أبحاث إسلامية: أصول في العمل لاقامة دولة الخلافة
1988/03/03م
المقالات
3,258 زيارة
بقلم: عبد الله القصصي
تُعقد في أيامنا الندوات والمؤتمرات لدراسة طرق الحركات الإسلامية في العمل لإقامة الدولة الإسلامية ولتحديد كيفية العمل الصحيحة التي تؤدي إلى إقامتها. فكثرت الطروحات في كيفية العمل وتشعبت الآراء في ذلك، فمنهم من استند إلى عقله في تحديد هذه الكيفية ومنهم من استند إلى بعض الأدلة الشرعية التي لا تنطبق على الموضوع ومنهم من رأى الأساليب المرتجلة هي السبيل، والبعض النادر رأى عدم فرضية إقامتها. فما هو السبيل الشرعي لإقامة الدولة الإسلامية؟ وهل طريقة إقامتها أحكامٌ شرعية إلزامية الإتباع؟
مما لا خلاف فيه، أنه يجب على المسلمين نصب خليفة على رأسهم يأخذهم بأحكام الشريعة يطبق عليهم الإسلام في الديار الإسلامية ويحمل الدعوة خارجياً رسالة إلى العالم عن طريق الجهاد، وذلك لورود أدلة شريعة بينة وصريحة، عن طريق السنة الشريفة وإجماع الصحابة الكرام، الذي يعتبر دليلاً شرعياً.
في السُّنة الشريفة:
أما السنة، فقد روى عن نافع قال: قال لي عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقو بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير، وقد أوجب الرسول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، فالواجب إذاً، وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة، ومن هنا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة. وفي الحديث شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتة الذي يموت وليس في عنقه بيعة لخليفة المسلمين بميتة الكفر (الجاهلية)، وهذه قرينة على أن التهاون في إقامة الخليفة من الكبائر. وهناك أحاديث أخرى تدل على وجوب نصب الخليفة في السنة الشريفة. مثل الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنّة يُقاتَلُ من ورائه ويُتقى به». وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم وإن أساؤوا فلكم وعليهم». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدة أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم».
إجماع الصحابة:
أما إجماع الصحابة، فإنهم رضوان الله عليهم، أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم عقب وفاته واستغالهم بنصب خليفة له مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه، والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه صلى الله عليه وسلم، اشتغل قسم منهم بنصب خليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار وقدرتهم على الدفن، فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً، فإن الصحابة أجمعوا كلهم طول حياتهم على وجوب نصب الخليفة، فكان إجماعهم دليلاً شرعياً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.
على أن إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحاكم ذي سلطان، والقاعدة الشرعية أن «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» فكان نصب الخليفة فرضاً على المسلمين من هذه الناحية أيضاً.
ومن ذلك كله يتبين أن العمل لنصب الخليفة فرض على المسلمين، وكل مقصّر بشأنه هو عاص لله تعالى مستحق لعذابه والعياذ بالله تعالى، فكل من قعد عن القيام بفرض فرضه الله عز وجل هو عاس لله تعالى مستحق لعذابه ولا سيما إذا كان ذلك الفرض مما يقوم عليه تطبيق أحكام الشريعة بين الناس.
دار إسلام:
والخليفة إنما ينصب على دار اسلام، فليس لأي مجموعة من الناس أن تنتخب أو تختار رجلاً منها تبايعه، وتقول هذا خليفة علينا، وليس لأي شخص أن ينصب نفسه خليفة على رأس المسلمين، دون أن يوجد دار إسلام. وقد عرّفت دار الإسلام بأنها البلاد التي تحكم بالإسلام ويكون أمانها بأمان المسلمين. وأي قطر حتى يكون أمانه بأمان المسلمين لا بأمان الكفر يبج أن تكون حمايته من الداخل ومن الخارج حماية إسلام من قوة المسلمين باعتبارها قوة إسلامية بحتة. وذلك لا يتأتى إلا بقيام دولة يطبّق فيها الإسلام كاملاً وتكون لها مقوّماتها الذاتية.
لذلك لم تكن المشكلة ـ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن أعلن هدم الخلافة منذ بضع وستين سنة ـ لم تكن المشكلة كمشكلتنا اليوم. فقد كان كلما توفي أو عزل خليفة ما، ينصّب خليفة غيره يبايعه أهل الحل والعقد، وذلك لوجود دار إسلام أما الآن وبعد أن هدمت دولة الخلافة ولم يعد هناك دار إسلام فلم تعد القضية قضية انتخاب خليفة ومبايعته فحسب، بل إنها قضية إيجاد دولة ينصب عليها خليفة يحكم بما أنزل الله. ومن هنا كان العمل لإقامة الدولة الإسلامية فرضاً، وإثم القاعد عنه إثم القاعد عن نصب خليفة ومبايعته، لأنه لا يمكن تنصيب ومبايعة خليفة إلا من خلال ذلك العمل.
وجود كتلة:
وهذا العمل، لا يمكن أن يتم دون وجود كتلة تعمل له، فليس لأحد من الأفراد أن ينفرد بعمل يدّعي أنه يوصل لإقامة الخلافة، فهذا الفرض من طبيعته أنه لا يمكن أن يقام بعمل فردي، وإنما الذي يقوم به هو تكتل من الأشخاص يعملون في جملتهم بطريقة واحدة ومن أجل هدف واحد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لذلك وجب على من يريد أن يقوم بهذا الفرض، العمل ضمن تكتل يقوم بالفرض نفسه، بالاضافة إلى أن الآية الكريمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، تدل على أنه يجب أن يقوم تكتل من بين المسلمين بالدعوة إلى الخير وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأس المعروف هو وجود خليفة يطبق أحكام الشريعة بين الناس، ورأس المنكر وجود حكّام يحكمون المسلمين بالكفر.
الطريقة:
والتكتلات الإسلامية التي تعلن العمل لإقامة حكم الله في الأرض، منها التي أدركت هذه الأحكام ومنها التي أقرّت بها. إلا أن هناك أمراً هاماً يتعلق بالعمل لإقامة الخلافة، ولا يجوز أن ينفك عنه في حال من الأحوال، قد غفلت عنه أكثر هذه التكتلات للأسف لاشديد، وبدونه لا جدوى لأي عمل تقوم به ولأي جهد تبذله، ألا وهو «طريق» العمل لإقامة الخلافة. إذ أنه يجب أن يوجد لدى الحركة التي تعمل لإقامة الخلافة «طريق» شرعي مستنبط من النصوص الشرعية، والمقصود بالطريق: «الأحكام الشرعية العملية التي تسلك من أجل الوصول إلى إقامة الخلافة».
فمن المعلوم لدى الجميع، أن الله تعالى أمر المسلمين بأوامر ثبتت بالدليل الشرعي، وكذلك أعطاهم كيفية معينة لتنفيذ هذه الأوامر، وقد ثبتت هي أيضاً ـ أي الكيفية ـ بالدليل الشرعي، فنحن مكلفون بها تماماً كما نحن مكلّفون بأي حكم شرعي آخر.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام الدولة الاسلامية، فمن الحري بنا بعد أن علمنا أن الرسول هو قدوتنا وأسوتنا في جميع أمور الدين، وأن سنته هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، أن نتأسّى به عليه الصلاة والسلام في طريقة إقامة الخلافة، بل وأن ذلك فرض علينا لا يجوز لنا مخالفته، فالله تعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ..) وقال عز وجل: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وكثير من الآيات تدل على وجوب اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في جميع أمور التشريع.
وعلى ذلك فإن طريق العمل لإقامة الخلافة يجب أن يكون مستنبطاً استنباطاً شرعياً من القرآن والسنة، والاستنباط إنما يرجع للمجتهدين، فليس لأي شخص ولو حصّل بعضاً من العلوم الشرعية أن يستخلص هذا الطريق بمجرد نظره الخاص، فاستنباط طريق العمل لإقامة الخلافة ـ كسائر الأحكام الشرعية ـ إنما يرجع للمجتهدين الذين حصّلوا العلوم التي تؤهلم لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. والمجتهد إنما يعتمد في استنباطه للأحكام من النصوص، على أصول فقه شرعية، فأصول الفقه هو العمل المشتمل على القواعد التي يستنبط المجتهد بواسطتها الأحكام الشرعية، لذلك، وجب على الحركة التي تعمل لإقامة الخلافة الإسلامية أن تأخذ طريقها عن مجتهد استنبط هذا الطريق، وأن تبين الأصول التي أعتمد عليها هذا المجتهد، لتبين أن طريقها شرعي.
وهذا الطريق يجب أن يتبناه التكتل، أي يجب أن يلتزم به جميع أفراده، بحيث يكون العمل متوجهاً بشكل كلّي في اتجاه واحد ونحو هدف واحد، ومن الخطأ أن يكون داخل التكتل أكثر من طريق، بحيث يوجد بين أعضائها خلاف على طريق العمل، فإنه حينئذ لن يعود لهذه الكتلة اتجاه تسير به، وإنما هي عبارة عن محتوى تناقضات، وهذا من شأنه أن يحول بين التكتل وبين الوصول إلى هدفه المنشود.
وبناء على كل ما تقدم نخلص إلى أنه يجب على التكتل الذي يعمل لإقامة الخلافة أن «يتبنّى طريقاً شريعاً استنبطه مجتهد بأصول فقه شرعية من النصوص الشرعية» وإلا فإن أي عمل تقوم به هو غير مقبول عند الله تعالى، وهو القائل عز من قائل: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
ومن المعلوم أن الأحكام التي تحدد كيفية إقامة الخلافة الاسلامية، هي من أحكام الطريقة، التي يجب أن تكون لها نتائج مادية ملموسة في الواقع الدنيوي علاوة على الثواب من الله عز وجل. فإنها يجب أن يراعى حين القيام بها تحقيق إقامة الدولة الإسلامية. وفي حال لم تسكل هذه الطريقة فإنه لن يكون وصول إلى الهدف المنشود. والله عز وجل يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ..)، فشرط نصره الله لعباده أن ينصروه، ونصرة العبد لربه إنما تكون باتباع أوامره وسلوك الطريق الذي فرضه عليه.
المؤسف حقاً:
ومن المؤسف اليوم، أنك حين تسأل أكثر التكتلات الإسلامية عن طريقة إقامة دولة الخلافة أن يكون ردها، إما شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، وإما آيات قرآنية وأحاديث شريفة لا علاقة لها بالموضوع، وإما أن تعطي طريقاً عقلياً نتجت عن التفكير بالواعق بجعله ـ أي الواقع ـ مصدر التفكير بدل أن تجعله موضع التفكير.
فمن ذلك مثلاً أن يقول البعض حين تسأله عن طريق العمل لإقامة الخلافة: «أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم» أو «أقيموا دولة الإسلام في بيوتكم تقم على أرضكم». فهذا الكلام إذا أردنا أن نقيسه بمقياس الشرع، نجد أنه موضوع آخر، وأنه خارج عن موضوع البحث، وليس أحكاماً شرعية تحدد كيفية إقامة الدولة الاسلامية، علاوة على أن الأحكام الشرعية لا يعبَّر عنها بألفاظ مجازية واستعارات كما مر في ذلك القول، إذ لا دولة في النفس ولا دولة في البيت. فلا قيمة شرعية لذلك الكلام. أما إذا كان المراد، أن تطبيق الإسلام على النفس وتطبيق الإسلام على أهل البيت يؤدي إلى إقامة الدولة الاسلامية، فنقول، هذا مخالف لطريق الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن إقامته للدولة الإسلامية لم تتوقف على إيمان أهل بيته، وإيمان أهالي الصحابة الكرام الذين ناضلوا معه في مكة، بل قامت دولة الاسلام، في القوت الذي كان فيه عم الرسول عليه الصلاة والسلام يحاربه، ومعلوم لدى الجميع أن الصحابة كان يقْتُل الواحد منهم في المعارك التي لم تحصل إلا بعد قيام الدولة ـ أباه وأخاه وابنه.
المشاركة في تطبيق الكفر!!
وهناك من يدعو إلى المشارك في الحكم، ويعتبر ذلك طريقاً لاستلام السلطة، مع أن ذلك ما لم ينزل الله به من سلطان، بل وإنه يخالف النصوص الشرعية مخالفة كبيرة، إذ كيف يجوز مشاركة الحكام في تطبيق أحكام الكفر؟ أم كيف يجوز أن تطبق نصف القوانين إسلامية بجانب النصف الكفر؟ والله عز وجل يقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ). علاوة على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقم بذلك العمل مع قدرته عليه إذ عرض عليه حكام مكة الملك فأبى، وطبق الإسلام تطبيقاً انقلابياً شاملاً لا غشاوة فيه ولا لبس عندما أقام دولته في المدينة المنورة.
وانظر إلى قوله تعالى وهو يذم الذين يرضون بالتحاكم إلى أحكام الكفر وحكامه أو يسعون إليه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا).
بساطة في التفكير:
والبعض يقول إجابة على السؤال نفسه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وهذا إنما يدل على بساطة في التفكير وتهاون بالشريعة، فإن هذا الكلام وإن كان شرعياً ومن كتاب الله تعالى، وأنه وإن كانت التقوى مطلوبة لدى الدعاة، إلا أنه ليس جواباً على ذلك السؤال وليس أحكاماً شرعية تحدد كيفية إقام الخلافة. فإنك حين يسألك شخص ما عن أحكام الحج مثلاً، فلا يفي أن تجيب (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، بل عليك أن تعطي أحكام مناسك الحج.
ليس للعقل أن يشرّع:
وهنالك من يعطي طرقاً عقلية، يطلق العنان فيها لعقله، فيعطي نفسه بذلك حق التشريع، ويقع في معصية الله سبحانه وتعالى الذي جعل الدين كله له وقال: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ..)، فليس للعقل أن يشرّع لأن ذلك ليس من ضمن صلاحياته وامكانياته. ولا مانع لدى هذا الفريق من أن يعود بعد ذلك إلى النصوص الشرعية ويبحث فيها عن أدلة يستدل بها على رأيه ويؤيد بها ما شرعه العقل من طرق، والعياذ بالله تعلاى. والله تعالى يخبر عن حقيقة الإيمان بالتسليم بحكم الله ورسوله دون تحكيم العقل والهوى، فيقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
من هنا، يجب التنبه إلى أن للإسلام طريقة في البحث والدرس والتطبيق. وهي ما نتبعه حين تنفيذ أي حكم شرعي، من رجوع المقلد إلى مجتهد يثق بعلمه، ومن رجوع المجتهد إلى النصوص الشرعية واستنباطه للأحكام بواسطة أصول فقه شرعية، وغير ذلك، فمن الحري بنا أيضاً أن نتبع هذه الأصول في تاج الفروض، ألا هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..)
1988-03-03