معاهدة انتشار الأسلحة النووية وحكم الإسلام فيها
1995/05/31م
المقالات
2,994 زيارة
بقلم الأستاذ: إبراهيم ياسين آل إبراهيم
يعقد في شهر نيسان 95 في مدينة نيويورك مؤتمر للنظر في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، لتمديد أجلها من جهة، وإضافة شروط لتعسير حيازتها –من قبل دول العالم الثالث بصفة عامة ودول العالم الإسلام بصفة خاصة- من جهة أخرى.
فما هو واقع هذه الاتفاقية وأهدافهم تاريخياً وسياسياً؟
وما هي الإجراءات والمعالجات التي تسعى الدول الغربية خاصة أميركا لتحقيقها لمنع انتشار الأسلحة النووية؟
وما هو موقف الإسلام والمسلمين من الأسلحة النووية وامتلاكها وانتشارها؟
1- الاتفاقية:
يتوهم الكثير أن الاتفاقية التي سيتحدث عنها في نيويورك هي عبارة عن اتفاقية مؤقتة، وستنتهي إذا لم توافق بعض الدول (مثلما يدعي حسني مبارك) على تمديدها أو الخروج منها. فالحقيقة أن الأمر غير ذلك. فهي عندما وضعت قبل 25 سنة إنما كان قصد الذين شيدوا صرحها مثل أميركا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا استخدامها كأداة للضغط والتهديد والوعيد ضد الدول الضعيفة أو الدول التي ربما حصل فيها تغيير مبدئي (مثل بلاد المسلمين) حتى لا تفكر في امتلاك الأسلحة النووية أو تصنيعها أو بناء تكنولوجيا فعالة في هذا الصدد.
فالمادة العاشرة من الاتفاقية تقول بـ “أن الدول الأعضاء ستجتمع سنة 1995 لتمديد الاتفاقية لمدة أو مدد محدودة أو لا محدودة” مما يعني أنه ليس للاتفاقية أجل ينهيها. وفي حال عدم توصل الدول إلى اتفاق يرضي الجميع فإن ذلك الاختلاف لا يزيد ولا ينقص بل ستبقى الصلاحية والفعالية القانونية سارية المفعول وستظل الدول الخمس صاحبة القرار النهائي فيه ومن المنتظر كما يرى المتخصصون أن تحاول الدول الأساسية أي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين دعم هذه الاتفاقية وإيجاد قبول دولي يشمل جميع الدول حتى التي لم توقع الاتفاقية – مثل إسرائيل والهند- وحتى لا تبقى هذه خارج حلبة النادي لتمثل حجر عثرة في طريق السياسة المنهجية النووية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا والتي ربما سببت متاعب لهذه الدول قد تؤثر على مصالحها (الحيوية) كما حصل مع العراق في بداية التسعينات.
2- أسس الاتفاقية:
يتكون ما يسمى بنظام الحد ومنع انتشار الأسلحة النووية من العديد من الاتفاقيات والأنظمة، أهمها ما يسمى باتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (موضوع الحديث) والتي صارت أميركا وبعض الدول الغربية تروج لها في السنوات الأخيرة بصفة ملفتة للنظر خاصة منذ صيف 1990 أي قبيل بداية حرب الخليج الثانية وتدمير العراق وأرضيته الصناعية.
أصبحت هذه الاتفاقية سارية المفعول لأول مرة سنة 1970، وخلاصتها هي ما جاء في المادة الأولى أنها “تمنع الدول التي تملك الأسلحة النووية مساعدة الدول الأخرى في اكتساب هذه الأسلحة وكل نوع من التكنولوجيا المؤدية إليها”. أما الدول النووية فقد حددتها هذه الاتفاقية وعرفتها على أنها كل دولة كانت قد فجرت رأساً نووياً قبل 1 يناير 1976، أي الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا والصين. كما تنص المادية الثانية على تعهد كل الدول الأخرى الأعضاء على التخلي وعدم امتلاك وتصنيع الأسلحة النووية حيث تقبل بإجراءات المراقبة الأمنية والتفتيش من طرف منظمة الطاقة النووية الدولية… في كل مجالات الذرة على أراضي تلك الدول. كما يجب على كل الدول الأعضاء أن تضع جميع المواد والمنشآت والمصانع النووية تحت تصرف المنظمة المذكورة. وللجميع الحق في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية مدنية.
أما المادة السادسة فقد نصت على أن تبذل كل الدول الأعضاء أقصى الجهود لتحقيق نزع كامل للسلاح النووي، وجاء في المادة السابقة أنه يمكن العمل على تكوين مناطق وأقاليم منزوعة السلاح النووي.
وحددت المادة الثامنة عقد اجتماعات دورية تنظر في الاتفاقية وذلك كل خمس سنوات (وحصل ذلك بالفعل سنة 1975، 1980، 1985، 1990) كما حددت عقد مؤتمر شامل كل 25 سنة يبحث تمديد الاتفاقية الأساسية، وهذا المؤتمر هو عينه الذي سيعقد في نيويورك في شهر ابريل.
وتعطي الفقرة الأولى من المادة العاشرة لكل دولة حق الخروج من العضوية بشرط أن تعلن هذه الدول عن نيتها قبل 90 يوماً من خروجها النهائي (كما حصل مع كورية الشمالية) مع تديم الأسباب التي دعت إلى ذلك لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ولقد تمكنت الدول الأساسية خاصة أميركا من حمل العديد من الدول على توقيع الاتفاقية، بالإغراء تارة وبالتهديد والوعيد والانقلابات العسكرية تارة أخرى (وكانت آخر هذه المحاولات حمل الحكومة العسكرية الجزائرية على توقيع الاتفاقية)، حتى بلغ عددها سنة 1990 أكثر من 148 دولة، حيث شملت كل القارة الأوروبية والقارة الأفريقية وجزءاً كبيراً من القارة الهندية وأميركا اللاتينية باستثناء الهند، باكستان، إسرائيل، النيجر، موريتانيا، عمان، بورما، شيلي، البرازيل والأرجنتين. وبالرغم من هذا العدد الضخم من الدول الأعضاء في الاتفاقية، إلا أن بعض أنظمة دول العالم الثالثة صارت تشتكي من الطبيعة الاستبدادية والعنصرية للاتفاقية والعمليات البوليسية من قبل منظمة الطاقة النووية من جهة، والمقاييس اللا أخلاقية التي تستخدم من قبل الدول التي تملك الأسلحة النووية ضد دول العالم الثالث التي لا حول لها ولا قوة من جهة أخرى.
إضافة إلى هذه الاتفاقية الشاملة، هناك اتفاقيتان إقليميتان تنص على مناطق منزوعة السلاح النووي: إحداهما اتفاقية طلاطيلولكو… لأميركا اللاتينية، واتفاقية رارونتوغا… لجنوب المحيط الهادي. أما الاتفاقية الأولى، والتي تم التوقيع عليها سنة 1967، فتشمل كل دول أميركا الجنوبية والوسطى باستثناء كوبا والأرجنتين والبرازيل وشيلي، وتنص كما هو شأن الاتفاقية الرئيسية على إجراءات المراقبة من قبل منظمة الطاقة النووية في فيينا بالإضافة إلى صلاحية قيامها بتفتيش المنشآت النووية كلما رأت ضرورة في ذلك، وتتعهد الدول النووية الخمس بعدم نصب أسلحة نووية على جزيرتي الغواديلوب (التابعة لفرنسا، ولم توقع فرنسا هذه الاتفاقية إلا سنة 1992 بعد أخذ ورد مع الولايات المتحدة وجزر الفالكلاند التابعة لبريطانيا، كما تتعهد هذه الدول النووية بعدم تهديد أو قصف دول المنطقة بالأسلحة النووية. وبهذه الاتفاقية تمكنت الولايات المتحدة أن تبعد كل خطر يهدد حدودها بل ونفوذها في كافة القارة الجنوبية. وتحت ضغوط هذه الأخيرة أجبرت كل من البرازيل والأرجنتين على عقد اتفاقية استثنائية مع منظمة الطاقة النووية تشمل المراقبة الشاملة لكل المنشآت النووية. أما اتفاقية رورونتوغا (جزر هايتي) فهي في هيكلها شبيه بالاتفاقية، بالإضافة إلى منع تخزين الفضلات النووية في المحيط الهادي. ولقد رفضت كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا توقيع الاتفاقية، في حين تروج الصين وروسيا لها ترويجاً كبيراً خاصة وأن فرنسا لا تزال تقوم بتجاربها النووية في موروروا باستمرار، الشيء الذي يوجد معارضة كبيرة من قبل نيوزيلندا الجديدة واستراليا والجزر الأخرى في المحيط الهادي. كما نجحت العديد من الدول في التوصل إلى عقد اتفاقيات ثنائية أو أكثر في جعل مناطقها مناطق منزوعة الأسلحة النووية مثل اتفاقية ديسمبر 1991 بين كوريا الشمالية والجنوبية (وتعثر الأمر فيما بعد نتيجة للتدخل الأميركي).
وتسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد مناطق أخرى منزوعة الأسلحة النووية خاصة في جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا ووسط أوروبا، غير أنها لا تزال تتعثر نتيجة للرفض الذي تلاقيه من قبل دول مثل الهند وإسرائيل، وتتهم بعض الدول ومنها الهند الولايات المتحدة بالمراوغة والتلاعب خاصة وأن هدفها ليس التوصل إلى قضاء كلي على الأسلحة النووية ونزعها من المعمورة، وإنما الاحتفاظ بالترسانة النووية لنفسها فقط للهيمنة الكاملة حتى على الدول النووية الأخرى (وهذا ظاهر في سياستها تجاه روسيا مثلاً). وزيادة على ما ذكر هناك اتفاقيات ثلاث تتعلق بالحد من الأسلحة النووية، ومنع وضعها في أماكن ومناطق محددة، اثنتان منها سبقتا اتفاقية سنة 1997. ففي سنة 1961 تم التوصل إلى اتفاقية تنص على جعل القطب الجنوبي (الانتركتس) قارة منزوعة الأسلحة النووية عقبتها سنة 1967 اتفاقية تمنع نصب أسلحة نووية في قاع البحار والمحيطات باستثناء الغواصات الحاملة للرؤوس النووية. وفي عام 1971 حصلت اتفاقية منع نصب أسلحة نووية في الفضاء كامتداد لاتفاقية 1963 التي تخص منع التجارب في الفضاء وعلى الكواكب وتحت البحار.
أما التجارب النووية تحت الأرض فإن الاتفاقيات استثنتها، وبالرغم من وجود اتفاقية ثلاثية بين أميركا وبريطانيا وفرنسا منذ سنة 1967 تنص على التجارب السلمية والتفجيرات في باطن الأرض بقوة لا تزيد عن 150 كيلو طن، إلا أن الصين لم تلتفت إليها، وقامت بتفجير قنبلة نووية قوتها حوالي ميغا طن أي سبعة أضعاف الاتفاقية الثلاثية مما أثار حفيظة أميركا وبدأت تحرك كل وسائل الضغط على الصين التي لم ترضخ حتى الآن، بل وكردة فعل عكسية أصبحت ترفع ميزانيتها العسكرية بشكل ملحوظ بما في ذلك الأسلحة النووية وتطوير جيشها.
3- منظمة الطاقة النووية:
تعتبر هذه المنظمة النواة الأساسية لنظام منع امتلاك وانتشار الأسلحة النووية، وتتمثل وظيفتها في استعمال كل الإجراءات اللازمة لمراقبة المنشآت والمصانع والمواد النووية وذلك بمقتضى تعليمات اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي تطلب من الدول الأعضاء فيها أن تضع كل ما يتعلق بالصناعة النووية تحت تصرف هذه السلطة التي مقرها فيينا عاصمة النمسا. والبديهي الذي لا يتسرب إليه أدنى شك أن هذه المنظمة هي أداة مسخرة من قبل الدول الأساسية خاصة أميركا، وفرنسا وبريطانيا للاستئثار بكل ما يتعلق بالصناعة النووية الحربية ومنع الدول الأخرى من ذلك الأوروبية منها وغير الأوروبية. ولقد تم التوصل إلى هذه الاتفاقية بعد سنوات من المد والجزر والمفاوضات لا مع دول العالم الثالث، وإنما مع الدول الغربية التي تملك صناعات نووية لكن ليس ي حوزتها أسلحة نووية، وعلى رأسها ألمانيا واليابان وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا، حيث أخذت في النهاية صلاحيات لم تحصل عليها الدول الأخرى تحميها من كافة سلبيات التنافس في مجال الصناعات النووية في وجه الدول النووية الخمس من جهة والدول التي لم توقع على الاتفاقية من جهة أخرى، ومن بين هذه الصلاحيات أن لهذه الدول الحق في تعيين وتحديد أجزاء معينة من منشآتها الصناعية تقوم المنظمة النووية بمراقبتها وتفتيشها وليس لها حق فيما وراء ذلك. وكان لهذه القيود أثرها حيث تمكنت العديد من الدول الغربية من تصدير التكنولوجيا النووية إلى بعض دول العالم الثالثة مثل العراق الشيء الذي أفزع أميركا فجندت حملتها العسكرية ضد العراق وضربت كل مرافقه الصناعة.
وبسبب حرب الخليج لجأت المنظمة سنة 1992 وتحت ضغط شديد من الولايات المتحدة إلى إدخال تعديلات مهمة على طريقة عملها منها حق إرسال مفتشين في عمليات تفتيش استثنائية ودون سابق إنذار إلى كل مكان يكون محل شبهة نووية، وكذلك إجبار كل دولة على القيام بإخبار هذه السلطة عن بناء أي منشأة نووية قبل إدخال المواد النووية إليها، وأعطت المنظمة لنفسها صلاحية الارتكاز على معلومات خاصة تقدمها مخابرات الدول الأعضاء في إثبات تهمها. وفي حالة رفض أي دولة السماح بدخول المفتشين، تراجع المنظمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يقوم بدوره في اتخاذ الإجراءات ضد هذا البلد.
أما الدول التي لم توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية فإن المنظمة تقوم بإجراء المراقبة في إحدى هاتين الحالتين فقط:
1- إذا حصلت على إذن رسمي من الدولة المعنية.
2- إذا قامت الدولة التي باعت مواد أو منشآت نووية لدولة أخرى بفرض وجوب المراقبة من قبل المنظمة على هذه الأخيرة. فمثلاً إذا باعت الصين منشأة نووية إلى الهند واشترطت الصين في عقد البيع على الهند أن تضع هذه الأخيرة هذه المنشأة بعينها تحت تصرف منظمة الطاقة النووية الدولية فإنه لا مناص للهند من ذلك ويحق للمنظمة أن تتدخل.
ولقد ارتفعت أصوات وانتقادات دول العالم الثالث في المدة الأخيرة محتجة على سياسة العصا والغليظة التي تمارسها منظمة الطاقة النووية ضد العديد من هذه الدول (الجزائر، كوريا الشمالية، العراق) في حين أنها لا تعني نفسها بالدول التي تملك السلاح النووي ولا الدول التي ألقت بنفسها في حضن أميركا مثل إسرائيل.
ويعتبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الضامن لأعمال المنظمة، فالمادة العاشرة من قانون المنظمة يقول بوجوب رفع الأسباب من قبل كل دولة تريد الخروج من هذه العصبة إلى مجلس الأمن، كما ينص القانون الداخلي لها بوجوب قيام مجلس إداراتها برفع تقارير لمجلس الأمن أي بعبارة أخرى إلى الدول الخمس الدائمة العضوية والمالكة للأسلحة النووية، وذلك في حالة وجود شبهات لديها حول حركة نووية أياً كان نوعها في دولة من الدول الأعضاء وغير الأعضاء (كما حصل في الجزائر سنة 1991).
وفي جلسته الاستثنائية بتاريخ 31 يناير 1992 وصف مجلس الأمن في بيانه انتشار الأسلحة النووية بأنه خطر على السلاح والأمن في العالم وبهذا الوصف أعطى مجلس الأمن -أو بالأحرى أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين- لنفسه صلاحية استخدام كل الإمكانيات ضد أي دولة تحاول الحصول على التكنولوجيا والأسلحة النووية، ابتداء من الحصار الاقتصادي إلى الهجوم العسكري وذلك حسب الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ذلك الميثاق الذي سيده حلفاء الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وهؤلاء الحلفاء هم فقط الذين في حوزتهم أسلحة نووية.
من ذلك يظهر أن هذه المنظمة ما هي إلا وسيلة تستخدمها الدول الخمس خاصة أميركا لمنع كل دولة من الحصول على السلاح النووي الذي بواسطته قد تهدد مصالحها في امتصاص دماء الشعوب، والعجرفة والاستكبار.
4- التطورات بعد الحرب العالمية الثانية:
في بداية الخمسينات كان من المتوقع أن تقوم كافة الدول الصناعية بتصنيع أسلحة نووية، ووضعت قائمة تشمل كلا من الصين وكندا واستراليا واليابان وألمانيا وإيطاليا واسبانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد وهولندا وسويسرا ويوغوسلافيا. وما إن حل منتصف السبعينات حتى سقطت كل الدول من الاعتبار باستثناء الصين وفرنسا كقوتين نوويتين، ثم أضيفت قائمة جديدة حملت أسماء دول مثل إسرائيل والهند والباكستان والبرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والصين الوطنية وتركيا وليبيا والعراق ومصر وفيتنام، وفي مطلق التسعينات تم وضع قائمة حديثة أطلق عليها “قائمة التسعة” منها من يملك القنبلة النووية والتكنولوجيا النووية مثل إسرائيل والهند والباكستان، ومنها من بدأ في بناء التكنولوجيا والحصول على المواد مثل كوريا الشمالية والجزائر وكوبا وإيران والعراق وليبيا.
فمن أصل القائمة الأساسية والقوائم الإضافية التي رشحت 30 دولة يمن أن تصبح دولاً نووية لم يتبق إلا خمس دول فقط وهي فرنسا والصين وإسرائيل والهند والباكستان، بالإضافة إلى الدول الأساسية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا.
5- السياسة النووية الأميركية:
تتسم سياسة الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية منذ سنة 1945 بتغيرات متعددة، تعود أسبابها الأساسية إلى تقلبات وتطورات محلية ودولية، ولقد كان من المنتظر لدى الأوساط السياسية الأميركية أن تبين كل إدارة جديدة المكانة والأهمية التي توليها لمسألة انتشار ومنع انتشار الأسلحة النووية في برنامجها السياسي، لذلك كانت السياسة الخارجية مرتبطة دوماً بالمصالح الحيوية والسياسية والإستراتيجية والاقتصادية لأميركا. ومن هنا يلاحظ ذلك الاضطراب وعدم الاستقرار في التعامل مع الواقع خلال العقود الخمس الماضية، ففي قاموس السياسة الأميركية كان منع انتشار الأسلحة والتكنولوجيا النووية يعني في بعض الأحيان الحد من الانتشار ويعني في حالات أخرى منع الانتشار والتملك ولو بالقوة كما حصل مع العراق. والمتأمل في هذه السياسة وتطورها يجد أنها مرت حتى الآن بستة مراحل:
ففي المرحلة الأولى وهي التي أعقبت تفجير القنبلتين على هيروشيما وناجازاكي سنة 1945 اعتمدت أميركا على السرية التامة في كل التطورات النووية العسكرية. ففي سنة 1946 نص قانون الطاقة النووية (قانون ماكماهون McMahon) على تشديد المراقبة وإنهاء التعاون مع الحفاء الذين كانوا يساعدون الولايات المتحدة على تصنيع القنبلة النووية. كما منع قانون ماكماهون هذا تصدير العلوم والتكنولوجيا والمواد التي يمكن استخدامها للتصنيع النووي العسكري. ولتكريس هذه السياسة أسست هيئتان هما لجنة الطاقة النووية التابعة مباشرة للرئاسة واللجنة المشتركة للطاقة النووية التابعة لمجلسي الشيوخ والنواب.
وانتهت المرحلة الأولى -مرحلة السرية التامة- سنة 1953 عندما قام كل من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا بالتفجير النووي الذي أظهر لأميركا أنها لم تعد وحدها العملاق النووي.
ويعتبر الخطاب الذي ألقاه الرئيس أيزنهاور بتاريخ 8 ديسمبر 1953 أمام مجلس الأمم المتحدة بداية للمرحلة الثانية في السياسة الأميركية وذلك عندما أعلن عن مشروع أطلق عليه “الذرة من أجل السلام” حيث اقترح في صدده تأسيس منظمة دولية للطاقة النووية تدفع إليها الدول النووية جزءاً من مخزوها من الأورانيوم والمواد النووية والتي تساهم به لتشجيع استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وبهذا المشروع أفصحت الولايات المتحدة عن فلسفتها التي تتمثل المراقبة عن طريق التعاون وضمان المصالح النووية لأغراض سلمية. ودفعت التجربتان النوويتان التي قامت بهما كل فرنسا سنة 1960 في صحراء الجزائر، والصين سنة 1946 الولايات المتحدة إلى تحركات دبلوماسية في مجال منع انتشار الأسلحة النووية وذلك بالتنسيق مع بريطانيا والاتحاد السوفيتي. وسارع الاتحاد السوفيتي إلى مساندة أميركا (نتيجة السياسة الوفاق التي توصل إليها في فيينا سنة 1961) خاصة بعد القطيعة التي حدثت مع الصين التي أصبحت تهدد الاتحاد السوفيتي، وقامت الدول الثلاث بتقديم عرض للدول التي تستغني عن الأسلحة النووية تتعهد فيه بتقليص ترسانتها النووية من جهة وتمكين هذه الدول من استخدام غير مشروط للطاقة النووية لأغراض سلمية.
غير أن هذه المرحلة التي تميزت بسياسة رخوة في مجال التصنيع النووي ما لبثت أن انتهت عندما قامت الهند بتفجير رأس نووي “لأغراض سلمية” كما ادعت سنة 1974. وكان لهذا الحدث أثره الفعال في جعل الولايات المتحدة تعيد النظر في كل سياستها النووية، خاصة وأن المفاعل النووي الذي استخدمته الهند أرسل من قِبل كندا ولم يخضع لمراقبة منظمة الطاقة النووية، إذ أن الهند لم يكن عضواً في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية بل وكانت تقوم بدعاية ضد الممارسات الاضطهادية لهذه الاتفاقية ضد دول العالم الثالث.
وتزامن هذا الحدث والوقت الذي كانت فيه فرنسا تستعد لتزويد كوريا والباكستان بأجزاء تكنولوجية لمفاعلات نووية، وكانت ألمانيا وقعت اتفاقية تجارية مع البرازيل سنة 1975تقدم ألمانيا بموجبها تكنولوجيا أساسية في التصنيع النووي. وحاولت إدارة فورد/ كيسنجر وبعدها إدارة كارتر الحيلولة دون إتمام هذه الاتفاقيات بكل ما أوتيتا من قوة، وبهذا أظهرت السياسة الأميركية الجديدة أنها ومنذ سنة 1975 لم تعد قائمة على المصالح الاقتصادية في مجال التكنولوجيا النووية بالدرجة الأولى، وإنما تستهدف تحقيق منع تام الانتشار الأسلحة النووية بالإضافة إلى إلجام لسياسة التصدير النووي.
ولقد لعب الرئيس كارتر دوراً هاماً في ذلك بل وأدخل سياسة جديدة في هذا المجال، حيث جعل من مسألة انتشار الأسلحة النووية -بجانب مسألة حقوق الإنسان- نقطة أساسية في عمله، وبدأ يدعو إلى سياسة الرفض التام لكل نوع من أنواع الاقتصاد النووي، واستهدف التصديرات التي كانت تقوم بها اليابان وألمانيا وفرنسا وسعى إلى توقيفها أو على الأقل إلى الحد منها، إلا أن جميع هذه المساعي لم تحقق إلا نجاحاً جزئياً. أما الهدف الأساسي الذي وضعته إدارته والذي كان يتمثل في الرفض القطعي للتكنولوجيا النووية فإنه فشل تماماً. وفي سنة 1978 صادق الكونغرس الأميركي على قانون يجعل من منع انتشار الأسلحة النووية أساساً في السياسة الأميركية.
وباستلام إدارة ريغن السلطة في أميركا سنة 1981 بدأت المرحلة الرابعة في السياسة الأميركية، وشرعت هذه الإدارة تعمل على التخلص من القيود التي وضعها الكونغرس على سياسة التصدير وانتشار الأسلحة النووية، وبدأت تبحث عن فجوات قانونية وحالات استثنائية لتتمكن من التصدير. ففي الوقت الذي كانت فيه سياسة الحد والمنع من أهم معالم إدارتي فورد وكارتر، لم تولي إدارة ريغن أهمية كبيرة لسياسة المنع، حيث ركزت قواها على الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، واتسمت سياستها تجاه حلفائها بالرخوة والمرونة، ولم تلجأ إلى تلك الضغوط والصرامة التي كانت من سمات إدارة كارتر.
وجاء عهد بوش الذي أحيا سياسة كارتر وفورد مستخدماً العصا الغليظة خاصة وأنه وجد إدارته تواجه اضمحلال الاتحاد السوفيتي وانتهاء الشيوعية، فزاد المشكلة تعقيداً أن أصبحت دول بجانب روسيا البيضاء مثل أوكرانيا وكازاخستان تملك الأسلحة النووية بالإضافة إلى التصنيع المتقدم في العراق وبدايته في الجزائر وكوريا الشمالية. وبما أن التصورات الأساسية لإدارة بوش لا تتعدى التصورات التقليدية لدى الحكومات السابقة في أن الولايات المتحدة الأميركية ذات أمن قومي خاص وأن عليها أن تبقي النادي النووي في حدود الدول الخمسة، صارت ترى أن أي دولة جديدة تحصل على أو تصنع السلاح النووي تشكل خطراً داهماً على أمنها القومي. وكان لهذا الواقع الجديد أثره حيث قامت إدارة بوش برسم خطط سياسية جديدة لمنع التسلح النووي وانتشاره بمختلف الوسائل والأساليب حتى غدت المصالح الاقتصادية في المجال النووي لا قيمة لها في سلم السياسة الأميركية مما يدل على مدى حساسية واشنطن تجاه هذا الموضوع. وقررت الإدارة إبراز عضلاتها في حين ما انفك قادتها يصرحون ويؤكدون أنهم لن يسمحوا لأي دولة في المستقبل القيام باختراق القرارات.
ومن هذا الباب يمن القول بأن السياسة النووية الأميركية دخلت مرحلتها الخامسة سنتي 1990- 1991، وذلك ابتداء من الحرب التي شنتها أميركا وحلفاؤها على العراق حيث تسنى لهم تحطيم كل مقوماته الصناعية النووية منها والمدنية. وقامت إدارة بوش بتقديم مساعدات مالية ضخمة –عن طريق الحلفاء أيضاً- إلى روسيا والجمهوريات الأخرى حتى تتخلى هذه الأخيرة عن الأسلحة والترسانة النووية، وقامت بوضع برنامج مشترك خاصة مع ألمانيا لشراء الأدمغة النووية السوفياتية حتى لا يهاجر هؤلاء إلى دول يمكن أن تشكل خطراً على الأمن والمصالح الحيوية لأميركا. وأما الظاهرة الثانية من سياسة بوش فهي العمل على دعم اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وحمل كافة الدول على التوقيع عليها بالإضافة إلى تقوية نفوذ المنظمة الدولية للطاقة النووية لتقوم بعمليات المراقبة المشددة لكل ما يتعلق بالذرة وبالصناعات النووية في كل بلدان العالم خاصة بلاد العالم الثالث.
ويظهر من نشاط إدارة كلينتون في هذا المجال أن سياسة بوش لا تزال سارية المفعول، ويظهر ذلك في عدة أمور:
أ- الدعاية لمؤتمر الاتفاقية الذي سيعقد هذا الشهر (ابريل) في نيويورك.
ب- الاصطدامات مع بعض الدول مثل كوريا الشمالية والعراق.
ج- الضغوطات الغير مباشرة على كل من الهند وإسرائيل للتوقيع على الاتفاقية.
ويلاحظ من ذلك أن أميركا أصبحت تمارس سياسة العصا الغليظة أكثر من أي وقت مضى بالإضافة إلى التهديد والترهيب ضد دول العالم الثالث من جهة، والترغيب والمناورات السياسية ضد حلفائها حتى تحافظ على مكانتها التاريخية لا من حيث أمنها القومي فحسب، بل وعلى القوة التي تمكنها من التسلط على كل العالم لنهب ثرواته وخبراته.
وها هي الهند تجاهر بالرفض لهذه السياسة متهمة الولايات المتحدة بسوء القصد والنوايا، لذلك نجد حكومة دلهي رفضت حتى المشاركة بمراقبين في المؤتمر لأن أميركا تريد لنفسها كل شيء ولا تريد للغير شيئاً.
6- السوق الأوروبية المشتركة:
كانت سياسة دول السوق المشتركة في بدايتها -خاصة فرنسا- تتمثل في الحيلولة دون قيام ألمانيا بالتصنيع العسكري النووي مخافة أن يعيد التاريخ نفسه. وفي سنة 1954 وقع المستشار الألماني آنذاك آدناور على اتفاقية بروكسل تتعهد فيها ألمانيا بعد التصنيع النووي العسكري. ونتج عن اتفاقية روما إنشاء منظمة المراقبة النووي وراتوم EURATOM التي أعطيت لها صلاحيات واسعة. ولم تخف فرنسا نواياها منذ البداية في القيام بالتصنيع العسكري للذرة حتى أنها تمكنت من إدخال مادة خاصة إلى اتفاقية روما تعطيها وحدها صلاحية الاستعمال العسكري.
إلا أن دول المجموعة سرعان ما اكتشفت أن بالإمكان استخدام الطاقة النووية في مجالات متعددة منها التجارة بالتكنولوجيا بمختلف أنواعها. ونتيجة لذلك صارت دول المجموعة تشجع الصناعة النووية المدينة مما جعل ألمانيا تتفوق فيها.
وبعد وضع أميركا لبنة اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وأشركت فيها الاتحاد السوفيتي وبريطانيا- التي لم تدخل السوق الأوروبية إلا في بداية السبعينات- بدأت تغازل أوروبا للتوقيع على الاتفاقية، وهنا سلكت كل الدول الأوروبية طريقها الخاص، ولم تكن هناك سياسة موحدة لدى الكل، ففرنسا أظهرت رفضاً ومعارضة شديدة للاتفاقية لأنها كانت ترى في التعاون الأميركي السوفيتي خطراً على مصالحها وأن الحد من التصنيع النووي يضر بسيادتها ورفضت التوقيع (إلى غاية 1992).
أما إيطاليا فقد تكلمت باسم بقية دول المجموعة حيث بذلك كل المجهودات أثناء المحادثات لحماية الصناعة النووية الغير عسكرية. وتمكنت في الأخير أن تنجح في فرض ما يسمى بالحل الأوروبي والذي يعطي لبقية دول المجموعة حق السير في خطى فرنسا متى حصلت الوحدة السياسية، أو بعبارة أخرى أن تملك كل دول المجموعة متى توحدت سياسياً أسلحة نووية. وبهذا أصبحت دول المجموعة بلداناً مصدرة لدول العالم الثالث بجانب أميركا والاتحاد السوفيتي، خاصة في مجال التكنولوجيا النووية. فكانت فكرة المنع أو الحد بعيدة كل البعد من التصور الأوروبي عكس أميركا، لذلك نجد فرنسا أرست دعائم التصنيع العسكري للذرة في أواخر الخمسينات وبداية الستينات في إسرائيل، وأمدتها بكل أنواع التكنولوجيا والمواد النووية بمساعدة النرويج، كما قامت بتزويد اسبانيا بمفاعل نووي. وقامت ألمانيا أيضاً بمساعدة جنوب أفريقيا في هذا المجال إلى غاية سنة 1975 حيث قررت جنوب أفريقيا التخلي عن السلاح النووي وألغت كل البرامج النووية بالرغم من أنها تمكنت من تصنيع ستة رؤوس نووية، كما قامت ألمانيا بمد الهند بالتكنولوجيا سنة 1979ـ وسارت معها في هذا الاتجاه كل بلجيكا وإيطاليا التي أمدت دولاً مثل الباكستان والعراق والهند والبرازيل… الخ.
وكان لتفجير الهند رأساً نووياً سنة 1974 أثراً فعالاً على السياسة الأوروبية فيما سمى بمنع انتشار الأسلحة، حيث توصلت دول المجموعة الأوروبية وأميركا في اتفاقية نادي لندن سنة 1977 إلى حل وسط يقضي بأن تلتزم كل الدول بالحذر في تصدير المواد والتكنولوجيا النووية.
وفي الثمانينات بدأت مرحلة جديدة في تاريخ السياسة النووية الأوروبية، ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين:
1- خطر انتشار الأسلحة النووية في العالم الثالث -خاصة العالم الإسلامي- بعد الانفجار النووي الهندي سنة 1974، بالإضافة إلى مسألة عالم الذرة الباكستاني الذي كان يعمل في المفاعل النووي الأوروبي أورناكر في هولندا، حيث قام بتقديم معلومات سرية للباكستان.
2- ضغط السياسة الأميركية -خاصة كارتر- دفع المجموعة إلى البحث عن سياسة موحدة تواجه بها هذه الضغوط للحفاظ على مكانة الصناعة النووية وعلى المسلح التجارية الأوروبية.
وفي سنة 1989 وصلت سياسة المجموعة الأوروبية في مجال منع انتشار الأسلحة النووية إلى منعطف تاريخي حيث صرحت كل الدول في مؤتمر منظمة الطاقة النووية في فيينا مساندتها لمنع انتشار الأسلحة النووية –وكانت هذه فكرة رئيس الوزراء الفرنسي روكار آنذاك- وجاءت حرب الخليج لتحمل فرنسا على التوقيع على الاتفاقية التي طالما عارضتها وعملت ضدها. وقدمت عروضاً ومساعدات لروسيا لمساعدتها على تجديد المنشآت الصناعية والتخلص من المنشآت النووية، والذي زاد من تشجيع السياسة الفرنسية للمضي قدماً في تشجيع منع انتشار الأسلحة النووية والعمل دون امتلاك دول العالم ا لثالث للأسلحة النووية والصناعية الحربية هو ما حدث في الجزائر في بداية سنة 1991 عندما تسربت معلومات عن المفاعل النووي الثاني في مدينة عين وسارة بالوسط، والذي شيدته الصين في سرية تامة، وأصبحت فرنسا تخشى على نفسها من رياح الجنوب بعدما كان همها رياح الشرق والخطر النووي من البلاد الشيوعية.
وبالنظر فيما ذكر في كل ما يتعلق بالتطور التاريخي للتسلح النووي ومواقف الدول النووية وسياساتها يمكن القول بأن النظام النووي الدولي الذي تسعى الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وولدهم المدلل إسرائيل بالإضافة إلى الاتحاد السوفيتي هو في لبه نظام اضطهادي جبروتي، فهو في الواقع يعطي حفنة من الدول حق تملك الأسلحة النووية في حين يمنع الأغلبية الساحقة من دول العالم الثالث من ذلك. كما يسعى –عند التمعن في ماهيته وخلفياته وأهدافه- إلى حرمان الشعوب حق الدفاع عن النفس، بل وتسعى هذه الدول خاصة أميركا إلى حل جيوش الدول وتجريدها من الأسلحة، والأمثلة على ذلك ظاهرة في بنما وهايتي. فسياسة الدول النووية والحملة التي تشنها هذه الدول تحمل في طياتها نوايا يراد تحقيقها على المدى البعيد ابتداء بإلغاء سيادة الدول وسلطانها وانتهاء بحل الجيوش والسماح بقوى أمنية داخلية ليس في حوزتها إلا المسدسات البدائية كما يمكن رؤية عينة ذلك في دويلة عرفات المسماة أريحا والقطاع.
فمبدأ الحد ومنع انتشار الأسلحة النووية الذي وضعت أسسه أميركا يعبر عن الإستراتيجية الذكية التي رسمتها أميركا في التعامل مع الدول النووية الأخرى ومع بقية الدول العزل. فهي من جانب تراقب كل تطورات الصناعة النووية في الدول حتى تأمن شرها، وتعمل في الخفاء على حملها على التخلص الكامل من الأسلحة النووية، ومن جهة أخرى تهدد وتتوعد الدول الضعيفة. ولقد أضافت أميركا عنصراً هاماً في دعايتها يتعلق بالبيئة وآثار الطاقة النووية على الطبيعة محاولة إيجاد أنصار ضد كل ما يتعلق بالتصنيع النووي خاصة في البلاد الأوروبية. وبالرغم من وجود منظمات واتفاقيات لمنع الأسلحة النووية إلا أن أميركا ودول النادي النووي لا تولي المادة 4 من قانون الاتفاقية أية أهمية حيث أن هذه المادة تفرض على الدول النووية بذلك الجهود لنزع السلاح النووي والتخلص منه نهائياً.
وتقوم هذه الدول بمسرحيات في هذا المجال لتذر الغبار في الأعين أسمتها ستارت START واحد واثنين، ودمرت بعض الرؤوس النووية، إلا أنها لا تزال تملك الآلاف من القنابل والأسلحة النووية التي تهدد استقرار الإنسانية. وعلاوة على ذلك فإن سياسة الكيل بمكيالين من معالمها الواضحة فهي من جهة سمحت لإسرائيل وسكتت عنها في التصنيع النووي دون أي ضغط، في حين أنها تلجأ إلى الفتك بالدول الضعيفة مثل ما حصل مع العراق. لذلك وجد في المدة الأخيرة رفض متزايد لدى العديد من شعوب دول العالم الثالث ومنها الشعوب الإسلامية.
7- المسلمون والسلاح النووي:
كثر الصخب في السنوات الأخيرة –خاصة بعد حرب الخليج وسقوط الاتحاد السوفيتي- حول السلاح النووي وخطر الإسلام والمسلمين في حالة امتلاكهم وحصولهم على سلاح نووي، وكأن المسلمين هم الذين صنعوا القنابل النووية ورموها على اليابان. وأصبح العديد من السياسيين في الغرب يصورون المسلمين على أنهم وحوش مفترسة يحاولون الاستيلاء على القنابل والأسلحة النووية لقصة المدن الأميركية والأوروبية، كما طرحت مسألة القنبلة النووية الإسلامية الباكستانية، وكأن الباكستان دولة ذات سيادة تخدم الإسلام والمسلمين، كما سبق وأن جرى الحديث في الستينات عن تلك الصواريخ الناصرية العظيمة الظافر والقاهر… الخ، ذلك قولهم بأفواههم.
فالحديث عن التسلح النووي والتكنولوجيا والسلاح النووي في إطار الإسلام ليس كلام سفسطة، ولا هو أمر يخوض فيه المسلم مع الخائضين، وإنما النظر إلى هذه المسألة كلها يجب أن يكون بالنسبة للمسلم من زاوية ووجهة نظر خاصة لا تمت إلى وجهة نظر الغرب أصلاً وفرعاً بشيء. وهذه الزاوية حضارية بحتة لا تحددها المقاييس البشرية، وإنما الذي يحددها ويرسمها خالق البشر. فالدول الرأسمالية وفي مقدمتها أميركا تؤمن بأن مقاييس الأعمال هي المنفعة لا غير، لذلك نجدها تسخر كل الوسائل والأساليب لتحقيق تلك المنفعة التي هي هدفاً بعينة ولو أدى ذلك إلى ارتكاب أبشع الجرائم في حقوق الشعوب البشرية كما حصل في اليابان، وفيتنام والعراق. فالسلاح النووي منذ أن صنع من قبل أميركا لا يستخدم إلا لتركيز السياسة الاستعمارية التي هي نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي القائم على الجشع والطمع والسلب والنهب وامتصاص دماء الشعوب. فالهيمنة في مفهومها ليست للأخذ بيد البشرية إلى ما فيه الخير لها، وإنما هي غرس المخالب في أجسام الشعوب والقضاء على حياتها ووجودها، فالولايات المتحدة عندما صنعت القنبلة النووية لم يكن هناك أي خطر مباشر عليها خاصة وأن ا لقوة النازية تحطمت بأسلحة تقليدية، واليابان كانت قاب قوسين أو أدني من السقوط، وبريطانيا وفرنسا أنهكتهما الحرب، ولم يكن الاتحاد السوفيتي يمثل ذلك الخطر العسكري على أميركا، فقد فجر أول قنبلة ذرية سنة 1953.
فالدافع لتصنيع القنابل النووية كان نتيجة لخروج أميركا عن عزلتها للسيطرة على كل العالم واستغلال خيراته وحدها دون إشراك الآخرين، بل وحتى القضاء على النفوذ البريطاني والفرنسي في مختلف القارات. وما تصنيع بريطانيا وفرنسا بدورهما للقنابل النووية إلا لمنافسة أميركا والدول الأخرى في ابتزاز ثروات العالم وخيراته. أما الاتحاد السوفيتي (روسيا) والصين فإنهما اعتنقا المبدأ الرأسمالي بعد سقوط الشيوعية فصارت المنفعة أساساً لأعمالها وذلك من طبيعة سياستهما أن تصبح استعمارية تسلطية، والكلام نفسه ينطبق على الهند وإسرائيل فوجهات النظر لديهما غربية بحته، أي ليس بالدرجة الأولى دفاعاً عن النفس وإنما هو وسيلة لبسط النفوذ الاقتصادي والاستغلالي على كل المناطق المجاورة، فالهند تتربص بجنوب شرقي آسيا والباكستان وأفغانستان، كما تعمل دولة يهود على بسط نفوذها الأخطبوطي على كل البلاد الإسلامية وخاصة البلاد العربية.
وبالرغم من أن هذه الدول تملك وجهة نظر واحدة إلا أن ا لطمع وحب الاستئثار بكل شيء يجعلها تتنافس فيما بينها، وربما أدى ذلك إلى حروب بسبب ثروات أو امتيازات اقتصادية. لذلك نجد أميركا تنتهج سياسة تعمل من خلالها على حمل هذه الدول النووية على التخلي عن الأسلحة النووية، وما مسألة الباكستان والهند، ودول الشرق الأوسط وإسرائيل في طرح السلاح النووي إلا دليل على الصراع الخفي الذي يجري بين الحلفاء والأصدقاء.
إن الإسلام دين رحمة وهداية وحياة، فالله سبحانه وتعالى عندما خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) بَيَّن أن دين الإسلام إنما جاء ليسعد البشرية، لا ليشقيها أو يهدد أمنها واستقرارها، فجعل مقياس المسلم الحلال والحرام، وجعل هدفه منصباً على رغبة نوال رضوان الله تبارك وتعالى، وأبعد الأنانية والعلاقات الجاهلية من تصوره حتى يعمل لإسعاد البشرية وهدايتها وإخراجها من ظلام الجهل الدامس إلى نور الإسلام الساطع، ومن فوضى القتل والنهب إلى نظام رباني يشمل كل جوانب حياة الإنسان.
فالقتال والقتل في تصور المسلم محدد ومقيد بأوامر الله ونواهيه ومربوط بالهدف الذي رسمه الشاعر، فالمسلم لا يقاتل من أجل الهيمنة على آبار البترول ولا على مناجم الفحم، ولا على أماكن إستراتيجية تمكنه من السيطرة الظالمة على كل مكان. والقتال في الإسلام لا يعني سحق البشرية وهلك الحرث والنسل بوسائل تقوم الدول الغربية والشرقية باستخدامها دون رادع مثل الغازات السامة والأسلحة النووية والبيولوجية وغيرها.
فبحث مسألة السلاح النووي في الإسلام كوسيلة حربية يبحث من زاوية وجود الدولة الإسلامية التي تقوم بتطبيق شرع الله في الداخل وتحمله رسالة نور وهداية إلى الإنسانية جمعاء، فواقع التسلح والسلاح النووي لا يمكن بحثه إلا بوجود أرضية وهذه الأرضية هي الدولة لأن المسألة ليست مسألة تملك فرد من الأفراد هذه المادة وإنما الأمر يشمل التصنيع، والتكنولوجيا والمواد الأساسية… الخ، وهذه لا يمكن لأفراد ولا لجماعات مهما بلغت من قوة أن تقوم به. وحتى الدويلات القائمة في العالم الإسلامي لا تجعله موضوع بحث لأنها لا تملك زمام أمرها، وإذا حدث وأن سمح لها الغرب بتصنيع بعض التنقية المتعلقة بالمادة النووية فذلك لا يعني أنها أصبحت تملك قوة نووية ضاربة لأنا بمقام العبد، والعبد مسؤول أمام سيدة لا يأتمر إلا بأمره ولا يكون إلا رهن إشارته. فالباكستان مثلاً سمحت لها أميركا ببناء صناعة نووية حتى تتخذها أداة للضغط على الهند وإزعاج الصين وروسيا، ويستحيل أن تقوم بالباكستان بأي عمل يعرضها لغضب ونقمة أميركا، وكذلك حاكم مصر حسني مبارك الذي صار في الآونة الأخيرة يهدد ويتوعد أنه في حالة تعنت إسرائيل في عدم كشف قوتها النووية وتوقيعها على الاتفاقية ستفعل مصر وستفعل، وهذا الكلام ما هو إلا ما تريد أميركا منه أن يقوله تنفيذاً لسياستها التي تهدف إلى إلجام إسرائيل. وحتى لو فرضنا السلطة على الصناعة النووية عندها، فهذا لا يكفي لأن المسألة تتعلق بالمبدأ الذي تطبقه ووجهة النظر التي تحملها.
فلذلك إن توفرت القدرة عند الباكستان أو العراق أو الجزائر في مجال التصنيع، مع بقائها تتحرك على أساس قومي أو وطني أو إقليمي ضيق فلا اعتبار لها من هذا الباب حتى يتغير واقعها من دار تحكم بأحكام الكفر إلى دار كلمة الله فيها هي العليا. فالبحث يتعلق بالدولة الإسلامية والسلاح النووي لأن الدولة في مفهوم الإسلام هي طريقة لتطبيق الإسلام كاملاً متكاملاً في جميع شؤون حياة الأمة يحكمها خليفة واحد يبايع على السمع والطاعة، ويكون المقياس فيها الحلال والحرام.
فالدولة الإسلامية عندما تقوم بإذن الله سيكون وجود الأسلحة النووية لدى بعض الدول أمراً بديهياً، لأنه من استقراء الواقع والمبدأ الذي يسيطر على هذه الدول الغربية نجد أن الطمع والنهب صفتان ملازمتان له بالإضافة إلى حب السيطرة والاستقلال، فحتى يتسنى للدولة الإسلامية تطبيق شرع الله في الداخل ثم حمل رسالته إلى البشرية كما أمر الله أن يُحمل لا بد لها من دعائم ترمز الأمن والطمأنينة والقدرة على حماية بيضة الإسلام وحمل رسالته.
لذلك لا يمكن تصور هذه الدولة وهي الدولة المبدئية أن تقف مكتوفة الأيدي لأنها لا تعبر ملزمة بتكريس جهودها في الداخل فقط، بل وكذلك الالتفات إلى المهمة الأساسية لها وهي حمل الدعوة، وحمل الدعوة يجعل الاصطدام بديهياً بحواجز مادية مختلفة الأشكال من الإعلام إلى الترسانات النووية لدى الدول الأخرى.
والمتأمل في آثار الأسلحة النووية يجدها نوعين:
1- الردع.
2- الفساد والقتل.
فهي في ذاتها أسلحة مدمرة فتاكة تحرق وتشوه وتخرب وتجعل الحياة غير ممكنة من جراء الإشعاع النووي، وبالالتفات إلى الآيات الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالى ذم الفساد، إذ يقول: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، ويقول: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، ويقول: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الرادعة. فما دامت الدولة الإسلامية تعمل لإسعاد البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور فليس لها إلا:
1- التسلح بالأسلحة النووية، وخوض سباق في هذا المجال.
2- التخلي عن الأسلحة النووية.
3- التسلح لردع من يقف في وجه الدعوة ويهدد الدولة والأمة، وفي نفس الوقت العمل من أجل دفع جميع الأمم للتخلص من كافة الأسلحة النووية الموجودة في العالم أجمع.
أما الخيار الأول:
وهو التسلح بالأسلحة النووية كأي دولة أخرى، فهذا لا يخدم أهداف المهمة الأساسية للدولة التي هي حمل الإسلام والعمل على نشره وتطبقه على الأحمر والأسود، والأصل أن الأسلحة النووية يحرم استعمالها لأنها تهلك البشر، والجهاد هو لإحياء البشر بالإسلام، لا لإفناء الإنسانية.
الخيار الثاني:
وإن اختارت الدولة الخيار الثاني وهو التخلي عن الأسلحة النووية ابتداء، فإن ذلك يفتح ثغرات متعددة للعدو ليضغط ويهدد، وحتى ربما يحتل أجزاء من الدولة، ناهيك عن أن حمل الدعوة لن يوجد لأن القوة التي تتكفل بإزالة العوائق المادية غير متوفرة والإعداد الذي يردع العدو غير موجود.
الخيار الثالث:
بقي الخيار الثالث، وهو الصحيح، أن تقوم الدولة ببناء ترسانة نووية تحمي بها بيضة الإسلام، وتسهل طريق حمل الدعوة، وقد أجاز الشرع وفي الحرب أشياء حرمها في غير الحرب، وحرم فيها أشياء أجازها في غيرها. فقد أجاز فيها الكذب مع العدو، مع أنه حرام معه في غير الحرب. وحرم اللين مع الجيش مع أنه مندوب في غير الحرب. وهكذا جعلت السياسة الحربية للأحكام اعتباراً خاصاً في الحرب، وهذه الاعتبارات منها ما يتعلق بمعاملة العدو، ومنها ما يتعلق بالأعمال الحربية نفسها، ومنها ما يتعلق بالجيش الإسلامي، ومنها ما يتعلق بغير ذلك فمما يتعلق بمعاملة العدو، جعل الإسلام للخليفة وللمسلمين أن يفعلوا بالعدو مثل ما من شأنه أن يفعله العدو بهم، وأن يستبيح من العدو مثل ما يستبيحه العدو من المسلمين، ولو كان من المحرمات. قال الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ). وقد روي أن سبب نزول هذه الآية أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد: بقروا بطونهم، وقطعوا مذاكيرهم، وشرموا آنافهم، ما تركوا أحداً إلا مثلوا به إلا حنظلة بن الراهب. فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة، وقد مثل به فرأى منظراً ساءه وقد شق بطنه واصطلم أنفه فقال: «أما والذي أحلف به إن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك» فنزلت هذه الآية. فالآية نزلت في الحرب وهي إن كانت نهت عن الزيادة عن المثل، ولكنها صريحة في إباحة أن يعمل المسلمون مثل ما يعمله الكفار بهم، حتى إن الآية يفهم منها إباحة التمثيل بقتلى الكفار الذين مثلوا بقتلى المسلمين، على أن لا يزيد على مثل ما فعلوا، مع أن التمثيل حرام، ووردت الأخبار بالنهي عنه، إلا أن هذا النهي إنما يكون إذا لم يمثل العدو بقتلى المسلمين، وإلا فإن للمسلمين أن يفعلوه إذا كان العدو يمثل بقتلى المسلمين. ومثل ذلك الغدر ونقض العهد فإنه إن فعله العدو أو خيف منه أن يفعله جاز لنا أن نفعله، وإلا فلا يجوز أن نفعله. وإنما جاز لنا أن نفعله مع أنه ورد النهي عنه عملاً بالسياسة الحربية، إذ أن النهي عنه إنما يكون إذا لم يفعله العدو فإن فعله جاز للمسلمين أن يفعلوه، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء).
وعلى هذا فإن الأسلحة النووية يجوز للمسلمين أن يستعملوها في حربهم مع العدو، لأن الدول كلها تستبيح استعمال الأسلحة النووية في الحرب فيجوز استعمالها طالما وجد من يبيح استعماله وبالتالي فإن امتلاكها فرض على المسلمين وتدخل في باب الإعداد الواجب لردع العدو وبناء على ذلك فإن التوقيع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية لا يجوز بحال من الأحوال طالما هناك من يملكه من غير المسلمين وخاصة أنهم يستبيحون استخدامه وفي وقت السلم يجعلون منه أداة ابتزاز.
ومن وجهة أخرى تقوم الدولة بتقديم حلول إلى كافة شعوب المعمورة لحل مشكلة الكابوس النووي، فتعمل منذ البداية بجد وبصدق في اللهجة على إيجاد رأي عام لدى شعوب العالم –وحتى شعوب الدول النووية نفسها غير راضية عن الواقع ومتخوفة من هذا السلاح- ضد الأسلحة النووية.
وذلك بإظهار نوايا الدول النووية الأخرى –وما ستؤول إليه البشرية إن حصلت حرب نووية- ولا تكتفي الدولة بالتركيز على مسألة الأسلحة النووية فقط، بل تقوم بعرض وفضح كل الأفكار وأنماط الحياة للمبدأ الرأسمالي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً… الخ. فتقوم بتغذية صراع فكري عقدي يلفت انتباه الشعوب الأخرى إلى فساد النظام الرأسمالي، وتعمل على إلغاء المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والمنظمات السياسية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والأحلاف العسكرية مثل الحلف الأطلسي والاتفاقيات العسكرية الجائرة، ويكون عملها مصحوباً بإعطاء أمثلة حية على خير الإسلام كنظام في مختلف المجالات وبذلك تهوي القوة النووية حضارياً، لأنه متى سقط قناع المبدأ الزائف فإن الشعوب ستلتفت إلى عدل المبدأ الإسلامي وستعمل هي بنفسها على التخلص من ترسانات حكوماتها. وبذلك تطهر الأرض من غراب البين هذا الذي يهدد الاستقرار، ويعم الأمن كل أرجاء المعمورة، ويحقق الله للمسلمين بشارة نبيهم عليه الصلاة والسلام: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشرقها ومغربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها» ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
1995-05-31