من الخطأ أن يُستعمل لفظ الوحدة مكان لفظ الجماعة، ولا يصح ذلك لغة ولا شرعاً، فالوحدة لغة بفتح الواو وكسرها والبقاء مفرداً، وهي مصدر وحد بضم الحاء وكسرها، والتوحيد مصدر وحد بتشديد الحاء وفتحها، فوحَّد توحيداً جعله واحداً، ولذلك كان التوحيد الإيمان بالله وحده أي إفراده بالألوهية، ويقال: الوحدة خير من جليس السوء. ولم يرد في اللغة أن التوحيد أو الوحدة تأليف المتفرق أي الجمع. وأما شرعاً فلم يَرد استعمال لفظ الوحدة مكان الجماعة. ولفظ واحدة الوارد في قوله تعالى: (أُمَّةً وَاحِدَةً) وفي المعاهدة التي عقدها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة الأولى من الهجرة «أمة واحدة من دون الناس» معناه انفراد المسلمين عن غيرهم أي تميزهم، ولا يعني أنهم جميع، أو جماعة، أو غير متفرقين. فلأمة الواحدة غير الجماعة. ويمكن أن يتضح الفرق بينهما في حال غياب الجماعة كما هو حال المسلمين اليوم، فالمسلمون أمة واحدة، كانوا وما زالوا، والأمة الإسلامية موجودة رغم انعدام الجماعة، أي أن المسلمين لا زالوا أمة من دون الناس متميزين متفردين بعقيدتهم، ولم يمنع هذا من تفرقهم، فهم اليوم أمة واحدة وليسوا جماعة، ولن يصبح المسلمون في يوم من الأيام أكثر من أمة، لأن الذي يميّز الأمة هو عقيدتها، وما دامت العقيدة واحدة فالأمة واحدة، ومن اعتقد عقيدتها فهو منها، ولا يمكن أن تصير الأمة أمّتبن إلا إذا صار لها عقيدتان، وهذا مستحيل، لأن الذي يعتقد غير عقيدة الإسلام يخرج من الأمة، فالمرتد عن الإسلام يخرج من الأمة الواحدة ويخرج من الجماعة، أما الباغي فإنه يبقى من الأمة الواحدة ويخرج من الجماعة. وكذلك المسلم الذي يأمره الخليفة بالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ولا يطيعه فإنه يبقى من الأمة الواحدة ولكنه لا يكون من الجماعة، وعليه فإن الأمة الواحدة لا تعني الجماعة.
والجماعة التي أوجبها علينا الشارع لفظٌ له حقيقة شرعية هي «المسلمون الذين يبايعون إمام دار العدل على الطاعة» وهذه الحقيقة الشريعة تفهم من النصوص الشرعية التي ورد فيها هذا اللفظ، ففي حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» ففي الحديث الأول قال: «من فارق الجماعة شبراً» وفي الحديث الثاني «خرج من السلطان شبراً» وهذا يدل على أن مفارقة الجماعة هي الخروج من السلطان. وهي كذلك الخروج من الطاعة في حديث أبي هريرة «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية» فالخروج من طاعة السلطان خروج من الجماعة والدخول فيها دخول في الجماعة.
والجماعة تكون على رجل واحد ولا تكون على فكرة أو عقيدة ففي حديث عرفجة «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه» بينما تكون الأمة على عقيدة أي على فكر لا على رجل. أما من هو هذا الرجل الذي تكون عليه الجماعة؟ فهو الإمام الوارد في حديث حذيفة «فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام» وفي حديث ابن عمر وابن عباس «من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميته جاهلية».
وإطلاق لفظ الجماعة المعرف بآل العهد أو بالإضافة إلى المسلمين «جماعة المسلمين» على مطلق جماعة خطأ لأن الشرع خصه بالجماعة التي مع الإمام.
الحارث الترابي