الإسلام وقدرته على قيادة البشرية، وحل أزماتها التي ولدتها الرأسمالية الفاشلة
2020/04/29م
المقالات
2,489 زيارة
عبد الله أبو مصعب – الأرض المباركة
يعيش العالم اليوم في أسوأ حالاته على كافة المستويات، وهو ينحدر من سيئ إلى أسوأ في كافة المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك بسبب هيمنة الغرب الكالملة على دول العالم، وتحكم عقيدته الرأسمالية وما تولد عنها من أنظمة ظالمة وجائرة وفاسدة… جعلت دول العالم كلها تعيش لزومًا في أزمات وكوارث على كل صعيد لا تنتهي، وهذا ما يجعل الجميع يفتش عن الحل ويسعى إليه… وهذا الحل موجود في الإسالم حصرًا لأنه رباني، ولأنه لا يوجد في الواقع سواه… هذا الحل يدركه الغرب ويسعى إلى محاربته ونشويهه لإبعاده عن تسلم قيادة البشرية وحل أزماتها المتولدة عن الرأسمالية الفاشلة.
ولنستعرض معًا انحدار العالم على كافة المستويات بسبب تحكم هذه الرأسمالية الباطلة.
فعلى المستوى السياسي: ينام العالم ويفيق على أطنان من الكذب والنفاق السياسي، وتعيش مناطق التنافس السياسي على النفوذ في العالم اضطرابات سياسية وأحداث عاصفة لا تهدأ، فأميركا الجنوبية وبعض دول أوروبا وشبه القارة الكورية والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وأفريقيا، لا تهدأ فيها الأزمات الداخلية والخارجية بفعل التنافس السياسي المحموم للسيطرة على مناطق العالم الاستراتيجية ومصادر الطاقة والثروات الطبيعية فيه، وبفعل الإجماع الدولي على ضررورة محاربة الإسلام ومنع عودة الكيان السياسي الذي يوحِّد المسلمين ويجمع شتاتهم، فاحتلال العراق وفضائح سجن أبو غريب، واحتلال أفغانستان وسجن باغرام، وقضية فلسطين وكشمير واحتلالهما وارتكاب أبشع المجازر في حق أهلهما، وتقسيم السودان وإندونيسيا والإبادة الجماعية في الشيشان والبوسنة، والحروب الأهلية المدمرة في أفريقيا، والحروب الطائفية والنزاعات القبلية في مناطق كثيرة من العالم، شواهد حية وباقية على أوضاع العالم تحت الحكم الرأسمالي البغيض، فمنذ أن تربعت الرأسمالية على عرش السياسة العالمية والعالم يعيش اضطرابات سياسية لا تتوقف، وحروبًا سياسية واقتصادية وعسكرية طاحنة بين الدول الرأسمالية الكبرى دون أي ضوابط أو قيم، فكل الوسائل والأساليب القذرة مباحة في هذا الصراع؛ ولذلك نتج عنه طبيعيًا ملايين القتلى وعشرات ملايين الجوعى والمهجرين حول العالم؛ فهؤلاء لا قيمة لهم، بل أضحى وجودهم من لوازم الضغط في هذا الصراع السياسي لضمان التفوق وتحقيق الأهداف، لقد أصبح الاستثمار في الحروب ومعاناة البشرية جزءًا من سياسة رأسمالية طويلة الأمد لا تنتهي.
إذًا، تتحكم أميركا بشكل أساسي وبعض دول أوروبا وروسيا والصين في السياسة الدولية وفي مصير الدول والشعوب، وتقوم بتقسيم العالم واستباحة دوله وإغراقها في الأزمات السياسية وشن الحروب إن لزم، بما يحقق مصالحها، بينما مصالح شعوب العالم الأخرى ليس لها أي قيمة أو وزن، فهي تشعل الحروب حول العالم بحجج واهية كاذبة كـ»الحرب على الإرهاب والتطرف» و»نشر الديمقراطية» و»الدفاع عن الأقليات» و»الحفاظ على القيم الغربية المتفوقة» وتحتل البلاد وتقيم فيها قواعد عسكرية تستخدم للقتل والترويع وإخضاع الخصوم المحتملين، وهي تفرض رؤيتها على أي حل سياسي للمشكلات التي تصطنعها في الغالب أو يكون لها يد في تأجيجها من أجل ضمان إشغال هذه البلاد في أزمات مستمرة ترهقها وتبقيها دائمة الارتباط والتعلق بالجهات الدولية الاستعمارية وأدوات نفوذها السياسي كالأمم المتحدة ومجلس الأمن فلا تنفك عنها أبدًا.
والعالم الإسلامي على ما يزيد عن قرن من الزمان يعيش في قلب هذه المشكلات السياسية المصطنعة والتي تعصف به نتيجة استهداف الدول الغربية الرأسمالية له بوصفه العدو الأول للرأسمالية، وهو المرشح الوحيد المؤهل للقضاء عليها وإعادة بناء العالم والعلاقات فيه على أسس جديدة، ووجهة نظر فريدة، وطريقة عيش متميِّزة، عالم تعلو فيه القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية على القيم المادية البحتة. وما العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الواسعة ضد البلدان المسلمة، والاعتداءات العسكرية وارتكاب المذابح بحق المسلمين في مختلف بلدانهم، ونهب الأموال والموارد الطبيعية، والغزو الثقافي، وقبل ذلك كله الأنظمة البوليسية العميلة التي نصبها المستعمرون في بلادنا لضمان مصالحه بعد هدم دولة الخلافة العثمانية الكيان السياسي للمسلمين… ما كل ذلك سوى جانب من المصائب التى ابتلي بها مسلمو العالم بفعل السياسات الغربية الاستعمارية التي تستهدفهم أكثر من غيرهم في هذا العالم؛ فهم يجمعون بين عقيدة منافسة وثروات هائلة وشعوب حية تتحفز إلى التغيير وحكم العالم كما كانت على مدى قرون سابقة.
وفي مجال الاقتصاد: تنهب ثروات العالم الضعيف لصالح الدول الرأسمالية القوية وثلة الرأسماليين الجشعين الذين يحكمون قبضتهم على القرارات الجوهرية في الاقتصاد العالمي، وهم ليسوا محتكرين ماليين مؤلفين من مصارف وشركات تأمين فحسب، بل جماعات تسهم في الإنتاج الصناعي وقطاع النقل والخدمات وغيرها، في الوقت الذي يعيش أهل تلك البلاد في فقر وعوز، ينظرون إلى ثرواتهم التي تزخر بها بلادهم بينما يتمتع بها غيرهم.
فأدوات الرأسمالية الاقتصادية كتحرير الاقتصاد واعتماد نظام السوق وتخفيض النفقات الاجتماعية (دعم التعليم والانفاق على الصحة والبنية التحتية والمرافق وغيرها)، وكالاتفاقيات الاقتصادية والعقوبات الدولية وصندوق النقد والبنك الدوليين تتمدد في العالم لضمان استمرار الهيمنة والسيطرة على موارد العالم وثرواته النفطية والمعدنية، وضمان بقاء الدول الأخرى ضعيفة وعاجزة عن النهوض.
فصندوق النقد الدولي الذي يجوب كل بقاع العالم بمؤازرة الدول العظمى والنخب الغربية سعيًا وراء خصخصة مواردها، وحثها على فتح أسواقها أمام الشركات متعددة الجنسيات، والخصخصة الجماعية الناشئة عن ذلك هو ما يعد حجر زاوية في السياسة الخارجية الأميركية التي تجعل الفساد متفشيًا في أنظمة الحكم الأوتوقراطية. وفى كل البلاد التى نفذت وصايا البنك الدولي برعاية الدول الرأسمالية الكبرى كانت النتيجة مروعة حيث تراجعت معدلات النمو والتنمية وازدادت معدلات الفقر والبطالة والوفيات والجرائم أيضًا.
لقد صدر العدد الجديد من سلسلة عالم المعرفة لشهر نوفمبر من العام 2019م، برقم 478، وعنوانه: (رأسمالية الكوارث: كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحًا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية) للمؤلف أنتوني لوينشتاين، والكتاب الذي يعد نتاجًا لبيئة ما بعد هجمات 11 سبتمبر في نيويورك يكشف الوجه القبيح للنظام الرأسمالي الغربى، ويُسقط القناع الذي يتخفى وراءه هذا النظام لكي يستمر في ممارسته لاستغلال الشعوب الضعيفة في العالم، والاستفادة من المآسى الإنسانية للاجئين والكوارث الطبيعية، والحروب والصراعات من أجل التربُّح، ومواصلة النهب الممنهج لخيرات هذه الشعوب ومواردها، واستنزاف ثرواتها الطبيعية لمصلحة الحكومات الغربية والشركات متعددة الجنسيات. يقول الكتاب: «لقد خلقت السياسات الرأسمالية للدول الكبرى مآسى وكوارث لشعوب كثير من الدول تحت اسم «تحقيق التنمية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والأعمال الإغاثية»، إذ إن النتائج دائمًا ما كانت سلبية وبعيدة عن المخطط له، فضلًا عن أنها حاولت إطالة أمد هذه الكوارث ليصبح الأمر أشبه ما يكون بتجارة كبرى تدرُّ المليارات على الشركات والمقاولين».
لقد كان قرار الرئيس الأميركي السابق «باراك أوباما « أثناء الأزمة المالية العالمية الأخيرة بمنح بنك أميركا 45 مليار جنيه إسترليني تقريبًا للحيلولة دون انهياره دليلًا على الردة الحضارية؛ حيث تسمح الدولة لنفسها التدخل في الاقتصاد لصالح الأغنياء بعد أن كانت ممنوعة من ذلك، ثم ما يلبث الاقتصاد أن يعود سيرته الأولى بعيدًا عن هيمنة الدولة، كما يعتبر دليلًا على مدى إجرام الرأسمالية حتى في حق الضعفاء من أبنائها، فقد تغاضت إدارة أوباما عن مسألة ارتكاب بنك أميركا مجموعة من الجرائم العجيبة منها التحايل والتلاعب بمنتهى السرية، وخداع المستثمرين وشركات التأمين وأصحاب الودائع وملَّاك المنازل وأصحاب الأسهم والمتقاعدين ودافعي الضرائب. وكان البنك الأميركي وراء وقوف عشرات الآلاف من الأميركيين أمام المحاكم المختصة بالحجز على الرهونات العقارية باستخدام أدلة مزوَّرة لسندات موقعة دون قراءة أو فهم أو مراجعة ما تتضمنه من معلومات. وقد باع البنك رهونات عقارية لا قيمة لها للعشرات من صناديق معاشات التقاعد، والنقابات العمالية بمئات الملايين من الدولارات، وكان ذلك هو سبب استنزاف قيمتها، مما يؤكد أن الرأسمالية والقائمين عليها لا يراعون في الفقراء والمحتاجين إلًّا ولا ذمَّة، ولا مكان عندهم إلا للقيم المادية التي تجعلهم يحافظون على مصالحهم فقط، ولو كان الثمن أن يفقد عشرات الآلاف مدَّخراتهم ومساكنهم التي تأويهم.
وسبب تمركز الانفجارات في أميركا هو أنها باتت المركز المالي، أي أن بنوكها باتت مركز تراكم كل المال الفائض الذي كانت بحاجة إلى استقدامه من أجل تعديل «الميزان التجاري» بعدما باتت تستورد أكثر بكثير مما تصدر.
وهذا ما جعل القطاع المالي الذي ينشط في المديونية والمضاربة وأسواق الأسهم والمشتقات المالية هو القطاع الأساسي في الاقتصاد الأميركي، ومن ثم أصبحت أميركا مرتع الطغم المالية، وباتت مصدر كل الأزمات التي تظهر من حين لآخر، لهذا دخلت في دائرة الأزمات المستمرة، وفي وضعية إدارة الأزمة دون التفكير في إمكانية حلها بالضبط؛ لأن حلها يفترض شطب الطغم المالية ذاتها، والتخلي عن النظريات الرأسمالية في السياسة والاقتصاد، وحرق تراكم مالي هائل بات عبئًا على الاقتصاد الحقيقي؛ ولهذا سنشهد أزمة مستمرة متصاعدة، مع انهيارات متتابعة بين الحين والآخر ينال شررها معظم دول العالم. فالمعالجات الرأسمالية المطروحة لا تمسُّ جوهر الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، وإنما تركز على آثار الأزمة وظواهرها. فالذي يرى منهم أن فقدَ المؤسسات المالية للسيولة يسبب الأزمات يقول بضخ المليارات والمليارات لإيجاد السيولة للمؤسسات. والذي يرى أن الركود والتجمُّد الذي يصيب الأسواق المالية والاستثمار هو المتسبب بالمشكلات والتعثر في الاقتصاد يطالب بتخفيض الفائدة (الربوية) على القروض لتشجيع الاقتراض، وبالتالي يتحرك السوق، والذي يرى أن الأسهم والسندات والأوراق المالية قد فقدت معظم قيمتها وتجاوزت الخطوط الحمراء، يقول إنه لا بد أن تتدخل الدولة وتشتري الأصول المتعثرة وكثيرًا من الأسهم والسندات والأوراق المالية… لقد كانت كل هذه المعالجات دون فائدة، كمن يحرث في البحر، أو كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه؛ لأنها كلها معالجات قاصرة تقوم على تصور خاطئ لأصل المشكلة وتنطلق من تصور خاطئ بحثًا عن الحل.
كل ما سبق يبرهن أن هذا النظام الرأسمالي العلماني جبل على خلق الأزمات، وأن هذه الأزمات ظاهرة ملازمة للاقتصاد الرأسمالي، وهو يحمل الأزمات كما تحمل السحب المطر، فهو يقوم على تشخيص المشكلة الاقتصادية بأنها في ندرة الموارد بالنسبة إلى الحاجات المتجددة والمتزايدة عند البشر فينشغل بتنمية الثروة وزيادة الإنتاج وقرصنة ما بأيدي الآخرين لسد العجز من وجهة نظره، ثم يغفل عن توزيع هذه الثروة توزيعًا عادلًا بحيث ينال كل فرد في المجتمع حصته من الثروة فيعيش حياة كريمة مطمئنة، إلى أن وصل الحال إلى فائض كبير في الإنتاج في مقابل الاستهلاك، ومع ذلك بقيت المشكلات الاقتصادية وعلى رأسها الفقر والبطالة قائمة وفي تزايد. وهو أيضًا اقتصاد قائم في معظمه على الاقتصاد الوهمي (سوق الأوراق المالية) وعلى الربا، والاحتكار، وإلغاء الملكية العامة، وإعطاء الامتيازات لحفنة من الرأسماليين ليبقى المال دولة بيد الأغنياء، وأوراقه المالية متذبذبة القيمة بشكل كبير وخاضعة للمضاربات مما يفقد الناس كثيرًا من قيمة مدَّخراتهم بين فترة وأخرى، وذلك لعدم احتفاظها بغطاء كامل من الذهب والفضة.
ولذلك كله، ولأن الخلل بنيوي في النظام؛ لم تكن أزمة الرهن العقاري عام 2008م وآثارها الممتدة إلى الآن هي أول أزمات الرأسمالية ولن تكون الآخيرة، فانهيار سوق نيويورك في ما يعرف بالكساد الكبير الممتد من 1929م إلى 1933م، وأزمة الدولار عام 1971م التي نتج عنها إعلان نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب، وأزمة الاقتصاد السويسري عام 1973م والتي تراجع فيها عدد الوظائف في قطاع الساعات من 100000 إلى 13000 وظيفة وانهيار قطاع البناء، وأزمة سوق الأسهم الأميركية عام 1987م عندما انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 23 بالمئة، وأزمة مؤسسات التوفير والإقراض في أميركا من 1989م إلى 1991م والتي بدأت بإفلاس عدة مئات من المؤسسات الصغيرة نسبيًا والمتخصصة بالقروض الشخصية العقارية، وانفجار فقاعة الأسهم للأصول في اليابان من سنة 1989م إلى 1998م والمسماة بالعقد الضائع، وأزمة المكسيك نتيجة عمليات بيع كثيفة لسندات حكومية خاصة بالبيزو المكسيكي عام 1994م، والأزمة المالية الآسيوية عام 1997م، وانهيار سوق النازداك في نيويورك عام 2001م، وأزمة الأرجنتين عام 2001م حتى 2002م… وغيرها العشرات من الأزمات الاقتصادية المدمرة والتي عصفت بالمجتمعات الرأسمالية وما حولها خلال قرن من الزمان.
وفوق ذلك، وفي ظل أعتى الأزمات، يبقى الرأسماليون وأساطنة المال يحتملون الخسارة حتى تمر الأزمة، بل ويربحون من استغلال الناس كانتعاش سوق الرهن، وتأسيس شركات التصفية، وتقديم خدمات الأمن الخاصة للأغنياء لحمايتهم من الفقراء، وكذلك إمكانية استيلاء الرأسماليين الكبار على أكبر قدر من المصانع والشركات دفعة واحدة بأبخس الأسعار. وكما نرى فإن النظام قادر على الاستمرار فى ظل أسوأ الأزمات، مكرسًا البؤس والشقاء والفقر للجماهير؛ وذلك بحكم قدرته على التكيُّف وامتلاكه لوسائل إدارة الأزمات والقفز فوقها، وعبر توظيف عوامل عديدة لإطالة أمد عمره مثل تصدير رأس المال ونهب دول العالم الغنية بالثروات والتهديد باستخدام القوة الضاربة ضد كل من يخالفه أو يقف في طريقه فهو نظام «حربائي» يتلوَّن مع الظروف ويتشكَّل وفق الحوادث والأزمات، وطالما لم يوحد الناس صفوفهم على نظام جديد يُنهي النظام الرأسمالي ويوجه له ضربات قاصمة في لحظة الأزمات سيبقى هذا النظام قائمًا على قدميه بأزمات متجددة ومتلاحقة تزيد من عمق الكارثة وترفع من حرارة آثارها، وسيشعر العالم بها أكثر من ذي قبل، لأن الرأسماليين استنفذوا الحلول الداخلية أو كادوا، ولم يبقَ إلا أن يدفع العالم القيمة الأكبر من فاتورة الجشع الرأسمالي، كما حدث مع السعودية التي دفعت لأميركا «ترامب» ما يزيد عن 500 مليار دولار خلال الشهور الماضية مقابل الحماية، وكما يحدث في أفريقيا من نهب ممنهج للثروات المعدنية والنفطية فيها من قبل الدول والشركات الغربية الرأسمالية بعد أن أشغلتها بحروب أهلية لا تنتهي، وما ذلك إلا لتخفيف الضغط عن الاقتصاد الرأسمالي ومحاولة الصمود لأطول زمن ممكن قبل السقوط النهائي.
ويذهب « أنتوني لوينشتاين» في كتابه (رأسمالية الكوارث) إلى أن: «الرأسمالية المفترسة تتجاوز نطاق استغلال الكارثة، ذلك أن العديد من الأزمات المستمرة حاليًا يبدو أن الشركات هي التي أبقتها وأطالت أمدها بهدف دعم وتشغيل صناعات لديها حصة مالية فيها» وشبَّه هذه الشركات بـ»الطيور الجارحة التي تتغذى على جثة حكومة ضعيفة، والتي تعتمد هي الأخرى على القطاع الخاص لتوفير الخدمات العامة» ويذهب المؤلف إلى أن «الشركات باتت الآن أكثر قوة من « الدولة والأمة» وصارت تملي إرادتها وتفرض شروطها عليها، وهذا يعني حصول تحوُّل عميق في السلطة خلال النصف الثاني من القرن الماضي».
واللافت للنظر ذكر المؤلف أن الحرب على الإرهاب جلبت ثروات طائلة لا يمكن حصرها لشركات سعت إلى الاستفادة من فكرة الخوف من الإرهاب، ويضرب أمثلة على ذلك، فشركة «سي أي سي آي» الأميركية تخصصت في توفير المحققين في سجن أبي غريب في العراق، وشركة بوينغ لصناعة الطيران تورطت في تسيير رحلات نقل أشخاص مشتبه فيهم من أجل تعذيبهم، ويذكر المؤلف أنه في عام 2011م أخبر وزير الدفاع البريطاني «فيليب هامولد» الشركات أن تحزم حقائبها استعدادًا لحيازة عقود إثر الحملة على القذافي في ليبيا». وينهي المؤلف مقدمة كتابه بالقول إنه مع احتمال استمرار الحرب على الإرهاب عقودًا، فلن يكون هناك نقص في الأعمال التي يمكن تأمينها، ويذكر أن الأمم المتحدة نفسها تعتمد بشكل متزايد على شركات مرتزقة غير خاضعة للمساءلة مثل شركة «دين كوب» وشركة «جي فور إس “ وهما شركتان لهما سجلات مريبة، ويذكر أن وزارة الدفاع الأميركية توظف ما يقرب من أربعين ألف مقاول في أفغانستان التي يبدو أن الحرب فيها لا يلوح لها أفق نهاية .
وعلى المستوى الاجتماعي فتفكك الأسر، وتسويق تجارة الجنس باسم السياحة، وعصابات القتل والجريمة، والنظرة الحاقدة للأقليات تطفو على السطح بشكل واضح ومفضوح، والفساد ينخر جسد الأسرة الغربية إن وجدت، وقد تغير مفهوم الأسرة في انحراف فطري مدوٍّ، وفي سلوك حيوانيٍّ ظاهر يهدد بنية الأسرة ودورها، فأصبح بالإمكان تكوين الأسرة من رجل ورجل معًا، أو امرأة وامرأة معًا، أو إنسان وحيوان معًا، وحتى إنسان وجماد… تحت حماية القانون وبمباركة منه. فالعلاقات خارج إطار الزوجية والشذوذ الجنسي أصبحا أصلًا في تلك المجتمعات الخاوية على عروشها، كل ذلك بسبب النظرة الرأسمالية الخاطئة للمرأة ولعلاقتها مع الرجل، حيث نظرت إلى المرأة على أنها سلعة تُعرض في المنتديات والملاهي، ومحلًا للمتعة وإشباع الشهوات، وكان من جرَّاء ذلك أن جُعلت نظرة الرجل إلى المرأة ونظرة المرأة إلى الرجل نظرة جنسية بحتة، مما جعل الرجل لا يرى في المرأة إلا مكانًا لقضاء شهواته، وجعل المرأة تحرص دائمًا على أن تظهر بذلك المظهر الذي يلبي تلك الشهوات؛ وهو ما أفسد الحياة العامة، وأدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية خطيرة كأبناء الزنا الذين يفوق عددهم نصف عدد المواليد السنوي في بعض البلاد الغربية.
وبحسب نمط الحياة الغربية المبنية على المفهوم الرأسمالي للأسرة والمجتمع، فإن الرجل ليس له قوامة على بيته وعياله، وليس مكلفًا بالنفقة على زوجته، فهي تعمل لتنفق على نفسها، فالرأسمالية تجعل العلاقة بين الزوجين تقوم على النّدية وتقاسم الواجبات، وكأنهما في حالة صراع، وأما الأبناء فكثير منهم يترك ذويه عندما يبلغ سن الثامنة عشرة، ويستقلُّ بنفسه ولا تصبح له أي علاقة بوالديه، وفي أحسن الحالات يودِعهم في مأوى للعجزة ويزورهم في المناسبات… ويريد الغرب لهذا الفساد أن ينخر جسد الأسرة المسلمة لتصبح شبيهة بالأسرة الغربية تعيش مفككة وبلا قيم.
إن هذه الكوارث المروِّعة حول العالم ما هي إلا نتيجة طبيعية للعقيدة الرأسمالية الباطلة وأنظمة الحياة الفاسدة المنبثقة عنها، وليست هي وليدة إساءة في التطبيق هنا أو هناك، أو خطأ غير مقصود يقع فيه الساسة الرأسماليون، فليس للرأسمالية نموذج واحد للتطبيق يمكن أن يذكر بخير خلال قرن من الزمان أو يزيد، فدراسة مستنيرة للعقيدة الرأسمالية العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة وللفكر الرأسمالي الذي يطلق العنان للحريات، ومعالجاتها التي تقوم على الترقيع والتسكين المؤقت في انتظار موجة جديدة من الأزمات، يظهر عمق وعقم الفكرة الرأسمالية التي تعيشها المجتمعات والدول الرأسمالية، والتي تفرضها على العالم بالقوة وبالخداع والتضليل والتخويف، ويظهر لكل صاحب بصيرة المستقبل المظلم الذي يقود إليه تطبيق نظرياتها في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والاجتماع وغيرها، فهي لا تصلح لأن تكون طريقة عيش؛ إذ تقوم على وجهة نظر خاطئة عن الحياة الدنيا تجعل التشريع للإنسان العاجز، متقلب المزاج ومتغير المصالح والرغبات، فالإنسان (وخصوصًا صاحب رأس المال) هو صاحب اليد الطولى في التشريع وسن القوانين ووضع المعالجات، وإنه لا يخفى على أحد أن هذا الانسان الذي يفشل في إدارة كثير من القضايا ومعالجة كثير من المشكلات على المستوى الشخصي هو أعجز من أن يقوم بدور المنقذ للبشرية ومشكلاتها وللعالم وأزماته، فهو لا يحيط من الحاضر إلا بالقليل، ولا يعلم من المستقبل إلا ما يقوم على الاستقراء والتخمين، وهو لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجاوز مصالحه ورغباته حين يضع القانون، فمصلحته أولًا وأخيرًا.
لقد كان القرن الرأسمالي الماضي، قرنًا أسودَ على أهل الكرة الأرضية، تميَّز بالحروب المدمرة كالحربين العالميتين الأولى والثانية، عدا عن الحروب الإقليمية والمحلية التي أشعلتها الدول الرأسمالية حول العالم لتكون مبررًا لتدخلها وربط قضايا العالم بها والإمساك بخيوط الحل فيها. والحروب الاقتصادية والتنافس على الأسواق العالمية ليس بأقل ضررًا ولا أثرًا على شعوب العالم، فما يحصل بين الصين وأميركا، أو بين أميركا ودول أوروبا، من صراعات اقتصادية يلقي بظلاله على شعوب العالم ودوله وخصوصًا الفقيرة والمسحوقة منها.
إن الرأسمالية اليوم هي المتحكمة في جميع مفاصل الحياة الإنسانية في كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن أنظمتها وتشريعاتها هي التي صاغت منذ أمد ومازالت تصوغ المجتمعات بشكل مباشر أو غير مباشر على نمط معين نراه اليوم في معظم أجزاء الكرة الأرضية، وإنه لا يوجد ناحية واحدة من نواحي الحياة الانسانية تدخلت فيها الرأسمالية إلا وأفسدتها، ولا يوجد مثال واحد حول العالم على أزمة من الأزمات الدولية تبنتها الدول الرأسمالية فعالجتها، بل إن تدخلها زاد الطين بلة، وولد أزمات وأزمات جديدة جعل الأزمة الأصلية تتضاءل حتى لا تكاد ترى.
إن الإسلام قد نُحِّيَ بالكامل عن الدساتير والتشريعات إلا النزر اليسير من أحكام الزواج والطلاق في النظام الاجتماعي، وهذه يجري العمل حاليًا على استهدافها أيضًا بتطبيق اتفاقيات غربية كاتفاقية سيدوا، وكخطة التنمية المستدامة التي تخالف موادُّها ومقرراتها أحكام الإسلام مخالفة تامة.
وعليه فإن من يتحمل مسؤولية كل الأزمات التي تتوالى في هذا العالم حتى لا نكاد نخرج من واحدة إلا وتداهمنا أخرى هي الرأسمالية بعقيدتها وتشريعاتها والدول التي تتبناها وتفرضها على العالم بالبلطجة والاستعمار.
إن الأمة الإسلامية وحدها مؤهلة لقيادة العالم واخراجه من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمبدأ الإسلام وحده القادر على حل هذه المشاكل والأزمات والقضاء على حالة الفوضى والاضطراب. فنصوص القرآن التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ تدل على عالمية رسالة الإسلام بصراحة منها قوله تعالى: ( وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٨ ) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة الواضحة الدالَّة على عالمية رسالة الإسلام.
فمن الناحية السياسية ينظر الإسلام إلى العالم بوصفه محلًا لحمل رسالة الإسلام التي تخرجهم من الظلمات إلى النور، وتوجد الاستقرار السياسي في العالم بما تحمله الأمة الإسلامية من رسالة ربانية تجعلها خير أمة أخرجت للناس، تسعى إلى إنقاذهم من الظلم والجور والضلال إلى العدل والهداية. والإسلام في حمله للعالم لا يتخيَّر بين غثٍّ وسمين، ولا بين بلد غني وآخر فقير، وهو لا يطمع في ثروات البلاد الأخرى فيستعمرها ويسرق ثرواتها ويترك أهلها مشرَّدين يقتلهم الجوع والمرض، ولا يؤجِّج الفتن والحروب والصراعات بين أبنائها لتخلو له الأجواء ليعيث في البلاد الفساد والإفساد، بل إنه بمجرد دخول البلاد تحت حكم الإسلام يصبح لها ما لباقي أجزاء الدولة وعليها ما عليها من الحقوق والواجبات؛ كل ذلك امتثالًا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود عـن سليمان بن بُريدةَ، عـن أبيه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اُغزُوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتِلوا مَن كَفَر بالله، اغزوا ولا تَغدِروا، ولا تَغلُّوا ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا». وفي رواية عند البيهقي وغيره: «ولا تقتلوا وليدًا طِفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا…».
أمَّا من الناحية العمليَّة التطبيقيَّة، فإنَّنا نجد بتصفُّح السِّيرة النبويَّة ودراستها أنَّه على الرَّغم من كثرة عدد الحروب والغزوات التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم ثُمَّ التي خاضها أصحابه – رضوان الله تعالى عنهم – فإنَّه لم يُعرف عنهم أنَّهم قصدوا قتلَ ذراري وأطفال المشركين، أو قتْل نِسائهم، أو شيوخهم رغمَ ما تعرَّض له المسلمون من اعتداءات سافرة.
ورسالة الإسلام هي وحدها التي تقضي على التفرقة بين الناس، وحل النزاعات الإقليمية أو الطائفية أو العنصرية أو القبلية أو الوطنية؛ فالإسلام لا يفرق بين أبيض وأسود، ولا بين جنس وآخر، بل ينبذ العصبية والعنصرية والطائفية، ويرفض جعلها مقياسًا للتفاضل بين البشر، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ ١٣ ) ؛ ولذلك؛ فإن المسلمين لا يقاتلون رغبةً في التدمير أو إذلالًا للناس أو تعذيبًا لهم، كما تفعل جيوشُ المستعمرين الغربيين، الذين يُذلُّون الشُّعوب، ويُدمِّرون كلَّ شيء لأعدائهم؛ مدنَهم ومزارعَهم وحيواناتِهم، دون أدنى قدر من القيم، بل إن جيوش المسلمين تقاتل لتزيل كل العوائق بين الأمم والشعوب وبين إيصال كلمة التوحيد وشريعة الرحمن ودخولهم تحت حكمها، فإذا ما خُلي بين المسلمين وبين من يدعونهم فلا قتال.
وأما من الناحية الاقتصادية، فإن نظرة الإسلام للمشكلة الاقتصادية نظرة صحيحة باعتبارها في توزيع الثروة وليست في الإنتاج، والضامن الوحيد لهذا التوزيع بل لتوزيع عادل يضمن إشباع حاجات جميع الأفراد هو نظام منبثق من عقيدة روحية سياسية من لدن لطيف خبير يحيط بحاجات عباده ومصالحهم، ويوافق ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى خالق مدبر، هو نظام طالما ارتقى بحياتهم إلى حياة كلها رفعة وسعادة ورفاه وطمأنينة وأمن وأمان، قال تعالى:
( أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ). فقد شرع الإسلام أحكامًا شرعية ليضمن توزيع الثروة بين الناس، وليحول دون اختلال التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع الإسلامي وذلك بالأمور التالية:
1- فرض الزكاة: وهي أخذ قسم من مال الأغنياء بشروط وتوزيعه على الفقراء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم».
2- لكل فرد من أفراد الرعية حق الانتفاع من الملكية العامة ومن وارداتها، كالمعادن والنفط والغاز.
3- توزيع الدولة من أموالها على أفراد الرعية المحتاجين دون مقابل، كإقطاع الأراضي للقادرين على زراعتها، والإنفاق عليهم من الخراج والجزية.
4- منع التشريع الإسلامي كنز الذهب والفضة، بوصفهما أداة التداول، وأثمانًا للسلع والخدمات، ليظل النقد مستثمرًا في الزراعة والتجارة والصناعة، وبذلك يقضي على البطالة، فيساعد على توزيع الثروة.
5- شرع الإسلام تقسيم الإرث بين الوارثين، وفي ذلك توزيع للثروة ومنع تداولها بيد فئة قليلة من الأغنياء.
إذًا، الإسلام نظام متميز، أنزله الله للناس كافة، وضمنه أحكامًا تنظم حياتهم جميعها، ومنه النظام الاقتصادي الذي يتميز بالخصائص التالية:
1- شموليته واتساع أدلته لمعالجة وحل جميع المشكلات الاقتصادية التي تواجه الإنسان في حياته إلى يوم القيامة، فيما يتعلق بالمال من حيث تملكه والتصرف به وتوزيعه.
2- مراعاة النظام الاقتصادي في الإسلام للفروق الفردية بين الناس، فأباح لهم التنافس المشروع في امتلاك المال، كل حسب قدرته وطموحاته، ثم بيَّن واجبات الأغنياء، وحقوق الفقراء.
3- مراعاة هذا النظام أيضًا الفروق بين طبيعة الأشياء التي تملَّك؛ فجعل بعضها ملكية فردية، وبعضها ملكية عامة، وبعضها ملكية للدولة، ووضع حدودًا واضحة لكل ملكية.
4- محافظة النظام الاقتصادي على التوازن المادي بين أفراد المجتمع، والرفع من مستوى العيش للرعية. فالدولة الإسلامية تتكفَّل برعاية من لا مال له ولا عمل ولا معيل، قال عليه الصلاة والسلام: «من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك كلًّا فإلينا». والكلُّ الضعيف والفقير المعدم.
5- منع النظام الاقتصادي الإسلامي استغلال واستثمار الأموال الأجنبية في الدولة، كذلك ومنع منح الامتيازات لأي أجنبي، وذلك كي لا يكون للأجانب نفوذ في بلاد المسلمين، قال تعالى: (… وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا ).
6- تأمين الدولة في الإسلام الحاجات الضرورية لكل فرد من رعاياها، كالتطبيب، والتعليم، وكالأمن، وإن عجز الفرد تعمل الدولة على إشباع جميع الحاجات الأساسية كالمسكن والمأكل والملبس لكل فردِ إشباعًا كليًا، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع.
7- الذهب والفضة هما النقدان المعتبران، فبهما حدد الإسلام نصاب الزكاة في النقود، وبهما حدد الديَّة النقدية، وبهما حدد المقدار الذي تقطع به يد السارق. ويمكنُ أن تستعمل الدولة الإسلامية عملة ورقية نائبة عن الذهب أو الفضة؛ وذلك لسهولة التداول والنقل.
وأما على مستوى الأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة، قال سبحانه وتعالى: (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةً) فالمنزلُ مقرّ للسّكينةِ والعيش الهنيء والاستقرارِ، تجمع بين أفراده المحبّة والرّحمة، ومفاهيم الإسلام مفاهيم راقية تجعل الرّوابط الأسريّة وثيقة وفريدة، تحدّد الأدوار وتجعل لكلٍّ وظيفته بحيث يكمّل الواحد الآخر في تكامل فريد، وهذا لا يليق إلا بشريعة ربانية عظيمة. فالعلاقة بين الرّجل والمرأة علاقة سلم ووئام وتكامل وانسجام لا علاقة حرب يكثر فيها النّزاع والصّراع والخصام، قالت خولة وهي تشكو زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم: «…يا رسول الله عيالي إن تركتهم ضاعوا، وإن أخذتهم جاعوا…» في وعي وفهم للأدوار التي أناطها الإسلام بالمرأة والرجل على حد سواء.
إن الأمة الإسلامية باستطاعتها أن تَخرج وأن تُخرج العالم من هذا الوضع المتردي الذي آل إليه بفعل المبدأ الرأسمالي، إن هي أخذت العقيدة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية إسلامية لتقيم حياة الناس والعلاقات على أساسها، وهذا يلزم أن يستمر عمل العاملين في حزب سياسي لتركيز هذه العقيدة بمفهومها السياسي في الأمة، وستبدأ الأمة قطعًا السير في طريق النهضة والتحرير؛ لتصبح الأمة الإسلامية في مقدمة الأمم كما كانت من قبل حاملة رسالة الهدى والنور إلى العالم أجمع، متقدمة في جميع المجالات؛ لتنقذ العالم من الوادي السحيق الذي أسقطته فيه الرأسمالية، وما ذلك على الله بعزيز.
2020-04-29