مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
2016/03/03م
المقالات
3,791 زيارة
مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
أخـرج ابن أبي حاتم أن أعـرابيًا سـأل رسـول الله صلى الله عليه وسلم : “أقريب ربنا فنناجيه أو بعـيـد فنـنـاديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية الكريمة ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) الآية“[1].
فالله سبحانه في هذه الآية يخبرنا أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فالله يسمع دعوة عبده ولا يخفى عليه شيء وهو سبحانه يجيبه ولا يرده خائبًا، فالله قريب مـن عـبـاده يسـمع ويـرى على نحو قوله سبحانه لموسى وهارون – عليهما السلام – ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) طه/آية46 أو كما قال صلى الله عليه وسلم : “قال الله تعالى أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه“[2].
ثم يطلب الله جلّ ثناؤه من عباده أن يستجيبوا لله ويؤمنوا به فيطيعوه ويلتزموا شرعه ولا يدعوه وهم يعصونه. فاستجابتهم لله تقربهم إلى الله فلعلهم بذلك يهتدون للأخذ بالأسباب التي تجعل دعوتهم مستجابة ( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ).
فائدة عن الدعاء:
وهنا لا بدّ من وقفة لنذكر بعض الأمور المتعلقة بالدعاء ليكون الأمر واضحًا للعبد عند دعائه ربه سبحانه:
-
الدعاء عبادة بل هو مخ العبادة لقوله سبحانه ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) ) غـافـر/آية60 فالله جـعـل الدعـاء عبادة فقال سـبحـانه في الآية ( عِبَادَتِي ) بعد ذكر ( ادْعُونِي ) وهذا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم : “الدعاء مخ العبادة“[3].
فالدعاء عبادة والله يحب عبده الذي يدعوه ويلح في الدعاء «إن الله يحب الملحين في الدعاء»[4] فمن لم يدعُ الله يكنْ قد ترك خيرًا كثيرًا، فإن كان عدم دعاء الله سبحانه استكبارًا كان صاحبها من جملة من قال الله فيهم ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) أذلاء صاغرين مهانين.
-
إن الله سبحانه بين لنا أن ندعوه ونحن مستجيبون له سبحانه نلتزم شرعه ونقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم ( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ). وكما قال صلى الله عليه وسلم : “يدعو الله ومأكله من حرام ومشربه من حرام فأنى يستجاب له“[5].
-
إن الدعاء – وهو عبادة – لا يعني أن نترك الأخذ بالأسباب وهذا بيّن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالله يقول ( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) أي لعلهـم يهـتـدون للأخـذ بالأسـباب ويوفقون فيها لتكون دعوتهم مستجابة.
والرسول صلى الله عليه وسلم يجهز الجيش في بدر ويرتب الجند كلًا في موقعه ويُعِدُّهم الإعداد الجيد للقتال، ثم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم العريش يدعو الله النصر ويكثر في الدعاء حتى يقول له أبو بكر رضي الله عنه : “بعض هذا يكفيك يا رسول الله”[6].
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة، اتخذ كلّ ما يمكن أن يتخذه بشر من الأسباب التي تؤدي به إلى النجاة في الوقت نفسه الذي يدعو الله فيه على كفار قريش أن يصرفهم الله عنه وينجيه من مكرهم ويوصله المدينة سالمًا.
فبدل أن يتجه صلوات الله وسلامه عليه إلى الشمال حيث المدينة اتجه إلى الجنوب واختفى في غار ثور هو وأبو بكر رضي الله عنه ، ثم كان يستقبل الأخبار عن قريش وما تخطط وتدبر له من قِبل عبدالرحمن بن أبي بكر، ثم عندما يعود إلى مكة يجعل غلام أبي بكر يرجع بالغنم إلى مكة خلفه ليطمس أثر الغنم أثر ابن أبي بكر لتضليل كفار قريش، وبقي ثلاثة أيام إلى أن خفّ الطلب عليه صلى الله عليه وسلم فواصل السير إلى المدينة المنورة، وكلّ ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان واثقًا من وصوله إلى المدينة سالـمًا فهو يجيب أبا بكر وقد خشي وصول كفار قريش إليهما عندما رآهم أمام الغار، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إن أحدهم لو نظر إلى موطن قدميه لرآنا، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم : “ما ظنك باثنين الله ثالثهما“[7] ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) التوبة/آية40.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم يقول لسراقة وقد أوشك على اللحاق بالرسول وأبي بكر في هجرتهما ليدل عليهما ويمسك بهما نظير الجائزة التي وضعتها قريش لذلك، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بأن يرجع وله سوارا كسرى“[8].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب لنقتدي به صلوات الله وسلامه عليه، فهو صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يدعو الله أن ينجيه من طلب كفار قريش له وأن يرد كيدهم في نحرهم، يخرج من بيته ليلًا ويجد الكفار يحيطون بالدار فيقذف في وجوههم التراب[9].
وهو مطمئن إلى استجابة الله له وصرفهم عنه، وهكذا تمّ فقد ضرب عليهم النوم وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالدعاء لا يعني تعطيل الأخذ بالأسباب بل هو ملازم لها.
فمن أحب أن تقام الخلافة من جديد فعليه أن لا يكتفي بدعاء ربه لتحقيق ذلك بل يعمل مع العاملين لإيجادها ويدعو الله العون في ذلك والتعجيل بتحقيقها ويلح في الدعاء خالصًا لله وهو يأخذ بالأسباب.
وهكذا في جميع الأعمال، يخلص المرء العمل لله والصدق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو ويلح في الدعاء والله سميع مجيب.
-
إن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويجيب المضطر إذا دعاه ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر/آية60 ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل/آية62.
غير أن الإجابة لها حقيقة شـرعية بينها رسـول الله صلى الله عليه وسلم : “ما من مسلم يدعو الله – عز وجل – بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إمّا أن يعجل الله له دعوته، وإمّا أن يدخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نكثر. قال: الله أكثر“[10].
“لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، وما الاسـتعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجاب لي فيتحسر عن ذلك ويدع الدعاء“[11].
وهذا يعني أن إجابة الدعاء ليست بالضرورة تحقيقها في الدنيا، بل قد تكون كذلك أو يدخرها له في الآخرة وهناك الأجر العظيم والثواب الكبير، أو يصرف عنه من السوء مثلها.
فنحن ندعو الله سبحانه فإن كنا صادقين مخلصين طائعين نكون موقنين عندها بالإجابة بالمعنى الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
-
ليس معنى استجابة الدعاء تغيير في القدر أو الكتابة في اللوح المحفوظ أو في علم الله، أي لا تعني الإجابة أن الله لم يكن يعلم بدعوة عبده وإجابته لها، وبالتالي لا تكون مسجلة في اللوح المحفوظ.
وعليه فلا يقال كيف يستجيب الله لدعوة عبد وقدر الله قد تمّ منذ الأزل والكتابة في اللوح المحفوظ قد قضيت؟!
لا يقال ذلك لأن الدعاء وإجابته ليس إنشاءً جديدًا لم يكن الله يعلمه، بل الأمر كما يلي:
إن القدر هو علم الله أي الكتابة في اللوح المحفوظ، وكلّ ما هو كائن مكتوب فيه منذ الأزل، فالله يعلم أن فلانًا سيدعوه، فإن كان الله قد قدِّر إجابتها تكتب أن فلانًا سيدعو بكذا وكذا، وإن هذا سيتحقق بكذا وكذا. فالدعاء ليس إنشاءً جديدًا لم يكن في علم الله أو لم يكن مكتوبًا في اللوح المحفوظ، وكذلك الاستجابة بل كلّ ما هو كائن مسجل في اللوح المحفوظ. فالله يعلم الغيب، ويعلم ما يفعله العبد قولًا أو عملًا، وكلّ شيءٍ مكتوبٌ مسبقًا منذ الأزل، فالدعاء الذي يدعوه العبد يعلمه الله ومسجل كما هو، وكذلك إجابته كما يريدها الله سبحانه مسجلة منذ الأزل.
فالدعاء والإجابة ليستا فوق علم الله، بل هما مسجلان في اللوح المحفوظ على وجههما كما سيحدثان، فالله عالم الغيب والشهادة ( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) سبأ/آية3.
-
إن الله سبحانه ذكر آيات الصيام ولكنه فصل بينها بالدعاء، والفصل بين المتلازمين يعني أن هناك أمرًا يراد إبرازه، والحكمة من ذكر الدعاء بين آيات الصيام أن الدعاء في شهر رمضان له شأن عظيم فهو أقرب للاستجابة، فشهر الصوم شهر عبادة خالصة لله، والصائم قريب من ربه مستجاب الدعوة كما في الحديث الشريف: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين“[12].
فذكر الدعاء بين آيات الصيام دلالة على الحث عليه في شهر الصوم، وبيان لفضله وبشرى بالإجابة، فالله قريب مجيب.q
[1] الدر المنثور: 2/469، تفسير الطبري: 2/158
[2] ابن ماجه: 3782، أحمد: 2/540
[3] الترمذي: 3293، أحمد: 4/271
[4] أخرجه الطبراني في الدعاء بسـنـد رجـالـه ثـقـات إلا أن فيه عـنـعـنـة (بقية) عن عائشـة رضي الله عنها مرفوعاً (فتح الباري: 11/95)
[5] الترمذي: 2915، أحمد: 2/328، مسلم: 1015، الدارمي: 2/300
[6] سيرة ابن هشام: 2/626
[7] البخاري: 3380، 4295، مسلم: 4389، الترمذي: 3021، أحمد: 1/4
[8] الروض الأنف في تفسير سيرة ابن هشام للسهيلي: 2/233
[9] سيرة ابن هشام: صفحة 483
[10] أحمد: 3/18، الأدب المفرد للبخاري: 713
[11] مسلم: 4918، الترمذي: 3303
[12] الترمذي: 3522، وقال حديث حسن، أحمد: 2/305
2016-03-03