الأمة الإسلامية بين التمسك بالشريعة الإسلامية أو الانجرار وراء المنظمات الدولية والجمعيات النسوية
أسبوع واحد مضت
المقالات
315 زيارة
رنا مصطفى
عضو القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ظهرت في المجتمعات الغربيّة العلمانيّة حركات نسويّة وأخرى ذكوريّة تتبنّى أفكارًا شاذّة تقوم على الحقّ الطّبيعيّ لأصحابها في التّمتّع بحرّيّاتهم الشّخصيّة واعتبار ذلك أمرًا يتجاوز كلّ القيم الدّينيّة والأخلاقيّة ويتخطّاها لأنّها تحدّ من الحرّيّات وتكبّل الإنسان بقيود تعيق انطلاقه.
وقد تبنَّت لجنة المرأة والأسرة في منظّمة الأمم المتّحدة هذه الأفكار الشّاذّة حيث أصبح حديثها عنها وترويجها لها خاصّة في السّنوات العشر الأخيرة أمرًا عاديًّا وبشكل علنيّ.
يقول الأمين العام السّابق للأمم المتّحدة بان كي مون في كلمته أمام المنتدى الدّوليّ بمناسبة اليوم العالميّ لمناهضة كراهيّة المثليّة الجنسيّة (إيداهو)، الذي انعقد في لاهاي، بهولندا، بتاريخ 17 أيار/مايو 2013م «إنّ مكافحة كراهيّة المثليّة الجنسيّة هو جزء أساسيّ من كفاحنا لتعزيز حقوق الإنسان للجميع»!.
سعى الغرب عبر المنظّمات الدّوليّة التّابعة له – وبكلّ جهوده – إلى تصدير أفكاره وثقافته الشّاذّة، مستهدفًا مجتمعاتنا ببرامج كبيرة ومدروسة تعمل على تدمير الأسرة المسلمة بتغيير المفاهيم الإسلاميّة للمرأة باعتبارها مربّية الأجيال ومعدّة لها لتحمّل المسؤوليّات… وهناك مساع حثيثة لإفساد «هذه المدرسة» وتلويث أفكارها لتخرج من أرحامها أجيالًا على المقاس الغربيّ، وحسب مواصفاته وشروطه: فقد قام بإعداد الاتفاقيّات؛ «اتفاقية سيداو عام 1979م» و»اتفاقيّة إسطنبول أو اتفاقيّة مناهضة العنف ضدّ المرأة عام 2011»، وطرح الإعلانات الدّوليّة التي تشرعن لثقافة الشّذوذ: «إعلان الأمم المتّحدة القضاء على العنف ضدّ المرأة» عام 1993م.
كما عُقدت سلسلة من المؤتمرات الدّوليّة الخاصّة بالمرأة من أجل تكريس مثل هذه الاتفاقيّات والعمل على تنفيذها وتحقيقها، فكان المؤتمر الأوّل عام 1975م المسمّى (عام المرأة الدّوليّ) الذي عُقد في مكسيكو سيتي داعيًا إلى المساواة والتّنمية والسّلم، تلاه مؤتمر كوبنهاجن للمرأة عام 1980م، ومؤتمر نيروبي عام 1985م، ومؤتمر السّكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994م، والذي دعا في تقريره إلى إمكانيّة الحصول على خدمات الصّحّة الجنسيّة والتّناسليّة بما فيها تحديد النّسل. ثم مؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر هولندا عام 1999م؛ حيث أُبيح فيهما الشّذوذ والإجهاض الآمن وممارسة الزّنا تحت مسمّى الحرّيّة الجنسيّة للمراهقين والمراهقات!!
كما انبثق عن هذه المؤتمرات الدّوليّة مؤتمرات إقليميّة تُناقَش في كلّ منها مواضيع خاصّة بالمرأة مثل: المرأة والإعلام، المرأة والتّعليم، المرأة والأسرة، المرأة والتّنميّة، وتمكين المرأة الاقتصاديّ، وغيرها من المواضيع الرّامية إلى تضليل المرأة التي هي جزء بل أساس وطيد في تكامل الأسرة وتماسكها. ولا ننسى المنظّمات المختلفة مثل اليونيسيف واليونسكو واليونيفيم التي ركّزت على مفهوم «الجندر» الذي يعتبر دعوة صريحة إلى المثليّة الجنسيّة بالمساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة وإلغاء كلّ الفوارق الخَلقيّة بينهما حتّى البيولوجيّة منها، منكرين قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ).
كلّ هذه المنظّمات والجمعيّات والمؤتمرات حظت بتمويل سخيّ من صندوق النّقد والبنك الدّوليّين ومنظّمة العفو الدّوليّة لهدف بيّن وجليّ؛ (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ).
إنّه من الواضح والجلي لمتتبع أحوال هذه المنظّمات الدّوليّة وأقوالها وممارساتها أن يدرك أنّها ليست منظّمات مستقلّة عن الدّول العظمى وعلى رأسها أمريكا المتحكّمة في الموقف الدّولي في العالم، فهي منظّمات مدعومة ماليًّا وسياسيًّا من الدول الرأسماليّة الاستعماريّة، هذه الدّول التي تستغلّ هذه المنظّمات وتتحكّم بقراراتها بما يخدم مصالحها الدّوليّة وسياساتها لعلمنة الشّعوب في بلاد المسلمين وتغريبها وصرفها عن دينها وأحكامه.
ها هي أمريكا وفي خطوةٍ شاذّة تتنافى مع كُـلّ القيم والمبادئ والأخلاق والفطرة الإنسانيّة وتخالف كُـلّ التّشريعات والأديان السّماويّة، تعلن على لسان الرئيس الأمريكيّ جو بايدن في أكبر احتفال في تاريخ البيت الأبيض أنّها «أمّة المثليّين»! كما جرى في هذا الاحتفال رفع علم «المثليّة» في البيت الأبيض.
هذا الموقف الأمريكيّ ليس بجديد، فقد أعلن الرّئيس الأمريكيّ الأسبق بيل كلينتون رسميًّا في عام 1999م بأنّ شهر حزيران/يونيو من كُـلّ عام هو شهر فخر المِثليّين، وخصَّص شهرًا كاملًا لاحتفالات ما يسمّى «مجتمع الميم»، كما واصل الرّئيس أوباما دعمه الكبير للمثليّين وسمّى يوم المثليّين بـ»يوم النّصر» و«يوم الحبّ»، حتّى جاء الرّئيس الأمريكيّ الحاليّ جو بايدن ووقَّع على قانون يمنح الحماية للزّواج من الجنس نفسه في أمريكا.
كشف تبنّي أمريكا – المتحكّمة بالموقف الدّوليّ – لثقافة الشّذوذ وتقنينها لها أنّ هذه الدّولة – وعبر منظّماتها الدّوليّة – تعمل وفق مخطّط ممنهج لفرض هذه الظاهرة الخطيرة وذلك بعد أن تبنّتها بشكل قانونيّ ودستوريّ؛ ما جعلها مفعَّلة وجاهزة لا في بنود الاتّفاقيات فقط، بل إنّها تُسمع صراحة وبوقاحة على لسان المسؤولين، سواء زعماء الدّول أم الأمناء العامّون في منظّمة الأمم المتّحدة وصولًا إلى الحركات النّسوية العاملة في بلاد المسلمين لا سيّما في حربها الممنهجة على الإسلام لاجتثاث الأحكام الشّرعيّة من حياة المسلمين وخاصّة فيما يتعلّق بالنظام الاجتماعي الذي بقي إلى حدّ ما يحتفظ ببعض أحكام الدّين الحنيف.
نصّت المادّة 2 من اتّفاقيّة سيداو على: «إبطال القوانين والأعراف دون استثناء لتلك التي تقوم على أساس دينيّ واستبدالها بقوانين دوليّة». وأيضًا المادّة 4 من الإعلان العالميّ بشأن القضاء على العنف ضدّ المرأة سنة 1993م أنّه «ينبغي للدّول أن تُدين العنف ضدّ المرأة، فلا تتذرّع بأيّ عرف أو تقليد أو اعتبارات دينيّة بالتنصّل من التزامها بالقضاء عليه».
تنامت الحركات النّسويّة والجمعيّات غير الرّبحيّة وغير الحكوميّة خاصّة في الفترة الممتدّة من الثّمانينات إلى اليوم، وتفاعلت في خطابها مع الخطاب العالميّ الذي روّج وبقوّة لمبادئ حقوق الإنسان وخاصّة حقوق المرأة وحقوق الطّفل، هذه الحقوق التي ارتبطت بوجهة النّظر الغربيّة ومجتمع الرّأسماليّة، كما تبنّت مرجعيّات ومقاربات أمميّة مستجدّة كالنّوع الاجتماعيّ والتّمكين الاقتصاديّ لاستقطاب النّساء وتجميعهنّ حول أطروحاتها ونظرياتها المنبثقة من بنود الاتفاقيّات الدّوليّة.
وقد تظافرت جهود هذه المنظّمات والجمعيّات ضمن مشاريع موحّدة في بلادنا من الشّام إلى العراق إلى المغرب إلى الخليج العربي، في مخطّط موحّد من أجل نشر ثقافة الغرب «ثقافة الشّذوذ والفُجور والفسق والتّفكّك».
إنّ تبنّي الأنظمة الحاكمة لهذا الخطاب الدّوليّ، والدّعوة إلى مساواة المرأة المطلقة مع الرّجل، وإلى تمكينها الاقتصاديّ الذي له أثر كبير – حسب وجهة نظرهم – في نموّ وتحريك العجلة الاقتصاديّة العالميّة، هو من الأمور التي ساعدت على سرعة انتشار هذه المشاريع المفسدة.
كما وقد جنّدت أجهزة الأنظمة الحاكمة جميع وسائل الإعلام المرئيّ والمسموع والمكتوب، والبرامج والأنشطة المدرسيّة عبر وزارات التّربية والتّعليم، والتّعديلات القانونيّة لما يتوافق مع مطالب النّسويّة، بالإضافة للدّعم المادّي واللّوجستيّ لكافة المنظّمات الحقوقيّة النّسويّة المحتضنة لمشروع النّوع الاجتماعيّ «الجندر»؛ وذلك لاقتلاع ثقافة الإسلام وأخلاقه وقيمه الرفيعة، وإحلال ثقافة سيداو وأخواتها.
ومن هذا المنطلق اجتمعت إملاءات المنظّمات الغربيّة مع عمالة الحكومات والأنظمة، وانضباع العديد بالحركات والجمعيّات النّسويّة التي ما وُجدت إلّا للإفساد.. فكانت النّتيجة برامج ومشاريع نادت ابتداء بتحرير المرأة ومساواتها مع الرّجل وانتهاءً بالتّحوّل الجنسيّ وتعدّد أنماط الأسرة وأشكالها.
قامت الجمعيّات النّسويّة بتعليب مقرّرات الاتفاقيّات الدّوليّة وتصديرها لنا بشعارات رنّانة تلقى القبول بين المثقّفين والمضبوعين بثقافة الغرب، وخاصّة بشعار حماية المرأة والقضاء على التّمييز بينها وبين الرجل، فظهرت مصطلحات تقوم على الجندرة مثل «المساواة الجندريّة» و»العدالة الجندريّة» و»النّوع الجندري» وغيرها من المصطلحات التي تُكرّس ما يسمّى بـ»زواج المثليّين» و»التّحوّل الجنسيّ» وتبادل الأدوار بين الرّجل والمرأة، وتعدّد الأزواج، وما إلى ذلك من ممارسات تتنافى مع القيم الدّينيّة التي جاءت بها الشّرائع السّماويّة، وتتناقض مع الطبيعة البشريّة، والفطرة التي فطر اللهُ عليها الإنسان.
ولا زالت المؤسّسات الحقوقيّة النسويّة تعمل بدأب ونشاط لتفعيل جميع المقرّرات الدوليّة بشكل أسرع، وذلك في معظم بلاد المسلمين مع تفاوت بسيط بينها يرتبط بمدى تقبّل الرّأي العام أو مواجهته لهذه الأفكار الدخيلة الفاسدة والمفسدة، فعملها في لبنان مثلًا المنفتح على كافّة الثقافات يختلف عن عملها في فلسطين المحتلّة أو في العراق أو في الأردن أو في مصر، إلا أنّ هذا التّفاوت لا يؤثّر البتّة في الأهداف الرّامية لانحدار الأمّة نحو ثقافة الشّذوذ والفجور والتّفكّك.
وللأسف فقد تحقّق جزء كبير من أهدافهم وخططهم!! فلا يخفى على المتتبّع لأحوال الحياة الاجتماعيّة في بلاد العالم الإسلاميّ – أين تكثر الجمعيّات وتنشط المنظّمات – وما تمرّ به من أحوال سيّئة بالغة الخطورة، ومن اضطراب وقلق يكاد يلفّها من كلّ جانب.
وفق تقرير بعنوان «لمحة عامة عن الأطراف الفاعلة في مجال الجندر وتدخلاتها في لبنان» نشره مركز دعم لبنان (أحد المراكز المتخصّصة بدراسات المجتمع المدنيّ، مموّل دوليًّا، بلغ عدد المنظّمات غير الحكوميّة المهتمّة بموضوع حقوق المرأة والجندرة والمساواة بين الجنسين والعنف ضدّ المرأة وحقّ الحضانة في لبنان نحو ٤٠ منظمة على الأقلّ.
ومن بين ٣٦ منظّمة نسويّة تجاوبت مع المسح يتبيّن أنّ ٢٧ منها تركّز بشكل أساسيّ على مسألة حقوق المرأة، تليها ١٣ منظّمة تركز على مسألة المساواة بين الجنسين، و٥ منظّمات على الزّواج المبكّر، و٤ منظّمات على مسألة المثليّين والمثليّات والمتحوّلين.
وتتنوّع الجهات المانحة التي تتعاطى الشّأن الاجتماعيّ في لبنان بين منظّمات الأمم المتّحدة على اختلافها: اللّجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا (إسكوا)، منظّمة الأغذية والزّراعة (الفاو)، برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، صندوق الأمم المتّحدة الإنمائيّ للمرأة «يونيفم»، وبين منظّمات أهليّة غربيّة يموّل بعضها من قبل بعض الأحزاب السّياسيّة، مثل «مؤسّسة فريديريش ناومان»، و«مؤسّسة فريديريش أيبرت» الألمانيّتين.
أمّا الدّول الأجنبيّة فإنّ دعمها للمنظّمات غير الحكوميّة في لبنان كبير، وأبرز هذه الدّول الولايات المتّحدة الأمريكيّة عبر وكالاتها النّاشطة في لبنان وأهمّها: الوكالة الأمريكيّة للتّنمية، والصّندوق الوطنيّ للدّيمقراطيّة، بالإضافة إلى تمويل دول الاتّحاد الأوروبي، والسّفارة البريطانيّة، والسّفارة الأُستراليّة.
وهنا يتبادر إلى الأذهان السّؤال التّالي: إلى أيّ مدى تساهم توجّهات «التّمويل» في تحديد ملامح تصميم المشاريع والحملات المزمع تنفيذها؟.
حتى لا يقال إنّ هذه الأعداد الكبيرة للجمعيّات النّسويّة أمر طبيعيّ في لبنان، فهو بلد منفتح ويستقطب مختلف الثّقافات، نعطي مثالًا آخر لبلد يرزح تحت الاحتلال «فلسطين المحتلّة» وما زال يحافظ على أحكام الدّين وخاصّة فيما يتعلّق بالنّظام الاجتماعيّ… فقد تشكّل ائتلاف أهليّ نسويّ خاصّ بقيادة الاتّحاد العام للمرأة الفلسطينية – بغرض إعداد الاتفاقيّات الدوليّة المتعلّقة بالمرأة ومتابعة تنفيذها، ومنها اتفاقيّة «سيداو».
والاتّحاد هو أحد أذرع منظّمة التّحرير الفلسطينيّة يتكوّن من (57) مؤسّسة حقوقيّة ونسويّة ونقابات العمّال وأطر نسويّة تعمل لمناصرة المرأة وحمايتها وتمكينها في المجال الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ والصحّي والتعليميّ والقانوني المحليّ والدّوليّ، في كلّ من الضّفّة الغربيّة بما فيها القدس وقطاع غزة الذي يضمّ لوحده 23 جمعيّة.
هذا بالإضافة إلى شبكة المنظّمات الأهليّة الفلسطينيّة وهي – حسب ما ذكر في موقعها – تجمّع ديمقراطيّ مدنيّ مستقلّ، يهدف إلى إسناد وتمكين المجتمع الفلسطينيّ في إطار تعزيز المبادئ الدّيمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والتّنمية المستدامة واحترام حقوق الإنسان. أُنشئت شبكة المنظّمات الأهليّة الفلسطينيّة في أيلول عام 1993م، بعد توقيع اتّفاق أوسلو مباشرة، عضويّتها 145 مؤسّسة أهليّة فلسطينيّة، تعمل في حقول إنسانيّة واجتماعيّة وتنمويّة مختلفة. (وهذا الرّقم في بداية نشأتها، أمّا اليوم فعدد المنظّمات المسجّلة ضمن شبكة المنظّمات الأهليّة هي 516 منظّمة في الضفة الغربيّة، وموزّعة كما يلي: 189 منظّمة في محافظة غزّة، و73 منظّمة في محافظة الوسطى، و55 منظّمة في محافظة خان يونس، وفي محافظة رفح 43 منظّمة، وفي محافظة رام الله والبيرة 36 منظّمة).
فأين هذه المنظّمات النسويّة ممّا يجري لنساء غزّة وأطفالها من إبادة جماعيّة؟! أم أنّ الحقوق الإنسانيّة تذكر حينًا وتغيب أحيانًا حسب ما تتطلّبه المصالح السّياسية وتقتضيه؟!
هذه الجمعيّات النسويّة والمنظّمات الدّوليّة التي تدّعي الحفاظ على حقوق المرأة والطفل وتسري في مجتمعاتنا كسريان الدّماء في العروق هي كحصان طروادة، تشبع المرأة شعارات وهميّة وتعدها بالحياة الورديّة وتحمل بين ثنايا نواياها أهدافًا خبيثة مبطّنة وملغومة تريد شرًّا بأمّة الإسلام وتسعى لإسقاطها في مستنقع الفجور والتفكك… لم تكن هذه الجمعيّات إلا مطيّة من أجل الوصول إلى أسرنا وتمييع المرأة لتضيع أجيالنا وتقضي بذلك على أحكام الدّين والشّرع الحنيف ولكن خسئت وخاب مسعى القائمين عليها، فالإسلام محفوظ من ربّ العالمين ليوم الدّين، والغلبة لأهل الحقّ وإن امتدَّ الباطل وانتشر فمصيره إلى زوال ولو بعد حين، وسيرى الذين ظلموا وفسقوا أي منقلب ينقلبون، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ٣٦).
لقد اتّضح لنا جليًّا ما يخطّط له الغرب للنيل من أمّة الإسلام وهو ما يستدعي منّا الحذر من هذه الدّعوات الزّائفة التي تروّج لها هذه المنظّمات المفسدة، ونزينها بميزان الشّرع حتّى لا ننخدع وندخل جحر الضّبّ.
فعلينا أن ننظر للأمور صغيرها وكبيرها من زاوية العقيدة الإسلاميّة فقط، فنرى ماذا أمرنا الإسلام به، وماذا نهانا عنه، وما بيّنه لنا من أحكام، فنتّبعها ونعمل بها. ومن أوائل الأمور التي يتوجّب علينا القيام بها هو الوقوف في وجه هذه المؤسّسات الخبيثة وإحباط مخطّطاتها بإيقاف النّساء والبنات ومنعهنّ من زيارة هذه الجمعيّات وحضور فعاليّاتها وأنشطتها الخبيثة الهدّامة مع تحصينهنّ بالثّقافة والمفاهيم الإسلاميّة وخاصّة الأحكام المتعلّقة بالمرأة، حقوقها وواجباتها ودورها المحوريّ في الحياة الإسلاميّة لبناء أجيال رائدة تُعزّ دينها وتحكّم شرعها في كلّ شؤون حياتها؛ وذلك استجابة لأمر الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ٦).
إنّ الإسلام بأحكامه وقوانينه هو الضّمان الحقيقيّ للعيش الكريم للرّجل والمرأة؛ إذ نظر للمرأة على أنّها أمّ وأخت وزوجة وبنت وعِرض يجب أن يصان، وكلّف الرّجل بحمايتها ورعايتها والإنفاق عليها والإحسان لها. والعقيدة الإسلاميّة هي القوّة الحقيقيّة للأسرة المسلمة في عيشها وفق أحكام الإسلام التي ستضمن لها تحقيق الطّمأنينة والسّكينة وتحميها من كلّ آفة وشرّ…
والدّولة الإسلاميّة التي ستحكم بما نصّ عليه المبدأ الإسلاميّ وتطبّق أحكامه في سائر أنظمة المجتمع، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتعليميّة، ستحفظ حقوق البشريّة جمعاء كما كان ذلك لقرون طويلة.
فمنذ أن سقطت الخلافة التي كانت ترعى شؤون المسلمين وتحسن إلى كلّ من يحيا في ظلّها واستبدلت بأحكام الله قوانين وضعيّة ما أنزل الله بها من سلطان، صار النّاس يحيون في الظلمات والظلم، وستشهد الأيّام القادمة – بإذن الله تعالى – سقوط الرأسماليّة وصعود الإسلام لينشر النور والرحمة.
وسنعرض بعض البنود التي جاءت في دستور دولة الخلافة القادمة بإذن الله، ليس من باب المقارنة، فالبون شاسع بين أحكام الإسلام وما تحقّقه من رفعة للمرأة وبين ما تفرزه لها الحضارة الغربية من شقاء وتعاسة وضنك، ولا مجال للمقارنة بين أحكام الله سبحانه وتعالى وأحكام البشر التي حطّت لا من مكانة المرأة فقط، بل الإنسان عمومًا.
المادّة 112: الأصل في المرأة أنّها أمّ وربّة بيت، وهي عرض يجب أن يصان.
المادّة 113: الأصل أن ينفصل الرّجال عن النّساء ولا يجتمعون إلّا لحاجة يقرّها الشّرع، ويقرّ الاجتماع من أجلها كالحجّ والبيع.
المادّة 114: تُعْطى المرأة ما يُعْطى الرّجل من الحقوق، ويُفْرَضُ عليها ما يُفْرَضُ عليه من الواجبات إلّا ما خصّها الإسلام به، أو خصّ الرّجل به بالأدّلة الشّرعيّة، فلها الحقّ في أن تزاول التّجارة والزّراعة والصّناعة، وأن تتولّى العقود والمعاملات. وأن تملك كلّ أنواع الملك. وأن تنمّي أموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها.
المادّة 115: يجوز للمرأة أن تعيَّن في وظائف الدّولة، وفي مناصب القضاء ما عدا قضاء المظالم، وأن تنتخب أعضاء مجلس الأمّة وأن تكون عضوًا فيه، وأن تشترك في انتخاب الخليفة ومبايعته.
المادّة 119: يمنع كلّ من الرّجل والمرأة من مباشرة أي عمل فيه خطر على الأخلاق، أو فساد في المجتمع.
المادّة 120: الحياة الزّوجيّة حياة اطمئنان، وعشرة الزّوجين عشرة صحبة. وقوامة الزّوج على الزّوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطّاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.
هذه المواد وغيرها التي تنظم الاجتماع بين الرجل والمرأة، وتنظم العلاقات التي تنشأ عن هذا الاجتماع تُظهر كيف أن المرأة لم يكرمها غير الإسلام، ففرض لها النفقة والسكنى، وجعل أفضل الصدقة اللقمة يضعها الرجل في فم امرأته، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ»، وقال: «رِفْقًا بِالْقَوَارِيرِ»، فالمرأة أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، ولم يوجب عليها عملًا، بل فرض لها النفقة ولعيالها، وجعلها درة مصونة تحرَّك الجيوش لأجلها كما فعل النّبي عليه الصلاة والسلام والصّحابة والتّابعون من بعدهم أمثال المعتصم الذي حرّك جيشًا عرمرمًا من أجل ردّ كرامة المرأة التي اعتدي عليها، بل وكانت سببًا في فتح أعتى الممالك وقتئذٍ.
وفيما يتعلّق بكيفيّة تعامل دولة الخلافة المرتقبة مع هكذا جمعيّات، جاء في مشروع دستور دولة الخلافة:
المادّة 182: لا يجوز لأيّ فرد، أو حزب، أو كتلة، أو جماعة، أن تكون لهم علاقة بأيّ دولة من الدّول الأجنبيّة مطلقًا. والعلاقة بالدّول محصورة بالدّولة وحدها؛ لأنّ لها وحدها حقّ رعاية شؤون الأمّة عمليًّا. وعلى الأمّة والتّكتّلات أن تحاسب الدّولة على هذه العلاقة الخارجيّة.
المادّة 191: المنظّمات التي تقوم على غير أساس الإسلام أو تطبّق أحكامًا غير أحكام الإسلام لا يجوز للدّولة أن تشترك فيها وذلك كالمنظّمات الدّوليّة مثل هيئة الأمم ومحكمة العدل الدّوليّة وصندوق النّقد الدّوليّ والبنك الدّوليّ وكالمنظّمات الإقليميّة مثل الجامعة العربيّة.
فالموضوع الذي قامت عليه المنظّمات الدّوليّة والمنظّمات المحلّيّة يحرّمه الشّرع. فهي تقوم على أساس النّظام الرّأسماليّ وهو نظام كفر، علاوة على أنّها أداة في يد الدّول الكبرى، ولا سيما أمريكا لتسخرها من أجل فرض هيمنتها على الدول الصغرى، ومنها دول العالم الإسلاميّ، فالاشتراك بهكذا منظّمات حرام بالنّسبة للأفراد والتّكتّلات والدّولة الإسلاميّة.
هذه المواد وغيرها الكثير من مواد مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعدّه حزب التّحرير، يبيّن لنا ويظهر كيف أنّ الإسلام لا يترك جزءًا من أعمال الإنسان، صغيرًا كان أو كبيرًا، إلّا وقد نظّمه من خلال قوانين وقواعد وأنظمة محدّدة، فمن أعلم من اللطيف الخبير بشؤون عباده وما يصلح حياتهم ويحلّ مشاكلها؟
لا سبيل للخروج من جور هذه المنظّمات الرّأسماليّة إلا بإقامة دولة تقوم على عدل الإسلام، ولا طريق لتغيير حال المرأة وإنصافها إلّا طريق استئناف الحياة الإسلاميّة التي تسنّ القوانين المستمدّة من شرع الله وفيها كلّ الخير والفلاح والصلاح. ولسنا مضطرّين لهذا السقوط المهلك الذي يجرّنا إليه عملاء الكفّار من أنظمة عميلة ومن جمعيّات نسويّة خبيثة مرهونة لأجندات الغرب الكافر، ولدينا بديل أصيل، دستور مستنبط من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2024-11-03