المخاطر التي تحف بالخــلافـة عند قيامها وكيفية اتقائها (1)
1999/09/24م
المقالات
1,589 زيارة
بقلم: أبو أسيد ـ ألمانيا
يتساءل البعض عن مصير الدولة الإسلامية عند قيامها القريب بإذن الله؛ يتساءلون عن المخاطر التي تهددها وماذا سيكون مصيرها وكيف ستتصرف وتتقي تلك المخاطر المحتملة؟
إن هذه التساؤلات في محلها، فهناك مخاطر تحف بأية دولة عند قيامها مهما كانت، إلى أن تتحدد هويتها واتجاهاتها، فكيف بدولة مبدئية، مثل الدولة الإسلامية، وهي ليست جديدة وإنما هي استئناف لدولة سادت أكثر من 1300 سنة، وكانت لستة قرون الدولة الأولى في العالم بلا منازع، ثم بعد هجمات الصليـبيين والمغول عليها والتجزئات التي أصابتها لمدة قرنين تقريباً، عادت مرة أخرى دولة كبرى، وبعد فترة ليست طويلة، أصبحت الدولة الأولى بلا منازع، واستمرت على ذلك ثلاثة قرون. وعلى ذلك فإن الدولة الإسلامية تبوأت مركز الدولة الأولى في العالم بلا منازع لمدة تسعة قرون. وهذا ليس قليلاً بالنسبة لعمر الأمم. إذ لم يحدثنا التاريخ عن مثيل لذلك أو ما يقاربه. وهذا دليل على صحة القيادة الفكرية في الإسلام. أضف إلى ذلك، أنها استطاعت أن تصهر كافة الشعوب المختلفة، والتي كانت متعادية، ومتناقضة في الاعتقادات والأديان والعادات في بوتقة واحدة. وهذا ما لم تستطع أية قيادة فكرية أخرى تحقيقه. وإضافة إلى ذلك كانت بلاد المسلمين منارة في العلم والتقدم العلمي، وفي الفكر والأدب والتقدم الصناعي، بالنسبة لتلك العصور والشعوب؛ ولهذا فهي معروفة التوجه والاستراتيجية حتى قبل قيامها.
دول الغرب وعلى رأسهم أميركا وبريطانيا وفرنسا، يعرفون ذلك، ويدركون خطر الإسلام عليهم عندما يتجسد في دولة وإن كان في ذاته خيراً لهم وهدىً ونوراً: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم) (آل عمران110)، فالإسلام ليس خاصاً بشعب أو بشعوب معينة، أو ببلد أو بلاد معينة، وإنما هو رسالة سماوية، يحمل لكافة الشعوب، ويستهدف فتح كافة البلاد ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها وسعة الآخرة، وهو نظام متكامل للحياة، والدولة جزء منه، والجهاد طريقة حمله إلى العالم. ولهذا حرص الكفار، ويحرصون على محاربة الإسلام كنظام للحياة، وعملوا وما زالوا يعملون على جعله ديناً كهنوتياً كالنصرانية، ويطبقون تعريف الدين عليه، حيث يعرف الغرب الدين بأنه شعور وجداني، له علاقة باعتقاد الإنسان وبتدينه بأشكال وطقوس معينة، يسمونها عبادة، وبمجموعة من القواعد الخُـلُـقية والإنسانية. فلا يريدون أن يعترفوا أن فيه نظام حكم، ونظام اقتصاد، ومنه النظام المالي، وفيه سياسة خارجية. ويحاربون فكرة الدولة، وفكرة الجهاد بشتى الأساليب، ويقومون هم وعملاؤهم بتمييع هاتين الفكرتين لأنهما من أفكار الطريقة، وبهما يطبق الإسلام ويحمل إلى العالم، وبدونهما لا يمكن أن يطبق الإسلام إلا فردياً وبشكل جزئي، ولا يحمل إلى العالم إلا على نطاق فردي غير مؤثر، كما هو حاصل بالفعل من بعض الأفراد، ويبقى تأثيره فردياً. ولكن عندما يحمل بالجهاد، الذي تعلنه الدولة وتهيئ له، تكون النتائج كما قال تعالى في سورة النصر: (إذا جاء نصر الله والفتح @ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً )@. فالعوام من الأوروبيين لا يدركون ذلك، بل ينظرون إلى وضع العالم الإسلامي المتأخر، وفقر المسلمين وتشردهم، فيعزون ذلك إلى عدم صحة الإسلام، وعجزه عن معالجة المشاكل، وإنهاض أهله فيعرضون عنه، وأكثر الذين يدخلون الإسلام منهم يحفزهم إلى ذلك الخواء الروحي، فتراهم يقبلون على التصوف، ولا يَقبلون فكرة الإسلام السياسية كما يسمونها، وإن كان الإسلام كله سياسة متميزة.
فالغرب كله، وعلى رأسهم أميركا عقدوا العزم على محاربة الأحزاب الإسلامية التي تعمل لإقامة الخلافة، فكيف إذا قامت هذه الدولة، وأظهرت مبدئيتها، وعزمها على تطبيق الإسلام بشكل جدي، وحمله إلى العالم وبدأت بصنع نهضتها وأخذت تقطف ثمارها؟! ستكون حملتهم ضدها شرسة وخبيثة.
إن الدولة الإسلامية هزمت في الحرب العالمية الأولى، واحتُلت أراضيها وعاصمتها، واقتسمتها الدول الاستعمارية، وأقرت اقتسامها في معاهدة لوزان بشكل رسمي، ومُزِّقت شر ممزق وأقيمت على أنقاضها دويلات تابعة لهذه الدول الغازية، وتطبق أنظمتها الكافرة، وتتبع سياستها الشريرة، وتكفلت هذه الدويلات مهمة الحيلولة دون وحدة البلاد الإسلامية وإقامة الخلافة، وإعادة تطبيق الإسلام، حتى إنها تمنع قيام أي حزب سياسي على أساس الإسلام، وتسمح بإقامة أحزاب سياسية على أساس العلمانية أو القومية أو الوطنية أو الاشتراكية.
رغم هذا كله، قام منذ نصف قرن أول حزب سياسي على أساس الإسلام، يعمل بشكل جدي لإقامة الخلافة ولإنهاض الأمة، فيقوم بالصراع الفكري، ويتولى الكفاح السياسي، فيكشف خطط الاستعمار وعملائه، ويتبنى مصالح الأمة ويثقف الجماهير بالإسلام، بشكل سياسي بإنزال الأفكار الإسلامية على الوقائع، وبعرض الحلول الإسلامية لكافة المشاكل، ويبني الشخصيات الإسلامية، ويعمل على إيجاد رجال الدولة منهم، ما يؤكد أن الأمة حية وخيّرة ومعطاءة، إذ، برغم الضربات المميتة، التي تعرضت لها، ما زالت متمسكة بإسلامها لأن المحاولات موجهة إليها للقضاء عليها كأمة إسلامية واحدة. ولكن عقيدة الإسلام عقيدة مبنية على العقل وتتفق مع الفطرة، فلهذا صمد الإسلام وتمسك أهله به. وعندما تزال الأتربة والغبار عن البذرة، أي عن العقيدة، وعندما تربط جذورها بها، وتفصل عنها الجذور المزيفة، فإنها ستعود إلى فهمها الصحيح لإسلامها، وستعود مرة أخرى قوية عملاقة، وتتبوأ دورها، خير أمة أخرجت للناس، تؤمن بالله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتـنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران 110).
نحن لا نعلم الغيب، ولكننا نستقرئ من قراءتنا للماضي والحاضر، والنظر في المستقبل، ماذا سيحيط بالدولة، وما سيحف بها من مخاطر عند قيامها. خاصة وأن تصرفات الدول والأشخاص تتشابه في المضمون وتختلف في الأسلوب. فدعونا نستعرض ما نحتمل من كل ذلك في خطوط عريضة وبشكل مختصر:
1ـ إن الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي تقوم الآن بمحاربة الحركات، التي تعمل لإقامة الخلافة بكل ما أوتيت من قوة وتضطهد العاملين معها. فلقد أناطت الدول الاستعمارية بها هذه المهمة، وخوفتها من هذه الحركات، كما أن غالبية قادة هذه الدول يعادون أفكار الإسلام وأحكامه، ولا يعتقدون صلاحيتها للتطبيق.
فهذه الأنظمة لا تطبق الإسلام وتحارب تطبيقه باستثناء بعض الأحكام المتعلقة بالعبادات أو الأخلاق وبالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق، كونها عند الغربيين مفصولة عن الدولة، ومرتبطة بالكنيسة، وأكثر ما يعنيهم نظام الحكم والنظام الاقتصادي والمالي، والسياسة الخارجية، والسياسة الحربية، فهذه محظور أن يكون لها علاقة بالإسلام. فأنظمة الحكم إما ملكية أو جمهورية، والنظام الاقتصادي يقوم على الحرية الاقتصادية: حرية التملك، وحرية التصرف، وحرية التنمية، وحرية السوق. والمصارف الربوية ركن أساس في الحياة الاقتصادية. والسياسة الخارجية تقوم على أساس الاعتراف باستقلال الدويلات القائمة في العالم الإسلامي، وهناك المعاهدات والاتفاقيات التي تركز هذا الاعتراف وتؤكده وتحافظ عليه. فجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، كل هذه المنظمات والمؤسسات قامت لتعميق التجزئة، والمحافظة عليها، وحفر خنادق عميقة تحول دون الوحدة بين بلاد الإسلام، وبين المسلمين حتى لا يعود المسلمون أمة واحدة في دولة واحدة. كما أن هذه الدول أعضاء في الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، وتعترف بمواثيقها وتطبق قراراتها، ولو كانت ضد بعض دول المنطقة، كما حصل في تنفيذ المقاطعة ضد العراق وليـبيا، وهي تلتزم القانون الدولي في العلاقات الدولية.
ولهذا فإن هذه الدول ستستـنفر قواتها للمحافظة على كياناتها أن تذوب في دولة الخلافة، وعلى حكامها أن تطيح بهم شعوبهم المتجاوبة مع دولة الخلافة، كما أن الدول الاستعمارية وخاصة أميركا ستعمل على حشد هذه الدول القائمة في العالم الإسلامي لتقف في وجه الدولة الإسلامية. فإذا كانت أميركا قد حشدت العديد من دول المسلمين، ضد العراق، وهو ليس دولة إسلامية، وليس عنده استراتيجية لتوحيد المسلمين في دولة واحدة، تنافس أميركا على زعامة العالم، فإنها من باب أولى، ستحشد أكثر وأوسع ضد دولة الخلافة.
ولهذا نستطيع أن نقول إن هناك مثل هذا الاحتمال بالتدخل ضد الدولة الإسلامية تحت شعارات مختلفة. ويقوي هذا الاحتمال قيام الدولة الإسلامية بتطبيق سياستها الإسلامية بتوحيد البلاد الإسلامية وضمها إليها. وهذا سيخيف الدول القائمة في العالم الإسلامي وسيشجعها على التحالف مع أميركا كما حصل عندما قام العراق بضم الكويت فشجعها ذلك على التحالف مع أميركا بل جعلها ترتمي في أحضان أميركا للحماية من بعبع صدام.
وربما تستعدي أميركا دولة إقليمية قوية للاشتباك مع الدولة الإسلامية، كما أرسلت مصر الناصرية للتدخل في اليمن لتحقيق المصالح الأميركية في الستينيات. وكما قامت تركيا مؤخراً بالتحالف مع إسرائيل بتهديد سوريا، أو كما قام العراق بالهجوم على إيران في الثمانينيات لإعادة النفوذ الإنكليزي هناك.
2ـ إثارة النعرات القومية والوطنية والمذهبية؛ ومطالبة أصحابها بما يسمى بالحقوق القومية والوطنية أو المذهبية، وحق تقرير المصير، والحكم الذاتي والاستقلال التام، كما حصل في نهاية الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلامية، وكما هو حاصل الآن في العراق وتركيا والسودان والمغرب وغيرها من الدول القائمة في العالم الإسلامي. والأمم المتحدة ترعى هذه النعرات وأصحابها، وتقر بالتمردات تحت اسم حق تقرير المصير للشعوب، وحماية حقوق الإنسان. والدول الكبرى، وعلى رأسها أميركا، تستخدم هذه الدعوات، من أجل التدخل لحماية أصحاب هذه النعرات. مع العلم أن أميركا تقوم منذ سنين طويلة بتغذية هذه النعرات، وتتصل بأصحابها وتربطهم بها، وتشجعهم على التحرك وتمولهم وتدعمهم مباشرة أو غير مباشرة، فاحتضنت حزب العمال الكردستاني، ودعمته في جنوب شرق تركيا وشمال العراق لتحقيق الانفصال. وأوجدت البوليساريو في صحراء المغرب، وأخذت تدعمها سياسياً وعلناً وبواسطة الأمم المتحدة.
3ـ إيجاد تكتلات ودعوات ومنظمات تدعو إلى حقوق الإنسان، ومنها احترام حرية الفكر والاعتقاد. وخاصة عندما تبدأ الدولة الإسلامية بمحاسبة المرتدين والزنادقة والعملاء، وتقوم بتطبيق أحكام الإسلام عليهم وعلى المخالفين للأحكام الشرعية. وكما نرى تقوم هذه المنظمات بنصرة المرتدين في مصر وبنغلادش وإيران، وكل من يطيل لسانه على الإسلام بحجة حرية الفكر، ويمنح هؤلاء جوائز وميداليات تكريماً لارتدادهم، أو لتطويل لسانهم على الإسلام، فمـنـحـوا نجيـب محفـوظ جائـزة نوبـل للآداب ومنحوا أحد رجال الدين النصراني في تيمور الشرقية جائزة نوبل للسلام بسبب دعوته للانفصال عن إندونيسيا.
والجدير بالذكر أن رئيس أميركا الحالي كلينتون أقر مؤخراً قانوناً تبناه الكونغرس يسمح لأميركا بالتدخل في الدول التي تقوم بما يسمى بالاضطهاد الديني، إلا إذا كان ذلك التدخل يضر بمصالح الولايات المتحدة. وظاهر هذا القانون ومفهومه يدلان على أن أميركا ستتخذ ما يسمى بالاضطهاد الديني ذريعة للتدخل لتحقيق المصالح الأميركية. ولكن لا تتدخل إذا أضر ذلك بمصالحها، كما ورد في نص القانون وهذا دليل قاطع على أن هذا التدخل هو ذريعة لا غير.
وكذلك الأمم المتحدة تتبنى ما يسمى بإعلان حقوق الإنسان. وقد استخدمت أميركا هذا الإعلان للتدخل في دول الاتحاد السوفياتي من أجل تمزيقه، ولمحاربة الشيوعية وللحد من انتشارها. وتفعل ذلك الآن مع الصين لتمزيقها. ولعلنا لا ننسى ما ألصق بالإسلام، وبالسعودية من افتراءات لتنفيذها الحد الشرعي في إحدى الأميرات؛ فإذا رجمت الدولة الإسلامية زانياً محصناً فسيقيمون الدنيا ولا يقعدونها. و إذا قامت الدولة بقتل مرتد لم يتب، أو بقطع يد سارق فإنهم سيثيرون مسألة حقوق الإنسان ويصورون الدولة والإسلام بالوحشية. وإذا منعت حزباً قومياً أو علمانياً أو وطنياً أو مذهبياً فسيدعون أن حقوق الأقليات والإثنيات قد انتهكت. مع العلم أنه لا يوجد عندنا أقليات، فكل من يحمل التابعية في الدولة له كافة حقوق التابعية، وعليه كافة واجبات هذه التابعية، وكذلك لا يوجد إثنيات فالكل متساوون أمام الدولة والقضاء، فلا يوجد تمييز عرقي أو قومي أو مذهبي أو غير ذلك، فيطبق شرع الله على الجميع بعدل وإنصاف. وكذلك عندما تجبر النساء على ارتداء اللباس الشرعي، شعار عفتهن وكرامتهن، فسيدعون أن حقوق المرأة قد انتهكت. فإذا ما أقروا حقوق الإنسان كقانون دولي، فإن مجلس الأمن سيتدخل عسكرياً، وسيفرض العقوبات ضد الدولة. فقد عقد في باريس بتاريخ 10/12/98 مؤتمر حقوق الإنسان لإحياء الذكرى الخمسين لإعلانها وكان ذلك بمشاركة فرنسا ومنظمة اليونسكو. وقد دعيت إليه كافة منظمات حقوق الإنسان في العالم، وطالب المشاركون بجعل حقوق الإنسان قانوناً دولياً يوضع في الأمم المتحدة، وأن يحصل تدخل دولي عند انتهاكها، في أي بلد، ولو كان ضد أفراد كما ذكر شيراك وغيره.
4 ـ التدخل باسم الشرعية الدولية، واتخاذ قرارات من مجلس الأمن ضد دولة الخلافة بدعاوى باطلة، وخاصة عندما تعلن الدولة الإسلامية انسحابها من الأمم المتحدة وتبدأ بتحريض الدول الأخرى على الانسحاب من هذه المنظمة والعمل من أجل إيجاد منظمة عادلة بديلة، وتبدأ بتوحيد البلاد الإسلامية، وفي ذلك ضرب للنظام الدولي، وللقانون الدولي، ومن ثم تشرع ببناء ترسانة أسلحة استراتيجية لإرهاب الأعداء وتوجد الثورة الصناعية، وفي ذلك ضرب النظام الأمني في المنطقة. فستكون محاولات التدخل ضـد الدولـة بحـجـة حمـايـة الأمم المتحدة وشرعتها، ولإزالة أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على النظام الدولي .
[يتبع]
1999-09-24