هل سيناريو الحرب ضد الدولة الإسلامية حتمي؟ أم إنه خطأ استراتيجي فاحش؟
7 ساعات مضت
المقالات
62 زيارة
من العجز المانع إلى القدرة الـمسقطة للعذر: الاستطاعة وأثرها في وجوب
إعلان قيام الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة
الحلقة الرابعة: هل سيناريو الحرب ضد الدولة الإسلامية حتمي؟ أم إنه خطأ استراتيجي فاحش؟
الأستاذ ثائر سلامة
أظهرت الدراسات الاستراتيجية الحديثة، كما ورد في تحليلات مثل Bombing to Win لروبرت بايب، أن حملات القصف الجوية بمفردها لا تكسر إرادة الدولة المُستهدَفة بل تعزز مقاومتها وغالبًا ما تولد تضامنًا داخليًا ضد الضارب. وكذلك فإن قوام الرؤى التحليلية المتجددة تشير إلى أن القصف الجوي الاستراتيجي وحده لا يمثّل ثورة في فن الحرب، كما أظهرت دراسات في الولايات المتحدة أنّ الاعتماد عليه لم يحقّق الانقلاب الميداني المنشود في خمس صراعات كبرى بعد الحرب العالمية الثانية Air University.
أما في سياق الردع النووي، فإن مبدأ الدمار المتبادل المؤكّد (MAD) يثبت أن استخدام السلاح النووي أولًا يؤدي إلى دمار شامل للطرفين، ما جعل هذا الخيار شبه مستحيل عمليًا، ومع تبلور نظرية مفارقة الاستقرار-اللااستقرار، فإن تواجد الترسانات النووية المتكافئة بين الدول يخفض احتمال الحرب الشاملة، ولقد كثر تداول الحديث عن «الحرب النووية المحدودة»، ولكن الاستراتيجيين يحذّرون من المبالغة في الاعتماد عليها؛ فإن لها مخاطر تسرّب إشعاعات إلى مناطق واسعة، وقد تؤدي إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، أو أن يكون ذريعة مستقبلية تعطيها الدولة التي استبقت بالضرب لباقي الدول النووية في العالم لتستعمله ضدها مستقبلا إذا تغيرت الظروف، وكمثال عملي، لم تتحرّك روسيا لضرب المدن الأوكرانية بالسلاح النووي، رغم امتلاكها القدرة المادية، ورغم احتمالية أن يدفع الخصم للاستسلام، إدراكًا منها بعواقب الانتقام الدولي، أما في حالة احتمال ضرب الدولة الإسلامية الناشئة، أو ضرب حاضرة من حواضر العالم الإسلامي فإن تبعاته الهائلة يترتب عليها أنه سيثير نقمة الأمة فتتعرض مصالح الدولة التي تقصف لخطر شديد، والموازنة العسكرية والاستراتيجية تقتضي أن لا تقدم على مثل هذه المقامرة، فليس الأمر نزوة، بل حساب استراتيجي عميق.
أولًا – الولايات المتحدة وقدرتها على خوض حرب شاملة في الشرق الأوسط:
التجربة الأمريكية في العقدين الماضيين تقدم صورة شديدة الوضوح عن كلفة الحروب البرية الممتدة. فحربا العراق وأفغانستان، اللتان كان يفترض بهما أن تكونا حروبًا سريعة الحسم، تحوّلتا إلى أطول نزاعين خارجيين في تاريخ الولايات المتحدة. تقديرات مشروع «تكاليف الحرب»(Brown University) «تضع الكلفة الإجمالية لحروب ما بعد 11 سبتمبر بنحو 8 تريليونات دولار حتى 2023 (تشمل العراق وأفغانستان وفوائد الديون والرعاية للمحاربين)، (وفق CRS)؛ وهي أرقام تُعادل جزءًا ضخمًا من الناتج الأميركي وتُغذّي الدَّين العامَّ الأمريكي عبر الفوائد المستقبلية، فهو نزيف مالي مستمر.
نزف الاستعداد القتالي (Readiness): أثناء الذروة، كانت التكاليف الشهرية للدفاع نحو 12.1 مليار دولار (2008) مع فاتورة «إعادة ضبط المعدات/Reset» للجيش تبلغ 16 مليارًا سنويًا لسنوات حتى بعد الانسحاب، ما يعني استنزافًا مباشرًا للمخزونات والأطقم والمركبات وقدرة التدريب. شهادات قيادات الجيش في 2006–2008 وصفت الضغط بأنه «يتجاوز قدرة التوليد المستدامة للقوات»، مع آثار سلبية على جاهزية الألوية القتالية والقوة المتطوعة.
القراءة العملية: عند الذروة، شكّلت نفقات العمليات الطارئة (OCO) ما يوازي 1-2% من الناتج المحلي سنويًا لبضع سنوات. هذا المستوى من الإنفاق يقترن عادةً بتراجعٍ قابلٍ للقياس في الجاهزية المعدّاتية والبشرية، وتأخيرات في التحديث، و»فجوات» لوجستية تمتد لسنوات بعد توقف القتال بسبب كلفة الإحلال وإعادة البناء. (بيانات CRS/وشهادات نائب رئيس الأركان تعضد هذا الاستنتاج) هذه الحروب لم تُضعف فقط الاقتصاد الأمريكي، بل أرهقت القوات المسلحة نفسها؛ إذ سُجلت معدلات عالية من الإصابات النفسية والبدنية بين الجنود، وارتفعت معدلات الانتحار في صفوف العسكريين العائدين. اليوم، وبعد انخراط واشنطن في دعم أوكرانيا بالسلاح والذخيرة في مواجهة روسيا، وتوريد كميات ضخمة من الذخائر الموجهة والصواريخ الاعتراضية للكيان الصهيوني في حرب غزة، تراجعت مخزونات الجيش الأمريكي إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة. تقارير البنتاغون نفسها تشير إلى أن إعادة ملء هذه المخزونات – خاصة في منظومات مثل صواريخ Javelin وStinger وذخائر المدفعية 155 ملم – ستحتاج ما بين 3 إلى 5 سنوات من الإنتاج المستمر قبل العودة لمستويات آمنة لأي حرب واسعة.
لماذا ستكون حرب ثالثة اليوم أشدّ كلفة على الجاهزية؟
مخزونات الذخائر وسلاسل التوريد: عنق زجاجة حقيقي
الولايات المتحدة زوّدت أوكرانيا أكثر من 3 ملايين قذيفة 155 ملم، وتسابق الزمن لرفع الإنتاج إلى 100 ألف قذيفة/شهر… لكن الواقع حتى صيف 2025 يُظهر تباطؤًا عند 40 ألف/شهر وتأجيل بلوغ 100 ألف إلى ربيع 2026، مع اختناقات في المتفجرات (TNT) وسعات التعبئة والتجميع. أي حرب جديدة ستصطدم بهذه السقوف فورًا.
تحليلات صناعية تُظهر أن تعويض ذخائر “ذكية” بعينها (مثل Excalibur 155mm) قد يستغرق 4-7 سنوات بحسب معدلات الإنتاج السابقة/المعزّزة- وهذا قبل فتح جبهة كبرى جديدة.
وزارة الجيش فتحت خطوطًا جديدة (Mesquite-TX) وتضخ مليارات، لكن الطفرة الصناعية ما تزال رهينة عقود طويلة الأمد، وسلاسل توريد عالمية هشّة؛ بمعنى أن القدرة على «توليد الذخيرة» لن تلحق بسرعة وتيرة الاستهلاك في حرب كبيرة متعددة الجبهات.
الاستهلاك العملياتي والتكاليف اللاحقة
تجارب العراق/أفغانستان أظهرت أن كلفة «إعادة الضبط» للجيش وحده بلغت 16 مليارًا سنويًا لعدة سنوات بعد القتال. في بيئة اليوم- بعد أوكرانيا وغزة- ستكون فاتورة «الإحلال + التوسع» أعلى بسبب تضخم الأسعار، قيود الطاقة الإنتاجية، والحاجة لتجديد أنظمة باهظة (باتريوت/ PAC-3، ذخائر دقيقة، إلخ).
تقدير أثَر «حرب ثالثة كبيرة» على القدرة الأميركية (سيناريو تحليلي محافظ)
الافتراض: حملة مستمرة لــ 12–18 شهرًا تشمل طلعات جوية كثيفة، حماية قواعد/أساطيل، استهلاك نيراني بري–بحري–جوي، وحاجة لتعزيز مسارح أخرى (شرق أوروبا، المحيطين)، والأهم: الحاجة للإبقاء على قوة قادرة لمواجهة أي أخطار عالمية غير متوقعة مع جاهزية تامة للقتال:
على مخزونات الذخائر: بالنظر إلى معدلات الإطلاق الحديثة في أوكرانيا ومعوقات الإنتاج الأميركية، فإن حربًا ثالثة ستفرض عجزًا دوريًا بين الاستهلاك والإنتاج في عتاد رئيس (155 ملم، دفاع جوي صاروخي، ذخائر دقيقة)، ما يهبط بالجاهزية المخزونية الأميركية الفعلية في بعض الأصناف الحساسة إلى نطاق عجز مزدوج الرقم (15-30%) خلال الأشهر الأولى إذا لم تُفرض قيود صارمة على معدلات الرمي/الطلعات أو يُحوَّل جزء أكبر من إنتاج الحلفاء للسدّ. (النطاق مبني على فجوة 40k إنتاج/شهر مقابل احتياجات عملياتية قد تتجاوز ذلك بكثير، وعلى تقديرات CSIS/CRS لأزمنة الإحلال).
على الاستعداد القتالي للوحدات: استنزاف الذخيرة والمعدات + دورات انتشار أسرع يعني هبوطًا ملموسًا في «جاهزية القتال الكامل» لبعض الألوية وأنظمة الدعم، مع تراكم «أعمال الصيانة المؤجلة Backlogs» تمامًا كما حدث سابقًا (والذي استتبع سنوات من الصيانة والإحلال بعد العراق/أفغانستان). تقدير حذر: هبوط من خانة العشرات في مؤشرات الجاهزية لبعض تشكيلات المناوبة الأولى خلال السنة الأولى، يعود تدريجيًا بعد التمويل والتصنيع-لكن ليس قبل 3-5 سنوات من نهاية العمليات.
على الاقتصاد/المالية العامة: عند المقارنة التاريخية، بلغ إنفاق OCO في ذروته مستوى يعادل 1-2% من الناتج سنويًا لعدة سنوات. حرب ثالثة على هذا النطاق – وفوق التزامات أوكرانيا/غزّة/تايوان-مرشحة لإضافة تريليون إلى تريليوني دولار خلال 3–5 سنوات (تكاليف مباشرة + إعادة الإحلال + فوائد الاقتراض)، ما يرفع عبء الفوائد ويزاحم التحديث طويل الأمد. (هذا الإسقاط يُعاير بتجارب العراق/أفغانستان وكلفة الفوائد التي وثّقها مشروع “تكاليف الحرب”).
الخلاصة العملية
نعم، تاريخ العراق/أفغانستان يُثبت أن الحروب البرّية الممتدة تُنـهِك الجاهزية وتفرض سنوات من إعادة البناء، واليوم القيود الصناعية على الذخائر (155 ملم تحديدًا) تجعل أي حرب ثالثة تُترجم سريعًا إلى فجوة قدرات ملموسة قبل أن تَلحق المصانعُ بالإيقاع. الأثر المتوقع على القدرة القتالية ليس رقمًا واحدًا بسيطًا، لكنه في المدى القريب يعني عجزًا ملحوظًا في ذخائر رئيسة وهبوطًا في جاهزية بعض التشكيلات بنسبة ذات شأن، ومع كلفة مالية تُقاس بالتريليونات، وكل ذلك بينما تحاول واشنطن إبقاء رصيد ردع كافٍ أمام روسيا والصين! إن قرار خوض الحرب ولا شك خطير استراتيجيا على أمريكا!
تُظهر الخبرات الأمريكية في العراق وأفغانستان، التي كلّفت الخزانة ما يزيد على ثمانية تريليونات دولار وأرهقت البنية العسكرية لعقدين، أن أي انخراط جديد في حربٍ كبرى وطويلة الأمد في العالم الإسلامي سيكون استنزافًا مركبًا: اقتصاديًا، عبر تعميق العجز ورفع كلفة الاقتراض؛ ولوجستيًا، عبر الضغط على مخزونات الذخائر والصواريخ الدقيقة التي تعاني أصلًا نقصًا حادًا بعد دعم أوكرانيا والكيان الصهيوني؛ وصناعيًا، عبر كشف محدودية القاعدة الإنتاجية الدفاعية التي تحتاج لسنوات لتعويض النقص. هذه الاعتبارات، التي وثّقتها تقارير مراكز بحث كـ CSIS وRAND ودوائر حكومية أمريكية، تجعل خيار الحرب البرية الممتدة اليوم مقامرة إستراتيجية تُقَلِّص هامش المناورة أمام منافسي واشنطن الكبار وتُضعف الردع في آسيا وأوروبا. ومع تحوّل عقيدة الدفاع القومية من مبدأ «خوض حربين متزامنتين» إلى التركيز على منافسة الصين وروسيا، يصبح القرار السياسي أكثر تعقيدًا: إذ سيجد صانع القرار نفسه أمام رأي عام مُنهك من الحروب الخارجية، وكونغرس متردد في تمويل مغامرة جديدة، ومؤسسة عسكرية تُحذّر من المخاطر على الجاهزية العالمية إذا ما تمّ استنزاف القوة في ساحة الشرق الأوسط.
من الناحية السياسية، المزاج الداخلي الأمريكي بعد أفغانستان والعراق لم يعد متقبلًا لفكرة «حرب كبرى» خارجية، خاصة في ظل اقتصاد يواجه تحديات التضخم، والدين العام الذي تجاوز 34 تريليون دولار، وحاجة الإدارة إلى توجيه الموارد لإعادة بناء البنية التحتية الداخلية ومواجهة التنافس مع الصين في المحيطين الهندي والهادئ. هذا يعني أن أي إدارة تفكر في شن حرب شاملة في الشرق الأوسط ستواجه عقبتين: نقص الاستعداد العسكري واللوجستي، وغياب الغطاء الشعبي والكونغرس لمثل هذا الخيار. وبناءً على هذا، يصبح أي تدخل أمريكي محتمل أقرب إلى الضربات المحدودة أو العمل عبر الوكلاء، لا الانخراط البري المباشر الذي أثبتت التجربة أنه استنزاف استراتيجي باهظ الثمن، ومثل هذه الخيارات لا تستطيع الإجهاض على دولة إذا ما قامت الدولة الإسلامية باستعمال ما لديها من مواطن قوة سنشير إليها لاحقا إن شاء الله كرد على ذلك.
قائمة بأهم مراجع البحث حول أثر حربٍ ثالثة كبرى في الشرق الأوسط على قدرة الجيش الأميركي، وهي تجمع بين المصادر الأكاديمية، وتقارير مراكز الدراسات، والإحصاءات الحكومية:
دراسات أكاديمية ومشروعات بحثية كبرى
Brown University – Costs of War Project, Watson Institute for International & Public Affairs
تقديرات شاملة لتكاليف الحروب بعد 11 سبتمبر (العراق، أفغانستان، باكستان، سوريا)، بما في ذلك النفقات المباشرة، الرعاية للمحاربين القدامى، وفوائد الديون المستقبلية. https://watson.brown.edu/costsofwar
Congressional Research Service (CRS) – The Cost of Iraq, Afghanistan, and Other Global War on Terror Operations Since 9/11
تقارير دورية تشرح النفقات السنوية، أثرها على الموازنة، وجداول OCO (Overseas Contingency Operations).
مراكز الدراسات الإستراتيجية
CSIS (Center for Strategic and International Studies)
تقارير عن أثر استنزاف الذخائر في أوكرانيا وغزّة على القدرة الأميركية، خاصة في ذخائر 155 ملم والأنظمة الدقيقة. https://www.csis.org
IISS (International Institute for Strategic Studies) – The Military Balance
بيانات سنوية عن حجم القوات، المخزونات، وتقديرات الجاهزية العسكرية للدول الكبرى. https://www.iiss.org
RAND Corporation – Sustaining Army Readiness & Rebuilding Military Readiness after Major Conflicts
تحليلات لوجستية ومالية حول كيفية تراجع الجاهزية أثناء الحروب الممتدة وسبل التعافي. https://www.rand.org
وثائق حكومية وشهادات أمام الكونغرس
U.S. Department of Defense – Budget Justification Books
أقسام OCO/Global War on Terrorism، بما في ذلك تكاليف العمليات وكلفة إعادة الإحلال (Reset). https://comptroller.defense.gov
Testimony of U.S. Army Vice Chief of Staff (2006–2008)
أمام لجان القوات المسلحة في الكونغرس، حول أثر العراق وأفغانستان على الجاهزية ومخزونات الجيش.
تقارير صحفية تحليلية موثوقة
Defense News، Breaking Defense، وWar on the Rocks
مقالات تحليلية عن الطاقة الإنتاجية الأميركية، برامج زيادة إنتاج الذخائر، وتأثير دعم أوكرانيا على المخزون الإستراتيجي.
Reuters / Associated Press Special Reports
تحقيقات حول خطوط إنتاج الذخائر في أميركا والجدول الزمني للوصول إلى أهداف الإنتاج (155mm, HIMARS, PAC-3).
إحصاءات تاريخية ومقاربات اقتصادية
U.S. Bureau of Economic Analysis (BEA) & Congressional Budget Office (CBO)
بيانات الناتج المحلي، نسب الإنفاق العسكري إلى الناتج، وأثر ذلك على الدين العام.
ثانيًا – قدرة الكيان الصهيوني على خوض حرب شاملة ضد سوريا:
منذ اندلاع معركة السابع من أكتوبر، انخرط الكيان الصهيوني في أطول وأعنف مواجهة عسكرية منذ 1948، ما أدخل جيشه في حالة استنزاف شامل على المستويات البشرية والمادية والمعنوية. العملية البرية في غزة كلفت الجيش آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، مع فقدان أعداد غير مسبوقة من المدرعات، بما في ذلك دبابات Merkava IV المتطورة. أما سلاح الجو، فقد نفذ معدلًا قياسيًا من الطلعات الجوية واستهلك جزءًا كبيرًا من العمر الافتراضي لأسطوله، خاصة مقاتلات F-16 وF-35، وهو ما يتطلب صيانة وإصلاحات مكلفة وزمنًا طويلًا لإعادة الجاهزية الكاملة.
إلى جانب الخسائر العسكرية المباشرة، أحدثت الحرب اختلالًا في سوق العمل والاقتصاد، إذ تعطلت قطاعات مثل التكنولوجيا الفائقة والسياحة، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية بشكل حاد، وارتفع العجز في الموازنة إلى مستويات تهدد الاستقرار الاقتصادي. داخليًا، كشفت الحرب عمق الانقسام السياسي والمجتمعي، وأعادت إلى السطح أزمات ثقة بين القيادة العسكرية والسياسية، خاصة بعد إخفاقات السابع من أكتوبر الاستخبارية والعملياتية.
في حال الدخول في حرب شاملة مع سوريا، فإن الكيان سيواجه خطر فتح جبهات متعددة في الشمال والجنوب، مع عدم قدرته على حسم الحرب في غزة، وإظهار أي صورة للنصر فيها، إضافة إلى تهديدات من العمق عبر الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. هذا النوع من الحروب يتطلب قدرة على التعبئة السريعة وطاقة اقتصادية لدعم العمليات الممتدة، وهما عنصران يعاني الكيان من تراجع واضح فيهما حاليًا. والأهم، أن طول أمد الحرب قد يسرّع من الانهيار الداخلي بفعل الضغط الشعبي والخسائر المستمرة، وهو سيناريو تحذر منه مراكز الأبحاث في الكيان الصهيوني نفسه، باعتباره تهديدًا وجوديًا وليس مجرد تحدٍ أمني.
في التقديرات العسكرية المعاصرة، لا يُنظر إلى احتمالات المواجهة على أنها قرارات فورية، بل كعوامل مؤثرة في صياغة العقيدة الدفاعية والهجومية لأي طرف. وفي الحالة الراهنة، يُدرك صانع القرار الصهيوني أن القيادة السورية الحالية تميل إلى تجنب المواجهة المباشرة، وتسعى إلى تحسين موقعها وصورتها في الساحة الدولية، وهو ما يخفف من احتمالات اندلاع حرب واسعة في المدى القريب، لذلك فإنه يقوم بالقصف الجوي والتوغل البري آمنا من العقوبة. غير أن أي تحول في المشهد السياسي – كقيام دولة إسلامية تعتبر المواجهة خياراً شرعياً – سيغيّر معادلات الردع، ويفرض على المؤسسة الأمنية الصهيونية إدخال سيناريوهات أكثر تعقيداً في حساباتها الاستراتيجية.
على سبيل المثال، تقارير IISS Military Balance وإن لم تقدّم أرقاماً ميدانية دقيقة، تشير إلى أن سوريا ما زال لديها مئات الدبابات القابلة للزجّ (من طرازات T-72 وT-62 وT-55 بتحديثات متفاوتة)، ورغم محدودية تكافئها مع دبابات «ميركافا» الإسرائيلية الحديثة، فإن خسائر الكيان الكبيرة في حرب غزة – بما في ذلك تدمير مئات الآليات واضطراره لإعادة تشغيل دبابات أخرجت من الخدمة منذ 2014 – إضافة إلى تعاقده مع ألمانيا لتزويده بمحركات لـ150 دبابة ميركافا-4، تكشف عن قدرة برية تحتاج إلى إعادة البناء ولا تتحمل استنزافاً طويل المدى.
كذلك، فإن التطوير الذي طرأ على ترسانة المسيّرات السورية منذ 2018، بدعم إيراني وروسي، يعكس تحوّلاً في موازين الردع. تقديرات بعض مراكز الدراسات الغربية تضع هذه الترسانة اليوم في نطاق مئات المسيّرات بمختلف الفئات، من بينها عشرات الانتحارية بعيدة المدى القادرة نظرياً على بلوغ عمق الأراضي المحتلة، والباقي للاستطلاع والهجمات القريبة. حتى لو كان هذا المخزون محدوداً، فهو كفيل بفرض تحديات معقدة على منظومات الدفاع الجوي والراداري الإسرائيلية التي أنهكتها حرب العامين.
أما على صعيد القوى البشرية، فإن وجود قوة مقاتلة تُقدَّر بنحو مليون عنصر مدرّب ومعبأ عقائدياً – اكتسبت خبرات ميدانية طويلة من الحرب السورية – يفتح المجال لسيناريوهات برية تُدرَج حتماً في التقديرات الإسرائيلية. من هذه السيناريوهات: هجمات متعددة المحاور عبر الجولان ومزارع شبعا أو نقاط تماس سورية–لبنانية، مدعومة بإشباع نيراني وصاروخي، وضربات مسيّرات لتعطيل الرصد المبكر، أو عمليات محدودة تستفيد من ظروف مناخية تقلل فاعلية الاستطلاع الجوي. عوامل النجاح هنا لا تتوقف على العدة والعدد فحسب، بل على عنصر المفاجأة، والخداع العملياتي، والقدرة على تشتيت الجهد الإسرائيلي بين جبهات متعددة، مع قيادة مرنة قادرة على إدارة عمليات واسعة في بيئة قتالية معقدة.
في المحصلة، تمثل هذه السيناريوهات إطاراً تقديرياً يفرض نفسه على أي تخطيط عسكري صهيوني إذا تغيّر السياق السياسي السوري، خاصة في ظل الإرهاق البشري واللوجستي الذي يعيشه جيش الكيان الصهيوني بعد حرب غزة، وحساسيته الشديدة تجاه فتح جبهات برية واسعة في الشمال.
غير أنّ ما سبق إنما هو في إطار موازين القوى المادية المحسوبة بالأرقام والجداول، أمّا ما ستكشفه هذه الدراسة الاستثنائية فهو عرضٌ معمّقٌ لقدراتٍ استراتيجيةٍ هائلة تملكها الدولة الإسلامية، قدراتٍ كفيلة بأن تجعل الأعداء يعيدون حساباتهم ألف مرة، ويضاعفون رهبتهم من الإقدام على حرب معها أضعافاً مضاعفة، إذ يرون أمامهم مزيجاً من الركائز الصلبة التي تستند قوة الدولة الإسلامية إليها، ما يحوّل فكرة المواجهة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر المصيرية.
وبناء على ما سبق، فإنه لَيَتَجلّى لكل ذي بصيرة أن الحكم الشرعي بوجود الاستطاعة – الذي تُبنى عليه أعظم القرارات، من إعلان الدولة الإسلامية إلى إقامة شرع الله – لا يُستمد من حسابٍ عاجلٍ لموازين القوة المادية وحدها، ولا من نظرة الفرد المعزول إلى ذاته، قارنا قدرات الدولة واستطاعتها بنظرته تلك، بل من رؤية استراتيجية واسعة، تحيط بعناصر القوة الحاضرة، وتستكشف سبل تعظيمها بتحريك الأمة واستنهاض جماهيرها، وتعبئة طاقاتها الكامنة، وإحكام إدارة مواردها، مع تقدير احتمالات الصدام ومآلاته. فالأمة حين توحِّد صفوفها وتبسط سلطانها، وتستثمر ما حباها الله من مكامن منعة وقدرات رادعة، وتستعين بربها، وتحسن التوكل عليه، تصبح قادرة على فرض معادلة الردع، وكسر إرادة المعتدين، وتثبيت أركان الدولة على أساسٍ من القوة والعزة والتمكين.
ثالثا: الحرب المتوقعة ليست نزهة تستغرق ساعات للحسم!
هذا، وقد استمرت الثورة السورية في حسم الصراع على الأرض في مواجهة إيران وحلفائها منذ 2011 حتى الثلاثين من سبتمبر 2015، وقد غير التدخل الروسي ميزان القوى جوًّا، لكنه لم يُنتِج حسمًا سريعًا؛ بل دخلت البلاد في حرب استنزافٍ طويلةٍ متعدّدة الجبهات احتاجت إلى سنوات من القصف المكثّف، والاقتحامات الأرضية بقيادة قوات النظام وميليشياتٍ إيرانية وعراقية و»حزب الله»، وإسنادٍ استخباري ولوجستي واسع – من دون قدرةٍ على إنهاء الثورة/المعارضة بضربةٍ خاطفة، طبيعة الصراع المركّبة (جبهات متعدّدة، بيئة حضرية كثيفة، تداخل جهات دولية وإقليمية) جعلت الكلفة الزمنية والبشرية والمادية مرتفعة، وأبقت جيوبًا واسعة من المعارضة قائمةً لسنوات اعتمادًا على قدراتٍ محلية وشبكات إمدادٍ محدودة، رغم الحملات المتكرّرة. تقارير ICG وCFR توثّق طول أمد الصراع وتعقيده واستمراره كحربٍ دولية بالوكالة. crisisgroup.org Council on Foreign Relations
رغم الغطاء الجوي الروسي الكثيف (آلاف الطلعات)، ظلت عمليات الحسم تتطلّب حصارًا طويلًا واتفاقات إخلاء قسرية ومعارك كرٍّ وفرٍّ (حلب 2016، الغوطة ودرعا 2018، ثم إدلب). تُظهر دراسات RAND وCNA كثافة الطلعات واتساع الاعتماد على الذخائر غير الموجّهة، ما زاد الحاجة إلى تكرار الضربات على مدى أشهر، بل سنوات. rand.orgcna.org
كثافة جوية روسية… بلا حسمٍ سريع:
طلعات جوية بالألوف: يقدّر تقرير CNA أنّ القوة الروسية نفّذت حوالَي 6,500 طلعة خلال 60 يومًا فقط (24 كانون الأول/ديسمبر 2015–22 شباط/فبراير 2016)، بمتوسط 107 طلعات/يوم، مع استمرار معدلاتٍ مرتفعة لاحقًا (مثل 70 طلعة/يوم على حلب في آب/أغسطس 2016)، ما يوضح طول أمد العمليات اللازمة لإخضاع جبهةٍ حضرية واحدة. cna.orgrand.org
حجم القوة: تقديرات عسكرية تُظهر أن الانتشار الروسي بقي غالبًا في حدود 30-50 طائرة مقاتلة و 16-40 مروحية؛ وهو يكفي لتغيير ميزان القوة موضعيًا، لكن ليس لحسمٍ آنيّ على مستوى البلاد، ما يفسّر اعتماد موسكو على حملاتٍ متعاقبة وحصارٍ واتفاقات إخلاء. armyupress.army.mil
بنية أرضية مُسنَدة بإيران وميليشياتٍ عابرة للحدود… ومع ذلك طال القتال
قوات إيرانية وميليشيات أجنبية: قدّرت CSIS وجود نحو 2500 عنصر إيراني على الأرض (حرس ثوري وقوات نظامية)، وتنظيم 8000-12000مقاتل شيعي أجنبي (أفغان، عراقيون، وغيرهم) عبر فيلق القدس وشبكات الإسناد. كما لعب «حزب الله» دور قوة اقتحامٍ رئيسية. هذا الحجم النوعي لم ينتج حسمًا خاطفًا، بل حملاتٍ مطوّلة. CSIS
ميليشيات عراقية حليفة لإيران (مثل «حركة النجباء») قاتلت في سوريا ضمن «محور المقاومة»، ما يعكس تدويل المسرح ويؤكد أن إسقاط مناطق المعارضة تطلب تراكم قواتٍ عبر-حدودية. dni.govwashingtoninstitute.org
خسائر الحلفاء: وثّق SOHR مقتل 1139 -1736 من مقاتلي «حزب الله» حتى 2023 – أرقام تعكس شدّة وطول القتال رغم الغطاء الجوي الروسي. كما أشارت تقارير صحفية إلى سقوط قادة إيرانيين بارزين. Wikipedia The New Yorker
استنزافٌ متبادل وخسائر رمزية لروسيا تُظهر عناد الساحة
أُسقِطت طائرة Su-24 روسية على يد تركيا (نوفمبر 2015)، وSu-25 فوق إدلب (فبراير 2018)، كما أُسقِطت طائرة الاستطلاع Il-20 بنيران دفاعٍ سوري (سبتمبر 2018)، حوادث غير حاسمة عسكريًا لكنها تُظهر خطر البيئة العملياتية واستعصاء الحسم السريع. TIME The Aviationist
أثرٌ إنساني هائل دون إنهاء الصراع فورًا
نزوحٌ واسع النطاق: أكثر من 14 مليون سوري اضطروا للنزوح منذ 2011، مع بقاء 7.4+ مليون نازح داخلي حتى 2025- دلالة على طول الحرب وتعدد موجات العمليات بدل «حربٍ خاطفة». unrefugees.org
دلالات عملياتية لصالح حجّة «لا حرب خاطفة ضد دولةٍ ناشئةٍ ذات ثقل شعبي».
القوة الجوية وحدها لا تحسم بسرعة في بيئةٍ حضرية كثيفة ومجزّأة الجبهات؛ فحتى مع آلاف الطلعات الروسية، تطلّب كل جيبٍ معارض أشهرًا/سنواتٍ من الحصار والاقتحام – ما يعني أن قصفًا جويًا محدودًا لن يُسقط كيانًا راسخًا. cna.orgrand.org
الحسم استلزم حضورًا بريًا كثيفًا من ميليشياتٍ منظّمة بإسنادٍ إيراني، ومع ذلك ظلّت جيوبٌ واسعة صامدة (ثم مناطق بالشمال تحت حمايةٍ تركية لاحقًا)، ما يثبت أن التعبئة الشعبية والخبرة القتالية المتراكمة تجعل الإخضاع السريع مستبعدًا. CSIScrisisgroup.org
طول أمد الاستنزاف رفع الكُلفة على المتدخّلين (خسائر بشرية رمزية لروسيا، قتلى كبار لإيران/حزب الله) دون أن يترجم ذلك إلى نصرٍ خاطفٍ حاسم، بل إلى مراحل متتابعة من التقدم والاتفاقات والانتكاسات. The Aviationist Wikipedia
المحصلة الاستراتيجية: إذا كان منع ثورةٍ مُسلّحة من تثبيت وجودها احتاج إلى تحالفٍ جوّي/بري متعدد الدول والميليشيات عبر سنوات، فإن حربًا خاطفة ضد دولةٍ ناشئة ذات التفافٍ مجتمعي وخبرةٍ قتالية ستكون أصعب وأطول كلفةً، ولن تُحسَم بقصفٍ محدود أو إنزالٍ سريع، فإذا ما وضعنا بالاعتبار الفرق الشاسع الهائل بين ثورة قوامها تنظيمات مسلحة، وبين دولة لها جيش، وتدعمها التنظيمات المسلحة نفسها، فإن هذا يجعل مغامرة الحرب ضدها أصعب وأصعب، وهذا الوقت كفيل بأن يمنح الدولة الإسلامية الناشئة القدرة على التمدد والانتشار وتفعيل الخطط اللازمة لإفشال مخططات إفشالها.
الخلاصة للحجّة المقارنة: المشهد السوري يُبرهن عمليًا أن التدخل الخارجي الكبير لا يُنتِج «نزهة حرب»؛ فحتى مع قوة جوية روسية مستمرة، وقوات اقتحامٍ برية من إيران وميليشياتٍ عراقية و«حزب الله»، ومع مظلة استخبارية دولية، استغرق إخضاع الجيوب المعارضة سنواتٍ من الاستنزاف، ولم يتحقق حسمٌ سريع. عليه، أي حربٍ خاطفة ضد دولةٍ ناشئة تحظى بتماسكٍ اجتماعي وخبرةٍ قتالية مرشحة – وفق التجربة السورية – لأن تتحوّل إلى نزاعٍ طويلٍ عالي الكلفة وغير مضمون النتائج، لا إلى قصفٍ محدود يطيح بالمشروع خلال أيام، فلا أمريكا بوضعها الحالي، وإنهاكها في حربي أفغانستان والعراق، واستنزافها في حربي غزة وأكرانيا، ولا روسيا، خصوصا بعد إنهاكها في حرب أكرانيا، ولا الكيان الصهيوني، خصوصا بعد إنهاكه في حرب غزة بقادر على أن يخوض غمرات مثل هذه الحرب كما أثبتنا سابقا بالتحليل الدقيق وبالأرقام.
أهم المراجع المعتمدة في هذا الملخص: تقارير RAND وCNA عن الحملة الجوية الروسية؛ تحليلات International Crisis Group وCFR عن طبيعة الصراع الممتد؛ تقديرات CSIS حول حجم القوات الإيرانية والميليشيات الأجنبية؛ توثيق SOHR/SNHR للضحايا؛ وبيانات أممية حول النزوح والكارثة الإنسانية. rand.org cna.org crisisgroup.org Council on Foreign Relations CSIS snhr.org unrefugees.org
خلاصة موجزة لرأي جوزيف ناي: القوة الصلبة مقابل القوة الناعمة في زمن صعوبة الحسم:
يعرّف جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها «القدرة على الحصول على ما تريد عبر الجاذبية بدل الإكراه أو الرشا (العصي والجزرات)»، ومصادرها جاذبية الثقافة والقيم ومشروعية السياسة الداخلية والخارجية؛ فحين تبدو السياسة مشروعة تتسع القوة الناعمة ويقلّ الاعتماد على الإكراه.
في المقابل، القوة الصلبة تقوم على الإكراه بالمقدرات العسكرية والاقتصادية (العصي/الجزرات). ناي يرى أن المزج الذكي بين النوعين (القوة الذكية) هو الأنسب لإدارة المصالح في عالم تتراجع فيه فعالية الحسم العسكري السريع.
لماذا يتقدّم غير العسكري على المباشر في الصراعات الحديثة؟
دروس أفغانستان والعراق أوضحت أن الحروب المباشرة مُكلفة وطويلة وغير حاسمة سياسيًا، ما دفع صناع القرار في الغرب إلى إعادة الاعتبار للقوة الناعمة وأدوات التأثير غير المباشر بعد 2004.
الكلفة «غير القتالية» للحروب، من التزامات قانونية وأخلاقية (قانون دولي إنساني، مساءلة رأي عام)، وموجات لجوء عابرة للحدود، ترفع ثمن التدخل المباشر وتخلق دوافع قوية لتجنبه.
كيف يظهر ذلك عمليًا؟ أمثلة مختصرة
الجزائر (التسعينيات): بعد إلغاء المسار الانتخابي، عملت القوى الغربية بالتآمر مع الجيش على إدخال البلاد حربًا أهلية دامية، اتجهت القوى الخارجية إلى الرهان على ديناميات داخلية أكثر من التدخل العسكري المباشر، نموذج لِتفضيل أدوات غير مباشرة في بيئة خصبة للإشعال، والأصل فينا معاشر المسلمين أن لا نكون دائما في موقع المفعول به، فنقول بأننا إذا أعلنا قيام دولة فسيشعلون بيننا حربا أهلية، خصوصا مع تقدم الوعي في الأمة بعد أن عركتها قرون ثلاثة منذ نموذج الجزائر.
العراق (التسعينيات): فُرض حصار اقتصادي قاسٍ وانتهى ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» (1996)، وانتُقد على نطاق واسع بسبب تبعاته الإنسانية، أداة قسرية اقتصادية تُصنّف ضمن القوة الصلبة غير العسكرية، ترافقها سرديات ناعمة لتبريرها دوليًا.
سوريا/أوروبا 2015: تجنّب الغرب إرسال جيوش برية واسعة، مع اعتماد عقوبات، ودعم عبر الوسطاء، وإدارة تبعات لجوء جماعي، مزيج من أدوات صلبة غير مباشرة (اقتصادية/أمنية) وناعمة (بناء الشرعية والرواية).
الخلاصة التطبيقية: عند تعذّر الحسم السريع وارتفاع كلفة الاحتلال أو التدخل المباشر، ينتقل ميزان القرار-وفق ناي- من الإكراه العسكري إلى حزمة أدوات مركّبة: قسر اقتصادي وضغوط دبلوماسية (صلبة غير عسكرية) + جاذبية/شرعية/سردية (ناعمة) = قوة ذكية تُحقّق أهداف السياسة بكلفة أدنى ووقت أطول، دون خوض حرب خاطفة مكلفة سياسيًا وأخلاقيًا.
إذن، فمن الأرجح أن لا تلجأ الدول إلى خيار الحرب ضد الدولة الإسلامية الناشئة، بل اللجوء إلى خيار الحصار الاقتصادي.[يتبع]
1447-06-12