قراءة في كتاب
الكتاب: أسس النهضة الراشدة.
المؤلف: أحمد القصص.
الحجم: يقع الكتاب في 206 صفحة من الحجم المتوسط.
يحتوي الكتاب على مقدمة وثلاثة أقسام وقائمة بالمصادر والمراجع في النهاية.
في المقدمة يستعرض الكاتب تاريخ نهضة الأمة الإسلامية وانحطاطها بشكل مختصر، وكيف أثرت الحضارات الأخرى على المسلمين فأبعدتهم عن حضارتهم، ثم يخلص في النهاية إلى أن أسوأ ما مرت به الأمة في تاريخها هو هذه الحقبة التي نعيشها يقول: [لقد عاش المسلمون في ماضي تاريخهم حقبات انحطاط وهزيمة وضعف، ولكنهم بكل تأكيد لم يعيشوا أسوأ من هذه الحقبة، ولم يذوقوا يوماً مرارة الذل التي ذاقوها في هذا القرن].
ثم يبين دور الحضارة الغربية في التأثير على تصورات المسلمين من أجل الخروج من هذه الأزمة فيقول: [وكان من الواضح أن التأثير الثقافي والفكري والحضاري الذي كرسه الغزو السياسي الغربي للعالم الإسلامي كان له النصيب الأكبر في توجيه تلك الأطروحات والجهود، وكان وصول أناس صنعوا على عين الحضارة الغربية وسياسة دولها إلى سدة الحكم عاملاً في قيام المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية والتوجيهية، والرسمية منها وغير الرسمية على أساس الحضارة الغربية، فكانت معظم الأطروحات التي ناقشت مسألة النهضة والارتقاء ووضعت لها التعاريف والفلسفات والأسس والتفاصيل متأثرة بشكل أو بآخر بالحضارة الغربية] ثم يتابع فيقول: [إلا أن الأطروحات الأشد خطورة كانت تلك التي دأبت على دراسة الإسلام وفهمه، ومن ثم إبرازه، على نحو يتوافق مع الحضارة الغربية أو يتكامل معها أو على الأقل لا يتعارض معها، الأمر الذي أنذر بخطر تحول الإسلام إلى مجرد تراث حضاري تاريخي غابر والاستبقاء عليه ديناً كهنوتياً روحياً].
ووجود مثل هذه الطروحات المتأثرة بالغرب وأخرى موفقة بين الإسلام والغرب هو الذي دفع المؤلف لكتابة هذا الكتاب الذي بين أيدينا إذ يقول:
[لذلك كان لا بد من إعادة النظر ملياً في مسألة النهضة وفلسفتها والأساس الذي تقوم عليه، وما هي صلة الإسلام بتلك الفلسفة وما هو البنيان الحضاري الذي يقدمه الإسلام من أجل بنائه على ذلك الأساس، وأين موقع الأمة الإسلامية اليوم من حضارة الإسلام ونظامه وطريقة عيشه بعيداً عن الحضارة الغربية وضغط الواقع المعاصر، …، وذلك من أجل قيام عمل حركي إيجابي وفعال للتغيير ودفع المجتمع قدماً نحو النهوض والارتقاء اهتداء بما أنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم].
ثم ينتقل من المقدمة إلى القسم الأول ليناقش ما وعد ببحثه، فيتعرض لآراء بعض المؤرخين والمفكرين الذين انشغلوا ببحث واقع النهضة في التاريخ القديم وفي العصور الوسطى والعصور الحديثة ثم في القرن العشرين، فيذكر مثلاً رأي الفيلسوف الألماني شبنغلر الذي يذهب إلى أن “التاريخ حضارات مستقلة تزيده تكوينات عصرية فائقة، قلل منها مصيرها الفردي وتمر بفترات النشوء والازدهار والموت”، وهذا تحت مبحث “المؤرخون وفلسفة النهضة”. ثم يتابع الحديث في مبحث آخر تحت عنوان فلسفة النهضة في الفكر الغربي المعاصر ويلخصها في قوله: [رأوا أن النهضة كانت في مدى الحرية التي يتمتع بها الإنسان، فرأوا أنه بقدر ما يتمتع الإنسان بالحرية تبرز قدرته على الإنجاز والابتكار فيؤدي به ذلك حتماً إلى التقدم والنهوض، وقد رأوا أن أهم عائق يقف بين الإنسان وحريته في الحركة والعمل هو تعلقه بأوهام الغيب والكهنوت وما يسمى بالكائنات الروحية غير المحسوسة]، ويأتي باستشهادات على ذلك من أقوالهم وكتاباتهم.
وفي المبحث الذي يليه يبحث المؤلف عن سر النهضة ناقضاً بذلك ما قاله المفكرون الغربيون واصلاً إلى نتيجة يلخصها بقوله في نهاية المبحث [إن وجود المبدأ لدى أمة هو السبب في نهضتها].
ثم يعقد فصلاً آخر للحديث عن النهضة الصحيحة والنهضة الخاطئة ويضع شروطاً للنهضة الصحيحة ثم يختم القسم الأول من الكتاب ببحث عنوانه “الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية” يقارن فيه بين هاتين الحضارتين.
ويبتدئ القسم الثاني من الكتاب وهو بعنوان الحضارة الإسلامية بقوله تعالى: في سورة إبراهيم: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) الآيات 24 – 27، ويقسمه إلى ثمانية فصول يتناول في كل فصل مفهوماً فيحدده ويبلوره.
ففي الفصل الأول يتحدث عن الحضارة وتعريفها وواقعها.
وفي الفصل الثاني يتحدث عن الإسلام كمبدأ، فيعرف المبدأ ويطبق هذا التعريف على الإسلام. ثم يتحدث في المبحث الثالث عن لا إله إلا الله محمد رسول الله بوصفها القاعدة الفكرية للمسلمين، فبين ما هي القاعدة الفكرية ويقرر أن العقيدة الإسلامية هي القاعدة الفكرية للمسلمين، كانت كذلك في الماضي ويجب أن تعود إلى وضعها هذا اليوم، إذ يقول: [فلا سبيل للمسلمين اليوم من أجل العودة إلى سابق عزهم وقوتهم ونهضتهم إلا باعتماد العقيدة، الإسلامية قاعدة فكرية يبنون عليها من جديد صرحهم الفكري والحضاري].
ويعنون للمبحث الرابع بعنوان “الإسلام نظام الحياة والمجتمع والدولة”.
ثم في المبحث الخامس يبين مفهوم السعادة في الإسلام أنه نيل رضوان الله تعالى.
وفي المبحث السادس يتحدث بإسهاب عن مفهوم الروح والناحية الروحية فيستعرض نشأة الفكرة القائلة بأن الإنسان مكون من مادة وروح في الفلسفة الهندية وكيف أثرت على المسيحية وعلى المسلمين من بعد، ثم يبين المعنى الصحيح للروح من أنها إدراك الصلة بالله، أما المبحث السابع فيعقده تحت عنوان “نهضة الأمة الإسلامية بالوحي”، فيقول فيه:
[في هذا الفصل نريد أن نتوقف عند طبيعة المبدأ الإسلامي ومضمونه لندرك طبيعة نهضة الأمة الإسلامية وأركانها ومقوماتها، ومن ثم لنقف على الخطوط الحمر التي لا يجوز للأمة الإسلامية أن تخترقها بوصفها الخط الفاصل بين منطقتي النهضة والانحطاط].
ويشير إلى كون الوحي هو الأساس الوحيد للنهضة في الإسلام مما يجعله في الفصل الثامن يتحدث عن مسألة براءة الحضارة الإسلامية من سائر الحضارات، وينهي بذلك القسم الثاني لينتقل إلى القسم الثالث وهو قسم المجتمع الإسلامي فيتناول الحديث فيه في أربعة فصول:
في الفصل الأول يبحث في المجتمع ونهضته فيعرف المجتمع وبناء على ذلك يبين كيف يمكن النهوض بالمجتمع فيقول [وخلاصة الكلام أن المجتمع يكون مجتمعاً ناهضاً إذا كان عرفه العام – هو الأفكار والمشاعر – مبنياً على عقيدة عقلية، وكانت أنظمته منبثقة عنها، وبذلك تكون هذه العقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه المجتمع والقيادة الفكرية التي تأخذ بيده نحو النهضة، فإذا أردنا إيجاد مجتمع ينعم بالنهضة الصحيحة فإن ذلك لا يتأتى إلا بإقامة مجتمع إسلامي أي بإيجاد مجتمع يقوم على العقيدة الإسلامية بحيث تكون أفكاره ومشاعره وأنظمته كلها إسلامية، ذلك أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الصحيحة وما سواها باطل].
ثم في الفصل الذي يليه يستعرض منهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تغيير المجتمع فيتبين له من خلال التدقيق والاستقراء لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها تنقسم إلا ثلاث مراحل هي مرحلة التثقيف ومرحلة التفاعل ومرحلة التطبيق فيفصّل القول في هذه المراحل ويبين واقعها.
الفصل الثالث يعنون له بـ “المجتمع الإسلامي والاحتكاك الحضاري والفكري”، ويتحدث فيه بشيء من التفصيل عن تأثير الحضارات والأفكار والفلسفات الأخرى على المسلمين، وأي مجالات طال هذا التأثير، وفي هذا السياق يتحدث عن علم الكلام ونشأته وتطوره وعن الصوفية وعن الفقه الإسلامي ويبين عدم تأثره حتى العصر الحديث بأي شيء ليس من الإسلام، ثم يتحدث عن العصر الحديث ليبين أن تأثير الحضارة الغربية طال كل المجالات في حياة المسلمين بما في ذلك أنظمة الحياة يقول الكاتب [وهكذا مضى المسلمون في التوفيق بين الحضارة الغربية والإسلام حتى خلطوا أحكام الإسلام وأفكاره بأحكام الغرب وأفكاره وأنظمته] ويقول [وهكذا أصبحت كل فكرة تأتي من الغرب وتفرض نفسها على الرأي العام تقحم في الإسلام زوراً وبهتاناً بواسطة قواعد “فقهية” جديدة لم نسمع بها لدى الفقهاء الأوائل مثل قاعدة “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان” وقاعدة “حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله”، وبواسطة الكلام عن مرونة الشريعة وتطورها وما شاكل ذلك].
إن وجود مثل هذه الأفكار في المجتمع أدى إلى وجود صنفين من دعاة التغيير، صنف يتأثر بالواقع الموجود ويسايره، وصنف يأبى إلا التمسك بالمبدأ، فيتعرض الكابت للصنفين في الفصل الرابع تحت عنوان “دعاة التغيير بين المبدئية والواقعية”، وبعد استعراض الفرق بين الصنفين يقول:
[وها هم الدعاة المبدئيون في أيامنا هذه لما صبروا على دعوتهم رأينا أبواب التوفيق تفتح لهم من جديد، إن مزيداً من الجهود في طريق الدعوة وعلى الخط الذي رسمه المبدأ من أجل استئناف الحياة الإسلامية، من شأنها أن تبشر بولادة نهضة راشدة جديدة تعيد للحضارة الإسلامية حياتها وكرامتها وعزها، وللمجتمع هويته وللأرض منارتها.
إنه نداء لكم يا أخير أمة أخرجت للناس، نداء لكم يا من ناداهم الله بقوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، مختتماً الكتاب بهذه الآية.
الجميل في الكتاب إضافة إلى بلورة الأفكار وترتيبها في الطرح هو ربط الأفكار المطروحة بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الثقة بكون هذه الأفكار أفكاراً إسلامية ليس غير.
(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)