أسلحة الدمار الشامل من وجهتي نظر الغرب والإسلام
2023/12/20م
المقالات
2,580 زيارة
الدكتور ليث أبو خلف
يطلق مصطلح أسلحة الدمار الشامل على أنواع الأسلحة التي يؤدي استخدامها إلى تدمير مباشر لكل ما يقع داخل نطاق مجالها التدميري. وتقسم أسلحة الدمار الشامل إلى ثلاثة أنواع: الأسلحة النووية، والأسلحة الكيميائية، الأسلحة البيولوجية. ولا يقتصر تأثير تلك الأسلحة على ما تحدثه من دمار مباشر بل يمتد إلى آثار غير مباشرة؛ حيث يؤدي بعضها إلى تشوُّهات وأمراض تبقى مع أصحابها لسنوات. وسنتطرق في هذه المقالة إلى السلاح النووي بأنواعه وخطورته:
يُعَدُّ السلاح النووي أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل؛ لقوة تأثيره على أرض الواقع، والدول اليوم تنافس بعضها بعضًا بعدد الرؤوس النووية التي تملكها كوسيلة ضغط سياسية ووسيلة دفاع استراتيجية. وتقسم الأسلحة النووية إلى نوعين: أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة نووية استراتيجية.
أما الأسلحة التكتيكية فهي عبارة عن رؤوس حربية نووية صغيرة وأنظمة إطلاق مخصصة للاستخدام في ساحة المعركة، وهي مصممة لتدمير أهداف للعدو في منطقة معينة دون التسبب في تداعيات إشعاعية واسعة النطاق، وقد تصل القدرة التدميرية لأصغر سلاح نووي تكتيكي إلى كيلو طن واحد أو أقل (أي أن قوة الانفجار الناتج عنه تعادل ألف طن من مادة تي إن تي المتفجرة) وقد يصل حجم أكبرها إلى 100 كيلو طن.
ويمكن تحميل الرؤوس الحربية النووية التكتيكية على أنواع مختلفة من الصواريخ التي تحمل عادة رؤوسًا تقليدية مثل الصواريخ المجنحة وقذائف المدفعية. ويمكن أيضًا إطلاق الأسلحة النووية التكتيكية من الطائرات والسفن مثل الصواريخ المضادة للسفن والطوربيدات وشحنات تفجير الأعماق.
أما الأسلحة النووية الاستراتيجية فهي أكبر من حيث القوة التدميرية قد تصل إلى 1000 كيلو طن، ويتم إطلاقها من مسافات بعيدة. على سبيل المقارنة فإن القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما عام 1945م كانت قوتها 15 كيلو طن.
وعليه، عند ضرب القنبلة النووية على مدينةٍ ما، سيحدث الانفجار في أول ثانية، وسينبعث منها ضوء ساطع بدرجة حرارة أعلى من درجة حرارة سطح الشمس، وكل ما هو داخل نطاق نصف قطر كيلومتر من مركز الانفجار سيتبخّر، حتى المباني المسلّحة بالحديد ستتبخر، ومن نصف قطر ١ كيلومتر حتى ٧ كيلو متر سيحدث تدمير كامل لكل المنشآت الموجودة، بالإضافة لحالات قتلٍ واسعة نتيجة انهيار المباني وموجة الحرارة العالية القاتلة المنبعثة من القنبلة، ومن نصف قطر ٧ كيلومتر حتى ١٣ كيلومتراً سيصاب الجميع بحروق درجة ثالثة بالإضافة لاختراق أجسامهم بالأشعة الـمُسرطنة والقاتلة. وكل شيء قابل للاشتعال سيُحرق، من غابات ومنازل خشبية، ومن نصف قطر ١٣ كيلومتراً حتى ٢١ كيلومتراً سيكون هنالك إصابات عديدة بالإضافة لاختراق أجسامهم بالأشعة المسرطنة.
ويمكن لأي دولة ترغب في الحصول على سلاح نووي بإنشاء معمل لإخصاب اليورانيوم دون الحاجة إلى إقامة مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
وقد تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد اتفاقية دولية لحظر الأسلحة النووية، وتنص معاهدة حظر الأسلحة النووية على أنه يجب على الدول التي صادقت عليها «ألا تقوم أبدًا تحت أي ظرف من الظروف بتطوير أو اختبار أو إنتاج أو تصنيع أو حيازة أو امتلاك أو تخزين أسلحة نووية أو أجهزة نووية متفجرة أخرى».
وقد اعتمدت المعاهدة في 7 تموز 2017م في مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في نيويورك، وكانت أول صك متعدد الأطراف ملزم قانونًا لنزع السلاح النووي منذ عقدين، وتدخل حيز التنفيذ عند توقيع 50 دولة على الأقل. وحتى الآن لم توقع القوى النووية الرئيسية وهي: أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا على الاتفاقية.
ونوَّه الأمين العام للأمم المتحدة بدخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيِّز النفاذ في التاريخ الموافق 22 كانون الثاني عام 2021م، وهي أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع السلاح النووي تبرم منذ أكثر من عقدين.
وتدخل معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ بعد أن وصلت إلى 50 دولة من الدول الأطراف المطلوبة للتصديق عليها. وفي رسالة بهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن المعاهدة تمثل خطوة مهمة نحو تهيئة عالم خالٍ من الأسلحة النووية ودليلًا قويًّا على تأييد الأخذ بالنهج متعددة الأطراف إزاء نزع السلاح النووي. وشدَّد غوتيريش على أن الأسلحة النووية تشكل أخطارًا متزايدة، ويحتاج العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان إزالتها واتقاء العواقب البشرية والبيئية الكارثية الناجمة عن أي استخدام لها. وقال: «تظل إزالة الأسلحة النووية أولى أولويات الأمم المتحدة فيما يتعلق بنزع السلاح. وأدعو جميع الدول إلى العمل معًا لتحقيق هذا الطموح في تعزيز الأمن المشترك والسلامة الجماعية»، وأعرب عن تطلعه للاضطلاع بالمهام المسندة بموجب المعاهدة، بما في ذلك الأعمال التحضيرية للاجتماع الأول للدول الأطراف.
إن فكرة نزع السّلاح قد راودت عقول الكثيرين من المفكّرين بعد أن عاصروا حروبًا مدمّرة ورأوا آثار الحروب السّابقة على البشرية وما ألحقته من دمار مادي وبشري، فدعوا الدول إلى نزع السّلاح كوسيلة لإيجاد السّلامة والاستقرار والأمن بين الدول والشعوب، وإذا كانت الأمم الحاضرة قد هالها هذا التقدّم السريع والإنتاج الضخم للأسلحة الفتاكة وأرعبتها الصواريخ والقنابل الذرية فإنها توّاقة لأن يزول هذا الرّعب النووي عن طريق نزع السّلاح.
ومِن الملاحظ منذ تاريخ نزع السّلاح قبل مائة وخمسين عامًا حتى اليوم لم تتوصل الدول مجتمعة إلى حد فعليٍّ للتسلح أو لتخفيضه، أو لإزالة نوع من الأسلحة نهائيًا، وأنه رغم كثرة المؤتمرات المتتالية نجد أن الدّول الكبرى لا تزال تتسابق على التّسلح وتضع جلّ اهتمامها باقتناء أشد الأسلحة فتكًا وتسخّر علماءها واقتصادها لهذا الأمر، وما وصلت إليه الدولتان العملاقتان روسيا وأمريكا اليوم في سياستهما على التسلّح ما يزيد العالم تخوّفًا ورعبًا هو ثمرة المؤتمرات لنزع السّلاح.
وحتى هذا اليوم، لم تُستخدم القنبلة النووية إلا في اليابان، عندما ألقتها أمريكا على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية (6/8/1945م)، وكانت النتيجة انتهاء الحرب باستسلام اليابان وانتصار الحلفاء لتصبح بعدها أمريكا الدولة الأولى في العالم التي يخافها الجميع.
إن استخدام الأسلحة النووية يؤدي إلى هلاك البشر، وهذا ما لا ينظر إليه الكفار لعدم اهتمامهم بحياة الناس، بل ما يحدد استخدام الأسلحة النووية من عدمه هو مصالحهم الخاصة، وهم مستعدون لضرب العالم وحرقه من أجل إتمام مصالحهم حتى لو كانت على حساب حياة البشر.
فالنظام الرأسمالي العفن الذي يحكم العالم اليوم هو سبب شقاء الأمة، فالنفعية والمصلحية التي هي أولوية حكام الغرب الكافر طغت على عقولهم حتى أصبحوا خطرًا على البشرية كلها، وما حصل في اليابان بعد إلقاء القنبلتين الذريتين وما أدى لهلاك البشر والأرض من قتل وتدمير وتشويه في الجينات نتيجة الإشعاعات النووية هو أكبر دليل على خطرهم؛ إذ إن استخدام هذه الأسلحة موجود على هامش سياستهم الحربية لإتمام مصالحهم والدفاع عنها.
والبشرية اليوم بأمسِّ الحاجة لتطبيق الإسلام، فهو النظام الوحيد القائم على رعاية شؤون الناس، قال تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٨). فحياة النّاس ورعايتهم هي أولى أولويات الدولة الإسلامية، بتطبيق الإسلام في السياسة الداخلية، وبالدّعوة والجهاد في السياسة الخارجية. وعند استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الرّاشدة إن شاء الله، سيكون الجيش مجهّزًا بأحدث الأسلحة الحربية ومنها النووية؛ لأن الحكم الشّرعي في السياسة الحربية يوجب على الخليفة بأن يتجهّز بما يرهب العدو، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ).
وبلاد المسلمين مخزنٌ للمال والرّجال، وبإمكانها تجهيز أضخم الجيوش عددًا وعدّة، على أرفع مستوى، وبأحدث أنواع الأسلحة المتطوّرة، كما أن بإمكانها أن تقيم أضخم المصانع للصناعات الثقيلة، ولصناعة أحدث الأسلحة المتطوّرة.
لذلك لا بدّ أن نعدّ العدد والعدة، ولا يعني ذلك أننا سنحارب العالم دفعة واحدة عند إقامة الخلافة، أو أن نعلن الحرب الفعلية على العالم بمجرد قيامها، فذلك أمرٌ غير متصوّر، والرّسول صلى الله عليه وسلم لم يعلن الحرب الفعلية على العالم أجمع بمجرّد وصوله إلى المدينة، وإقامته للدولة الإسلامية. قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ).
وعلى هذا، فإن الأسلحة النّوويّة يجوز للمسلمين أن يستعملوها في حربهم مع العدو، ولو كان ذلك قبل أن يستعملها العدو معهم؛ لأن الدول كلها تستبيح استعمال الأسلحة النووية في الحرب فيجوز استعمالها، مع أن الأسلحة النووية يحرم استعمالها لأنها تهلك البشر، والجهاد هو لإحياء البشر بالإسلام، لا لإفناء الإنسانية.
والمبدأ القائم على رعاية النّاس هو الإسلام، فهو النظام الوحيد الذي يُحرّم استخدام هذه الأسلحة لأنها تعمل على فناء الإنسانية، والجهادُ هو لإحياء البشر في الإسلام؛ ولكن ستضطر الدولةُ لتصنيع الأسلحة النووية لِتُرهب العدو، بل وحتى أن تستخدمه إذا اقتضى الأمر، حتى يزول القلق من الغرب الذي يستبيح هذه الأسلحة المدمّرة، وستبقى الدولةُ الإسلامية مقتنيةً السّلاح النووي حتى تتأكد وتطمئن من عدم استخدامِ أو وجودِ هذه الأسلحة في العالم، خاصةً في ظلّ التسابق الموجود اليوم للتسلّح بأحدث التقنيات والقدرات التدميرية.
ولن يتخلّص العالم من هذه الأسلحة إلا عندما يُحكَم بالإسلام، عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها». وعن تَميم الداري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليَبْلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك اللهُ بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعِزِّ عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلا يُذل الله به الكفر».
وسيأتي اليوم الذي يكون الإسلام فيه هو مبدأ العالم أجمع تصديقًا لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا مُنقِذَ للبشريةِ غير الإسلام، نسأل الله العظيم أن يعجّل بنصره.
2023-12-20