بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. الحمد لله الذي شرع لنا هذا الدين وكفل لنا به الفلاح والصلاح أما بعد: فإن المرأة هي نصف الناس وقد جاء الإسلام ليكرس احترامها ويوفر لها الخير والرفاهية ويضمن لها السعادة في الدنيا والآخرة. ولكن أعداء الإسلام أبوا أن يستكينوا فراحوا يعدون الخطط الشيطانية لضرب الإسلام والمسلمين ومن أهم الخطط التي استعملوها هي «المرأة» فأخذوا يدعونها إلى التبرج والسفور. وكرسوا حملاتهم على قانون «الحجاب» فراحوا يعرضونه لكثير من النقد والاعتراض. وصار هدفاً لأقلامهم فراحوا يصفونه بالتخلف والرجعية ويزعمون بأنه شقاء للمرأة ونقص لكرامتها وحجز لحريتها. وليس هذا عجيباً منهم فهم لم يفهموا الحكمة من هذا القانون ولم يدركوا آثاره المنطقية والعقلية والفطرية ولم يشعروا بحسناته. ولكن ما يؤسف بأن اخوتنا من المسلمين قد انساقوا وراء هذا الشعار دون يشعروا بأنهم كالنعاج الذي تساق إلى المذبح بدل الذهاب إلى المرعى. ولم يدركوا بأن وراء هذه الشعارات البراقة تكمن غايات دنيئة إنما تنم عن نوايا خبيثة.
ولنبدأ مقالنا هذا بإثبات وجود الحجاب في الكتاب والسنة رداً على بعض الدعاة بأن الحجاب مستحب وليس بواجب شرعي. يقول الله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب: ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[ آية 59.
ويقول في آية 53: ]وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[.
ويقول في الآية 33: ]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى[.
ويقول عزّ وجلّ في سورة النور آية 31: ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنّ…َ[ الآية.
وفي سورة النور آية 60: ]وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنية، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد على مسيرة كذا وكذا» مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإن ملعونات». رواه أحمد والطبراني.
وبعد هذه الأدلة فإنه يثبت لنا شرعاً بأن الحجاب هو فرض من رب العالمين فلذلك وجب لبسه ووجب الإيمان بصلاحيته للمرأة.
وبعد هذه الأدلة سنحاول إن شاء الله إثبات بعض فوائد الحجاب العملية ليفقهها كل ذي عقل رداً على أعداء الحجاب وعلى المدعين بأن الإسلام هو دين عبودية للمرأة.
قد تقول بعض نساء المسلمين بأنهم أسلمن والتزمن بشرع الله وحفظن عفتهن من دون الحجاب وقد تقول أخريات بأن الحجاب رجعية وقد تقول أخريات سأتحجب عندما اقتنع أو أكبر. فإلى كل هؤلاء وإلى جميع المسلمات والمسلمين الذين عندهم ريب في فائدة الحجاب نكتب ما يلي عسى الله أن ينير قلوبهم إلى الحق:
1- قد يقول قائل: بأن الحجاب ليس هو الدليل على عفة المرأة فكم من نساء عفيفات طاهرات لا يلبس الحجاب… فنقول له أن الحجاب لم يوضع فقط لقيام عفة المرأة بل هو صيانة للرجال والنساء فهو وضع ليكفل عفة الرجل والمرأة على حدٍ سواء يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتبا طريق العودة إلى الإسلام: (إن عفة المرأة حقيقة كامنة في ذاتها. وليست عطاء يلقى ويسدل على جسمها. وما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة، أو تخلق له استقامة معدومة، وما شرع الله حجاب المرأة ليخلق لها هذه العفة والطهارة في أخلاقها، وإنما شرعه محافظة على عفة الرجال الذين تقع أبصارهم على مفاتنها. ولو كان المأمول في الحجاب أن يكون ـ كما يتوهم البعض ـ مجرد تصعيد لخلق المرأة وعفتها، إذن لأجازت الشريعة الإسلامية أن تبرز الفتاة المحصنة الخلوقة عارية أمام الرجال كلهم، في أبها مظاهر الفتنة والجمال) فإن المرأة وإن كانت ذات نفس سليمة. فقد لا يسلم الناس من تحررها. فكم من شاب أعزب لا يجد نكاحاً تؤذيه، وكم من مريض نفس لا يجد رجاءاً من شهوته ترويه.
2- إن الحملة على الإسلام والحجاب بدأت مع المتشرقين ومع المفكرين الغربيين ولكن بعض مفكرينا وكتابنا حملوا هذا البوق وراحوا ينادون بترك الحجاب. والمؤسف أن بعض شبابنا وشاباتنا قد انساقوا وراءهم بكل حسن نية دون أن يعرفوا حقيقة نواياهم. وهنا أقول للمرأة بأن هذا التخطيط لم يكن بسبب العطف عليها ولا رحمة بها وطلباً لمساعدتها بل هو لغاية في النفوس لم تظهر بعد. والدليل على ذلك نأخذ مثالاً نزار قباني الملقب «بشاعر المرأة» والذي نصب نفسه للدفاع عنها فإننا نجد الغاية الحقيقية من دعوته للتحرر بقوله:
لم تبق زاوية بحسم جميلة
إلا وقد مرت بها عرباتي
لم يبق نهد أبيض ولا أحمر
إلا وقد زرعت به راياتي
فنجد هنا بأن الذين يدعون المرأة إلى ترك الحجاب وإلى السفور إنما يدعونها في الحقيقة إلى الفجور. فإن الجيش إن أراد دخول مدينة فإنما عليه أن يدك حصونها الواحد تلو الآخر وهنا أريد أن أجيب الذين دعوا المرأة إلى التحرر من قيودها. أي قيود تدّعون؟ أتريدوننا أن نتشبه بالغرب؟. فلننظر إلى حرية المرأة في الغرب هل التبرج وترك الحجاب أتاح لها الحصول على حريتها. إن وضع المرأة في الغرب أصبح محزناً إلى درجة أن جسدها أصبح سلعة للعرض. فلو أرادت شركة أحذية أن تروج لصناعتها فما عليها إلا أن تعرض بضاعتها على التلفاز بين يدي امرأة عارية فلقد أصبحت قيمة المرأة في الغرب تساوي قيمة الحذاء؟ هل هذا هو التحرر.
3- منذ خلق الله البشرية خلق لكل غالٍ وثمين ما يحفظه فنجد اللؤلؤ الثمين قد غلف بالمحار والأصداف ونجد الثمر والفاكهة قد غلفت بالقشور التي تحميها من الفساد. ثم عاد الإنسان بعد ذلك وبفضل غريزته قد سعى إلى حفظ كل ما هو غالٍ وثمين في مكان بعيد عن العين وعن متناول اليد، فنرى الصائغ يضع المجوهرات ويحفظها في غرف زجاجية ويقفل عليها، ونرى التاجر يضع المال في الخزنة ويوصدها عليه. أفليس حرياً بالمرأة التي هي من أحسن خلق الله أن تكون بعيدة عن متناول أهل السوء محجوبة عن نظراتهم بالحجاب الذي شرعه الله لها وفرضه عليها.
4- يقول سيد قطب رحمه الله في كتاب «في ظلال القرآن»: «إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار… إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق، وإثارته في كل حين تزيد ضرامته، فالنظرة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة غير تربية دافع اللحم والدم».
5- وفي النهاية أقول للفتيات اللواتي يدّعين بأن الإسلام والحجاب عائق في سبيل حريتهن وحركتهن ما يلي: هل نظرتن يوماً إلى المستقبل نظرة موضوعية وهل فكرت يا أخت الإسلام يوماً بعد زواجك وحين تصبحين أماً وامرأة كبيرة في السن بحيث لا تستطيعين تلبية رغبات زوجك بحاله عندما يتجول في الأسواق فإذا به يجد أمامه فتاة تتمايل متبرجة وأخرى تصفعه بريحها ومفاتنها وثالثة ترمقه بطرْفها. هل فكرت يوماً ما سيكون شعوره حينئذِ.
إن الحل يا أخوة وأخوات الإسلام بالحجاب لأنه شرع من عند الله. ونحن عندما نكتب هذه الكلمات لم نكتبها تبريراً لشرعية الحجاب فنحن سلمنا بصلاحيته لتسليمنا بصلاحية دين الله ككل ونحن لسنا في معرض الدفاع عن الحجاب فهو حق وواجب علينا، وليس لنا حين يقضي الله أمراً أن يكون لنا الخيرة من أمرنا ولكن أردنا أن نبحث في مجال الحرية التي يدّعيها بعض المتكلمين والمنتقدين فالحرية ليست أن نترك نفسنا لهوانا بل الحرية هي في أن نختار الطريق السليم لتهذيب أنفسنا وليس هناك طريق أسلم من شرع الله. فلو كانت الحرية شاملة لجعل الله لنا غريزة موسمية كالبهائم نشبعها في حينها ثم نعود إلى حياتنا في باقي الحول… فالحرية إذاً في التقيد بشرع الله بإرادتنا وباختيارنا.
وفي النهاية فنحن إذ عرضنا هذا البحث فقد أردنا أن نثبت بعض الحقائق التي تكون قد غابت عن بعض اخوتنا وأخواتنا ونختم بقول رسول الله ﷺ: «لئن يَهْدِ الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها»
صدق رسول الله.