السؤال:
جاء في أحاديث رسول الله ﷺ أنه يجب على المسلمين أن يخرجوا على إمامهم بالسلاح إذا أظهر الكفر البواح. وقرأنا في بعض الكتب أن الطريق لتغيير الحكام والأنظمة الحالية هو العمل الفكري وليس العمل المسلح. فيكف نوفق بين الأمرين؟
الجواب:
نعم جاءت بعض الأحاديث مُطْلَقة. ولكن الذي يريد أن يستنبط حكماً شرعياً في مسالة ما لا يكتفي بنص واحد إذا كان في المسألة غير نص، بل يجمع جميع النصوص التي تتعلق بالمسألة، سواء كانت هذه النصوص قرآناً أو سنة أو إجماعاً، وعلى ضوئها مجتمعة يستنبط الحكم، إذ أن بعضها يبيّن بعضاً.
أما الأحاديث التي جاءت مطلقة في الموضوع فمنها قوله ﷺ: «وشِرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» وفي رواية: «قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، وقوله ﷺ: «وأن ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان». وإقامة الصلاة هنا المراد بها إقامة أحكام الإسلام كلها وذلك من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه، يدل على ذلك الحديث الآخر: «إلا أن تروا كفراً بواحاً».
والسائل يقول بأن هذه الأحاديث وأمثالها تجعل العمل المسلح طريقاً للتصحيح وليس العمل الفكري وحده. ولكن المدقق يجد حالتين:
الأولى: حالة الحاكم الذي يحكم في دار الإسلام والذي تكون الأنظمة والقوانين عنده إسلامية، ثم هو يبدأ بالتساهل ويسمح بإدخال أنظمة الكفر بشكل علني كأن يَسُنّ قانوناً يبيح التعامل بالربا أو الخمر أو الزنا أو إبداء العورة أو ترك الحدود أو الارتداد عن الإسلام. أو ما شاكل ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
في هذه الحالة يكون الحاكم في طور تحويل دار الإسلام إلى دار كفر، وفي هذه الحالة تنطبق أحاديث الخروج على الحاكم بالسلاح لردعه أو عزله.
أما الحالة الثانية: فهي حالة الحاكم الذي يحكم في دار الكفر بشكل مستقر، سواء كانت دار كفر أصيلة، أو كانت في يوم ما دار إسلام ثم انتكست إلى دار كفر. إيطاليا مثلاً هي دار كفر أصلية، إذ لم يسبق أن حكمها المسلمون بالإسلام، أما تركيا الآن فهي دار كفر غير أصلية، إذ أن أهلها مسلمون وسبق أن كانت دار إسلام وحُوِّلَت إلى دار كفر عام (1342 هـ ـ 1924م) حين ألغى مصطفى كمال الخلافة وأقام جمهورية علمانية تفصل الدين عن الدولة.
في هذه الحالة الثانية، حالة دار الكفر المستقرة، لا تنطبق أحاديث المنابذة بالسيف، وليس طريق تحويلها من دار كفر إلى دار إسلام هو الثورة المسلحة. وأحاديث الكفر البواح والمنابذة بالسيف لم تأت لهذه الحالة بل للحالة الأولى فقط.
رُبَّ قائل يقول: الأحاديث مطلقة وهي غير مقيدة بالحالة الأولى دون الثانية، فهي تنص على: «إلا أن تروا كفراً بواحاً»، «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» فهي تشمل حالة دار الكفر المستقرة كما تشمل حالة دار الإسلام أثناء تحويلها إلى دار كفر.
وجواباً على ذلك نقول: نعم هي مطلقة، ولكن وردت نصوص أخرى قيدتها. والقاعدة الأصولية تقول بأن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد دليل تقييد. وهنا وردت أدلة تقييد.
الدليل الأول على التقييد هو عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة، أي من البعثة حتى الهجرة. فهو كان يدعو في دار كفر أصلية مستقرة ولم يستعمل السلاح بل كان يقتصر على العمل الفكري.
ولا يقال هنا بأن الرسول لم يستعمل السلاح في الدور المكي لأن القتال لم يكن مشروعاً بعد، فلما شرع القتال بعد الهجرة صار مشروعاً ويبقى مشروعاً، لا يقال ذلك لأن هذا موضوع آخر. فالقتال الذي لم يكن مشروعاً وشُرع بقوله تعالى: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا[ هو بحث آخر، أي هو بحث قتال الدولة الإسلامية للكفار. والبحث الذي نحن فيه هو قتال المسلمين لأميرهم: متى يكون ومتى لا يكون.
والدليل الثاني على التقييد هو إقرار الرسول ﷺ للمسلمين للسفر إلى دار الكفر أو للعيش في دار الكفر. فقد بقي عدد من المسلمين يعيشون في أرض الحبشة بعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة وبقي بعضهم حتى فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة. مع أن الحبشة كانت دار كفر وكان المسلم يرى الكفر البواح، ولم يكن يثور عليه بالسلاح. وكان المسلمون يسافرون للتجارة في دار الكفر وكانوا يرون هناك الكفر البواح. والآن فالمسلمون في بلاد أوروبا أو أميركا كيفما فتحوا أعينهم فإنهم يرون الكفر البواح، وليس مطلوباً من المسلم هناك أن يثور بالسلاح على حكام تلك البلاد.
والدليل الثالث على التقييد هو سياق الأحاديث التي تكلمت عن المنابذة بالسيف. فكلها تتحدث عن أئمة المسلمين الذين يظهر منهم فسق أو منكر، وما دام هذا الفسق أو المنكر لم يتحول إلى كفر صريح فإنه لا يجوز الخروج على الحاكم، بل يحاسَب ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر دون أن يرفع في وجهه سلاح ودون أن يُخرَج عن طاعته في الأمور التي ليس فيها معصية. فإذا تجاوز ذلك إلى الكفر البواح فعلى المسلمين أن ينابذوه بالسيف لمنعه. فالأحاديث لا تتحدث عن دار الكفر الأصلية ولا عن الدار التي تحولت إلى الكفر واستقرت عليه من زمن بعيد. فالتدقيق في سياق الحديث يبين إطار الموضوع الذي تتحدث فيه.
وبذلك يظهر بجلاء أن طريقة تغيير الأنظمة الموجودة الآن في البلاد الإسلامية والتي أصبحت البلاد الإسلامية بسببها دار كفر، طريقة تغييرها إلى دار إسلام، هي العمل الفكري كما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، وليس العمل المسلح.
أما حين كان مصطفى كمال أتاتورك يعمل لإلغاء الخلافة وإحلال العلمانية مكانها فإن واجب المسلمين حينئذ كان أن يمنعوه من ذلك ولو بالثورة المسلحة.
حديث شريف
قال ﷺ: «ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القَطْر».
أخرجه الحاكم
قال ﷺ: «إنَّ من أشراط الساعة: «أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر».
أخرجه البخاري ومسلم