سنن الله لا تتغير ولا تتبدل
						
	
		
	22 ساعة مضت	
	كلمات الأعداد
	
	
82 زيارة 
			
				
					
					
					
 
سُلافة شومان رحمها الله رحمة واسعة
انتقلت الأختُ الكاتبة سُلافة شومان إلى رحمةِ اللهِ تعالى، بعد أن أرسلت إلى مجلة الوعي كلمتَها الأخيرة، لتكون مسكَ ختامٍ لمسيرتها في ميادين الفكر والدعوة. لقد كانت الأختُ سُلافة – رحمها الله – من كُتّابِ وأسرةِ المجلة، قدّمت بقلمها الصادق ما يحمل همَّ الأمّة ويعبّر عن وعيها الراشد.
وإنّا إذ نتقدّمُ إلى أهلِها وذويها بأحرّ التعازي، لنسألُ اللهَ العليَّ العظيمَ أن يتقبّلَها عندَهُ قبولًا حسنًا، وأن يُكرمَ نُزُلَها، ويغسلَها من الذنوبِ والخطايا، وأن يُلهمَ أهلَها جميلَ الصبرِ والاحتساب.
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمدُ لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاةُ والسلامُ على سيّد المرسلين وإمامهم سيّدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين. يقول الله تعالى (وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗ٢٢)
السُّنَّة في لفظ العرب:
السنة: السين والنون أصلٌ واحد مطرد، وهو جريَان الشيء وإطرادُهُ في سهولة، والجمع سُنَن، وهي على عدة معانٍ: تأتي بمعنى الطريقة والسيرة، حميدةً كانت أو ذميمة. والسنةُ: العادَةُ أيضاً، وسُنَّة الله: حكمه في خلقه، أي أحكامه التي أجراها على خلقه. وإذا أُطْلِقَت في الشرع فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلمونَهى عنه ونَدَب إليه قولاً وفعلاً مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز، ولهذا يقال في أَدلة الشرع: الكتابُ والسُّنَّةُ أَي القرآن والحديث. وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلمفي اصطلاح المحدثين: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلممن قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلُقية، أو أضيف إلى الصحابي، أو التابعي، مما لا مجال للرأي فيه. والسُّنَّة في الشرع: العمل المحمود في الدين مما ليس فرضاً ولا واجباً. والسُّنَّة: الطبيعة والخلق والوجه والصورة، يقال: هو أشبهُ شيءٍ به سُنَّة. وأهل السُّنَّة: مقابل أهل البدعة.
أمّا فيما يتعلق بموضوعنا، فلم يشع استخدام أي معنى اصطلاحي للفظة سنن بحيث تساوي معنى قوانين الأشياء المادية فيبقى المعنى اللغوي لاصقا بها، وقد رأينا أن القرآن والحديث قد استخدما السنة والسنن للدلالة على طريقة التصرف أو تأثر المجتمعات البشرية عقب قيامها بأفعال معينة. فالله عز وجل قد سن سننا للناس وطلب من المسلمين معرفتها أو اكتشافها، فالمعنى المقصود أن السُّنَّة حكم الله، فـسُنن الله هي أحكامه التي أجراها على خلقه وفق نواميس معينة. فمن خلال الآية الكريمة التي بدأتُ بها موضوعي نفهم أن لله سُنناً سنّها في هذا الكون، أي أحكاماً وقوانين معيّنة، وهذه الأحكام لا تتغير ولا تتبدل؛ فهي تقدير من الله تعالى، والآية الكريمة تدل على ذلك. وموضوع الآية سنة الله تعالى في نصر المؤمنين، بشارة لهم بالنصر والتمكين، بتمسكهم بالإيمان، والاستعانة بالله والاستنصار به، والعبرة في طريق الدعوات ومآلها بشارة ونذارة ودفعا لحسن العمل، ففي الآية الكريمة يخاطب الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلموخطاب الرسول صلى الله عليه وسلمخطابٌ لأمّته، بأنه لو أُذِن أن يكون قتالٌ بينه، أي الرسول صلى الله عليه وسلموأصحابه، وبين كفار قريش، وذلك في السنة السادسة للهجرة عندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلموأصحابه لزيارة بيت الله الحرام فمنعوا من قِبل المشركين، لو وقع قتال لكانت الغلبة والنصر للمسلمين أهل الحق على أهل الباطل وكفار قريش. ثم يأتي التأكيد في الآية التي بعدها أن هذا الحكم (انتصار الحق على الباطل، والإيمان على الكفر) سُنَّة من سُنن الله، أي حكم الله وقانونه في الصراع بين الحق والباطل ما دام أهل الحق بمعيّة الله، وتؤكد أن هذه السُّنن والأحكام لا تتغير ولا تتبدل.
العبرة من سنن الله في عقابه للمكذبين، سنة تكذيب المتكبرين للرسل، واغترارهم بالدنيا، وفي السنن عبرة لهم بمن كان أشد منهم قوة وبطشا، فأحاط بهم العذاب، وتصوير الصراع بين الحق والباطل، وقد تكررت الآيات في كتاب الله العزيز التي تقرر وتؤكد هذا المعنى، قال تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٣٨) [الأنفال: 38]. وقال تعالى: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٠ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ١١ كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٢ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣) [الحجر: 9-13]. وقال تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذٗا لَّا يَلۡبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا ٧٦ سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلًا ٧٧) [الإسراء: 76-77]. السنة المجتمعية تبين لنا أن الصراع بين الحق والباطل، ينتقل من مجرد بغض الحق وكراهته إلى إظهار العداوة والمبارزة مع أصحاب الدعوة، فالباطل لا يرضى حتى بمجرد وجود الحق، لأنه موقن أن في الحق قوة ذاتية متحركة غير ساكنة لا تقبل إلا الانتشار والتوسع والتأثير وكسب الأنصار والأتباع والتمكين والهيمنة له. وسنة الله انتصار الحق ولو بعد حين ولو دالت للباطل دولة يوما ما فإنها لا تدوم فسرعان ما ينجلي الباطل ويحل الحق وإن أخرجوا الدعاة من ديارهم وإن حبسوهم وإن قتلوهم فلن يحل الباطل محل الحق أبدا؛ سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل. قال تعالى: (مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا ٣٨) [الأحزاب: 38]. وقال تعالى:(وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا ٤٢ ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا ٤٣) [فاطر: 42-43].
وقال تعالى:  (أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ٨٢فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ٨٣ فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ ٨٤ فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ٨٥) [غافر: 82-85]. وقال تعالى: (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ١٣٧) [آل عمران: 133-137]. من خلال هذه الآيات الكريمات، ومن خلال تدبّرها، نجد أن سُنَّة الله أو سُنن الله هي أحكام الله وقوانينه التي أجراها على عباده في هذه الحياة، وأنها لا تتغير ولا تتبدل.
أوّلاً: استخلاف الإنسان على الأرض – توطئة لسنة الصراع بين الحق والباطل:
استخلاف الإنسان على الأرض لعمارتها وفق منهج الله سبحانه وتعالى، ومن ضمن ذلك عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠)[البقرة: 30]. وقال تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦) [الذاريات: 56]. وقال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥) [البينة: 5].
فهذه الآيات تؤكد على سُنَّة من سُنن الله، وهي أن الله ما خلق الإنسان في هذه الحياة عبثاً، وإنما لهدف عظيم وغايَة سامية من شأنها أن تسمو بالإنسان، فلا تجعله في الدَّرَك الأسفل كالحيوان. 
وهذا الهدف يتمثل في عمارة الأرض وفق منهج الله، وأيضاً إخلاص العبادة لله تعالى، ولغاية سامية هي إرضاء الله تعالى، ومن ثم الفوز بالجنة في الآخرة. ثم إن من شأن هذا الهدف وهذه الغاية تحقيق الكرامة للإنسان من حيث هو إنسان، قال تعالى:
(وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ٧٠) [الإسراء: 70].
ثانياً: سُنَّة الابتلاء
وذلك لتمييز المؤمن من الكافر، والمطيع من العاصي أو الفاسق، والخبيث من الطيب، وبالتالي أهل الحق من أهل الباطل، لاستحقاق الثواب في الدنيا بالنصر والتمكين، وفي الآخرة بالجنة لأهل الحق، أو العذاب في الدنيا والنار في الآخرة لأهل الباطل. قال تعالى: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ ٢)[الملك: 2]. وقال تعالى:( الٓمٓ ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣)[العنكبوت: 1-3]. وهذه السنن تستنبط من العلية، والشرطية، ودلالات الآيات على السنن في مواطن مختلفة من القرآن، ومن حِكم الابتلاء: تمحيص مدى صبر المؤمن وصدق إيمانه وثباته، واستحقاقه للنصر في الدنيا والفوز بأعلى الدرجات في الآخرة. قال تعالى: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤) [البقرة: 214]. وقال تعالى: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٦)[التوبة: 16]. وسُنَّة الابتلاء تُظهر لنا مدى رحمة الله وكرمه وعدله بعباده المؤمنين، لأن ابتلاء المؤمن إذا قابله بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره كان سبباً في تكفير ذنوبه. قال تعالى: (مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ…) [التوبة: 120-121].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمنَ من نصب ولا مرض ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها خطاياه». وقال صلى الله عليه وسلم«لا يصيب المؤمنَ شوكةٌ فما فوقها إلا نقص الله بها من خطيئته». وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة». وجاءت الآية الكريمة في سورة البقرة لتؤكد هذه السُّنَّة بوضوح، قال تعالى:( وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧) [البقرة: 155-157].
ثالثاً: أن الله مكّن الإنسان من اختيار الحق والباطل:
(قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ١٣٧)[137آل عمران]، (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٣٨) [38 الأنفال]، (وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ١١ كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٢ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣) [11- 13 الحجر]، إنّ هذه الآيات الكريمة تكشف عن حقيقة كونية خالدة، وقانون رباني لا يتبدّل ولا يتخلّف: سُنّة الصراع الدائم بين الحق والباطل. مضت بذلك سنن الأمم ممن سبق، وأظهرت كيف عاقب اللهُ تعالى المكذبين، لتكون عبرة للمكذبين في كل زمان، وليتعلم المؤمنون أن طريق الجنة محفوف بالابتلاءات، وبالاستهزاء والتكذيب والصد، وأن قلوب المجرمين تُساق إلى العمى عن الإيمان -بفعلهم- فلا يؤمنون، إن الله مكّن الإنسان من اختيار الحق أو الباطل، والإيمان أو الكفر، وطريق الخير أو طريق الشر، فجعله مُخيّراً بين اتباع أي من الطريقين، أي أن يكون من أهل الحق أو من أهل الباطل. ومن ثم فإن الإنسان محاسَب على اختياره.
قال تعالى: (لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ١ وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٢ وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ ٣ لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ ٤ أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٞ ٥ يَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالٗا لُّبَدًا ٦ أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُۥٓ أَحَدٌ ٧ أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ ٩ وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ ١٠) [البلد: 1-10]. والنجدان: طريق الخير وطريق الشر. وقال عز وجل:
(هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡٔٗا مَّذۡكُورًا ١ إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢ إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣) [الإنسان: 1-3].
وهذا هو مجال التكليف والمحاسبة بالنسبة للإنسان، حيث أعطاه الله سبحانه وتعالى مساحة من الاختيار بين طريق الخير والشر، والحق والباطل، السير على دين ومنهج الله سبحانه وتعالى، أو السير على هواه. ثم يكون استحقاق الثواب أو العقاب بحسب اختياره: فإن اختار طريق الحق: كان له النصر من الله والتمكين في الدنيا، ورضا الله ومغفرته وجنات عرضها السماوات والأرض في الآخرة. وأما إن اختار طريق الباطل والكفر والجحود والإفساد في الأرض، فإن جزاءه غضب الله في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
(قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٨ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٩) [البقرة: 38-39].
الصراع الدائم بين الحق والباطل: 
الصراع الدائم الذي لن ينتهي إلا بقيام الساعة، بين الحق والباطل، وبين طريق الخير وطريق الشر، بين أهل الحق وأهل الباطل، هو صراع حتمي لا يمكن أن يلتقيا فيه بحال من الأحوال. ويترتب على ذلك أن تكون العلاقة بين أهل الحق وأهل الباطل علاقةَ عداوة، فلا يجوز لأهل الحق إلا أن يتخذوا أهل الباطل أعداء. وبطبيعة الحال فإن نتيجة الصراع بين الطرفين هي انتصار الحق على الباطل ما دام أهل الحق بمعيّة الله. قال تعالى: (ٱلۡمُنَٰفِقُونَ َٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٦٧ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ ٦٨) [التوبة: 67-68]. وقال تعالى: (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٧١) [التوبة: 71]. ومما يؤكد هذا الصراع وهذه العداوة: تفكير الكفار الدائم في القضاء على الإسلام وأهله، حتى لو ضحّوا في سبيل ذلك بأموالهم وجهودهم وأوقاتهم. قال تعالى:(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦) [الانفال: 36].
ولنتأمل كيف عبّر القرآن عن هذا الصراع وهذه العداوة على وجه التأكيد، وذلك في قوله تعالى: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ١٢٠) [البقرة: 120].
وعلى هذا فالمسلم يعتبر العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين علاقةَ عداوةٍ وصراعٍ حتمي. ولذلك جاء الأمر من رب العزة بتحريم موالاتهم، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١) [الممتحنة: 1].
خامساً: فتنة إبليس (الشيطان) 
لقد خلق الله إبليس وأتباعه من الشياطين، وهو من عالم الجن، وبعد أن فسق عن أمر ربه عندما رفض السجود لآدم، طرده الله من رحمته، فآلى على نفسه أن يعمل على غواية الإنسان وإبعاده عن طريق الحق، وهو امتحان واختبار للإنسان في قوة وصدق إيمانه وحرصه على طاعة الله.
وفتنة إبليس لا تُعطي الإنسان حجّة لاتباع خطوات الشيطان، فالله رحيم عادل. لذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى من خلال الكتاب والسُّنَّة قد كرّر تحذير الإنسان من اتباع خطوات الشيطان، وفي ذات الوقت أكّد عدم سيطرته على الإنسان؛ فمن يتّبع الشيطان يكون ذلك بإرادته، ولضعفٍ في إيمانه. أمّا المؤمن الصادق في إيمانه فلا يجد الشيطان له مسلكاً. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢١) [النور: 21].
وقال تعالى:(أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٠ وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١ وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ ٦٢) [يس: 60-62]. وقال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ٥ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ٦) [فاطر: 5-6]. وقال تعالى:(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ ١٦٨ إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ١٦٩) [البقرة: 168-169].
 تعامل المسلم مع هذه السُّنن
إن الله قد خلق الإنسان بطبيعة معيّنة لا تتغير؛ من حيث إن الإنسان يتمتع بطاقة حيوية تجعله يندفع طبيعياً للتعامل مع ما في هذا الكون من مخلوقات وسنن لإشباع حاجاته وغرائزه، بالإضافة إلى العقل الذي يتميّز به عن جميع المخلوقات، وهو مناط التكليف. فإن الإنسان لا بد أن يتعامل ويتأثر بهذه السُّنن.
فما هو تأثير هذه السُّنن على حياة الإنسان؟ الذي يهمنا في هذا المجال هو الإنسان المسلم. وبما أن سلوك الإنسان، أي إنسان، يكون حسب مفاهيمه في الحياة، أي على أساس عقيدته، وبما أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الصحيحة، فإن الإيمان بالسُّنن وكونها لا تتغير ولا تتبدل هو جزء من هذه العقيدة العظيمة، والتي على أساسها تشكّلت الأمة الإسلامية، وكانت أساس وحدتها وقوتها وثقافتها وحضارتها وعراقتها، ومن ثم عزتها وانتصارها وسيادتها لأكثر من ألف سنة.
وسنن الله ليست عائقاً أمام المسلم في سعيه في هذه الحياة؛ فإن الله استخلف الإنسان على الأرض ليعيش عابداً معمِّراً وفق المنهج الرباني الذي ارتضاه لنا. وإيمان المسلم الراسخ بالله سبحانه وتعالى، وبكل ما يتعلق بالعقيدة، ومن ذلك أن لله سُنناً لا تتغير ولا تتبدل، يجعله يندفع في هذه الحياة لتحقيق ما يُرضي الله سبحانه وتعالى، وبالتالي الفوز بمغفرة الله تعالى ودخول الجنة.
ذلك أن المسلم عندما يعلم أنه خُلق لعمارة الأرض وعبادة الله، وهو محاسب على كل عمل من أعماله، فهذا المفهوم يدفعه للقيام بعمله بكل ما أُوتي من جهد وعزيمة لتحقيق هذا الهدف، واضعاً نصب عينيه الآخرة وما فيها من حساب وجزاء، فلا يكلّ ولا يملّ، ويكون مثال العبد المخلص الفعّال في حياته كلها، متمثلاً قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.” ولا ينطبق على المسلم قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ٢٠٦)[البقرة: 204-206]، بل ينطبق عليه قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٢٠٧)[البقرة: 207]. وقوله تعالى:( قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢)[الأنعام: 162].
كذلك فإن إيمان المسلمين بحتمية وجود طريقين: طريق الحق والباطل، وحتمية الصراع بينهما، وحتمية انتصار الحق، وأن النصر بيد الله تعالى، يجعل المسلم دائم البحث عن الحق والتحري عنه، ثم الإيمان به والتلبّس به، وليس هذا فقط، بل يعمل على نشر الإسلام؛ فالله فرض علينا أن ندعو للإسلام. ويحرص المسلم أن يكون دائماً بمعيّة الله، ويتخذ كل الأسباب التي تحقق النصر والتي وصانا وأمرنا بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والمسلم يكون أبعد ما يكون عن اليأس والحبوط، بل يكون مندفعاً مقداماً في عمله، مستبشراً دائماً بالنصر والفلاح؛ فهو يعلم أن عليه العمل، وعلى الله النتائج من نصر وفلاح.
كذلك فإن إيمان المسلم بسُنَّة الابتلاء يجعله إنساناً صابراً مطمئناً لعدل الله تعالى، راضياً بقضائه؛ فهو يعلم أن للابتلاء حكمة، وفيه رحمة. فمن خلال الابتلاء يتميز الناس: خيارهم من أشرارهم، وصدق إيمانهم من عدمه. وكذلك رحمة؛ فهو يعلم أن رضاه بقضاء الله وصبره على الابتلاء من شأنه أن يكفّر ذنوبه ويرفع درجاته عند الله. وهذا يجعله إنساناً إيجابياً؛ كلما ابتلاه الله ازداد إيماناً وثقةً بالله وحسنَ ظنٍّ به، بعيداً عن اليأس والحبوط، مصراً على السير في الطريق بتصميم وعزيمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المسلم، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمسلم؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له.»، فالله تعالى يقول: ( إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ) [الزمر: 10]. وقال تعالى: (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧) [إبراهيم: 7].
والمسلم من خلال هذه السُّنَّة يعلم حقيقة الدنيا، أنها دار ابتلاء ومرحلة ستنتهي، لينتقل إلى الحياة الأخرى الدائمة، فهي طريق للآخرة. فيكون عمله في الدنيا من أجل الآخرة، حتى لو لم يستحوذ على شيء منها فإنه لا يكترث، لذلك فعاقبته الآخرة والفوز بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موعدي معكم ليس الدنيا، موعدي معكم الآخرة.» فالمسلم عامل مخلص، مجدّ، فارس مقدام، شجاع في جهاد الأعداء، لا يهاب الموت، لأنه يستيقن أن الحياة والموت بيد الله تعالى. وهو أيضاً عابد متعبّد؛ فسِمة المسلمين: فرسان في النهار، رهبان في الليل.
وأخيراً: لا أجد خياراً إلا إنهاء هذا الموضوع بهذا الحديث الشامل الجامع، الذي يجعلنا دائماً نستحضر سُنن الله تعالى في خلقه، ويحيي في المسلم عقيدة التوكّل على الله، ومن ثم الاستعانة به، والحرص على إرضائه وتطبيق أوامره ونواهيه، مع الشعور بالعزة وعدم الخوف إلا من الله. عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلميوماً، فقال لي: «يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف.». رواه الترمذي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.    
										
									
								1447-05-08