العدد 151 -

السنة الثالثة عشرة، شعبان 1420هـ – كانون الأول 1999م

سمية أم عمار

في هذه الكلمة سأتشرف بالحديث عن صحابية جليلة وبطلة عظيمة، هي سمية بنت خُـبّـاط، أول شهيدة في الإسلام، لعل مواقفها الإيمانية تكون نبراساً للمسلمات اليوم، فيترسمن خطاها، ويشاركن في عملية النهوض التي تتفاعل في جنبات الأمة. عندما قدم ياسر بن عامر من اليمن إلى مكة، اختار أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي حليفاً له، وعاش ياسر في كنفه، حيث زوَّجه بسمية التي كانت أثيرة عنده. وقد أثمر هذا الزواج مولودين هما عمار وعبد الله. وعاشت هذه الأسرة في أمان واستقرار في مكة إلى أن جاء ذلك الخبر الذي زلزل الحياة في مكة والجزيرة، حيث أخذ الناس يتناقلون نبأ ظهور نبي، هو محمد بن عبد الله، وما يدعو إليه من عبادة الله الواحد الأحد. فأعجب ياسر بدعوته وآمن بالنبي الكريم، وكذلك زوجته وولداه، وجهروا بإيمانهم على الرغم من تعذيب قريش المفزع لمن يتخلى عن عقيدتهم المشركة، فقامت الدنيا ولم تقعد … إذ جاءت بنو مخزوم إلى ياسر وعائلته، وتوعدوهم بالعذاب إن هم لم يرجعوا عما آمنوا به، فما كان من تلك الأسرة الكريمة إلا أن عاندت الكفار وأصـرت على الإسـلام، فأسرع الطغاة الجبابرة إلى تقييد ياسر وزوجته وعمار، وجرهم إلى بطحاء مكة، حيث الرمال الساخنة والشمس المحرقة، ثم انهالوا عليهم ضرباً بالسياط وركلاً بالأقدام، غير مبالين بالمرأة المسنة، هذه المرأة التي فجرت حقدهم وغيظهم بإصرارها وصلابة إيمانها …

                أما الرسول الأكرم، فكان البلسم الشافي لجروح آل ياسر، والمؤنس لهم بين الكفار، حيث كانت السعادة تغمرهم عندما يسمعون رسول الله يقول لهم: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة»؛ عبارة كانت زاداً إيمانيا وروحانياً، ودفقاً من عزيمة تسري في أرواحهم، فيصبرون على الأذى، والحنين إلى الجنة يدغدغ قلوبهم ويخفف عنهم الألم، ويزيدهم صبراً …

                وجاء زعيم بني مخزوم، رأس الكفر وفرعون تلك الحقبة، أبو جهل، فدعا سمية إلى النكوص عن الدين الذي آمنت به، فما زادها ذلك إلا رسوخاً وثباتاً على الحق، وهددها، فما زادها تهديده إلا إصراراً وعناداً، فطاش عقل الرجل، وأهوى برمحه على بطنها، فقضت سمية شهيدة في سبيل دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وذهب أبو جهل بخزي الدنيا والآخرة … ألا يرفع من شأن المرأة أن يكون أول من استشهد في سبيل الله امرأة؟ ألا يدعو ذلك نساء المسلمين أن يتذكرن ويحفظن ما لهن من أمجاد؟ ألم يَـئْـنِ لنسائنا أن ينهضن وأن يمددن أياديهن للـمـسـاهـمـة في نهـضـة الإسلام المعاصرة وصحوته الكبرى؟…

                إن خيال أولئك النساء القادمات مع الفجر الجديد سوف يغدو حقيقة واقعة فقد بدأت طلائعهن تهل مع بشائر النصر لديننا، بشائر النصر التي تلوح في أفق الإسلام الساطع من جديد، وفي ظل الخلافة الإسلامية رغم أنف المعتدين الباغين، قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) صدق الله العظيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *