بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة الركود الاقتصادي العالمي: أسبابها… ونتائجها…
حمد طبيب – بيت المقدس
يعيش العالم بأسره هذه الأيام أزمة اقتصادية تسمى (أزمة الركود الاقتصادي العالمي)؛ وهي عبارة عن هبوط متواصل في النمو العام في الأنشطة الاقتصادية الرئيسة، وما يتفرع عنها من نشاطات أخرى؛ مثل الأيدي العاملة، وحركة الأسواق، ومعدل الدخل، والأسعار، وغير ذلك… حيث أثرت هذه الأزمة تأثيراً كبيراً وفاعلاً على معظم الاقتصادات العالمية؛ في الدول الكبرى والناشئة والفقيرة… وأدت إلى أعراض مرضية اقتصادية شديدة التأثير؛ مثل نزول أسعار البترول العالمي، وهبوط أسعار الذهب، وتدني أسعار المواد الخام اللازمة للصناعة، واضطرابات خطيرة في أسواق المال؛ بين انخفاض كبير في بعض الدول، وارتفاع في دول أخرى…
يقول الخبير الاقتصادي (د. عمرو عدلي) في مجلة السياسة الدولية عن سبتمبر/أيلول 2015م: «دخل الاقتصاد العالمي في إطار أزمة هي الأسوأ منذ الكساد الكبير الذي ساد في ثلاثينات القرن الماضي… حيث أصبح الاقتصاد العالمي مهدداً بالركود والكساد الذي ربما يطول…».
فما هي أسباب هذه الأزمة الحقيقية من الركود؟ وما هي نتائجها المتوقعة في المنظور القريب؟. إن السبب الرئيس لهذه الأزمة وما جرته معها من أمراض اقتصادية أخرى، هو استمرارية الأزمة الاقتصادية الكبرى التي حصلت سنة 2008م ولم تنته حتى اليوم، وعدم تعافي العالم من أمراضها وأعراضها، وخاصة أميركا (مركز الاقتصاد العالمي)، فهذه الأزمة – في الحقيقة – لم تنته كما يكذب رؤساء أميركا، ورؤساء المؤسسات المالية فيها أو التابعة لسياساتها.. وجميع الأرقام التي يذكرها هؤلاء الرؤساء من ساسة واقتصاديين إنما هي تغطية لحجم المأساة الحقيقية التي يمر بها الاقتصاد العالمي؛ وخاصة الأميركي ..
يقول الكاتب الأميركي (تود وود) الاقتصادي الشهير في مقال له في صحيفة (واشنطن تايم) الأميركية 9/أيار 2015م: «إن الاقتصاد الأميركي يقف على شفا الانهيار، وأن الحالة الراهنة للاقتصاد الأميركي مزعجة حقاً، فهناك ديون أجنبية على أميركا تقارب (20) تريليون دولار، وفي نفس الوقت يزداد الدين الأجنبي المستحق على الولايات المتحدة بوتيرة سريعة جداً… وختم تود مقاله قائلاً: «إن واشنطن ربما تستفيق قريباً لتجد نفسها في عالم – وقد أصبحت مفلسة فيه – ووصف تود الولايات المتحدة بأنها (مكسورة)، لافتاً إلى أن الشيء الوحيد الذي يحافظ على الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي هو (الاحتياطي الفدرالي) الذي تدخّل للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة…»
وقد ظهرت الكثير من نتائج هذه الأزمة على أرض الواقع، وأدت إلى خراب ودمار اقتصادي، وخسارات بالمليارات، بل التريليونات في بعض الدول… ومن هذه الآثار التي ما زالت قائمة وتؤثر بشكل مباشر على البشرية وعلى اقتصاديات العالم:
1- ارتفاع مؤشر البؤس خاصة في أميركا، وهذا المؤشر هو عبارة عن (إضافة معدل التضخم إلى معدل البطالة الحقيقي…). يقول الاقتصادي الأميركي (ريكادز)؛ وهو أحد رجال الاستخبارات الأميركية، ومتخصص في الشؤون الاقتصادية، في مقال له بعنوان: (هل العالم، وهو على أبواب 2015م، مقبل على مرحلة جديدة من الكساد الكبير أو الانهيار الكبير؟): «إن البنك الفدرالي الأميركي قد طبع بتهور تريليونات من الدولارات، والبنك الاحتياطي الفدرالي قد غطَّى على مؤشر البؤس، وأنه قد بلغ درجة من الخطورة أكبر من الكساد العظيم سنة 29، وأن أميركا ستلجأ إلى رفع سعر الفائدة حوالى 2%، وهذا سيجر العالم إلى مأساة جديدة، وإلى انفجار اقتصادي جديد…
2- الركود الاقتصادي العالمي، في جميع النشاطات، وأدى ذلك إلى نتائج خطيرة أخرى في أسواق المال والأعمال… فهذا الركود هو من نتائج الأزمة الأم التي حصلت سنة 2008م، وما زالت قائمة حتى اليوم، ولم يتعافَ العالم منها، فهذه الأزمة أدت إلى ضعف الصادرات إلى الخارج، وبالتالي إلى ضعف في إنتاج الدول الصناعية، وإلى عدم تشجيع المستثمرين إلى عمليات الاستثمار في المشاريع الحيوية، وأدت كذلك إلى قلة استيراد البترول والمواد الخام من قبل الدول الصناعية الكبرى، وهذا بالتالي أدى إلى تسريح ملايين العمال بسبب ضعف الإنتاج والركود …
3- الأزمة المالية في أسواق المال والبورصة الحاصلة اليوم؛ وخاصة في أسواق الصين… فهذه الأزمة بدأت سنة 2014م، واشتدت من منتصف حزيران 2015م، وأدت إلى كوارث اقتصادية في الصين، ليس فقط في أسواق المال وإنما في الصناعات، وفي ارتفاع نسبة البطالة، وفي خسارات تقدر بحوالى 3.2 تريليون دولار من القيمة السوقية للسوق في أقل من شهر، أي حوالى ثلث قيمة الأسهم. وهذه الأزمة سببها المباشر هو الركود الاقتصادي الحاصل في أسواق الصين، والتي تسببت بها الأزمة المالية العالمية سنة 2008م، وكل الأسباب التي يتحدث عنها الاقتصاديون، مثل فتح المجال لدخول صغار المستثمرين في السوق المالي، أو تلاعب الدولة في السوق المالي؛ فهذه ليست أسباب حقيقية لأزمة بهذا الحجم المدمر، وأن القول بأن هذه الأزمة كذلك مصطنعة من قبل الحكومة الصينية، فإن هذا القول لا ينسجم مع حجم المأساة الكبيرة والدمار الذي ألحقته في كل القطاعات …
4- الأزمات المتتالية في منطقة اليورو، وكان آخرها التراكمات التي حصلت على ديون اليونان وعجزها عن السداد، وتهديد منطقة اليورو بإخراجها منها، وبالتالي خروج دول أخرى كإيطاليا، والبرتغال وإسبانيا وغيرها… فهذه الأزمة أيضاً سببها الأزمة الأم التي أدت إلى عجز هذه الدول عن توفير المال لسداد المديونية التي أخذتها من أجل رفع مستواها الاقتصادي كي يؤهلها لدخول منطقة اليورو…
5- ما جرى ويجري في روسيا الاتحادية بسبب الهبوط العالمي لأسعار البترول إلى حوالى النصف… فروسيا دولة تعتمد في دخلها على عائدات البترول والغاز بنسبة عالية، وهذا بالتالي أدى إلى انخفاض الدخل لميزانية روسيا حوالي 60%، وأدى إلى كارثة اقتصادية بالنسبة لروسيا، حيث إن خسائر روسيا، جراء انخفاض أسعار النفط، يتراوح ما بين 90 – 100 مليار دولار سنوياً، وهبط سعر الروبل أمام الدولار حوالى 60% من قيمته، وأدى أيضاً إلى ارتفاع في نسبة البطالة، وهبوط حاد في الأسعار…
هذه الأعراض وغيرها تحصل بصورة متدحرجة، وتزداد يوماً بعد يوم، وتنضم إليها أعراض جديدة، لكن الأخطر كما يقول الاقتصاديون لم يأتِ بعد في هذه الأزمات، حيث يتوقع عدد من الاقتصاديين أن تنفجر هذه الأزمة بشكل مروِّع بحيث تتسبب بكوارث اقتصادية تؤدي إلى انهيار دول بأكملها، بل إلى انهيار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإلى كوارث رهيبة أشد مما حصل سنة 1929م، في الكساد الكبير الذي ظل العالم يعاني من آثاره…
يقول الخبير الاقتصادي الروسي (ألكسندر إيفازوف) بأن الدولار سوف يواجه هزات عنيفة تؤدي إلى انهياره حتى نهاية 2015م. وفي بداية العام الحالي 2015م، حذر صندوق النقد الدولي من خطر وقوع أزمة اقتصادية عالمية جديدة، وأن مخاطر هذه الأزمة عادت من جديد خلال الأشهر القليلة الماضية…
أما الخبير الاقتصادي الأميركي (ريكادز) فقال: إن أميركا ستدخل أحلك فترة اقتصادية في تاريخها سنة 2015م ، وسينهار اقتصاد أولى الدول في العالم…
هذه هي نتائج السير في الطريق الخاطئ، وهذه هي آثاره الاقتصادية، وصدق الحق القائل: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ). وإن طريق النجاة لكل هذه المآسي هو الرجوع إلى الطريق المستقيم في الاقتصاد وغيره؛ أي إلى منهج الله عز وجل، في ظل دولة الإسلام، التي تطبق هذا النظام الرباني العظيم قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )، وقال تبارك اسمه:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). صدق الله العظيمq