بسم الله الرحمن الرحيم
الإعلام المأجور… شنشنة الطغاة قبل بزوغ فجر «الخلافة الراشدة»!!
د. مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير الأرض المباركة فلسطين
ذعر فرعون الطاغية أمام حجة موسى عليه السلام، وبدا تضعضعه وتهاويه وتواضعه للقوم الذين يجعل نفسه لهم إلهاً، فيطلب أمرهم ومشورتهم: ( فَمَاذَا تَأْمُرُونَ )ومتى كان فرعون يطلب أمر أتباعه وهم له يسجدون؟! وتلك شنشنة الطغاة حينما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم. عندئذ يلينون في القول بعد التجبر. ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام. ويتظاهرون بالشورى في الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى… و ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم هم جبابرة مستبدون ظالمون!
وفي تلك اللحظة الفارقة التي يحتاج فرعون فيها لمساندة ،كان لابد له من دعاة ومروِّجين لفكره وشرعيته، ولابد له من «سحرة» يبهرون أعين الناس ويستولون على عقولهم… ليسستبد بها الباطل من جديد. ومع أن فرعون الذي جعل من نفسه إلهاً لم يستطع أن يفرض على السحرة والموالين أن يدعوا له “سخرة بدون ثمن… فإنه نزل عند شروطهم» وهو الذي كان يطالبهم بالسجود له”… لأن الدعوة والترويج لا تصدر إلا عن محبٍّ مقتنع بها….أو من باع نفسه ليروِّج للباطل بعرض من الدنيا رخيص.
إن المواقف دائماً تنكشف في مثل تلك الظروف عن «جماعة مأجورة يستعين بها فرعون الطاغية؛ تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي تنتظره؛ ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية، ولا شيء سوى الأجر والمصلحة، وهؤلاء هم الذين يستخدمهم الطغاة دائماً في كل مكان وفي كل زمان، وها هم أولاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع، وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر، يعدهم أن يكونوا من المقرَّبين إليه، وهو بزعمه الملك والإله!» إن ظهور هذه الجماعة المأجورة التي يستعين بها الطغاة في كل زمان دليل على قرب الزلزال الذي سيطيح بهؤلاء الطغاة عن عروشهم، ودليل على أن المال وحده هو الذي يجنِّد أتباعاً للباطل وسحرة يروِّجون لشرعيته ويحاربون الحق وأهله؛ ذلك لأن الدعوة لفكر أو مشروع أو قضية لا تكون إلا عن مؤمنين بها أو… مرتزقة «سحرة» يسخِّرهم الطغاة للترويج لها بأجر مدفوع .
وتشكل الفضائيات التجسيد المؤسساتي لتلك الجماعة المأجورة التي تروِّج للباطل وأراجيفه، وقد تجاوزت تلك الفضائيات تحت ضغط ثورة الأمة في ميادين التحرير وتقدمها على أرض الشام، تجاوزت مرحلة التزيين والبهرجة إلى مرحلة الدعاية الفجة الرخيصة التي كشفت وبكل صفاقة عن الارتباط العضوي بالتمويل الطاغوتي لتلك الفضائيات والقنوات. وإن انكشاف تلك القنوات وخروجها من «مربع الحيادية… والرأي الآخر» التي كانت تحاول أن تخدع به أعين الناس إلى مربع الدعاية الفجة الرخيصة لمشاريع الاستعمار في بلادنا يدل دلالة واضحة على عظم التخبط الذي يعيشه الاستعمار في بلادنا، وعلى تعاظم توجه الأمة نحو الانعتاق الكامل من الاستعمار وأذنابه في بلادنا. فقد أصبحت تلك الفضائيات وبدون مواربة تصطف في خندق ممولها، فانقسمت مواقف الفضائيات والمشاريع التي تروج لها بحسب سياسة المموِّلين فكانت:
الفضائيات ووسائل الإعلام التي تخدم صراحة دول الاستعمار الغربي الكافر وتنطق باسمه، كالـ بي بي سي، التي تخدم السياسة البريطانية وتدافع عن مشاريعها الاستعمارية وأطماعها ومصالحها في بلادنا. ومجموعة فضائيات الحرة التي تخدم الرؤية الأميركية في بلادنا. وقناة روسيا اليوم التي تبثُّ دعايتها على نمط الدعاية السوفياتية القديمة التي تمجد روسيا وآلتها الحربية وصناعاتها وتحاول أن تزاحم الغرب في بلادنا.
الفضائيات ووسائل الإعلام التابعة للأنظمة العميلة للغرب، وهذه عمالتها ودعايتها والمشاريع التي تخدمها ترتبط بارتباط النظام وعمالته، فقناة الجزيرة ترتبط بقطر التي تدين بالولاء لبريطانيا، فمهمة الجزيرة تتقاطع مع الـ بي بي سي وتخدم وتروج للمشاريع والمصالح الاستعمارية التي تقرها بريطانيا، فوقوف الجزيرة أمام المشاريع الأميركية لا يأتي إلا ضمن محاولة بريطانيا لمزاحمة أميركا في الحصول على جزء من الكعكة في بلادنا، وقناة العرببة تتبع النظام السعودي الذي يحارب الإسلام تحت مسمى «محاربة الإرهاب» وينادي بالدولة المدنية الديمقراطية حلاً للشعوب الثائرة، ويعادي العمل لإقامة الخلافة الإسلامية، وتقف بصراحة في خندق المحاربين لعودة الإسلام في معترك الحياة ممثلاً في دولة الخلافة.
الفضائيات ووسائل الإعلام الخاصة، وهذه في معظمها تجري وراء الكسب المادي البحت وتواجه صعوبات مادية وتعاني من التعثر إلا قلة منها، وهذا ما يدفع بمعظمها إلى الارتماء في أحضان الأنظمة ومسايرة ركبها لتنتهي إلى أداة تابعة للأنظمة، ومنها ما يتبع رجال أعمال متنفذين تتبع مصالحهم للأنظمة، فتكون أبواقاً نشازاً تنعق بما تريده الأنظمة، لكن في مستوى أقل حرفية من الفضائيات التابعة مباشرة للأنظمة؛ وذلك لضعف التمويل وعدم القدرة على توظيف إعلاميين مهنيين ذوي خبرة عالية من ذوي الأجر المرتفع نسبيّاً كما في الجزيرة والعربية وغيرهما من القنوات التي تغدق الأنظمة عليها الأموال، فيأتي أداؤها ضعيفاً هزيلاً مبتذلاً، ويقتصر على عدة وجوه تجترّ وتكرِّر نفسها كل يوم في محاولة للاستمرار، كقناة الفراعين ومجموعة القنوات التابعة لرجل الأعمال المصري سويرس. ولا يخلو الأمر من فضائيات أو وسائل إعلامية خاصة تحاول شق طريق مستقلٍّ عن التبعية للأنظمة أو الرضوخ لتهديداتها، لكنها تعاني في معظمها من ضعف الأداء الإعلامي والتعثر المالي. وتقع معظم الفضائيات ووسائل الإعلام الخاصة فريسة للغرب الكافر عبر تمويله لبرامج ومشاريع تروج للعلمانية والسفور وخروج المرأة عن ولاية زوجها أو أبيها أو أخيها، كما هو الحال في معظم البرامج الإذاعية المموَّلة من الجمعيات النسائية المموَّلة بدورها من المؤسسات الغربية التي تعيث فساداً في بلاد المسلمين.
الفضائيات ووسائل الإعلام الحزبية. وهذه في معظمها لا تخرج في سياستها التحريرية عن ممولي تلك الأحزاب ذاتها، فتميل حسبهم وتغرد في سرب الأنظمة التابعة لها والمموِّلة لنشاطها، فتحجم بعض تلك القنوات عن مجرد انتقاد الطغاة أو الوقوف في جانب الأمة في الثورة السورية مثلاً؛ لأنها تتلقى تمويلاً من النظام الإيراني أو السوري، وليس أدل على ذلك من قناة المنار التي انحازت كلياًّ إلى صف النظام السوري المجرم.
القضايا التي تجتمع عليها وسائل الإعلام المأجورة المعادية لثورة الأمة:
إن الفضائيات ووسائل الإعلام على اختلاف تمويلها تجتمع في حربها على الإسلام وذلك لاجتماع مموليها على ذلك الأمر، فمعاداة الإسلام ومنع قيام دولة الخلافة أمر مبدئي تجتمع عليه وسائل الإعلام المأجورة، فيلتقي الإعلام المأجور على اختلاف مصادر تمويله على قضايا من أبرزها:
1.محاربة الإسلام كعقيدة ونظام حياة، ومحاولة إبعاده عن السياسة، وفصل السياسة عن الدين… وتعمل قنوات الضرار على تحقيق هذا الهدف الخبيث من خلال البرامج الحوارية التي ترسخ مفهوم العلمانية وتهاجم الإسلام كنظام حياة، وتشترك في ذلك معظم القنوات والفضائيات التي تروج لعلماء السلاطين ورؤيتهم للأوضاع من منظور الأنظمة العميلة للغرب .
2. محاربة العمل لإقامة الخلافة الإسلامية، والتعتيم على كل الفعاليات التي يقوم بها العاملون لإقامة الخلافة، وفي ذلك تتوحد قنوات الضرار كلها، فلا يكاد يخرج عن صف «قرار التعتيم الإعلامي» قناة أو فضائية، رغم كبر وضخامة الأعمال التي يقوم بها حزب التحرير كرائد للأمة في العمل لإقامة الخلافة، فالمؤتمرات العالمية في تونس والسودان وإندونيسيا التي تقاطر إليها خيرة أبناء الأمة الإسلامية وعلماؤها لم تحظَ بذلك القدر من الاهتمام أو التغطية الإعلامية التي تليق يها، في ظل تغطية الإعلام المأجور لسفاسف الأمور ووضيعها، فالجزيرة والعربية وغيرهما من أدوات الإعلام المأجور تغطي المباريات الرياضية وأخبار الممثلين وانتخابات «الأحزاب في كيان يهود» وأخبار الفن والممثلين والأزياء أكثر بآلاف المرات والمساحات من تغطيتها لفعاليات الأمة وانجذابها في المسيرات التي جابت العالم في ذكرى هدم الخلافة مطالبة بإعادتها. ومحاربة العمل لإقامة الخلافة يتم بمحاولة شيطنة كل الداعين لإقامة حكم الله في الأرض وتطبيق الشريعة الإسلامية وإلصاق تهم الإرهاب والقتل والوحشية بهم، ومحاولة إخافة الناس من تطبيق الإسلام ومن إقامة الخلافة، وتصوير القائمين على العمل على تطبيق شرع الله في دولة الخلافة بالجهل والتخلف والتعصب والتزمت.
ومن البرامج التي تجسد محاربة الإسلام ولصق تهم الإرهاب به برنامج «صناعة الموت» على قناة العربية الذي يركز على مفهوم الإرهاب وإلصاقه بكل من له صلة بالإسلام، وتطفح حلقات البرنامج حقداً وعداءً للمسلمين وترسيخاً للمفاهيم الأميركية التي تلصق تهم الإرهاب والتطرف والعنف بالمسلمين، وفي التعريف ببعض الحلقات تظهر هذه المفردات اللصيقة بكل حلقة، فيقدم لإحدى الحلقات بالجمل التالية:
«بين جماعات العنف والموت التي أصبحت منتشرةً في مصر… تحاول الجماعات المتطرفة في مصر منذ وقت طويل اختراق المؤسسة العسكرية وتجنيد عسكريين سابقين لما يمتلكون من خبرة ميدانية وإمكانات تؤهّلهم للتدريب والتخطيط أو لتنفيذ هجمات كبرى» وتأتي هذه المفردات كلازمة في كل حلقة من ذاك البرنامج المأجور لتكرس التصاق العنف والموت والتطرف بالإسلام وأهله.
3. الترويج للدولة المدنية الديمقراطية والدساتير الوضعية والعلمانية وحدود سايس بيكو التي تضمن تشرذم الأمة، وعلى ذلك تلتقي معظم وسائل الإعلام المأجور؛ لأن في ذلك حفظاً لوجود المستعمرين ونفوذهم في بلادنا، فالدولة المدنية والنظام الديمقراطي هما الأداة التي من خلالها يحكم الاستعمار قبضته على بلادنا، ويأتي ذلك الترويج في صيغ عدة سواء عبر الكذب الفج والادعاء أن المتظاهرين في الميادين كانوا يطالبون «بالدولة المدنية والحرية والديمقراطية»أو عبر آراء «المحللين والمفكرين» المرتزقة الذي يروِّجون للدولة الديمقراطية والمدنية كحل للشعوب الثائرة أو بلسم لما تعانيه الأمة من نكبات.
4.تشويه الحركات الإسلامية بل والأفكار الإسلامية، والتركيز على الوطنيات الضيقة، وتغليظ القول أمام أبناء الأمة ممن يناصر الثورات بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول والقول بأن الحركات الإسلامية تعتبر البلد مجرد «سكن لا وطن» واقفين بضراوة أمام مفهوم وحدة الأمة وتجاوزها لحدود سايكس بيكو التي ما زالت تعشش على عقول الحكام. وكمثال على المشاريع المموَّلة من الغرب في الإعلام الخاص للترويج للعلمانية، مشروع «لتعزيز العلمانية»وهذا نص لما تنشره وكالة معاً الإخبارية عن أحد المشاريع التي تموِّلها بريطانيا عدوة المسلمين في بلادنا:
عنوان المشروع: تعزيز الشفافية عبر إعلام علماني ومستقل.
المنطقة التي ينفذ فيها المشروع: الضفة الغربية وقطاع غزة
تكلفة المشروع: 2,339,375 يورو
الجهات المموِّلة للمشروع: وزارة التنمية الدولية البريطانية
المبلغ الذي ساهمت به الجهات المموِّلة: 2,339,375 يورو
مدة المشروع: تشرين الأول 2008م – أيلول 2011م.
الهدف: ولقد كان الهدف من المشروع تعزيز الإعلام المستقل والعلماني كمحفِّز للجهات الحكومية كي تستجيب للمساءلة في المنطقة الفلسطينية المحتلة.
كما تروِّج برامج كثيرة للعلمانية والديمقراطية، وللتدليل على ذلك يمكن قراءة بعض حلقات برنامج «في العمق» على قناة الجزيرة الذي يقدمه علي الظفيري، والذي يروِّج بشكل سافر مفضوح للديمقراطية والعلمانية بشكل شبه دوري، ويستضيف ضيوفاً غالباً ما يركزون على الترويج للعلمانية وفصل الدين عن الحياة، ففي إحدى الحلقات يقدم الظفيري لبرنامجه بالقول:
«أيها السادة، قرون من التيه السياسي عاشها المسلمون بعد وفاة النبي وانقضاء عهد الخلافة الراشدة، كتب الله للدولة الإسلامية من بعد هذا أن تكون حقلاً للتجارب، لتجارب الأنظمة السياسية اللاحقة، فتغلب فيها من تغلب، واصطفى الأمر لنفسه وآله من بعده حتى بدا أن من يملك زمام السلطة يملك معها حق إضفاء الشرعية الدينية على سلطته مهما فعل، وبلغ الأمر بالفقيه أن رأى حق الحاكم في اختيار من يستشير؟ وكيف يستشير، وفي ماذا يستشير بالضبط، وحقه أيضاً أن يأخذ بهذا الرأي أو يرميه عرض الحائط. أيها الأخوة، إن سؤال النهضة مازال قائماً، ومازال الجدل والإشكال حول النظام السياسي الواجب اعتماده لإطلاق الطاقات هو السؤال الأكثر إلحاحاً، والليلة نفتح ملف الديمقراطية والإشكاليات المحيطة باعتمادها وتطبيقها في عالمنا العربي مع المفكر الإسلامي الدكتور محمد الأحمري» انتهى
يظهر الهجوم على الأحكام الشرعية المتعلقة بنظام الحكم في الإسلام وشكله المتمثل بنظام الخلافة، ومحاولة إنكار وجود نظام الخلافة بعد الخلافة الراشدة، كما يظهر انبهار المقدم بالديمقراطية وحرصه على أن تطبق في بلادنا دون إشكاليات.
ومما قاله ضيفه محمد الأحمري في تلك الحلقة المشبعة بالدعاية للديمقراطية كنظام حياة:
«في الفقه الإسلامي هناك الكثير من القضايا، هناك قضية مبدأ التعليم بمعنى الأحكام بعللها، فالشخص يعرف العلة هناك قضية في المقاصد، حفظ النفس والمال والعرض والعقل إلى آخره، أقدر الأنظمة على هذا الحكم والوصول إليه هو النظام الديمقراطي من خلال أمة مسلمة تختار النظام المناسب لها، هناك كثير من الحلول تتضمن هذه النظرة. ثم إن هذه الأمة مسلمة إذا اختارت النظام، النظام الديمقراطي، شخص، حاكم، أي مسألة فهذه مسؤوليتها، لماذا نفترض أن الناس لا يفهمون ونحن نأتي بمسألة وصاية فوقهم.» انتهى كلامه، فالمفكر الضيف لا يرى أقدر من النظام الديمقراطي على الحكم، ويضلل ويبعد المستمعين عن حقيقة تعارض الديمقراطية وتناقضها مع الحاكمية لله وأنها تشريع بشري يتناقض مع العبودية والخضوع لله.
ويكون الحوار التالي في إحدى حلقات البرنامج في ترويج فج للنظام الديمقراطي:
علي الظفيري: هل هناك بديل للاستبداد غير الديمقراطية؟
عزمي بشارة: لا يوجد، وأنا بعتقد أن الشعوب العربية أخي علي تذوتت، يعني هذا الموضوع الديمقراطية ليست مبادئ فوق دستورية، أو دستور نضعه قبل الدستور، هي في نهاية الأمر انجاز إنساني مثل حقوق الإنسان…
وجاء في تقديم البرنامج نفسه على موقع الجزيرة نت: وحول هذا الموضوع قال مدير المركز العربي عزمي بشارة في حلقة الاثنين 7/4/2014م من برنامج «في العمق» إن الحركات الإسلامية بالوطن العربي تقبلت فكرة الدولة الوطنية والديمقراطية، وصارت تطالب ببرلمانات وانتخابات، مؤكداً أن ليس ثمة تناقض بين الإسلام والديمقراطية، ولكن الأمر يتوقف على أنماط التدين.
فلا يرى مقدم البرنامج وضيفه سوى الديمقراطية حلاًّ وبديلاً عن الاستبداد، وكأن الأنظمة التي ثارت عليها الأمة الإسلامية لم تكن إلا أنظمة ديمقراطية علمانية، علاوة على أن الديمقراطية بحد ذاتها نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها .
5. يتفق الإعلام المأجور في النظرة إلى كيان يهود، فينظر إلى وجوده وكأنه وجود طبيعي، ولا تظهر أي مفردات أو اصطلاحات قد تؤثر في تلك النظرة وذلك التوجه، أو قد تلفت أنظار الأمة الإسلامية إلى حقيقة الصراع أو إلى طريقة الحل الشرعية، فتغيب كل المصطلحات والمفردات والأسماء من قبيل: «العدو، التحرير، الجهاد لتحرير الأرض المباركة، إزالة الكيان الغاصب، تحرير المسجد الأقصى، تحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفاروق عمر فاتح بيت المقدس، نور الدين زنكي، الظاهر ببيرس، صلاح الدين …» ، لتحلَّ مفردات تلوكها ألسن الإعلاميين المأجورين عند الحديث عن الأرض المباركة من قبيل: «عملية السلام، المفاوضات، المستوطنات، الحواجز، المياه، حل الدولتين، قرارات الأمم المتحدة، مجلس الأمن، جدار الفصل العنصري، لجان حقوق الإنسان، الحصار، انقطاع الكهرباء، مدير دائرة المفاوضات في منظمة التحرير، رئيس الوفد المفاوض، عباس ..دحلان ..عريقات …الهباش»، وغيرها من المفردات والأسماء التي تكرس وجود كيان يهود وتتعاطى معه على أنه كيان طبيعي، وتتعامل معه من منظور السياسية الاستعمارية في تثبيته وجعل وجوده طبيعياً في قلب العالم الإسلامي، والتركيز على وصف عمل المجاهدين في فلسطين وغيرها بأنه مقاومة، إغراقاً في البُعد الوطني الضيق بدل القول بالجهاد والذي هو عمل أممي إسلامي، وذلك من أجل تجريد أعمال المجاهدين من بُعدها الإسلامي الأممي واختزالها في بُعد وطني ضيق على غرار المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي!.
6. إشاعة الفاحشة والترويج لنمط الحياة الغربية كنموذج للحياة، فلا تكاد تخلو دقيقة بث من مشهد يتعارض مع قيم ومفاهيم ومعتقدات الأمة الإسلامية، سواء من حيث لباس الإعلاميين أو حديثهم أو حركاتهم أو برامجهم الترفيهية المدروسة بدقة فائقة، لمحاربة ثقافة الأمة وغرس المفاهيم العلمانية بين أبناء الأمة الإسلامية، فتنشر البرامج والمسلسلات والغناء والموسيقى في منظومة متكاملة؛ لزعزعة القيم والثقافة الإسلامية في نفوس أبناء المسلمين والترويج لنمط العيش الغربي، وحصر اهتمامات الشباب في الرياضة والغناء والأزياء والأفلام وغيرها من المواضيع التي تبعد شباب الأمة عن قضيته المركزية؛ التي لا حياة له ولا مستقبل ولا سعادة إلا بها ..قضية إعادة حكم الإسلام بإقامة الخلافة الإسلامية.
وتزدحم قنوات الضرار بعشرات البرامج التي تصنع «نماذج» لشخصيات تغدق عليها الأموال وتسلط عليها الأضواء لأنها ترقص أو تغني، فبرنامج « عرب آيدول « وغيره من البرامج التي تنحو نفس المنحى تسعى لجعل الراقصين والمغنين نماذج تحتذى من قبل شباب الأمة؛ للحفاوة والأموال والشهرة التي يحصل عليها من يفوز بتلك البرامج، في مقابل السجن والعقاب والاتهام بالتطرف والتزمت والإرهاب لكل من يطالب بإعادة الحكم بما أنزل الله وإقامة الخلافة الراشدة، ويأتي ضمن هذا السياق من الترويج لنماذج يحتذى بها المسلسلات التي تروج لطريقة العيش العلمانية، والتي تجعل من الشاب أو الفتاة إنساناً يعيش منفصلاً عن أمته وثقافتها إن عاش وتفاعل مع شخصيات تلك المسلسلات وأحداثها التي ترسم واقعاً بعيداً كل البعد عن الأمة الإسلامية. وما المسلسلات التركية المدبلجة إلا مثال على ذلك.
القضايا التي يختلف عليها الإعلام المأجور تتبع اختلاف مموليهم ورؤيتهم السياسية لتلك القضايا:
يختلف الإعلام المأجور في نظرته للحلول المطروحة والآليات لتنفيذها حسب رؤية مموليه المباشرين أو أسيادهم من المستعمرين الغربيين، فقد يختلف الإعلام المأجور في:
1. الدعاية لمن يستلم الحكم: العلمانيون الصرف، أو الإسلام المعتدل الموالي للغرب؟؟، وهنا قد يختلف الغرب في دعم رجاله وعملائه للوصول إلى الحكم، لكنهم يتفقون على محاربة وصول الإسلام ممثلاً بإقامة الخلافة الإسلامية التي تقوم على قلع الأنظمة من جذورها ووضع الإسلام موضع التنفيذ وقلع الاستعمار وأذنابه نهائياً من بلادنا، وهنا يظهر أثر التمويل المالي جلياً في دعم الرؤية التي يتبناها الممولون…فتقف وسيلة الإعلام المأجورة تدافع وتنافح عن تلك الطغمة التي يريد الممول إيصالها للحكم… لكن الكل متفق أن ذلك ضمن قواعد اللعبة، الكل ضد الإسلام والخلافة… والتنافس في دعم رجالهم وتغيير الوجوه جائز، وهذه هي حدود الاختلاف والتباين، لكن لا أحد يتحدث عن اقتلاع النظام نهائياً لأن ذلك من محظورات الإعلام المأجور.
2. الرؤية السياسية لحل قضية فلسطين، أو بمعنى آخر قد يختلف الإعلام المأجور في نظرته للحفاظ على كيان يهود بحسب اختلاف الممولين ونظرتهم للوسيلة الأمثل للحفاظ على كيان يهود، فأميركا ترى ذلك بحل الدولتين ، فتبدأ قنوات الإعلام المأجور بالنعيق والترويج لحل الدولتين، بينما قد ترى قطر وعبر الجزيرة تعادي حكام مصر وحكام سوريا وتعمل على فضحهم إمعاناً في تحطيم عملاء أميركا لمصلحة الإنجليز، أو تراها تفضح عباس عندما يسير في ركاب أميركا وتكشف مستور فضائح مفاوضاته، بينما تعلي من شأن سلطة حماس في غزة استغلالاً لهم وخديعة لمصلحة إعادة نفوذ الأوروبيين لتلك المنطقة التي خسروها.
3. دعم بعض الأنظمة والعملاء والشخصيات والمرتزقة الفكريين والمحللين المأجورين، ويتبع ذلك لتمويل الوسيلة الإعلامية، فدعم المالكي رئيس وزراء العراق إعلامياً يأتي من القنوات الممولة أميركياً ومن عملائهم، على عكس النظام القطري والأردني مثلاً اللذين تدعمهما قناة الـ بي بي سي والجزيرة مثلاً، وتتقاسم الأطراف حسب عمالتها جيوش المرتزقة من الإعلاميين ومن يسمون أنفسهم مفكرين ومحللين ومثقفين، فمن يظهر منهم على قناة لا يغرف الا بمغرفتها ولا يضرب إلا بعصاتها. يقول الإعلامي أحمد منصور: «ينقسم الإعلاميون في العالم العربي إلى نوعين، نوع ينحاز للحكومات والأنظمة المستبدة يروّج لمشروعاتهم ويدافع عن فسادهم ويقبض ثمن ما يقوم به من أموال وغيرها. والنوع الآخر ربما يدفع حياته ثمناً للحقيقة التى يسعى كي يقدمها للناس. وهذا الصنف هو الذي يعاني في هذه المهنة التي أصبحت الأكثر صعوبة في العالم العربي.»
4. الاختلاف في النظرة للسياسة الدولية وواقع الصراع الدولي، وهنا تنحاز الفضائيات ووسائل الإعلام بصلف واضح ما ساهم في كشف الأقنعة عن مموليها وانحيازها التام لهم ولخدمة مصالحهم وانسلاخها عن كل القيم التي كانت تدَّعيها من الحيادية والشفافية والمهنية، فاحتلال روسيا لجزيرة القرم ساهم في كشف عوار القنوات والفضائيات التي انقسمت في تغطيتها للحدث حسب مموليها، لكن الفاجعة كانت تعاطي الإعلام المأجور مع الحدث بوتيرة مماثلة تماماً للمسار السياسي الذي كان ينتهجه الممولون، فروسيا اليوم كانت فجة في التعامل مع القضية، وانحازت بكليتها للدفاع عن الاحتلال الروسي في صورة مكررة للدعاية السوفياتية القديمة أيام الاتحاد السوفياتي ممجدة لقيادة بوتين ورافعة إياه إلى مصاف «القادة العظماء» فكانت وسيلة حكومية لا ترى إلا ما يراه بوتين، وتماهت معها تلك الوسائل التي تدرج في خانة المقاومة الكاذبة والتي تروج كذباً وقوف روسيا مع النظام السوري وعداء أميركا له، مع أن كل من يدرك واقع السياسة الدولية يعلم أن بقاء بشار ونظامه ونظام والده من قبله كان بغطاء وحماية أميركية. وعلى الجانب الآخر لم تتعاطَ القنوات والوسائل الإعلامية التابعة لأميركا مع الحدث بقدر يبين وحشية وإجرام ما ارتكبته روسيا؛ لأن الولايات المتحدة الأميركية لم ترد أن تضخم الأمر أو تجعل قضية القرم قضية إنسانية، بقدر جعلها قضية يمكن التفاهم عليها والتعاطي معها بالاتفاق بين الطرفين. وعلى تلك القاعدة، وحسب الوتيرة السياسية التي يريدها الممولون، أو الرؤية السياسية التي يريدون تنفيذها تكون التغطية الإعلامية وأولويات الأخبار؛ فضاعت قضية الروهينغا ومسلمي وسط أفريقيا وقضية مسلمي الصين لتختفي وراء أولويات يفرضها الممولون الغربيون على وسائل الإعلام المأجورة.
إن فقدان الإعلام المأجور لقضية مبدئية يقاتل لأجلها، وانسلاخه عن الأمة، وتهلهل الأنظمة، وتقدم مشروع الأمة وتفشي الكذب والدعاية الفجة المفضوحة، وعدم احترام الأمة والتعالي عليها والابتذال في الطرح الشاذ المتناقض مع ثقافة الأمة، جعل الأمة تنفضُّ عن تلك القنوات وضعف تأثيرها على أبناء الأمة خصوصاً في المجال السياسي، وليس بأدل على ذلك من تقدم ثورة الأمة في سوريا وسقوط كل المشاريع الاستعمارية الالتفافية على الثورة السورية، والتفاف الأمة حول مشروع الخلافة، وازدياد زخم الأعمال الجماهيرية التي تدعو لإقامة الخلافة حول العالم، وما تلقَّاه النظام المصري العميل من صفعة كبيرة عندما قاطعت الأمة الانتخابات الرئاسية المزعومة رغم الضخ الإعلامي الهائل، ورغم الدعاية الإعلامية الرخيصة التي لم تتورع عن استخدام كل الوسائل في سبيل حث أهل مصر على التصويت يؤكد على ضعف تأثير الإعلام المأجور في الأمة؛ ذلك أن الأمة يسكنها الإسلام، والشوق لإعادة الحكم بما أنزل الله في دولة الخلافة متجذر في نفوسها.
بقي أمام دعاة الخلافة والمخلصين من الأمة الإسلامية الذين يقودون الأمة نحو مشروعها التحرري أن يتلقفوا الأمة خارج أسوار تلك الفضائيات، وأن يركزوا اتصالهم الحي بالأمة في كل الأماكن وخصوصاً المساجد، وأن يكون الطرح قوي الحجة، متصلاً بالكتاب والسنة، يرتبط بالعقيدة وما ينبثق عنها من أحكام شرعية يظهر في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تثق بهما الأمة، والابتعاد عن الكلام المرسل الذي كرهته الأمة ولم تعد تثق به، وأن يمنعوا أبناءهم ومن يلون من التعرض للدعاية الإعلامية الخارجة من قنوات الضرار، سواء أكانت سياسية أم ثقافية، ولينهل أبناؤنا ومن نلي من المسلمين من القرآن والسنة قدر استطاعتنا، ونبتعد عن قنوات وبرامج الكفار المستعمرين في بلادنا، وندعو الأمة إلى تلك المقاطعة خصوصاً لتلك البرامج التي تستهدف قيم الأمة وثقافتها، وتستهدف شريحة الشباب واليافعين من أبناء الأمة الإسلامية.
نحن الآن أمام لحظة تاريخية أدارت الأمة فيها ظهرها للإعلام المأجور، وبدأت تتلفت حولها تبحث عن الحق، ولم يعد الإعلام المأجور صاحب الكلمة العليا في التأثير على الأمة الآن. فالأمة قد استفاقت وبطل سحر السحرة المأجورين. فالإسلام والدعاة لقفوا ما صنع الباطل، والعمل لإقامة الخلافة يتقدم، وعلى الدعاة أن يستمروا في الدعوة ويتلقفوا الأمة في الميادين والمساجد ومواقع التواصل الاجتماعي على أن لا يُسطِّحوا المفاهيم، بل ينيروا للأمة دربها، ويدللوا بالأدلة والبراهين الشرعية على وجوب العمل على تحقيق تاج الفروض، إقامة الخلافة الراشدة. والى ان يتحقق ذلك فإن الثورة يجب أن تستمر .