بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يعني إقامة «الخلافة الراشدة»؟
حمد طبيب – بيت المقدس
ازدادت نار الحرب ضد فكرة (الخلافة الإسلامية) واشتدَّ أُوارها ولهيبها في ظل الثورات الحالية، وخاصة بعدما أصبحت مطلباً عامّاً عند معظم المسلمين في بلاد هذه الثورات وفي باقي بلاد المسلمين، كما ازدادت نقمة الكفار واشتدَّ عداؤهم وإيذاؤهم لقادة وحَمَلة هذا المشروع العظيم، وخاصة في أرض الشام، ورافق هذا العداء والإيذاء مؤامرات متتابعة للحدّ من هذا التوجه السامي في أرض الشام وغيرها، لحرف المسلمين عن هذا المشروع الحضاري العظيم إلى غيره من مشاريع هابطة ترتبط ببرامجهم ومخطّطاتهم الإجرامية للقضاء على توجهات الأمة نحو دينها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً!!…
ورافق نار الحرب هذه أيضاً تصريحات شريرة ضد (فكرة الخلافة وحكم الإسلام)، وضد العاملين في هذا الطريق، وضد من يدعون إلى هذه الفكرة من علماء ومفكرين في العالم الإسلامي…فقد بدت البغضاء وظهر الحقد الدفين على ألسنة هؤلاء الساسة والزعماء وما تخفي صدورهم أكبر..قال تعالى: ( لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) وقال عزَّ وجلَّ: ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ).
لقد كان من آخر هذه التصريحات التي صدرت على ألسنة هؤلاء الساسة والزعماء- من الدول الكافرة الكبرى- في فترة الثورات – والتي تكشف عن مدى حقدهم وعدائهم لمشروع الخلافة والقائمين عليه- ما قاله توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ونقلته صحيفة العرب اللندنية -23/4/2014م- نقلاً عن BBC حيث قال: «إنني أدعو القادة الغربيين إلى إنهاء خلافاتهم مع روسيا حول أوكرانيا، والتركيز على مواجهة خطر ما وصفه بـ «الإسلام الراديكالي» وقال: «يتعيّن على القادة الغربيين التعاون مع البلدان الأخرى، وعلى وجه الخصوص روسيا والصين بغض النظر عن الخلافات الأخرى، بعد انتشار تهديد وجهة نظر راديكالية تشوّه رسالة الإسلام الحقيقية في مختلف أنحاء العالم»، وحذّر من أن هذا التهديد «يزعزع استقرار المجتمعات وحتى الدول، ويقوّض إمكانية التعايش السلمي في عصر العولمة»، مشيراً إلى أن الغرب يبدو في مواجهة هذا التهديد «متردداً في الاعتراف به، وعاجزاً عن مواجهته على نحو فعّال».
وقد سبق هذا التصريح تصريحات عديدة من زعماء العالم؛ وخاصة زعماء الدول الكبرى تحارب فكرة الخلافة والعاملين لها، منها -على سبيل المثال لا الحصر- ما قاله رئيس الوزراء البريطاني نفسه- صاحب الحملة الحالية ضد الخلافة والعمل السياسي هذه الأيام-؛ حيث تحدَّثَ أمامَ المؤتمرِ العامِ لحزبِ العمالِ البريطاني في 16/7/2005م «إننا نُجابِهُ حركةً تسعى إلى إزالةِ دولةِ إسرائيلَ، وإلى إخراجِ الغربِ منَ العالمِ الإسلاميِّ، وإلى إقامةِ دولةٍ إسلاميةٍ واحدةٍ تُحَكّمُ الشريعةَ في العالمِ الإسلاميِّ عن طريقِ إقامةِ الخـلافة لكلِّ الأمة الإسلاميةِ».
وقد برزت هذه الحملة بشكل واضح جليّ ضدَّ ثورة الشام خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث حذر أكثر من رئيس ومسؤول من سعي المتطرفين لاختطاف ثورة الشام، وإقامة دولة إسلامية .. فقد نقلت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 1-11 -2012م عن وزيرة خارجية أميركا السابقة (كلينتون) في مؤتمر صحفي عقدته في زغرب في العراق أن «هناك معلومات مثيرة للقلق حول متطرفين يتوجهون إلى سوريا ويعملون على تحويل مسار -ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي- لصالحهم»، ونقلت عنها وكالة -رويترز- قولها أيضاً: «إن محادثات المعارضة السورية في قطر الأسبوع المقبل ينبغي أن تؤدي إلى توسيع الائتلاف؛ الذي من شأنه الحديث بقوة ضد الجهود التي يبذلها المتطرفون لاختطاف الثورة السورية».
وكان (وزير خارجية روسيا لافروف) قد حذَّر الغرب -في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر جنيف2 – في 18 /12/ 2013م من سعي «جماعات متطرفة لإقامة خلافة إسلامية في سوريا».
ومثل هذا الكلام قد ذكره (وليد المعلم) وزير الخارجية السوري لمحطة روسيا اليوم 25/6/2013م حيث قال إن «بلاده لن تقبل أي أفكار أو حلول تطرح من الخارج» مشدداً على أن «سورية ستذهب إلى «جنيف 2» لتشكيل حكومة شراكة وطنية». وقال المعلم: «إن مَن يتربصون بسورية ويريدون إقامة دولة الخلافة الإسلامية، لن يتوقفوا عند حدود سورية وما نقوم به هو دفاع عن لبنان والأردن والعراق». وصدر كذلك كلام مشابه عن ملك الأردن ورئيس العراق المالكي وغيرهم: وقال الرئيس السوري بأن «زلزالاً سيحدث في حال سقوط النظام السوري بأيدي المتطرفين، وسوف يؤثر على كل دول المنطقة المجاورة: العراق والأردن ولبنان وتركيا، وسيكون بمثاية البركان الذي تصل شظاياه إلى كل المحيط».
إن الأمر في هذه الحرب الشرسة الشريرة الكافرة لم يقف عند حد التصريحات والحرب المادية المعلنة والخفية، بل إن الكفار وضعوا الخطط والبرامج لتشويه صورة العمل الإسلامي لإعادة الخلافة الراشدة، كما وضعوا العراقيل والبدائل لحرف هذا العمل عن اتجاهه الصحيح القويم، فماذا يعني إقامة هذا المشروع العظيم لأمة الإسلام، وهل تستطيع الدول الكافرة وعملاؤها وأدواتها وبرامجها وحربها المعلنة والخفية أن تمنع هذا المشروع الإيماني العظيم ( مشروع الخلافة ) من الظهور وإشراق شمسه الوضاءة في بلاد المسلمين -وبمعنى آخر- هل تستطيع الدول الكافرة أن تمنع نور الله عز وجل من الظهور، وأن تطفئه بأعمالها وأقوالها، أم أن هذا المشروع ستبزغ شمسه ويشرق نوره وضياؤه، رغم كل الظلام والظلمات التي تقف في طريقه؟. وحتى نجيب عن هذا السؤال المهم في هذه الظروف العصيبة والحساسة سنقف على هذا الموضوع من عدة زوايا منها: 1- الأمة الإسلامية هي صاحبة رسالة سامية، وهذه الرسالة لا يمكن أن تبرز بثوبها الجميل ولونها المتميز إلا في ظلّ الخلافة الإسلامية.
2-كيف أصبح حال أمة الإسلام عندما تميزت بحضارتها في ظل الخلافة الإسلامية؟ وكيف هو حالها اليوم في ظل غيابها؟!.
3-ما هو الطريق الصحيح لعودة الأمة إلى سابق عزها، وما هو الطريق الصحيح لعودة الخلافة الإسلامية الصحيحة؟
4-كيف تعمل الدول الكافرة اليوم لتثني المسلمين عن هذه الغاية الجليلة، عن العمل الصحيح لاعادة الخلافة؟.وكيف يتصدى المسلمون لهذه الحرب الهابطة الوضيعة؟
5- المستقبل القريب -بإذن الله تعالى- هو لمشروع الخلافة في ظل تصاعد قوة الإسلام الحضارية وتمسك أهله به، وهبوط وتردي المبادئ الأخرى!!..
أما الزاوية الأولى في هذا الموضوع وهي (تميز الأمة الإسلامية برسالة الإسلام، وظهور هذه الرسالة بصورتها الصحيحة المشرقة في ظل الدولة الإسلامية) فنقول لبيان هذه النقطة بأن الأمة الإسلامية متميزة برسالتها ودولتها دولة الإسلام، وهي ليست كباقي الأمم والشعوب على وجه الأرض تسعى لتحقيق أهداف مادية هابطة وضيعة تلتصق بالأرض كما هو حال الغرب الكافر ونظامه الرأسمالي، إنما هي أمةٌ راقية سامية، صاحبة رسالة عظيمة تتصل بخالق السماء والأرض (رسالة الإسلام)، وتعمل لنشر هذه الرسالة بصدق واستقامة وإخلاص لباقي شعوب الأرض.
وهذه الصفة السامية الجليلة العالية، لا يمكن لأمة الإسلام من إبرازها بثوبها الجميل الوضاء، وإبراز عدلها واستقامتها وصحتها، وفي نفس الوقت امتلاك القدرة على حملها إلى غيرها إلا في ظل دولة تطبق هذا الإسلام. فالله سبحانه بيـَّن للمسلمين أن الخلافة هي المُكْنة وهي العزة، وهي الحاضنة لتطبيق الدين كله؛ قال تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)ِ. والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك بيـَّن أن إمام المسلمين (الخليفة) هو راع للأمة بالإسلام فقال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري. وقال أيضاً: «الإسلام والسلطان أخوان توأمان، لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه؛ فالإسلام أسٌّ، والسلطان حارث( حارس)، وما لا أس له يهدم، وما لا حارث (حارس) له ضائع» أخرجه الديلمي( كنز العمال) وذكر علماء المسلمين بناء على هذا قيمة الخلافة في حياة الأمة؛ حيث قال ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث: «السلطان ظلّ الرحمن في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر، وعلى الرعية الشكر، وإن جار وحاف وظلم كان عليه الإصر، وعلى الرعية الصبر» حيث قال في كتاب (الفتاوى) معلقاً على هذا الحديث: «فالسلطان عبد الله مخلوق مفتقرٌ إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، وفيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد والصمدية، التي بها قَوامُ الخلق ما يشبه أن يكون ظلّ الله في الأرض، وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده، فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس، وإذا فسد فسدت بحسب فساده». ومن ذلك قول العالم القلقشندى في صبح الأعشى: «الخلافة حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يُحفظ الدين ويُحمى، وبها تُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتُحفظ الفروج فَتُصان الأنساب عن الاختلاط، وتُحصن الثغور فلا تطرق، ويُذادُ عن الحُرَمِ فلا تُقرع…»
فالمال والثروات ليست هدفاً عند المسلمين أثناء حملهم لهذا الدين، كما هو حال الدول الرأسمالية الكافرة، إنما تبذل الدولة الإسلامية الأموال والأرواح رخيصة من أجل رسالتها وغايتها وهي إنقاذ البشرية بهذا الدين، والأمثلة في التاريخ الإسلامي كثيرة ومشتهرة في تعالي وتسامي المسلمين عن زينة الحياة الدنيا وأموالها أثناء فتوحاتهم للبلاد الكافرة، فقد ذكر أصحاب السير أن «الرسول الكريم أعاد الكثير من أموال الطائف إلى أهلها عندما جاؤوه مسلمين» وذكر المؤرخون في فتوح الشام أن أبا عبيدة رضي الله عنه أعاد الجزية لأهل حمص وقال: «قد شُغلنا عن نصرتكم والدفاع عنكم فأنتم أحق بجزيتكم» وقد أثر هذا الموقف الإنسانى الرفيع فى أهل حمص- وكانوا نصارى – فقرروا أن ينضموا إلى جيش المسلمين فى التصدى لجيش هرقل وقالوا: «لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم»
لكن الناظر في أعمال الكفار الغربيين؛ من حملة النظام الرأسمالي هذه الأيام فإنه يرى الفظائع والدمار والخراب الذي ينشره الغرب، من أجل الوصول إلى الأسواق، وإلى منابع البترول، وإلى المواد الخام اللازمة لصناعاته، ويرى أيضاً مص دماء الشعوب الفقيرة وإفقارها وحرمانها من بلادها وثرواتها وأموالها لدرجة أن الشعوب في بعض البلاد لا تجد قواماً ولا سداداً من عيش يسد رمقها كما هو الحال في أفريقيا.
إن حسن صيت الإسلام وحسن صيت رسالته، وحسن صيت أمته كان يسبق الأمة الإسلامية إلى الشعوب الأخرى؛ فكانت الشعوب تسبق الفتوح بطلبها من المسلمين أن يأتوا إلى بلادهم ليحكموها بعدل الإسلام وذلك كما حصل مع نصارى الشام عندما طلبوا من أبي عبيدة أن يأتي فاتحاً إلى بلادهم، وأن يخلصهم من ظلم النصارى لهم، وكما حصل كذلك مع أهل (سمرقند) عندما طلبوا من الجيش الإسلامي أن يبقى في بلادهم عندما أراد الخروج، ثم دخلوا في دين الله أفواجاً أفواجاً، وكانت الشعوب التي يدخل الإسلام بلادها شعلة جديدة ومحطة انطلاق جديدة في حمل رسالة الإسلام إلى الشعوب المجاورة لها!!..
وهذا كله بعكس النظم الإجرامية على وجه الأرض هذه الأيام وخاصة هذا الوحش الكاسر الشرير (النظام الرأسمالي)، حيث إنه لا يحل في بلد إلا ويقابله أهلها بالتنكر والحرب والبغض، ثم مطالبته بالرحيل عنها؛ وذلك كما حصل في كل بلاد المسلمين التي دخلها الاستعمار الغربي في العصر الحديث!!.
ان الدولة الإسلامية (الخلافة) هي التي تظهر هذه الرسالة بعظمتها، وهي التي تحملها حملاً صحيحاً إلى هدفها وغايتها…
ونصل إلى الزاوية الثانية وهي: كيف أصبح حال أمة الإسلام في ظل الخلافة الإسلامية؟ وكيف صارت مكانتها بين الأمم والشعوب، وما هو حالها اليوم في ظل غيابها؟!…
لقد تحول مسار الشعوب التي اعتنقت الإسلام تحولاً كاملاً، من شعوب ليس لها وزن بين الأمم والشعوب الأخرى إلى شعوب تقود العالم وتحمل إليه الهدى والصلاح، ثم تصبح هي الأولى على وجه الأرض دون أن يكون لها منافس أو مقابل بنفس المواصفات، ثم لم تلبث الأمة الإسلامية خلال فترة قصيرة حتى أصبحت تمتد على اكثر المعمورة، فوصلت جيوش الفتح الإسلامي بلاد الفرس والروم، ثم إلى مناطق تركستان، ثم إلى الصين والهند وشمال أفريقيا وإلى وسط آسيا وروسيا، ثم إلى عاصمة النصارى الشرقية القسطنطينية، ثم إلى أبواب أوروبا عند أسوار فينا وجبال البرانس عند مشارف باريس.
أما في مجال العلوم والمعارف والحركة العلمية فقد شهد العدو قبل الصديق لمكانة الأمة الإسلامية، ورفعة أحوالها في ظل الخلافة الإسلامية، فقد ورد في كتاب (شمس العرب تستطع على الغرب) للمستشرقة الألمانية (زيغيرد هونكه): «إن الغرب بقي في تأخره ثقافياً واقتصادياً طوال الفترة التي عزل نفسه عن الإسلام ولم يواجهه، ولم يبدأ ازدهار الغرب ونهضته إلا حين بدأ احتكاكه بالعرب سياسياً وعلمياً وتجارياً، واستيقظ الفكر الأوروبي على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية من سباته الذي دام قروناً ليصبح أكثر غنى وجمالاً وأوفر صحة وسعادة». وذكر الرئيس الأميركي الأسبق (نيكسون) في كتابه الشهير (أميركا والفرصة السانحة) ؛حيث قال: «لقد كان للحضارة الإسلامية فضل كبير في الحركة العلمية في بلاد الغرب، بينما ذبلت أوروبا في العصور الوسطى، لقد تمتعت الحضارة الإسلاميّة بعصرها الذهبي، وقد أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب والفلسفة..». وقال (ويل ديورانت) في كتابه (عصر الإيمان): «إن الإنجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت على يد مسلمي هذه الفترة». ويقول : «وعندما دفع الرجال العظام من عصر النهضة الأوروبية إلى الأمام حدود المعرفة، فقد رأوا أكثر لأنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم الإسلاميّ».
وإن الواقع المشاهد المحسوس كذلك ليدل على عظمة هذه الرسالة وهذه الدولة التي حملتها، فمن ينظر إلى البلاد التي انتشر فيها الإسلام من الصين وإندونيسيا شرقاً حتى الأندلس، ومن القوقاز إلى أواسط أفريقيا، وينظر في نفس الوقت إلى المدنيّة التي خلفتها هذه الدولة في المجال العلمي والعمران وغير ذلك من أنواع التقديم ليدرك إدراكاً يقينياً أن هذه الدولة كانت دولة عظيمة في رسالتها وفي أسباب قوتها المادية.
لكن هذا الحال قد انقلب رأساً على عقب، عندما فقدت الأمة سفينتها (الخلافة) وبوصلة اتجاهها الصحيحة (الإسلام)، وأصبحت بلا سفينة ولا ربَّان، وفقدت الطريقة الصحيحة في تحديد خط سيرها في الحياة، وأصبحت تتقاذفها الأمواج العاتية وسط بحر صاخب مائج هائج، فتمزقت بلادها إلى أكثر من خمسين مزقة بعد أن كانت وحدة واحدة في دولة واحدة، وغزاها الكفار في عقر دارها، بعد أن كانت هي تغزوهم في عقر ديارهم، وسُلبت أموالها وانتهكت أعراضها وضاعت مقدساتها وقسم كبير من بلادها بيد المستعمرين الكفار، وأصبحت أكثر الشعوب بؤساً وفقراً وتخلفاً وذلاً على وجه الأرض.
لقد أخذ أبناؤها يحاولون وسط هذا البحر المتلاطم أن يتشبثوا بأسباب النجاة كلما لاح لهم قارب، أو غير ذلك مما يطفو على سطح البحر، ولكنهم كلما تعلقوا بسبب من هذه الأسباب كالقومية والوطنية والاشتراكية بعد تحطم سفينتهم (دولتهم) ازدادوا غرقاً وانحطاطاً وبؤساً.
لقد وصل الأمر عند أمة الإسلام إلى حد الانفجار من كثرة الظلم الواقع فوق رؤوسها من فقر مدقع، وقهر وتسلط وتأخر علمي ومدني، وتمزيق حتى في القطر الواحد، والتشرد في بقاع الأرض، فكانت هذه الثورات في بلاد المسلمين تعبيراً صادقاً عن أحاسيس الأمة ومشاعرها ضد الظلم والقهر والتردي ..لكن الأمة رغم إحساسها بالظلم والقهر والحرمان وانتفاضتها وانفجارها في وجه هذا الظلم والقهر إلا أنها ما زالت تعاني حتى اليوم من عدم اتجاهها الوجهة الصحيحة للانعتاق والتحرر الحقيقي الصحيح. فطريق الخلاص من واقعها البئيس لا يكون بالثورات والانتفاضات والتصدي للظلم فحسب- فهذا كله تعبير عن رفض الظلم، وهو نوع من أنواع التظلم وإنكار الظلم – لكنه لا يوصل إلى الهدف الصحيح وحده، ولا يوصل الأمة الإسلامية إلى غايتها ومكانتها ويخلصها مما هي فيه من ظلم وذلّ، بل إن هذا كله يجب أن يترافق ويكون جنباً إلى جنب مع فهم الأمة لواقعها ولدينها ولكيفية عودة خلافتها سبب عزتها. وقد مرت الأمة سابقاً -في بدايات القرن السابق وأواسطه- وحالياً- في بدايات هذا القرن- بتجربة التحرر وإسقاط الأنظمة الظالمة، ولكنها لم تجنِ الثمرة الصحيحة، بل ازدادت ظلماً فوق ظلم، أو خلصت من لون من ألوان الظلم ووقعت تحت آخر، كما حصل في عهد الاستعمار الأول، وأيضاً كما حصل هذه الأيام في ليبيا وتونس ومصر واليمن.
فهذه هي القضية المهمة لأمة الإسلام (وهي مربط الفرس كما يقول المثل)، أو هي موضع الداء وطريق الدواء الشافي الصحيح… فالأمة قضيتها ليست كيفما كان، وليست الانتقال من نظام إلى نظام جديد كيفما كان، وليست الانتقال من شكل في الحكم الدكتاتوري إلى شكل آ خر جديد.
إنما قضية الأمة اليوم هي عودتها أمة عزيزة.. صاحبة رسالة ربانية سامية؛ وهذا لا يكون إلا في ظل خلافة إسلامية، فيجب أن تدرك الأمة (ماذا يعني اقامة الخلافة)؟، وكيف يكون هذا الأمر، ويجب عليها أن تدرك طرق التضليل والحرف والتشوية؛ لأن الكفار يمكرون مكر اليل والنهار، ولا يهدؤون ولا ينامون في سبيل تضليل أمة الإسلام وحرفها عن مسارها الصحيح.
ونصل إلى الزاوية الرابعة في هذا الموضوع وهي: (كيفية عمل الكفار في طريق التضليل من أجل حرف المسلمين عن غايتهم، وإبراز الشاهد الحي هذه الأيام في أرض الشام).
إن الكفار قد جُنّ جنونُهم وفقدوا صوابهم عندما وصلت المخاطر عند أعتاب عملائهم، وصارت الأمة تخلعهم كما تخلع النعل المهترئ من أخمص قدميها، أو الثوب الخلق النتن عن جسدها الطاهر النقي. وجن جنونها أكثر عندما صارت الشعوب تنادي بالبديل الإسلامي بدل هذه النظم الوضعية الساقطة، وذلك كما حصل في تونس ومصر، وكما هو اليوم في الشام وثورته العظيمة…
فتونس فاز فيها التيار الإسلامي في الانتخابات بعدما خُلع بن علي، وهذا يدلّل قطعاً أن الشعب التونسي يريد الإسلام، ومصر كذلك فاز فيها التيار الإسلامي في الانتخابات بعد خلع مبارك من الحكم، وهذا أيضاً يدلل على أن الشعب في مصر يريد الإسلام كبديل حضاري في بلاده، لكن الكفار استطاعوا بسبب عدم الوعي عند عامة المسلمين على المشروع الإسلامي الحضاري؛ استطاعوا تضليل المسلمين في هذين البلدين!!…
أما ثورة الشام فهي أيضاً تعبير صادق من الشعب المسلم في سوريا الشام على صدق توجهه نحو المشروع الحضاري الإسلامي… وذلك أنها تنادي بالإسلام وتحمل شعاراته وتهتف به وتحمل راياته وألويته، لكنه رغم هذا التوجه العظيم والتميز في الوعي الذي برز عند أهل الشام عن باقي البلاد، إلا أن هناك بعض الثغرات ونقاط الضعف التي استطاع أن ينفذ منها الكفار الغربيون وعملاؤهم إلى بعض قادة الثوار في ثورة الشام. وهنا في هذا الموضوع نريد أن نقف بشكل موجز عند بعض محاولات الكفار لحرف وثني ثورة الشام عن طريقها الصحيح وغايتها السامية (لإعادة الخلافة الإسلامية في أرض الشام).
والحقيقة، إن محاولات الكفار لاختراق ثورة الشام ومنهجها وقادتها إنما تدل على خبث السياسات التضليلية وعظم هذه السياسات، وتدل كذلك على مدى تصميم الغرب، خاصة أميركا وأوروبا وروسيا لعدم نجاح المشروع الإسلامي العظيم (مشروع الخلافة)
لقد عمدت أميركا وحلفاؤها وعملاؤها إلى عدة أساليب وطرق ووسائل كان أخطرها وأكثرها حرباً على مشروع الخلافة:
1-الدعم المالي والعسكري لبعض الفرق القتالية عن طريق العملاء في بلاد المسلمين مثل تركيا والسعودية وقطر وغيرها..
2-احتضان الدول الكافرة -والعميلة لها أمثال تركيا- لبعض الفرق القتالية والتنسيق معها وترتيب بعض الأمور السياسية والقتالية عن طريقها.
3-تقريب بعض الفرق القتالية بالثورة، وخاصة تلك التي تؤمن بالتدرج والوسطية، ولا تعادي القوانين الدولية، وتقبل بالتحاور والتفاوض واللقاء مع الدول الكافرة عن طريق سفرائها وعملائها ومنظماتها الدولية…
4-إثارة الفتن والاقتتال الداخلي بين بعض الفرق المقاتلة من الثوار، وصبّ الزيت على نار هذه الفتن عن طريق عملائهم من النظام وغيره.
5-إنشاء ائتلاف عميل لهم عن طريق الدول المجاورة، واستقطاب بعض الفرق القتالية مع هذا التحالف كمقدمة لإيجاد الحلول عن طريق المنظمات الدولية وبمساعدة من الدول الإقليمية كما جرى في (جنيف1) و(جنيف2).
ولا نريد أن نفصل كثيراً في هذه النقاط، إنما ذكرناها مختصرة لأن كل واحدة منها تحتاج إلى موضوع مستقل بذاتها.
والأمر المهم هنا في موضوع الثورة السورية كنموذج في التضليل والحرب هو (كيف تتصدى الأمة لهذا الخطر العظيم)، وهل يمكنها- أي الأمة الإسلامية أن تحقق غايتها عن طريق مشاريع أميركا وعملائها؛ من حكام تركيا وغيرهم؟، وما هو العمل المطلوب من ثورة الشام ومن غيرها في بلاد المسلمين؟.
إن التصدي لهذا الخطر العظيم في حرف هذه الثورة العظيمة وتضليلها يكون باتباع الأمور التالية:
أولاً: رفض أية مساعدة عسكرية أو مالية تأتي عن طريق الكفار وعملائهم في الدول المحيطة؛ لأن هذا الأمر فيه ارتهان وارتباط بالدول الكافرة، سواء أكان ذلك بالمساعدات المالية أم بالعينية والسلاح أم بغير ذلك… وسواء أكان ذلك مباشرة عن طريق الدول الكافرة ومؤسساتها، أم كان عن طريق عملائها من الدول المحيطة، فهذا الأمر هو انتحار سياسي، وارتماء في العمالة، وانسياق خلف البرامج المصطنعة من قبل الكفار.
ثانياً: على جميع الفرق المقاتلة وقادتها بشكل خاص، وعلى عامة أفراد الأمة بشكل عام، أن يعوا ويفهموا ماذا تعني (إقامة خلافة إسلامية) من حيث حقيقتها وأسسها، ومن حيث أهميتها في حياتهم، ومن حيث رعايتها لدينهم ولمجتمعهم ومقدراتهم بكافة أنواعها، ومن حيث الطرق الخبيثة التضليلية لحرف المسلمين عنها وعن طريقة إقامتها الصحيحة.
ففهم حقيقة الدولة الإسلامية، وماذا يعني قيامها، يدرأ خطرا ًكبيراً عن الجماعات المقاتلة في عمليات التضليل والحرف؛ مثل ما يطرح عند بعض الفرق من جواز (التدرج في تطبيق الإسلام)، وبالتالي القبول مرحلياً بأحكام الكفر أو ببعضها أن يطبق في مجتمع المسلمين ، ومثل ما يطرح من فكرة الوسطية والاعتدال وعدم معاداة الدول الاستعمارية الكافرة ومؤسساتها الدولية… فمثل هذه الأمور وأمثالها يجعل الجماعات المقاتلة تبتعد عن مفهوم الدولة الإسلامية الصحيح، ويجعلها تبتعد عن الهدف وتنشغل في أمور جانبية تخدم مخططات الكفار وعملائهم من الدول المجاورة.
ثالثاً: عدم الاقتراب من دوائر وأحلاف ومنظمات الدول الكافرة داخل سوريا مثل الائتلاف السوري ، ومثل بعض التنظيمات المنبثقة عن النظام، وبعض الشخصيات التي تمثل النظام أو الدول الإقليمية المجاورة… وأيضاً عدم قبول أي حل لا يكون بإزالة تامة للنظام الموجود حالياً من جذوره واستبداله بنظام الخلافة الإسلامية، فكل هذه المسميات الجارية الآن في أرض الشام من ترتيبات للمرحلة المقبلة وتشرف عليها أميركا والمنظمات الدولية التي تتحكم بها، أو الدول المجاورة وأحلافها العسكرية والسياسية، وهذه الترتيبات هي مثل إيجاد مناطق آمنة، أو ايجاد حكومة انتقالية، أو السيطرة على المناطق المحررة وإدارتها بمساعدة الأمم المتحدة والدول المجاورة، أو بمشاركة من لم تتلطخ أيديهم بالقتل من النظام السابق وغير ذلك من أضاليل ..فهذه الأمور وأشكالها إنما هي تضليل للمسلمين عن الهدف الأصلي، وهو إزالة النظام واستبداله بنظام الخلافة.. ويهدف الكفار من ورائه إلى إبعاد المسلمين عن فكرة الخلافة أولاً، وضرب الجماعات المخلصة ثانياً عن طريق إثارة الفتن والاقتتال مستقبلاً!!…
إن إقامة حكم الإسلام ( الخلافة الإسلام ) يعني بالدرجة الأولى الذاتية في العمل، وإن يكون هذا العمل مخلصاً لله تعالى لا لأحد غيره، وأن يكون وفق ما أراده الله لا وفق ما تريده أميركا وحلفاؤها وعملاؤها .. وأن أي عمل سوف يلجئ الفرق المقاتلة إلى الارتماء في أحضان الكفار أو القبول بمخططاتهم، فالأصل أن لا تقترب هذه الفرق منه أبداً ولا بأي شكل من الأشكال لأنه الولاء والرضا بالكفر والله تعالى يقول : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)). وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم قبول الدعم العسكري أو الفرق القتالية الكافرة في أثناء حربه وجهاده ضد الكافرين … فقد ذكر مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، فقال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له: فانطلق . رواه مسلم.
أن سوريا الشام قادرة بذاتها ، بمقدراتها ورجالاتها أن تقيم حكم الإسلام بالشكل الصحيح… ففيها إمكانات اقتصادية من زراعة ومواد خام ومواد طاقة وعقول بشرية ما يغنيها عن غيرها… وفيها شعب حي يرفض الذل والهوان، وفيها أيضاً رأي عام عند عامة أهل الشام يريد حكم الإسلام ويكره أميركا وحلفاءها ومخططاتها ويرفضها، وفيها أيضاً مخلصون من الفرق المقاتلة تريد إقامة حكم الإسلام، وترفض الارتهان أو الارتماء في مخططات الدول الكافرة لأنها مخلصة لله، وواعية على فكرة الخلافة وطريقة إيجادها… وفيها حزب سياسي مخلص قد وعى العمل السياسي ووعى فكرة الخلافة بالشكل الصحيح، واستعد استعداداً كاملا ًلهذا الأمر من جميع جوانبه… وأن الشعب كله تقريباً بما فيه أغلب الجيش، وأغلب السياسيين قد ضاقوا ذرعاً بمخططات الكفار وألاعيبهم السياسية، وضاقوا ذرعاً بهذا الدمار والخراب الممنهج الذي تفتعله أميركا وعملاؤها في أرض الشام من أجل تيئيس الناس لإلجائهم جبراً إلى الحلول الأميركية المطروحة وإعلان رفضهم للإسلام ومشروع الخلافة.
وفي الختام نقول : « إن ما يجري من خداع وتضليل في السيطرة على الثورات في بلاد المسلمين، وخاصة البلاد العربية؛ كمصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا… قد زاد الأمة وعياً وإدراكاً أن الملخص لهم هو مشروع الخلافة، وأن كل هذه الخزعبلات؛ من انتخابات وتغيير حكام، أو ارتماء في أحضان الكفار، أو الرضا بحلول مؤسساتهم الدولية ودولهم الإقليمية إنما هي تضليل وإضاعة للوقت واستنزاف لطاقات الأمة وجهودها!. فقد بدأت مرحلة جديدة من الوعي عند المسلمين في بلاد الثورات، واقترن هذا الوعي بالعمل نحو تطبيق حكم الإسلام بالشكل الصحيح وصارت الشعوب تقترب أكثر وأكثر من هذا المشروع… وبدأت الأمة تدرك شيئاً فشيئاً أن مشروع الخلافة وحده بشكله الصحيح المبني على شرع الله عز وجل هو الذي يخلّص المسلمين من هذا الواقع السيئ، وليس غيره من مشاريع أو أعمال أو مخططات أو مؤسسات… وبدأت تدرك أن القادر على تطبيق هذا المشروع العظيم في أرض الواقع، هي الأمة عن طريق الجماعة المخلصة التي فهمت الغاية والهدف نحوها، وليس أميركا ولا مؤسساتها ولا برامجها ولا غير ذلك… فالشعوب المسلمة هي القادرة على هذا الأمر إذا أسلمت قيادتها للمخلصين الواعين من أبنائها، وجعلت فكر الإسلام وأحكامه هو القاعدة لهذه الدولة لا أي فكر غيره…
لقد باتت الأمة- هذه الأيام قريبة جداً من هدفها، أكثر من أي وقت مضى، وهي تمضي قدماً – بإذن الله تعالى وعونه وتأييده – لهدفها ليتحقق بذلك وعده عز وجل الذي وعد به أمة الإسلام بقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) ). وبشارة الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر» صحيح ابن حبان. وقوله: «إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» رواه مسلم. وإن الإخلاص لله والإيمان الصادق والعمل الصالح هو مفتاح هذا الفتح الرباني العظيم، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)).
فنسأله تعالى أن يجعل هذه الأمة الكريمة اليوم ممن يستحق عونه وتأييده ونصره القريب، وأن تكون ممن يشهد هذا الخير العظيم، وأن يجعلنا جميعاً من حملة هذا الخير لكل الشعوب، وممن يشهدون فتح روما مهد الفاتيكان، لتصدق بذلك بشارته عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي المدينتين تفتح أولاً يا رسول الله، قسطنطينية أم رومية؟، قال: مدينة هرقل تفتح أولاً. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قبيل قال: «كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية، فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني قسطنطينية.»
نسأله تعالى أن يكرمنا في القريب العاجل بنصره العزيز، وأن يمكن لنا في الأرض ويستخلفنا فيها…آمين يارب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين ..q