثاً: طريقة الإسلام في الدرس:
1- درس الأشياء بعمق حتى تدرك حقائقها إدراكاً صحيحاً، لأن الثقافة الإسلامية فكرية عميقة الجذور يحتاج في دراستها إلى صبر وتحمل، لأن التثقيف بها عملية فكرية تحتاج إلى بذل جهد عقلي لإدراكها، لأن الأمر يحتاج إلى فهم جملها، وإلى إدراك واقعها، وربطه بالمعلومات التي يفهم بها هذا الواقع. ولذلك لا بد أن تتلقى تلقياً فكرياً.
فمثلاً يفرض على المسلم أن يأخذ عقيدته بالعقل لا بالتسليم، فدراسة كل ما يتعلق بأساس العقيدة لا بد من عملية فكرية عند دراسته.
والأحكام الشرعية مخاطب بها في القرآن والحديث فلا بد لاستنباطها من عملية فكرية يفهم بها واقع المشكلة والنص المتعلق بها وتطبيقه عليها، وهذه لا بد لها من عملية فكرية.
حتى العامي الذي يأخذ الحكم دون معرفة دليله فإنه يحتاج إلى فهم المشكلة، وفهم الحكم الذي وجد لمعالجتها، حتى لا يأخذ حكماً لمشكلة أخرى غير المشكلة التي ينطبق عليها الحكم، فلا بد له من عملية فكرية. وعلى ذلك فالتثقيف بالثقافة الإسلامية سواء أكان من المجتهد أو العامي، لا بد من أن يتلقى تلقياً فكرياً، ولا يتأتى أخذه إلا بعملية فكرية وبذل جهد.
2- أن يعتقد الدارس بما يدرس حتى يعمل به، أي أن يصدق الحقائق التي يدرسها تصديقاً جازماً دون أن يتطرق إليها أي ارتياب إذا كانت مما يتعلق بالعقيدة، وأن يغلب على ظنه مطابقتها للواقع إذا كانت من غير العقائد كالأحكام والآداب، ولكن يجب أن تكون مستندة إلى أصل معتقد به اعتقاداً جازماً لا يتطرق إليه أي ارتياب.
فكان من جراء جعل الاعتقاد أساساً في أخذ الثقافة أن وجدت هذه الثقافة الإسلامية على وضع ممتاز ومتميز، فهي عميقة، وفي الوقت نفسه مثيرة مؤثرة تجعل المثقف طاقة ملتهبة تتأجج ناراً تحرق الفساد ونوراً يضيء طريق الصلاح/ فإن التصديق الجازم بهذه الأفكار يجعل الارتباط الحتمي الذي يجري طبيعياً في داخل الإنسان بين واقعه والمفاهيم الموجودة لديه عن الأشياء مربوطاً بهذه الأفكار باعتبارها معاني عن الحياة، فيندفع بشوق وحماسة إلى العمل بهذه الأفكار، فيكون هذا التأثير الهائل لهذه الثقافة في النفوس، إذ تحرك المشاعر نحو الواقع الذي تضمنه الفكر، لأن الاعتقاد بها هو ربط المشاعر بمفاهيمها فيحصل حينئذ الاندفاع.
3- لم يعرف المسلمون فصلاً بين الفكر والممارسة، ولا بين الأحكام والأعمال ولا بين الجانب المعرفي والجانب العملي في حياتهم، بل ارتبطت مفاهيم الإسلام ومقاييسه وقناعاته بحياتهم وسلوكهم اليومي حتى كانوا إسلاماً يمشي على الأرض.
ذلك أن الفكر في حد ذاته هو معالجة لواقع أو حكم عليه أي وصف له، بل إن التفكير نفسه بمقتضى وجود واقع يتم إصدار الحكم عليه.
ولذا تميزت الثقافة الإسلامية عن غيرها بأنها ثقافة عملية لم تجعل للخيال والوهم والفلسفة نصيباً، فانظر مثلاً إلى تعريف الفقه بأنه العمل بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، أو انظر منهج القرآن في بحث القضايا التي تتعلق بالعقيدة، فقد خاطب العقل ولفت نظر الإنسان إلى التفكير في واقع ما دعاه إلى الإيمان به، والغيبيات التي لا يقع الحس عليها وبالتالي تخرج عن مقدور الإنسان أن يكفر بها أخبر الله تبارك وتعالى الإنسان عنها بوصف مفهم يجعل في استطاعة الإنسان أن يؤمن بواقعها وإن لم يقع عليه حسه، انظر وصف القرآن والسنة للجنة والنار أو ليوم القيامة، ففي تلك النصوص الكريمة وصف دقيق وتفصيلي ومتعدد الأسلوب حتى أنه يكاد يجعل واقع هذه المغيبات حاضراً يلمس.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيهما كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعاً».
رواه البخاري
2016-10-30