فتنة غزة
5 ساعات مضت
المقالات
50 زيارة
قال تعالى: (الٓمٓ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣) [العنكبوت: ١-٣].
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: «وَقَوْلُهُ: (أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِحَسْبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي الْبَلَاءِ».
ما خلق الله بشرًا إلا ووضع أمامه فتنًا على قدر إيمانه ليعلم الله من يصبر على تلك الفتن ويتوكل على الله فينجيه الله منها ومن يسقط فيها، وإنما يسقط بسوء تقديره وتهاونه بأوامر الله وخفة إيمانه.
ومن هذه الفتن التي ابتليت بها الأمة كلها اليوم فتنة غزة وما يجري فيها وموقف المسلمين منها في مشارق الأرض ومغاربها. فالكثير من المسلمين -ونقصد هنا المسلمين وليس المنافقين ولا المطبعين ولا المتخاذلين ولا من سار على دربهم- يقولون: لو لم تفعل حماس ما فعلت لما حصل ما حصل ولما حصلت هذه المقتلة العظيمة في أهلها، ومن ثم خراب ديارها وجوع أهلها، لسانهم يقول بكل وضوح: «كانوا عايشين»، وكأن الانسان المسلم خُلق ليأكل وليتكاثر كما تفعل البهائم -أجلكم الله- وهذا بالتأكيد ليس واقع المسلمين ولا هو من أهدافهم، إلا من ارتضى أن يعيش عيشة البهائم فهذا لا نحسبه من المسلمين الواعين الساعين لأخذ عزتهم وكرامتهم من أعين أعدائهم. ضرب الله لنا مثلين قريبين قبل أحداث غزة وأثناءها لتكون للناس عبرة، ففي ٦ شباط/فبراير عام ٢٠٢٣ دمرت مناطق في تركيا وسوريا تدميرًا شبه تام، وهما منطقتا قهرمان ومرعش، بزلزال عظيم أدى إلى سقوط مئات المباني السكنية فوق رؤوس أصحابها في المنطقتين، وكان الضحايا بالمئات حيث بلغ عدد الضحايا في الجانب التركي ٤٤٢١٢ قتيلًا وفي الجانب السوري بلغ عدد الضحايا ٥٩١٤ قتيلًا، بما مجموعه أكثر من خمسين ألف قتيل في ثوان معدودات! وبعدها بليلتين ليلة ١٠ و١١ أيلول/سبتمبر حصل انهيار كارثي لسدين مائيين في منطقة درنة الليبية في أعقاب عاصفة دانيال ما أدى إلى تدفق حوالي ٣٠ مليون متر مكعب من الماء باتجاه منازل الناس في مجرى ذلك النهر، ما أدى إلى وفاة حوالي ٤٣٣٣ شخصاً، وهي حصيلة غير نهائية لتلك الكارثة المؤلمة، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحمهم جميعًا.
من هنا نفهم أن الناس، بأفرادهم ومجموعهم، معرضون في أية لحظة إلى أن يموتوا بطرق شتى، فمن ماتوا في الزلزال ومن ماتوا في الفيضان لم يكونوا في ساحات القتال، وما كانوا يرفعون سلاحهم بوجه أعدائهم، بل كانوا نائمين مطمئنين حالمين بيوم غد جميل، فلماذا ماتوا هكذا دفعة واحدة؟ تلك مشيئة الله عز وجل، فهو يدبر أمر عبيده كما يشاء وبالكيفية التي يشاء، لذلك فالعدد الكبير من شهدائنا في غزة ليس سببًا لكي نلوم المجاهدين هناك على ما قاموا به من إذلال للعدو وتحطيم جميع مستوياتهم الدفاعية، وأخذ أسرى منهم بالقوة، وقتل عدد كبير من جنوده الجبناء، وكشف عورة دويلة الخنازير الهشة والتي ما كانت لها أن توجد وتبقى لولا تآمر حكام المسلمين وخيانتهم في هذه المنطقة، ومَن وراءهم أيضًا من الحكام الخونة الذين يتحكمون ببلاد المسلمين. فمن مات من المسلمين في غزة إنما مات بانتهاء أجله الذي كتبه الله له بلا زيادة أو نقصان، مع نيله شرف الشهادة على يد عدو جبان غادر. ومن يعترض على كثرة القتلى، نقول له: كان من الممكن أن يموت كل هؤلاء بزلزال كزلزال تركيا، أو يموتوا غرقًا بتسونامي مرعب كما حصل قبل سنوات في إندونيسيا؛ حيث قتل في ذلك التسونامي حوالي ٢٢٧ ألف شخص. فعدد الشهداء في غزة ليس مبررا لنعترض على أمر الله عز وجل في تدبير شؤون عبيده في هذه الدنيا. من هنا يجب أن نبحث عن ذاتنا نحن في هذا المصاب الجلل؛ هل أنا مفتون بغزة واقف معها، أم أنا مفتون بها ومتخاذل عنها وألوم أصحابها وأطعن بهم وبأفعالهم وأقلل من شأن ما قاموا به؟
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه
1447-03-09