بقلم: محمد ديلاك ـ اسطنبول
عندما أحسَّ الغرب بخطورة الوضع السياسي في تركيا وصراع زعمائه وأحزابه فيما بينهم وبروز الموجة الإسلامية خشي على الدولة العلمانية وسارع إلى تلقف الكرة قبل أن يفلت زمام الأمور من يديه، وكان أن قامت أميركا بترتيب انقلاب عسكري، وأعلنت الأحكام العرفية، وقام العسكر باعتقال رئيس الوزراء السابق وزعماء الأحزاب وجميع الوسط السياسي الذي كان متزعماً قبل الانقلاب، وقد رفع الزعماء الجدد شعار المحافظة على العلمانية التي اختطها أتاتورك، ومحاربة كل جهة تحاول تغيير مسار تركيا العلمانية المتجهة نحو الغرب.
وهكذا سار الانقلابيون بقوة تجاه تكريس نهج أتاتورك وطمس كل ما يذكر بالإسلام عقيدة ونظاماً حتى يطمئن الغرب بأن تركيا ما زالت على عهدها معهم تماماً كما كان الوضع أيام مصطفى كمال أتاتورك.
وبعد مرور بعض الوقت على تصفية الوسط السياسي القديم، وحظر جميع الأعمال الحزبية بكافة أشكالها، عاد الانقلابيون إلى اتباع مخرج سياسي لإعادة النشاط الحزبي الخاضع لرقابة الدولة، وكان أن أجرى الانقلابيون استفتاء عاماً من خلال سؤال طُرح على الناس وهو: هل تريدون عودة السياسيين والأحزاب القديمة لممارسة العمل السياسي؟ فأجاب الناس بفارق ضئيل: نعم، فعادت الأحزاب بأسماء جديدة وعاد قادتها إلى العمل السياسي فعاد (نجم الدين أربكان) كزعيم لحزب (الرفاه) بعد أن كان سابقاً يتزعم حزبه تحت اسم (ملي سلامات)، ثم عاد (سليمان ديميريل) كرئيس لحزب (الطريق المستقيم) بد أن كان اسمه السابق (حزب العدالة)، ثم قام (بولاند أجاويد) بتسمية حزبه (الحزب اليساري الديمقراطي) بعد أن كان اسمه (الحزب الجمهوري)، أما (ألب أصلات تركش) فقد اختار اسم (حزب العمل القومي) بعد أن كان الإسلام القديم لحزبه (الحركة القومية التركية)، هذا بالنسبة للأحزاب القومية القديمة وإعادة ترميمها وتجديد أسمائها أما بالنسبة للأحزاب الجديدة التي نشأت بعد الانقلاب العسكري فقد برز حزب جديد اسمه (حزب الوطن الأم) وهو حزب السلطة أو الحزب الحاكم ومؤسس هذا الحزب هو (توركوت أوزال) رئيس الوزراء الحالي.
هذا بالنسبة للأحزاب القومية والعلمانية، أما الأحزاب الإسلامية فمن المعروف أن تركيا دولة علمانية وتحارب الإسلام لأنه نقيض العلمانية، لذلك فإن النظام العلماني بذل جهداً كبيراً للحيلولة دون بروز تكتلات سياسية تنادي بالإسلام كنظام للحكم، فكان أن برزت بعض الجماعات الصوفية وهذه الجماعات لا تتعرض لنظام الحكم مهما كان شكله وتركز على جانب التصوف لذلك فهي لا تتصدى للحكام ولا الحكام يتصدّون لها، وما عدا تلك الجماعات الصوفية لم يبرز سوى تكتل واحد يدعو لإقامة الخلافة وإعادة تركيا من العلمانية والتغريب أو التتريك إلى العالم الإسلامي وإلى أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من دولة الخلافة الواحدة وهو حزب التحرير.
وفي عودة لاستعراض الأحزاب القومية العلمانية نبدأ بالحزب الحاكم.
أولاً – حزب الوطن الأم:
وهو حزب تشكل حديثاً بعد 12 أيلول 1980 ويعتبر هذا الحزب من مقياس السياسيين الأتراك من الأحزاب (اليمينية ويمين الوسط)، خاض هذا الحزب الانتخابات مرتين الأولى في عام 1983 والثانية في عام 1978، سياسة هذا الحزب رأسمالية بحتة تتمثل في فتح المجال أمام أصحاب رؤوس الأموال لتنمية أموالهم وزيادتها. ومن طموحاته دخول تركيا إلى السوق الأوروبية المشتركة، وقد تبنى مشاريع اقتصادية طويلة المدى وأنفق عليها أموالاً طائلة جمعتها السلطة من الضرائب التي أرهقت المسلمين الأتراك مما أثار نقمتهم على تلك السياسة الانفاقية التي أدت إلى تزايد الأسعار بشكل مطّرد، حتى تكاد تكون الزيادة شهرية، وهذه الزيادة في الأسعار طاولت السلع الشهرية، وهذه الزيادة في الأسعار طاولت السلع الضرورية كما طاولت السلع والحاجات الكمالية لدرجة أن رغيف الخبز وصل في العاصمة إلى 250 ليرة تركية.
وحتى يُسمح لتركيا بدخول السوق الأوروبية المشتركة فإن الدول الأوروبية طلبت منها أن تطبق (النظام الديمقراطي) الغربي بحذافيره، بحيث يشمل ذلك إخلاء السجون من السجناء السياسيين، وإطلاق (الحريات) وتطوير نظام التعليم بما يُرضي الغرب، وتحسين فرص العمل.
ومن العقبات التي تقف في وجه طموحات حزب السلطة لدخول السوق الأوروبية معارضة اليونان والعداء التقليدي الذي تكنه اليونان للأتراك منذ أيام الدولة الإسلامية، لذلك تحاول تركيا تحسين العلاقات مع جميع الدول المحيطة بها بما فيها اليونان، وتصب زيارة رئيس الوزراء توركوت أوزال الأخيرة لليونان في هذا الاتجاه.
موقف حزب الوطن الأمن من الإسلام:
ينطلق الحزب الحاكم من نظرته (الديمقراطية) الرأسمالية التي تفصل الدين عن الدولة وعن الحياة والتي تُختصر في مقولة (دع ما لقيصر لقيصر وما الله لله)، لذلك نجد أن هذا الحزب يترك المجال مفتوحاً أمام المسلمين لممارسة عباداتهم ودون أن يتدخلوا في باقي شؤون الحياة، وبهذا تتجنب السلطات الحاكمة الاصطدام بالمسلمين ما دامت لم تضيق عليهم في عباداتهم، وحتى لا ينشأ وضع (يمكن أن تستغله الحركات المتطرفة) على حد قول (أوزال) رئيس هذا الحزب ورئيس الوزراء، ذلك الذي ينحدر من عائلة متدينة ولكنه يحاول التوفيق بين الظهور بمظهر الغيور على الدين وبين تطبيق النظام العلماني إرضاء لأسياده، وحصل مرة أنه سُئل لماذا لم يحدد أسعار السلع فأجاب: (كيف أحدد الأسعار ورسول الله ﷺ لم يحدد الأسعار) وكانت نتيجة ذلك التصريح أن قامت قيامة الأحزاب الأخرى، وتناولته الصحافة بالنقد والمحاسبة على هذا القول الذي يخالف مبادئ العلمانية.
ويرى أوزال من وجهة نظره أن الدين ضروري لتنسيق علاقات الأفراد ببعضهم، وإيجاد التفاهم فيما بينهم، وقد لوحظ هذا الأمر من خلال تصريحاته التي يرددها دائماً.
ومن السمات التي برزت على سياسة أوزال وحزبه ظهور اتجاه تقاربي مع العالم الإسلامي وخصوصاً في الناحية الاقتصادية والتبادل التجاري، ولوحظ ذلك من زياراته لعدد من الدول القائمة في العالم الإسلامي ومحاولة التنسيق والتعاون معها.
ومن أعماله التي واجهت عاصفة من الاحتجاج الداخلي قيامه بأداء فريضة الحج في العام (1408 هـ 1988م) فقامت الأحزاب القومية والعلمانية بهجمة ورافقتها فيها الصحف، وكان الاحتجاج منصباً على شجب قيام رئيس وزراء دولة علمانية بأداء فريضة الحج.
ثانياً – حزب الشعب الاشتراكي:
ويتزعم هذا الحزب (أردل اينونو) ويسعى هذا الحزب كغيرة من الأحزاب للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات البرلمانية، وهو يرفع شعاراته الاشتراكية مستغلاً الفقراء والتظاهر بأنه هو المدافع عن حقوقهم، ويُعتبر هذا الحزب ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان حيث أنه يحتل 90 مقعداً، لا يختلف هذا الحزب عن الأحزاب الاشتراكية القائمة في العالم الرأسمالي، وهو من أشد الأحزاب التركية عداوة للإسلام وللتدين، ومعارض صلب للتقارب مع العالم الإسلامي، وهو يراقب النظام الحاكم في كل خطواته حتى لا يحصل منه أية مخالفة للنظام العلماني القائم. وعلى سبيل المثال نجده قد عارض المحاولات التي جرت لتدريس الدين الإسلامي في المدارس، ففي بداية حكم تورغوت أوزال كانت هنالك محاولة من قبل وزير التربية والتعليم (وهبي دانشلف) لتدريس اللغة العربية وأصرّ على ذلك الأمر الذي أزعج الأحزاب العلمانية والقوميين الأتراك وبقايا الماسونيين، وكذلك أزعج رئيس الدولة، فما كان من هذا الأخير إلا أن أوعز لرئيس الوزراء بإقالة الوزير وهكذا تمت إقالته.
وبقيت فكرة تدريس اللغة العربية بين المدّ والجزر، وفي الآونة الأخيرة طرح البعض فكرة السماح بتدريس الحرف العثماني بدل الحرف اللاتيني. إلا أن هذا الطرح واجه نفس المعارضة وصوّت البرلمان التركي ضده فسقط هذا الاقتراح أيضاً.
ويُلاحظ جلياً أن هذا الحزب الذي يتزعمه ابن (عصمت إينونو) قد أنشئ لهدف واحد فقط وهو محاربة الإسلام والمسلمين، وحتى لا يعود أي أثر للإسلام في تركيا، وهنالك حادثة تعتبر من أدنى المطالب التي يمكن أن يطالب بها المسلم التركي وليست من القضايا المصيرية ولكن هذا الحزب وقف ضدها، فحينما وافق رئيس الجمهورية على إعطاء رواتب لأئمة بعض المساجد من أموال رابطة العالم الإسلامي فإن ردة فعل هذا الحزب كانت عنيفة حيث أنه أثار عاصفة من الاحتجاج مما اضطر رئيس الدولة لتبرير موقفه عبر شاشة التلفزيون وخاطب الناس موضحاً موقفه.
خلاصة الأمر أن هذا الحزب حاقد على الإسلام وينضوي تحت لوائه عناصر حاقدة على الإسلام والمسلمين، ومن لُطف رب العالمين سبحانه وتعلى أن (اردل اينونو) لم يتمكن من الحصول على مقاعد في البرلمان تؤهله للوصول للحكم، الأمر الذي يحوّل تركيا إلى دولة شبيهة بأية دولة شيوعية من ناحية كتم أنفاس المسلمين وعدم السماح بأية شعائر دينية.
ثالثاً – حزب الطريق المستقيم:
يأتي في المرتبة الثالثة من حيث قوته في البرلمان حيث يمتلك حوالي خمسين مقعداً، ويتزعم هذا الحزب (سليمان ديميريل) من السياسيين البارزين قبل انقلاب 1980، والحزب امتداد لحزب العدالة السابق للانقلاب ويتعاطف مع هذا الحزب جماعة تدعى (جماعة النور) المتشعبة، وبالأخص الشعبة التي يرأسها (ياننسي) والذي يعتبر أداة بيد حزب الطريق المستقيم.
رابعاً – الحزب اليساري الديمقراطي:
حصل هذا الحزب على 7% من مجموعة الأصوات لذلك فهو لم يتجاوز الحد المطلوب لكي يدخل البرلمان، ولذلك بقي خارج البرلمان، ويرأس هذا الحزب (بولاند أجاويد) رئيس الوزراء السابق، وهذا الحزب هو امتداد للحزب الجمهوري الذي كان قائماً قبل الانقلاب.
خامساً – حزب العمل القومي:
يتزعمه (ألب أصلان تركش) وهو امتداد لحزب الحركة القومية، هذا الحزب هو خارج البرلمان لأن لم يحصل سوى على اثنين بالمائة من الأصوات وهو يسعى إلى توحيد كل الأماكن التي يقطنها الأتراك، فهو يركز على القومية التركية.
سادساً – حزب الإصلاح الديمقراطي:
(أي كوت أديب علي) هذا الحزب يميل إلى الماسونية وهو يتبنى سياسة (حزب الاتحاد والترقي) القديم الذي عمل على هدم دولة الخلافة، وهذا الحزب لم ينل من الأصوات إلا واحداً بالمائة، زعيم هذا الحزب كان له حزب يسمى (حزب المجادلة القومي) الذي كان يحوي مجموعة من شباب المسلمين، إلا أن هذا الحزب لم يدم طويلاً بسبب انسحاب أفراده بعد أن لمسوا فشل قيادته، وتقول بعض الأوساط بأن حزب المجادلة القومي أو (ملّي مجادلة) قد أنشئ أول ما أنشئ لمواجهة حزب التحرير الذي انتشر بشكل أزعج السلطات مما دفعها إلى تبني (أديب علي) ودفعه إلى تأليف حزب المجادلة القومي.
سابعاً – حزب الرفاه:
ويتزعمه (نجم الدين أربكان) وهذا الحزب هو امتداد لحزب (ملي سلامات)، ويتطلع هذا الحزب للوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات في ظل النظام الديمقراطي.
عندما تشكل هذا الحزب كان لدى المسلمين الأتراك قناعة بأنه حزب مخلص لذلك أخذوا يتعاملون معه بنيّة حسنة، فكان أن حصل على أصوات المسلمين، الأمر الذي مكّنه من الحصول على نيفٍ وأربعين مقعداً في البرلمان، وهذا أيضاً مكّنه من الدخول في الحكومة الائتلافية التي ألفها (أجاويد) مما أثار المسلمين عليه، فانسحب الكثير منهم من عضويته وفقد التأييد الذي كان يتمتع به لأنه انكشف على حقيقته، وفي الانتخابات التي تلت دخوله الائتلاف الحكومي لم يستطع الحصول سوى على 17 مقعداً نيابياً، أما في الانتخابات التي حصلت عام 1987 فإن الحزب لم يحصل إلا على 7% من الأصوات وهذا لا يكفي لدخول البرلمان مما أبقاه خارج البرلمان.
ومن الأمور التي ينادي بها لكسب المؤيدين والأنصار: (1) تخفيض نسبة الفائدة في البنوك التركية. (2) فتح المدارس الدينية. (3) بناء المساجد. (4) المطالبة بتدريس اللغة العربية. (5) توسيع العلاقات الاقتصادية مع العالم الإسلامي وتوطيدها. (6) معارضة دخول تركيا للسوق الأوروبية المشتركة.
ولقد أصدرت الحكومة التركية قراراً يقضي بمنح الأحزاب التي هي خارج البرلمان مساعدات مالية لتنشيطها وكان نصيب هذا الحزب 250 مليون ليرة تركية، وهذا يوضح مدى القبول الذي تتمتع به هذه الأحزاب والتشجيع من قبل السلطة الحاكمة، بل أن العلاقة بين هذا الحزب والسلطة هي علاقة ثقة متبادلة واعتراف متبادل.
ويملك هذا الحزب جريدة اسمها (ملي جازاتا) أي الجريدة القومية ويتبنى مجلات أخرى مثل مجلة (إسلام) ومجلة (العائلة)، وهو يصدر نشرات ويعقد الندوات ويمارس العمل السياسي بكل أشكاله دون أن يمنعه النظام من ذلك. أما عن ثقافة هذا الحزب فهو يركز على جانب التصوّف على حسب طريقة الشيخ (أسعد أفندي) لذلك فهو يثقف عناصره بتدريسهم كتباً صوفية معينة ومنها كتاب (راموز الأحاديث) والذي يتضمن أحاديثاً ضعيفة وموضوعة.
كان هذا الحزب يحوي حشداً من الشباب الجامعي الذي يفهم الدين بأنه لا يقتصر على العبادات فقط بل هو نظام حياة إلى جانب العبادات، وهم يتمتعون بقدر من الوعي على السياسة الدولية والمحلية إلا أن هؤلاء الشباب الواعين لم يلبثوا أن انسحبوا تدريجياً من هذا الحزب نتيجة فقدان ثقتهم به وبزعامته ونتيجة الطريقة التي اختطها الحزب لتحقيق أهدافه وأخيراً نتيجة إفلاس الحزب في مواجهة الأحداث السياسية التي سادت قبل الانقلاب وبعده. وظن الناس بعد سقوط حزب الرفاه وكذلك ظنت السلطة الحاكمة أن فشل الحزب في الانتخابات وعدم حصوله على أصوات المسلمين التي تمكنه من دخول البرلمان ثانية هو مؤشر على عدم رغبة الناس في الإسلام وأن الإسلام لم يعد يشكل خطراً على الدولة والنظام مما جعل الدولة تستهزئ بقوة المسلمين، مع أن الأمر هو عكس ذلك وأن عدم التفاف الناس حول حزب الرفاه مرده إلى شكوكهم في زعامته وفي نهجه وفي حقيقة تبنيه للإسلام، وفي مباركته للنظام الديمقراطي الكافر، وفي قبوله للمشاركة في حكومة علمانية، هذه هي أسباب انفضاض اتباعه عنه، وليس عدم رغبتهم في الإسلام.
ثامناً – التجمعات الصوفية:
هذه الجماعات كانت على خلاف من النظام الحاكم في بداية الأمر إلا أن الوضع تغير الآن وقد منحهم النظام حرية العمل بل أن العديد من رجالات السلطة قد أصبح ضمن التشكيلات والتجمعات الصوفية هذه.
إن الإسلام الصوفي عميق الجذور في المجتمع التركي حيث ترجع جذوره إلى أيام الدولة العثمانية، وهنالك مدارس تثقيفية يتجمع فيها الشباب حول رسائل الشيخ (سعد النورسي) وهنالك مدرسة تثقيفية للشيخ (سليمان أفندي).
أما جماعة سعيد النورسي فإنهم منقسمون إلى عدة فئات منها: جماعة (فتح الله غولان) وهي أوسع انتشاراً وأكثر ثراءً من الجماعات الأخرى التي انشقت عن (النورسي) وتمكنت في فترة من الفترات من التغلغل في أوساط الجيش إلا أن السلطات الحاكمة تمكنت من كشفهم وطردهم من الجيش.
وهنالك جماعة أخرى انشقت عن جماعة (النورسي) وهي جماعة (الجيل الجديد9 أو (يانينسن) ولهم جريدة يصدرونها بها الإسلام، وهذه الجماعة تعتبر أداة بيد حزب (الطريق المستقيم) جماعة ديميريل، وأهدافهم تتناسب مع أهداف (الطريق المستقيم).
وهنالك جماعة أخرى تدعى جماعة (مدرسة الزهراء) لا تختلف عن باقي الجماعات التي انشقت عن (النورسي). وبشكل عام فإن هذه الجماعات تثقف أفرادها من خلال رسائل الشيخ سعيد النورسي، تلك التي تبحث في التفكير في وجود الله وفي مخلوقاته التي تدل على عظمة الخالق، ولا تتجاوز رسائله هذه الأبحاث.
أما جماعة الشيخ سلميان أفندي فإنهم فئة قليلة تتركز أكثر من غيرها في أوساط الأثرياء ومتوسطي الثراء من المتدينين، وتتخذ هذه الفئة من نصائح الشيخ سليمان طريقة في التفكير وفي النظر إلى المجتمع الذي تعيش فيه، وفي النظر إلى الإسلام بشكل عام. وتقوم هذه الفئة بترتيب دورات لتحفيظ القرآن للطلاب والطالبات، ومحاولة بناء مدارس إسلامية وإنشاء جمعيات خيرية وسليمان أفندي هو أحد مريدي الطريقة النقشبندية، وهذه الجماعة ليس لها وزن في أوساط الشباب التركي لكونها تتمترس وراء الأثرياء منهم فقط.
تاسعاً – حزب التحرير:
ينادي هذا الحزب بتغيير تركيا جذرياً على أساس الإسلام وذلك بإعادة دولة الخلافة، وبعودة تركيا جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي دولة واحدة هي دولة الخلافة، وينطلق من عمله هذا على اعتبار أن إعادة دولة الخلافة هو فرض فرضه الله على المسلمين ويأثم كل من يتخلف عن العمل لإيجاد هذا الفرض حتى تحصل الكفاية.
ولقد تنبهت السلطات الحاكمة إلى خطورة ما ينادي به هذا الحزب على نظامها العلماني الذي يعادي الدين ويفصل بين الدين والدولة، لذلك سعت جاهدة لكتم هذا الصوت الذي يذكر المسلمين الأتراك بدولتهم التي هدمها الكافر المستعمر ونصّب حكاماً وأنظمة حكم هدفهم الأول الحيلولة دون رجوعها ثانية. فكان أن قام النظام الحاكم بمطاردة أعضاء هذا الحزب وزجهم في المعتقلات وتكرر هذا الأمر عدة مرات من أبرزها ما حصل في كل من الأعوام 1967، 1980، 1981، 1984. وفي الاعتقالات التي جرت في عام 1984 كانت التهمة الموجهة لأعضاء هذا الحزب هي (سعيهم لجعل تركيا ولاية من ولايات دولة الخلافة) وقد جند النظام الحاكم حينها كل وسائل إعلامه للتشهير بالإسلام وبحزب التحرير ووصفه بالتطرف وحرض الإعلام أيضاً على محاربة فكرة إعادة الخلافة التي ينادي بها ويعمل لها هذا الحزب. وعلى رفض عودة تركيا لتصبح ولاية في دولة الخلافة الواحدة، وقد شاركت جميع الأحزاب العلمانية التركية والأحزاب القومية وصحافتها في هذا الهجوم على الإسلام وعلى حزب التحرير لأن الإسلام نقيض فكرتها، ولأنها أنشئت في الأصل لمحاربة عودة الإسلام إلى السلطة، خصوصاً وأن الجميع قد لمس أن حزب التحرير قد اعتبر عودة مسألة مصيرية ومسألة حياة أو موت بالنسبة للمسلم ومارس عمله على هذا الأساس.
هذه صورة الوضع السياسي في تركيا، وبشكل عام أصبح النظام الحاكم أكثر ميلاً الآن نحو تطبيق الديمقراطية الغربية، وأكثر تمسكاً بالنظام الرأسمالي وذلك تمهيداً لقبول تركيا في السوق الأوروبية المشتركة، وبدأت بعض الأصوات تطالب الحكومة بإلغاء بعض مواد الدستور التي تمنع من إنشاء أحزاب معارضة للنظام مثل: الحزب الشيوعي أو الأحزاب القائمة أساس الدين، وقد لُمس من تصريحات رئيس الدولة ليونة تجاه عودة الحزب الشيوعي للعمل في تركيا حيث صرح في زيارته الأخيرة لألمانيا الغربية بأنه سوف يأتي وقت يتشكل في تركيا الحزب الشيوعي المحظور. وهذا يعني أن الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي تسمح بالعمل لكل الفئات وتسمح بالدعاية لكل المبادئ ما عدا العمل الصحيح لعودة المبدأ الصحيح.