طاقات الأمة الكامنة وافرة للتغيير المنشود
2020/04/29م
المقالات
2,307 زيارة
حسن عبد المعطي
إن التغيير المنشود الذي نطمح إليه كأمة هو بإمكاننا وضمن طاقاتنا وقدراتنا المحدودة والكامنة في نفوسنا وفي مبدئنا وفي أمتنا. وهذا التغيير بمعنى النهوض والارتقاء نحو المكانة اللائقة بنا وبأمتنا ليس بالمستحيل وليس بخيال ولا أحلام، بل هو واقع مدرك تلمسه العقول المستنيرة، وتحسُّ به النفوس العالية المتحفزة والعازمة على أن ترتقي بأمة حية لها تاريخها المزدهر، وتتلوى من واقعها المؤلم، وترنو إلى مستقبل قريب مشرق. ورغم صعوبة الواقع، ورغم العوائق في الطريق، ورغم التأخير الكبير الذي يكبح جماح حركة الأمة، إلا أنه بمقدورنا تحقيق النهوض المنشود، وإنه لضمن طاقاتنا وإمكاناتنا، ومبتدؤه ومنتهاه قول ربنا جل وعلا: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ )
بداية لن نقول إن طاقاتنا لا محدودة ولا متناهية لننسج في مخيلة المسلم قدرات جبارة ولا لنجعل أفكاره تسبح مع معجزات وخوارق للعادة، بل نقول بكل صدق وموضوعية إن طاقاتنا وقدراتنا فيها من القوة الكثير إذا ما تفجرت، فهي طاقات كامنة وقدرات حبيسة في النفوس لا تظهر بسبب ضغوط الواقع الذي يقف الغرب ومعه الحكام العملاء له وراء منع إظهارها، فهو يدرك وجودها ويدرك أنها إذا تفجرت لن يصمد أمامها؛ لذلك هو يخشاها أشد الخشية، ويعمل جاهدًا على عدم السماح لها بالظهور.
فبالرغم من أن المسلم كإنسان بشكل عام خلق ضعيفًا، قال تعالى: (وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا٢٨) وبالرغم من تكرر وصف ضعف الإنسان ومحدوديته في غير آية من كتاب ربنا العليم بما خلق، ومنها قوله تعالى: في سورة المعارج: (إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ١٩ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا ٢٠) ولكن هذا المخلوق المحدود في قدراته هو نفسه القادر على أداء مهمات ثلاث أنبأنا عنها الله جل وعلا في كتابه العزيز بأنه خلق فيه ما يجعله مؤهّلًا «للخلافة»، كما قال تعالى:
(وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ ). و»للعَمارة»، كما قال تعالى:
(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ) و«للعبادة»، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ ).
هذه هي المهمات الثلاث التي خُلق لأجلها الإنسان: الخلافة، والعمارة، والعبادة. ولأجلها استحق التكريم والتفضيل على كثير مما خلق الله، فقال تعالى عن هذا الرقي والتكريم بمقتضى خلقنا من نسل آدم عليه السلام: (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ٧٠). وهذا التكريم استحقه الإنسان بوصفه مخلوقًا بغضِّ النظر عن أي وصف آخر من اللون أو اللغة أو الجنس.
ولأداء هذه المهمات، ولاستحقاق هذا التكريم، كانت الرسالات من الخالق العظيم للمخلوق الضعيف لترشده إلى سبل العيش الراقي، وهذا ما نسميه الطاقة الفكرية التي نمتلكها والتي هي أساس التغيير وطريقه ومبتغاه؛ ولبيان ذلك نتلو قوله تعالى في سورة الحديد: (لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ َأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢٥). فالبينات هي المعجزات الدالة على صدق الرسل، والكتاب والميزان هما التشريع والمنهاج ليقوم الناس بالقسط أي بالعدل، أي بالخلافة والعمارة والعبادة.
إن هذا الذي أرسله ربنا جل وعلا مع الرسل وآخرهم نبينا محمد J دين الإسلام، هو المبدأ الذي تؤمن العقول بصدقه وتطمئن القلوب لصوابه وتسلم له بالرضى والتطبيق، هو الطاقة الدافعة لتجعل الإنسان خليفة الله في الأرض يعمرها ويحييها ولا يفسد فيها، ويعيش فيها عابدًا لله عاملًا بما أمر؛ فيهنأ عيشه ويزدهر ويطمئن لمستقبله وحسن ثوابه ومعاده. قال تعالى:(قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤).
إن هذه الطاقة الفكرية التي أكرمنا الله بها وأتمَّها وأكملها، وجعل نصوص الشريعة من قرآن وسنة متَّسعة لبيان حكم كل ما يحدث أو يتجدد من أعمال وأشياء، قال تعالى:
(ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ) وقال تعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ)، وطلب من الناس أن يحكِّموا هذه الشريعة في كل شيء، فعلًا كان أو غير فعل، قال تعالى:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ) وقال سبحانه: (فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ)، والرد إلى الله والرسول هو رد إلى القرآن والحديث، وما أرشدا إليه من القياس وإجماع الصحابة. هذه الطاقة الفكرية هي التي نحتاجها في عملية التغير، وهي كاملة غير ناقصة، وهي كافية لكل ما يتجدد من الأحداث، وهي محفوظة وميسرة للفهم، فقد حفظها الله لنا فقال: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩ ) ويسَّرَ لنا فهمها فقال: (وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ٢٢) وجعل في سيرة خير الأنام محمد بن عبد الله J تبيانًا لها فقال: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١) وقوله تعالى: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ ) .
ومن أهم مميزات هذه الطاقة أنها مبنية على العقل أولًا، وأنها من عند خالق الكون والإنسان والحياة ثانيًا، أي هي طاقة فكرية إيمانية روحية من عند العليم الخبير القدير المدبر لشؤون الخلق (أَلَا
يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٤).
هذه المادة الفكرية عقيدة وشريعة ونظامًا للحياة في كل جوانبها تحتاج منا الإقبال عليها بكليِّتنا، ودون تردد أو تأخر، إقبال المؤمنين بها الواثقين بحلولها ومعالجاتها، فنتلقَّاها تلقيًا فكريًا إيمانيًا عميقًا وثابتًا، ونفهمها فهمًا مستنيرًا ومشرقًا، ونحملها لأمتنا لنقيم نهضتنا ونبني دولتنا على أساسها، ولنحقق قيادتنا وريادتنا للعالم، ونبلغ الدعوة للناس أجمع.
هذه هي الوظيفة، وهذه هي المهمة التي خُلقنا لها، وهذه هي الأمانة التي كُلفنا بها، وحاشى لله أن يمنع عنا الطاقات والقدرات التي تعين على تحمّل هذه الأمانة، إذْ لا نُكلَّف إلا بمقدار ما نُعطى، قال تعالى:
(لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ) .
ولعل سائلًا يسأل: أليست هذه الطاقة موجودة ومحفوظة، ونقلتها الأمة لنا جيلًا بعد جيل، فلماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ وهذا سؤال مشروع ودقيق.
والجواب عليه يحتاج فهمًا دقيقًا لحال الأمة اليوم، فإن الأمة تتطلّع برمّتها لأي حركة أو تظاهر في بلد من بلاد المسلمين وتسمي ذلك ثورة حتى ولو لم تكن في الحقيقة ثورة، فهي اليوم في حالة حيوية وحركة، وهي بحكم وجود الأفكار والمفاهيم الإسلامية فيها، وبحكم تطبيقها لبعض أحكام الإسلام في العبادات وغيرها، وبحكم تمسكها بالعقيدة الإسلامية، وبحكم إيمانها بوجوب عودتها إلى الله، وعودة سيادتها للأمم الأخرى، كل هذا جعل مشاعرها مشاعر إسلامية عارمة، وجعل أحاسيس النهضة والتغيير موجودة فيها دائمًا. ولما كان هناك العديد من النصوص والأعمال التي ركّزت الروح الجماعية في الأمة؛ فقد وجد في الأمة الميل الطبيعي للتكتل والعمل الجماعي. هذا هو واقع الأمة. أمة فيها بعض الأفكار والمفاهيم الإسلامية، والمشاعر فيها مشاعر إسلامية، والروح الجماعية مركزة فيها، وضرورة التغيير يحركها هذا الواقع الفاسد الذي تعاني منه. فأمة هذا حالها، يدل على أن لديها طاقة كافية للتغيبر، فلو تركت وشأنها لتحولت هذه الأحاسيس والمشاعر إلى فكر صحيح. ولكان هذا الفكر قد أنتج عملًا ينهض بالأمة ويغيِّر حالها.
ولكن وجود بعض الأفكار الدخيلة وبعض المشاريع المريضة شتَّت التركيز عند الأمة وأضاع طاقاتها وجهود أبنائها في حركة مضطربة حينًا وناقصة حينًا آخر وفاقدة للوعي الكافي غالبًا، ونضرب بعض الأمثلة عدًّا لا حصرًا. فوجود الجمعيات الخيرية مثلًا حال دون تركُّز الفكر الصحيح للنهضة، ودون الاهتداء إلى الطريق القويم للنهوض. إذ أوجدت عند الأمة متنفّسًا لعاطفتها المتأججة، واستنـزافًا لما فيها من طاقة للعمل الجماعي، وقيامًا بواجب تراه فرضًا عليها، واستجابة لقوله تعالى: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ ).
ووجودُ حالات الجهاد الفردي أو الجماعي الجزئي في بعض أقطار المسلمين المحتلة عسكريًا، وإيمان الأمة المطلق بوجوب الجهاد في سبيل الله جعل تركيز المخلصين من أبنائها على وجوب الجهاد والعمل المادي طريقًا للتحرير والتغيير، فاختلط الأمرُ في البلدان الأخرى المحتلة ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وصارت الأعمال المادية طريقًا للتغيير، فاستباح الحكام المجرمون دماءها وزادت معاناة أهلها.
أما من اتجه إلى العمل السياسي من أبناء الأمة فرديًا أو جماعيًا، فإنهم قد حملوا الأفكار المغلوطة والتجارب السقيمة، وحاولوا ربط تلك الأفكار الواقعية الرجعية بالإسلام لما يرونه ويحسونه من أن الأمة وأبناءها لا يستجيبون ولا يتحركون إلا من منطلق إيمانهم وإسلامهم، فكانت أفكار التدرج، والإصلاح، والمشاركة في حكم الكفر، والاستعانة بالكافر، وخذ وطالب، وجلب المصالح ودفع المفاسد، وما يسمونه فقه الواقع، وفقه التمكين، والاستطاعة، وغيرها… كلها أفكار واقعية فاسدة أو غربية دخيلة ألبسوها لبوس الإسلام، وساقوا لها أحداثًا تاريخية مقطوعة عن سياقها وظروفها وملابساتها، أو أدلة في غير موضعها وليس لها محلٌّ للاستدلال على مسائل الحكم والتغيير التي عالجتها أدلة قطعية في ثبوتها وفي دلالتها؛ فخالفوا تلك الأدلة ومالوا إلى إرضاء الكافر المستعمر، أو للحاكم العميل المستبد، أو للحاكم البديل المستجد الذي يلعب على أوتار العمالة من جهة وعلى عواطف الأمة الإسلامية من جهة أخرى، ما جعلهم عاملًا في تثبيت التخلف والتبعية السياسية والثقافية، فشتَّتوا تركيز الأمة وأضاعوا بوصلة العمل السياسي الذي هو من أرقى أعمال وصفات أمة الخير والشهادة.
كل ذلك وأمثاله كانت خطورته على المجتمع والأمة أكبر وأعظم، فإن المجتمع يعقد أمله دائمًا على كل حركة تلوح في الأفق، ويرى أن أي عمل جهادي أو مادي أو سياسي في الأمة قد يؤدي إلى إنقاذها أو تحسين وضعها على الأقل. وحين يدرك المجتمع واقع هذه الحركات، وأنها تقع في شرك أعدائها، وتلدغ من جحر واحد مرة ومرة ومرتين، وتكرر الخطأ مرارًا وتكرارًا، وحين يدرك المجتمع ويرى أن قيادة تلك الحركات إنما تركض وراء منافعها، وتلهث وراء زيادة مكاسبها ومكانتها؛ فانه يكفر بالتكتلات جميعها دون تمييز، ويرفض العمل الحزبي بشكل عام. وهذا يشكل عقبة كؤودًا أمام تحويل الطاقة الفكرية التي تؤمن بها إلى طاقة سياسية تعالج بها الوقائع والأحداث وتتخذها أساسًا للتغيير والنهوض.
إذًأ، فوجود المبدأ في الأمة ليس كافيًا لعملية التغيير، وثورات الأمة وحركاتها ووقوفها في وجه الطغاة ليس كافيًا لتحقيق مطالبها ومصالحها الحقيقية، وإنما هي بحاجة للحزب السياسي الذي يسعى لبعث الحياة والحركة فيها على أساس مبدأ الإسلام، ويتحرك فيها ومعها ويوجِّه حركتها وفق معالجات الإسلام فقط لاغير. وهنا نقول إن الأمة قد جعلت الإسلام أساس التغيير، وأدركت طريقته، وعرفت وجوب ربط فكرته بطريقته. وهذا هو واجبنا وهو عمل حزب التحرير في الأمة قبل الثورات ومع الثورات، ويستمر مهما انتهت إليه من نتيجة تلك الثورات.
هذه الطاقات الموجودة في الأمة من ناحية فكرية إيمانية جعلت لها سلوكًا مميزًا ميَّزها عن غيرها من الشعوب والأمم التي تطمح للتغيير، وهي الأساس وهي المعوَّل عليه في عملية التغيير. أما غيرها من الطاقات والثروات الموجودة في بلاد المسلمين والتي سوف يكون لها بالغ الأثر في توفير الإمكانات والوسائل التي سوف تعين الأمة على بناء دولتها وتثبيت أركانها وأداء مهمتها في نشر الإسلام والدعوة له فهي وافرة وكثيرة وهي مطمع أعدائنا في الوقت الحالي.
فما هو موجود في بلاد المسلمين، فإنه بالرجوع إلى ما هو معلن من قوائم وإحصاءات في مواقع الموسوعات مثل ويكيبيديا وغيرها، فإن النظر في أرقام الإحصاءات لأية مادة استراتيجية على وجه الأرض تجد أن مجموع ما في بلاد المسلمين تزيد مرة أو مرتين عن أعلى دولة تتصدر القائمة حاليًا. وأما النسبة المئوية فتكون غالبًا فوق 55% من الإنتاج العالمي أو الاحتياطي العالمي لتلك المادة، ولم تشذَّ عن هذه القاعدة في أغلب القوائم المعلنة سوى قائمة مادة القمح؛ حيث بلغ مجموع ما تنتجه البلاد الإسلامية 110 مليون طن متري، بينما تصدَّر قائمة أكبر منتجي القمح الاتحاد الأوروبي الذي احتلَّ المرتبة الأولى بمجموع دوله 150 مليون طن متري. أما إذا أخذت كل دولة على حدة، فإن الصين هي من تقفز للمرتبة الأولى بما يقدر بسدس إنتاج العالم بـ 134 مليون طن متري. فإذا علمنا أن حصة تركستان الشرقية في إنتاج القمح هي الثلث تقريبًا، وهي بلاد مسلمة محتلة لعرفنا أن مجموع بلاد المسلمين يساوي ضعف مرة ونصف ما لدى الصين، أي أكثر من سدس الإنتاج العالمي. وعندها يكون مجموع ما في بلاد المسلمين رغم التأخر الحالي أعلى من أعلى دولة في العالم، وهكذا تأتي معظم الإحصاءات في صالح مجموع البلاد الإسلامية بفارق ضخم يبين مدى شراسة المستعمر في كبح حركة الأمة نحو التغيير وتوجيهها نحو تثبيت مبدئه وهيمنته. هذه الأرقام والإحصاءات يجب أن تقلب أمام الأمة لتعرف حقوقها المسلوبة، ولتبتعد عن خطوط أعدائها وخططهم وأفكارهم، وتصر على عملية التغيير الشامل، ولا تقبل بأي فكر أو حل منقوص.
والخلاصة، إن التغيير المنشود الذي نطمح إليه كأمة هو بإمكاننا وضمن طاقاتنا وقدراتنا المحدودة والكامنة في نفوسنا، وفي مبدئنا، وفي أمتنا، والواجب على حملة الدعوة أن يرفعوا وتيرة العمل مع الأمة بتثبيت وجهة النظر الإسلامية في حركتها، ودوام الرفق بها وهم يُحسُّون آلامها ويدركون أمراضها فيعالجونها برفق ويتواضعون لها، ويقفون بحزم وصلابة أمام كل فكر منحرف أو عميل دخيل، فلا يختلط هذا بذاك بل يسيرون بسفينة الأمة سير الربَّان الماهر الذي يعرف كيف ينجو من الأهوال والمخاطر ويصل إلى مرافئ الخير والأمان.
قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٢٢). وقال تعالى: (وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ ١٠٥).
وقال تعالى: (وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فََٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٢٦). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» رواه أحمد – حديث حسن- .
2020-04-29