مع القرآن الكريم
6 ساعات مضت
المقالات
50 زيارة
(مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ١٠٥) (سورة البقرة)
الأستاذ إبراهيم سلامة
الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين يضمرون للمسلمين العداوة والبغضاء، ولا يحبّون أن يُنزَّل عليهم شيء من الخير والهداية من ربّهم، ويكرهون فيهم الإسلام وطاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فالحذرَ الحذرَ من موالاتهم، والواجبُ التمسُّكُ بالدين وشكر نعمة الله بالإيمان؛ فقد اختصّ سبحانه هذه الأمة بخير رسالة، وجعل فيها نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وليس بعد نعمة النبوة والإيمان نعمةٌ تُدانيها.
ويظهر حقد أهل الكتاب وعداوتهم جليًّا اليوم في فلسطين؛ في إهدار دماء المسلمين بالمجازر والتطهير العرقي، والدعوة إلى الإذعان والرضوخ لليهود، بينما تُذعن معظم الدول الإسلامية لترامب ونتنياهو، ولا تطالب – ولو بأضعف الإيمان – بإخراج اليهود من الضفة الغربية وقطاع غزة، ليُحْدِثَ الله أمرًا كان مفعولًا. فلا يجوز تسليم السلاح – مع قلّته وبدائيته – بل الواجب أن يخرج اليهود والأمريكان من غزة والضفة، وقد كفى الدولَ المحيطة بفلسطين ما هي فيه من إذعان وخذلان.قال الله تعالى: ( إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسَۡٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ ١١٩وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ١٢٠) (البقرة)؛ (إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ) أي بالإسلام الحق، بشيرًا برحمة الله وجنته لمن آمن وأطاع، وأقام دين الله وحَكَّم شرعه في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع وسائر شؤون الحياة، ونذيرًا لمن عصى وكفر ورفض التحاكم لشرع الله. وقد بلَّغ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدّى الأمانة، فلا يُسأل بعد ذلك عن أصحاب الجحيم.
ثم حذّر سبحانه فقال: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ)؛ فالخطاب له صلى الله عليه وسلم، وحكمه لأمته من بعده؛ لن يرضى عنكم أهل الكتاب ما دمتم ملتزمين بدينكم، حتى تتركوا الإسلام وتتّبعوا ملتهم. فلا يجوز السعي لإرضائهم، ولا الإصغاء إلى إملاءاتهم، وقد رأينا اجتماعهم على المسلمين في غزة، وحرقهم الأخضر واليابس، وقتل الشيوخ والأطفال والنساء، في حربٍ دينية صريحة على الإسلام وأهله.
(قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِٰ)، أي هو الصراط المستقيم والدين القويم الذي بعث الله به الأنبياء جميعًا، دين التوحيد والطاعة لله. فلا مداهنة في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا التفات لملة الكفر ولا لأهوائهم.
(وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ)، وهذا وعيدٌ شديد لكل من يتحالف مع اليهود والنصارى، ويواليهم ويُطيعهم ويُعَوِّل على حمايتهم ونصرتهم؛ إذ يتركه الله لشرّ عمله ولا ينصره.
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ١٤٥)(آل عمران)؛ لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها الذي قدّره الله؛ فلا معنى للإحجام عن طاعة الله والجهاد في سبيله خوفًا من الموت؛ فالموت حقٌّ على المجاهد والقاعد، لا يُعجِّله جهادٌ ولا يُؤخِّره حرصٌ وجبن. فمن أراد ثواب الدنيا وحدها واشتغل بها عن أمر الله، ولاه الله ما تولّى وكان مصيره إلى النار، ومن أراد ثواب الآخرة سعى بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجاهد لإعلاء كلمته، ليعمّ عدل الإسلام وأمنه جميع الناس، (وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ) الذين يشكرون نعمة الهدى بالإيمان والعمل وتحكيم شرع الله.
ثم ضرب سبحانه للمؤمنين المثل بمن سبقهم من أهل الإيمان والجهاد، فقال: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٤٦وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ١٤٧ فََٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٤٨)(آل عمران)
الرِّبِّيُّون هم المجاهدون الأتقياء المتمسكون بدين الله، فما وهنوا ولا ضعفوا ولا استكانوا لما أصابهم في سبيل الله، بل أقبلوا على ربّهم يدعونه: (رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا) ، فجمعوا بين التوبة والطلب والثبات والجهاد، فآتَاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، وأعلى من ذلك: (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ). ثم قال تعالى محذّرًا:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ١٤٩بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ١٥٠)(آل عمران)، الكفار والعلمانيون والمنافقون عدوٌّ لكم، وهدفهم أن يردّوكم عن دينكم حتى تنقلبوا خاسرين. وطاعة الكفار واتباع أنظمتهم وقوانينهم، وطلب النصرة منهم – كما يصنع كثير من حكّام المسلمين اليوم – منزلق خطير قد يجرّ إلى الردّة عن الإيمان. المؤمن الحقّ يلتزم شرع ربّه، ويحكم ويتحاكم إليه، ولا يأخذ من مناهج الكفر شيئًا، (بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ)؛ فنعم المولى ونعم النصير.
ولله من وراء القصد،
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.وصَلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).
1447-06-12