كلمة الوعي: لماذا الهجوم على الخـلافة وعلى من يعمل لإقامتها ؟
2000/09/10م
المقالات, كلمات الأعداد
1,928 زيارة
تتناقل الأخبار يوماً بعد يوم هجمات شرسة على الخلافة والعاملين لإعادتها، يشنها الغرب وعملاؤه من الحكام في بلاد المسلمين، من عمان إلى أوزبيكستان مروراً بدمشق وتركيا وغيرها من بلاد المسلمين. إن بعض هذه الهجمات تتجاوز الاعتقال والحبس إلى التوقيف دون محاكمة مدداً طويلة، وإلى أحكام بالسجن لسنوات عديدة مديدة، بل إن بعض هذه الهجمات يتخللها التعذيب العنيف الوحشي المفضي إلى الموت، حتى أصبح الاستشهاد تحت التعذيب، لحملة الدعوة، أمراً مألوفاً عند بعض أنظمة الحكم في بلاد المسلمين.
فما سر هذه الحملات والهجمات؟ هل هي حملات آنية مؤقتة تتم مصادفة؟ أم أنها نتاج مخططات مدبرة، وراءها دهاقنة الغرب وعملاؤهم، وكل حاقد على الإسلام والمسلمين؟
إن المتابع لمجريات الأمور يرى أنه عندما كانت الشيوعية تشكل تهديداً حضارياً وخطراً حقيقياً على الرأسمالية، كان الغرب الرأسمالي يضع الدول الشيوعية والأحزاب الشيوعية في المقدمة في الهجوم عليها وتشويه صورتها ووصفها بشتى النعوت التي تصرف الناس عنها. ولكن لما سقطت الشيوعية الفاسدة المفسدة التي كانت تخالف الفطرة ولا تقنع العقل، وبدأ الإسلام يطل برأسه ويشكل بديلاً حضارياً عن الحضارة الرأسمالية وخطراً محتملاً قادماً على الغرب، تحوّل هذا الغرب الذي تقوم حضارته على عقيدة فاسدة باطلة، هي كذلك تخالف الفطرة وغير مبنية على العقل، تحول إلى الهجوم على الإسلام وعلى العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية، وسخر كل إمكانياته من أجل منع وصول الإسلام إلى الحكم.
وبما أن الغرب لا يستطيع إظهار عداوته للإسلام بشكل سافر، ويعلن كل ما لديه عنه حتى لا يجتمع المسلمون الذين يكنون المحبة لدينهم على عداوته، ولأن الغرب يطمح بتحويل المسلمين عن مبدئهم إلى مبدئه؛ فقد أعلن نفاقاً أنه يحترم الإسلام كدين، وأن الإسلام قد كان له إسهامه في الحضارة العالمية ولكنه قسّم المسلمين العاملين للإسلام إلى فريقين:
ـ فريق يفهم الإسلام ويعرضه بين المسلمين بصورة متأثرة بالفكر الغربي الذي يدور حول المصالح، ويقبل بأن يكون جزءاً من الأنظمة الفاسدة التي تحكم المسلمين ولا ينظر في عمله نظرة تغييرية شاملة وإنما إصلاحية ترقيعية… فهؤلاء لا يعاديهم الغرب لأنهم لا يشكلون خطراً على مبدئه، بل هم متأثرون به ويصفهم بأنهم معتدلون، متنورون…
ـ وفريق يفهم الإسلام ويعرضه كمبدأ عالمي له عقيدة ينبثق عنها نظامها، وكدين من أحكامه الدولة، ويدعو إلى تطبيقه ونشره في العالم… فهؤلاء يعاديهم الغرب ويحاربهم محاربة لا هوادة فيها، ويصفهم بأنهم إرهابيون ومتطرفون ورجعيون يريدون الرجوع إلى تعاليم القرون الوسطى وان يقضوا على ما وصل إليه العالم اليوم من التحضر والتقدم… لذلك نرى أن هذه الحملة الشرسة على الإسلام وحملة دعوته الصادقين يقف وراءها الغرب ويحرك فيها أذنابه من الحكام العملاء والأدباء والمفكرين الحاقدين والأحزاب العلمانية، حتى إنه يستعين ببعض المسلمين المتأثرين بغزوه الفكري على هؤلاء العاملين المخلصين الواعين.
هذا وقد رشحت عن كثير من مفكري الغرب وسياسييهم كثير من التصريحات التي تكشف حقيقة تخوفهم من الإسلام وبالتالي تكشف عن حقيقة مواقفهم.
ـ فقد قال أحد مفكريهم وهو «مر ماديوك باكتول»: «إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم اليوم، بالسرعة نفسها التي نشروها سابقاً بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم».
ـ وقال «ألبير مشاور»: «من يدري؟ ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين يهبطون إليها من السماء ليغيروا العالم مرة ثانية وفي الوقت المناسب [ويتابع] لست متنبئاً ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها. إن المسلم قد استيقظ وأخذ يصرخ هأنذا إنني لم أمت ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيّرها العواصم الكبرى ومخابراتها».
ـ وقال «جب»: «إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بصورة مذهلة تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعو إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا وجود الزعامة ولا ينقصها إلا ظهور صلاح الدين جديد».
من أجل ذلك سمح الغرب لكل حركة إسلامية يتوافق نهجها مع نهجه أن تعمل بالعلن، وأشركها في الأنظمة التابعة له والمرتبطة به، وفتح باب الشهرة أمام كل عالِم يقترب بتوجهه من توجهاته، ويدعو إلى الإصلاح والترقيع لا من أجلهم وإنما من أجل نشر أفكارهم لأن له مصلحة في ذلك… ومن أجل ذلك أيضاً شد حملته على الحركات الإسلامية التي تدعو إلى إقامة الخلافة وتحكيم شريعة الله، وعلى العاملين فيها وتشويه دعوتهم ووضع العقبات في طريقهم والتنكيل بهم وتشريدهم وتهديدهم في حياتهم ومعاشهم… والغرب ومعه حكام المسلمين التابعون له، عندما يكيدون لهؤلاء يقابلونهم بالمسلمين الذين يتعاملون معهم فيعطون عنهم صورة جميلة ليحصلوا على المبرر لضرب المخلصين وليوهموا عامة المسلمين أنهم ليسوا ضد الإسلام ولكنهم ضد من يعرض الإسلام بهذا الشكل البعيد عن التحضر والواقعية بحسب زعمهم. ولكن بالرغم من هذه الحملة الشرسة، هل يستطيع الغرب ومعه الحكام التابعون له، أن يوقفوا هذه الحركات الإسلامية؟ وأن ينالوا من عزيمة العاملين فيها كما يريد ويتمنى ويعمل له؟
إننا نعلن بكل إيمان وثقة أن الغرب لن يستطيع تحقيق ذلك مهما فعل، وذلك لأسباب منها:
ـ إن الأنظمة التي تحكم بغير الإسلام أنظمة فاسدة وظالمة، وإن الأمة الإسلامية تنفضّ عنها يوماً بعد يوم وتزداد كرهاً لها وذلك لارتباط هذه الأنظمة بالغرب عدو الأمة، واعتبارها سبب كل بلاء يصيب المسلمين، لذلك فهي تقف مع كل من يناصب هذه الأنظمة العداء من أبناء دينها.
ـ إن الغرب صار مفلساً حضارياً، وحضارته آيلة للانهيار، ولولا القوة المادية التي يمتلكها لسقط وتهاوى كما سقط وتهاوى الشيوعيون من قبل، وتقدمه المادي والصناعي والتكنولوجي والعسكري يستخدمه أبشع استخدام في استغلال الشعوب الأخرى واستعمارها، وإن ما يتذرع به من دعوى الحرية والسلام ونصرة الشعوب المستضعفة، وإغاثة الشعوب الفقيرة المهددة بالمجاعة لم يعد يستطيع أن يخفي ما وراءها من استعمار وهذا ما يجعل المسلمين يثوبون إلى دينهم ويرون فيه خلاصهم.
ـ إن ملاحقة واعتقال وتعذيب العاملين في الحركات الإسلامية المخلصة من أجل القضاء على دعوتهم، لن يفت من عضدهم أو يفل من عزيمتهم، بل يذكرهم بآيات الله الداعية إلى الثبات على الحق، ويُذكرهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة لما أعده الله من أجر لمن استُشهد أو عذب وهو يصدع بأمر الله ويصرخ بكلمة الحق في وجه الظالمين، وكذلك تذكرهم بمواقف الأنبياء والصحابة والتابعين، الذين لم تزدهم المحن إلا قرباً من الله وتمسكاً بشرع الله (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
ـ إن الأمة الإسلامية مع الإسلام، ونفسيتها الإسلامية ما زالت سليمة، وإنه وإن استطاع الغرب أن يلبس على المسلمين فهمهم الصحيح للإسلام ويلعب بعقليتهم، فإن ما يعرضه حملة الدعوة الواعون المخلصون من أفكار صادقة، وما يقفونه من مواقف الرجال، وما يتحملونه… له انعكاسه الطيب على الأمة إذ يجعلها تعي وتصحو على ما يدعو إليه هؤلاء وتزداد ثقةً بدينها وكرهاً بالغرب.
ـ إن الله سبحانه قد وعد بالنصر وعداً عاماً من ينصره. قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً…) وهناك الأحاديث الكثيرة التي تبشر بالنصر والاستخلاف وظهور الدين وانتشاره… وقد بدأت بوادر ذلك تظهر وبوارقه تلوح. والذي يدل على ذلك أن الخلافة قد أصبحت مطلباً عند الأمة وفي الوقت نفسه يقول الرسول r: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة». فنحن اليوم في مرحلة الملك الجبري الذي نعمل ونسأل الله أن يخلصنا منه لننتقل إلى مرحلة الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة. وكذلك فإن الأمة تعي على أن إسرائيل نجس يجب أن يزال وبدأت الأصوات تعلو في ذلك بالرغم من تهالك الحكام على الصلح معها وفي هذا يقول الرسول r: «تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» والرسول r يبشر المسلمين بانتشار هذا الدين وتوسعه ما يدلل على إقامة دولته التي ستقوم بهذا التوسع فيقول: «إن الله زوى لي الأرض وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها». هذا عدا عن بشارة الرسول r بفتح رومية معقل النصرانية.
فإذا أضيف إلى الوعد البشري، وجود كتلة مخلصة نقية تعمل لإعادة الخلافة الراشدة، ترتفع بدينها من شاهق إلى شاهق، لا تضعف أمام المحن، ولا تتهاوى أمام الفتن، لا تحرفها الهجمات عن خطها المستقيم، ولا يَثنيها الاعتقال والتعذيب عن السير على الطريق القويم، طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
كل ذلك يبين أن الخلافة قد آن أوانها واقترب بل حل زمانها وأن هجمات أولئك فاشلة وعروشهم زائلة، وكيدهم سوف يبور (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
2000-09-10