خذلان غزة وحقيقة إيران: تمني الجاهل بنصرة فلسطين
2024/03/26م
المقالات
1,187 زيارة
الأستاذ رمزي راجح
ولاية اليمن
لقد غابت الدولة الإسلامية عن الوجود منذ أن قضى عليها الاستعمار الأجنبي عام 1924م، وعلى إثر إزالتها من الوجود حلَّت الغثائية في بلاد المسلمين، وأخذ اليهود أرض فلسطين بلا ثمن، وبات العالم الإسلامي يقبع تحت هيمنة الجاهلية المعاصرة! فأوجد الاستعمار هذه الدويلات الكرتونية والأنظمة العميلة التي لا تأبه بقضايا المسلمين ولا بمبدئهم، لأنها في حقيقتها ليست إلا دولًا علمانية يقودها العملاء والحثالة، يقدسون أنظمة المستعمر ويسبِّحون بحمده، ويتوجهون إلى قبلته ويعملون بمقتضى خططه وأهدافه، وهؤلاء كان حتمًا مقضيًّا أن يقفوا اليوم موقف المتفرج على جرائم القتل والإبادة التي يمارسها اليهود اليوم في غزة، ولا دهشة في مواقفهم الخاذلة منذ أمد طويل لأرض فلسطين المباركة!
وتكاد إيران، وهي واحدة من هذه الدول العلمانية، أن تُمَنِّي الجاهل لحقيقتها بنصرة فلسطين وعداوتها لأمريكا وكيان يهود؛ وقد أقسمت على ذلك جهد أيمانها مرارًا وتكرارًا؛ وكتبت ذلك على جبين صواريخها، ورددت شعار «الموت لـ(إسرائيل)»، والرواية الخمينية «أمريكا هي الشيطان الأكبر»، ولما كان الذي نشهده اليوم في غزة من جرائم القتل والابادة الجماعية، رأت إيران في حالها عذر الذي في قلبه مرض (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ)؛إذ لم تكن ردة الفعل من إيران إلا أن قالت على لسان خامنئي: «إن إيران اليوم في صدد بناء نفسها، وهي غير مستعدة للحرب مع (إسرائيل) نيابة عن حماس».
هذه خلاصة موقف إيران الذي لا يختلف عن مواقف الأنظمة العميلة الأخرى. أمَّا وقد ألقت إيران بحبالها وعِصيها على عاتق وكلائها في المنطقة للقيام بدور النصرة لأهل غزة، فإن هذا لشيء عُجاب! إذ لم تكن عورة البيوت التي يملكها وكلاؤها أحسن حالًا من البيت الذي تملكه إيران، من حيث العُدة والعدد والعتاد!
فما هي حقيقة إيران؟ وما حقيقة مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وعداوتها لأمريكا وكيان يهود؟ وما حقيقة ما يقوم به وكلاؤها نصرة لغزة من أعمال قتالية تستهدف مصالح أمريكا وكيان يهود في المنطقة؟
إن الوقوف على هذه المسألة يستدعي أولًا تقديم إجابة تفسر فرصة الوجود الأمريكي المتناسب والمتناغم مع وجود إيران في منطقة الشرق الأوسط، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تسليط الضوء على طبيعة الصراع السياسي بين إيران وكيان يهود!
أولًا: فرصة الوجود الأمريكي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط
لقد كان من الأهمية بمكان أن يكون المؤمن كيِّسًا فطنًا، ينظر إلى العالم بعين بصيرة، وينظر إلى العلاقات بين الدول بإمعان، يتتبع أحوالها ويدرك خفاياها ومراميها، ويميز بين المناورات وغير المناورات، وبين الأعمال السياسية وأهدافها، فـ«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»!
وفي صدد البحث عن حقيقة الوجود الإيراني على الساحة الإقليمية كان لا بد من الوقوف على حقيقة إيران في ظل معطيات الثورة الإيرانية الخمينية، ومعطيات الأعمال السياسية التي تقوم بها إيران في ضوء الأخذ بعين الاعتبار الأعمال السياسية التي تقوم بها أمريكا كونها الدولة ذات الصدارة الأولى في هذا العالم.
والحاصل أن إيران دولة وطنية تفيض بالعنصرية، وهي ذات طابع قومي وطموح إقليمي، النظام الجمهوري فيها مبدأ لسياسة الدولة، وهي بين السياسة والمذهب تتخذ النفعية مقياسًا لأعمالها كما هو الحال في طبيعة الدول العلمانية. ومن جانب آخر تتخذ المذهبية أسلوبًا لتحقيق مصالحها، ويعدُّ الطموح الإقليمي مظهرًا من مظاهر هذه المصالح.
وهكذا بهذه الأيديولوجية الهجينة (الـمُركبة) تعد إيران دولة غير مبدئية، وهي دون شك واقعة تحت تأثير غيرها من الدول المبدئية ذات الصدارة في العالم. وهذا يعني أن إيران في تصنيفها تعد دولة تسير في فلك أمريكا وتكاد تقترب من العمالة مثلها مثل تركيا أردوغان، وهذا هو الـمُلاحظ للمتتبع لسياستها.
أما من حيث طموحها الإقليمي وأعمالها السياسية التي تقوم بها في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق وكلائها، فإنه من الخطأ تفسيرها دون الأخذ بالاعتبار سياسة أمريكا صاحبة الصدارة العالمية، وعند هذه النقطة يجدر الانتباه إلى مصداقية الرواية الخمينية «أمريكا هي الشيطان الأكبر»؛ خاصة أن الظرف الذي أطلقت فيه إيران هذه الرواية في الثورة الخمينية عام 1979م، لم تكن إيران في نفوذها أو أمريكا بذات الزخم المتناغم الذي نلاحظه اليوم بين الدولتين (أمريكا وإيران) سواء في العراق أم سوريا أم كما هو الحال مؤخرًا في اليمن، بل كانت حينها المستعمرات الأوروبية هي الأكثر نفوذًا وسيطرة من أمريكا… فما الذي غيَّر الأحوال يا ترى؟!
الحاصل أن أمريكا بعد خروجها من عزلتها في الحرب العالمية الثانية، كانت ثمة عوامل قد هيأتها للنفوذ الاستعماري ووراثة المستعمرات الأوروبية (خاصة بريطانيا وفرنسا)، فجاءت إلى العالم الإسلامي بأساليب كثيرة، فبدأت أولًا بتبني أساليب ذات طابع قومي ركزت فيها شعارات القومية «القضاء على الاستعمار»، و«حق تقرير المصير للشعوب»، ووظفت عملاءها لإذكاء الحراك الثوري القومي ضد المستعمر الأوروبي (المستعمر القديم)، ونجحت في ذلك إلى حد كبير ركزت فيه سياستها على الانقلابات العسكرية، واعتمدت على حكام عسكريين أقوياء (كما في مصر وسوريا) في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.
ثم أضافت أمريكا أسلوبًا جديدًا من أسلوبها الاستعماري فعمدت إلى أساليب ذات طابع ديني يتماشى مع عقيدتها الاستعمارية (فصل الدين عن الدولة)، فبدأت بتبني «تحكيم الشريعة» والشعارات الإسلامية. وفي إطار هذه السياسة الأمريكية تمخضت الثورة الإيرانية؛ فأنجبت ما تسمى «جمهورية إيران الإسلامية»، فتعاطفت معها مشاعر المسلمين التوَّاقة لتحكيم الشريعة الإسلامية، وكانوا يحسبون حينها أن إيران تحسن صنعًا!
هكذا وجدت أمريكا بغيتها في إيران لتحقيق جملة من أهدافها العريضة التي تخدم وجودها وأطماعها، وهكذا بالمقابل وجدت إيران بغيتها في أمريكا لتأخذ بيدها إلى المنطقة، فتحظى بالدعم الأمريكي الذي يلبي طموحها الإقليمي!.
أما عن أهداف أمريكا، فمنها ما يلي:
1- الحرب على الإسلام، وذلك من خلال إذكاء الصراع المذهبي الذي من ناحية سيسهم في إحداث فتنة وشرخ بين المسلمين، ومن ناحية أخرى سيصرف أذهان المسلمين عن طبيعة الصراع الحقيقي بين الإسلام والكفر، ناهيك عن انشغال المسلمين عن قضية فلسطين بهذا الصراع المذهبي.
2- استخدام ورقة الإسلام المعتدل لدغدغة مشاعر المسلمين للسير تبعًا وراء عملائها المتسترين بغطاء الإسلام كما هو الحال في ثورة الخميني، وقد أسهم هذا إلى حد كبير في تلبية رغبة أمريكا في إبعاد المسلمين عن مشروع الإسلام السياسي الداعي لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
3- توظيف إيران عسكريًّا كفزاعة لحلب دول الخليج اقتصاديًّا، وبعبعًا لإبقاء دول أوروبا في حاضنة مستقبل السياسة الأمريكية.
وعلى هذا الإيقاع كان التناغم بين أمريكا وإيران، فقد كانت أمريكا تكرس من سياستها الداعمة للأقليات لصالح الأقليات ومنهم أتباع إيران؛ الأمر الذي ساعد على تنامي المذهبية في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج وفي اليمن مؤخرًا؛ حيث كانت أمريكا قد أسهمت إلى حد كبير مع إيران في دعم الحوثيين في صعدة الواقعة شمال اليمن، وحالت تحت دعوى الحريات وفكرة الأقليات دون قضاء نظام علي صالح (عميل الإنجليز) الذي كان يسعى لتصفيتهم…، ثم برز دور أمريكا واضحًا في دعمها للحوثيين في ثورة شباط/فبراير عام 2011م، والتي كانت امتدادًا لثورات الربيع العربي؛ حيث أشرفت أمريكا على إدخال الحوثيين إلى العاصمة صنعاء بضوء أخضر من مبعوثها الأممي جمال بن عمر الذي كان حينها موجودًا في صعدة عند دخول الحوثيين صنعاء، وليس هذا فحسب، بل سارعت أمريكا لإنقاذهم في اللحظة الحرجة التي كان عملاء الإنجليز قد دبَّروا خطتهم للزجَّ بالحوثيين جنوبًا والتخلص منهم… فسارعت أمريكا بتوجيه الدور لعميلها في مملكة آل سعود سلمان وابنه، الأمر الذي منح للحوثيين فرصة التنفس في قلب موازيين المعادلة، حيث استهدفت السعودية معسكرات الإنجليز في اليمنالتي يتزعمها علي صالح، وفي الوقت نفسه ساعد الحوثيين على استغلال الرأي العام للوقوف معه ضد ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
لم يكن هذا التناغم الأمريكي الإيراني في اليمن فحسب، فالشواهد التي تشير إلى هذا التناسب والتناغم كثيرة:
1- في العراق: لم تكن أمريكا لتحتل العراق وتستبيحه دون مساعدة حقيقية من إيران وحكام إيران وأحزابها في العراق وكل قيادتها الدينية وغير الدينية؛ حيث قال محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق في مؤتمر (الخليج وتحديات المستقبل) في 15/2/2004م: «لولا الدعم الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال العراق بهذه السهولة».
2- في أفغانستان: كان النظام الإيراني يساعد أمربكا بقوة في حربها على المسلمين، وقد قال هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق لجريدة الشرق الأوسط في 9/2/2002م: «القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها ولو لم تساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في مستنقع أفغانستان»… وهكذا هي الرواية الإيرانية على حقيقتها (كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمَۡٔانُ مَآءً).
ثانيا: حقيقة الصراع السياسي بين إيران وكيان يهود
إن تبني أمريكا لوراثة المستعمرات الأوروبية كان قد عزَّز من رغبة إيران في طموحها الإقليمي، وكانت ثمة مشكلة، ستقف موقف الندِّ أمام طموحها الإقليمي، وهذه المشكلة هي وجود كيان يهود الذي يشاطرها الطموح الإقليمي والدعم اللوجستي ذاته، فجمهورية إيران وكيان يهود ليسا إلا شرطيين لا يتجاوزان الخطوط الحمراء للسياسة الأمريكية، وكلاهما يريد أن يكون الأفضل في عين أمريكا، وفي ميدان هذه المنافسة ليس على إيران أن تستعيد سيرتها الأولى في استخدام ورقة الإسلام المعتدل، لتري المسلمين أن صراعها مع كيان يهود هو صراع تنافس على النفوذ الإقليمي، ولو كانت إيران صادقة في ادعائها لطبقت نظام الإسلام في أرضها بدلًا من النظام الجمهوري (العلماني)، وهكذا تستغل إيران شماعة الإسلام المعتدل كمظهر تسعى من خلاله لاتخاذ معالجات تمكنها من الحيلولة دون توسع كيان يهود في المنطقة على حساب طموحها الإقليمي، وإيقاف كيان يهود عند حدِّه؛ ولذلك تعزِّز إيران بقاء المقاومة الفلسطينية قوية نوعًا ما كوسيلة فقط تجعل منها حجر عثرة لإعاقة تمدُّد كيان يهود.
هذه هي خلاصة الصراع بين إيران وكيان يهود؛ صراع تنافس لإثبات الوجود وليس غير، والدليل على ذلك رغبة حزب إيران اللبناني في ترسيم الحدود بين لبنان وكيان يهود برعاية أمريكية، إن هذا التطبيع يعبر عن نية إيران التي لا مشكلة لديها في وجود كيان يهود، وإنما المشكلة في نظرها هي في وجود كيان يسعى للنفوذ على حساب طموحها الإقليمي! اللهم عجَّل بزوال الحكام المجرمين، وعجِّل لنا بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
2024-03-26