السياسة ووجوب العمل بها
1993/04/08م
المقالات
1,878 زيارة
كان من جراء هدم الخلافة، تداول الكثير من المفاهيم الغربية في المجتمعات العربية ومنها الإسلامية والتي كان لها الأثر الأكبر في تضليل الكثير من أبناء هذه الأمة الذين أصبحوا فيما بعد وبالاً على أنفسهم وعلى أمتهم. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل عمد الغرب إلى تشويه الكثير من المفاهيم الإسلامية وصرفها عن مدلولاتها. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى ومن ذلك على سبيل المثال التطرف والمتطرفون والسياسة ومعنى السياسة.
وبما أننا مسلمون ومن أبناء هذه الأمة الكريمة، فقد أوجب الله علينا النصح للمسلمين وكشف المخططات الدنيئة التي يحيكها الغرب الكافر بواسطة عملائه في المنطقة، لذلك رأينا أنه من الواجب علينا أن نميط اللثام عن أحد المفاهيم الإسلامية التي شوهها الاستعمار في نظر المسلمين وعمل جاهداً على إبعادها من القائمة الإسلامية، وهذا المفهوم هو السياسة.
فالسياسة من الإسلام بل من صلب الإسلام. إذ لو كان الإسلام غير سياسي لما كان هناك فرق بين الأديان الأخرى والإسلام، فالأديان الأخرى أو العقائد الأخرى هي عقائد روحية تعنى بشؤون الإنسان في اليوم الآخر بينما العقيدة الإسلامية هي عقيدة روحية وسياسية، إذ تعنى بشؤون الإنسان المسلم في الحياة الدنيا والآخرة. ومن هنا جاء تعريف السياسة على أنه رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، والأدلة التي تدعم هذا التعريف وتثبته كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي… » أي تتولى شؤونهم وترعاهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية، وقد سُئل الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام عن السياسة فقال: «السياسة أن ترعى شؤون الله والأحياء والأموات… ».
فرعاية شؤون الأمة هو المعنى الشرعي لكلمة السياسة، وأما الاستعمار فقد عرّف السياسة بأنها الدخل والكذب والنفاق وسبّ الزعماء على المنابر، ولو قارنا بين التعريف الشرعي والتعريف الآخر لوجدنا اختلافاً كبيراً بينهما، بل تناقضاً واضحاً. في هذه الحالة نأخذ بالتعريف الشرعي ونرمي بالتعريف اللغوي أو أي تعريف آخر لا يتفق مع التعريف الشرعي عُرْضَ الحائط، مع أن التعريف الذي وضعه الاستعمار ليس لغوياً ولا اصطلاحياً، لأن التعريف اللغوي لكلمة السياسة كما ورد في قاموس الفيروز أبادي: سست الرعية سياسة أي أمرتها ونهيتها، وقال ابن حجر: يسوس أي يتعهد بشيء بما يعمله. ولا شك أن هذه المعاني اللغوية تتفق مع المعنى الشرعي لذلك يؤخذ بها.
هذا من ناحية المعنى الشرعي واللغوي لكلمة السياسة، وأما من ناحية العمل في السياسة فقد أوجبه الله على المسلمين، فقد أمر الله المسلمين أمراً جازماً بأن يعملوا بالسياسة، حيث قال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
فالله سبحانه وتعالى يطلب من المسلمين أن يوجدوا أحزاباً تدعو إلى الإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عمل سياسي، لأنه يشمل الحكام والمحكومين وهذا العمل قام به رسول الله والصحابة والخلفاء، وهذا يدل على أن الإسلام حث على السياسة بل أوجب العمل بها ضمن أطر محددة، وبيّن لهم كيفية العمل بالسياسة، وأخبرهم أيضاً أنها واجبة عندما تكون الدولة الإسلامية غير موجودة، لأن إقامة الدولة الإسلامية فرض على المسلمين، ولا يتم هذا الفرض إلا بالعمل السياسي، وذلك بمحاسبة الحكام من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لأن القاعدة الشرعية تنص على أن «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وقد كرم الله من يأمر الحاكمين والناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، إذا لقي الأذى والتعذيب والاضطهاد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» لأنه ما من تكتل سياسي قام لحمل الدعوة الإسلامية بالصراع الفكري والكفاح السياسي ويعمل لتغيير الواقع الفاسد بأفكار جديدة ومقاييس وقناعات غير تلك الموجودة في المجتمع إلا ولقي عنتاً ومقاومة شديدة، ودعاية مضادة لصرف أنظار الراغبين في التغيير ولفض أتباعه من حوله.
لذلك كله فإن الأمة أفراداً وجماعات مطالبون بالعمل السياسي الجاد الهادف إلى تغيير الواقع المرير الذي يتردى به المسلمون في كل مكان ويلاقون أشد أنواع التعذيب والاضطهاد وللعودة ثانية إلى حظيرة الإسلام بإقامة دولة الخلافة التي تتكفل بحماية المسلمين، أينما كانوا وتصون أعراضهم وتضمن لهم الأمن والاستقرار، وصدق الله تعالى إذ قال: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
أبو وليد ـ قبرص
1993-04-08