العلماء بوصلة الأمة بصلاحهم تصلح الأمة (2)
عبدالرحمن العامري – اليمن
لقد حضَّ ديننا الإسلامي الحنيف على العلم؛ لأنه به تصلح وتستقيم أمور الدنيا والآخرة، وبدونه تفسد فيهلك الحرث والنسل. وهذا العلم جعله الله عز وجل ميزان التقوى وميزان الكرامة وميزان التفضيل، ففضَّل بني آدم على العالمين، وكرَّمهم على سائر المخلوقات من جنٍّ وملائكة وشياطين. هذا وقد مجَّد الله عز وجل في آياته الكريمات العلماء ورفع من شأنهم وقدرهم فقال: ( شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ) ففي هذه الآية الكريمة قرن الله سبحانه شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلًا وتميُّزًا لصاحب العلم عن الجاهل، فما هو الدور والمسؤولية العظيمة التي ألقاها الشرع على عاتق هؤلاء العلماء.
إن على علماء الأمة دوراً ومسؤولية عظيمة تقع في عاتقهم تتمثل بالآتي:
1- فهم الواقع وإنزال أحكام الله عليه مهما كان هذا الحكم مرضيًا أو مغضبًا للحاكم أو للأمة؛ وذلك ابتغاء صلاحها لا شقائها، ونهضتها لا انحطاطها؛ لأنه بالشرع تنهض الأمة وبدونه تنحط.
2-تقديم النصح وقول الحق للحكام، والجرأة والشجاعة وعدم الالتصاق بهم منعًا من الافتتان بهم، وبهدف توعيتهم وإرشادهم بأحكام الإسلام دون مواربة أومداهنة، والعمل على محاسبتهم في أي مخالفة لأحكام الإسلام أو التقصير فيها، أو في أي حق من حقوق الرعية، أو سن قانون فيه ضرر عليهم وعلى الأمة. فالواجب كل الواجب العمل على إزالة ومحاربة كل ضرر سواء أكانت بشكوى من الرعية أم بلا شكوى. هذا وقد حذر القرآن الكريم من العلماء الذين يتخلون عن دورهم الجليل واتباعهم الشيطان والهوى والغِوى،
قال تعالى:(وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ).
3-توعية الأمة على أحكام الإسلام، وصناعة جيش من العلماء الذين بهم ترقى الأمة ولا تفنى، فهم الذين يتصدرون المواقف والأحداث، ويتصدون لكل مصيبة تصيب الأمة، وهم الذين بهم تتجلى الحقائق وتنكشف الدسائس؛ فهم بمثابة الراعي الواعي على الأمة، وبهم تستنبط الأحكام الشرعية المناسبة للمسائل الجديدة والتي باستنباطها تهتدي الأمة إلى كل خير وإلى أحكام الله ومن ثم تنال رضوانه، ولا يتم هذا إلا بالتوعية؛ وذلك بعقد المحاضرات والدروس والنقاشات، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو رأس الأمر والمحرك الأساسي لأي تغيير فكري.
4-تحفيز الحكام دائمًا إلى الدعوة والجهاد لأنهما يحققان الغاية العظيمة من رسالة الإسلام ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ ) وحثَّ الناس على ذلك، والتصدي للإشاعات المغرضة وللأفكار المعارضة لأحكام الإسلام، وحث الناس والجيش وإقناعهم بالدعوة والجهاد بإلهاب حماسهم وتشجيعهم.
5- التمسك بالعهد والميثاق الذي بين العلماء وبين الله من بيان أحكام الله ونشرها وعدم كتمانها ونبذها وإخفائها. فقد قال الله عز وجل في قرآنه: ( يَوۡمَئِذٖ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثٗا ) وقال سبحانه وتعالى:
(فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) فإخفاء الحقيقة من قبل العلماء معناه إخفاء حكم الله، ومن ثم تستحق الأمة غضب الله لأنها أضاعت شرعه.
6- الوعي على الواقع السياسي وواقع الشعوب والدول وسياساتها والدول المحاربة والمعاهدة، والعمل على كشف المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الأمة والعمل على فضحها بهدف هدم مشاريع الغرب الكافر، وكذلك تحصين الأمة بالتثقيف بالأفكار والمفاهيم والحوادث والتحاليل السياسية حتى تكون أمة واعية لا تأخذها الغفلة.
7- العمل على جمع الأمة على مشروعها المخلص والمنقذ لها، مشروع الخلافة الراشدة؛ وذلك ببيان الآيات والأحاديث الدالة عليها مع تفسيرها وتكوين رأي عام منبثق عن وعي عام ليشكل هذا الوعي ضغطًا على الدولة في حالة مخالفتها أو انحرافها عن مشروع الأمة؛ فبوعيها تشكل صمام أمان للدولة من الوقوع في المحظور.
إن الأمة بأحزابها وجماعاتها وأفرادها قد جربت كل الطرق التي تظن أنها ناهضة بها من كل انحطاط؛ فإذا بها تنزلق من منزلق إلى آخر؛ ما أودى بها إلى الانحطاط والإخفاق من أي نهوض، نعم جربت هذه الطرق المخالفة لطريقة الإسلام الوحيدة في التغيير، فقد جربت الدخول في الحكم الديمقراطي والمشاركة فيه ولم يمكِّنها أعداؤها في الغرب من الحكم رغم تنازل هذه الأحزاب بهذه الطريقة عن طريقة الإسلام في التغيير وهي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجربت الأمة اعتزال السياسة والاعتكاف في المساجد وعدم التدخل في شؤون الحياة وقد أخفقت، وجربت العنف والقيام بالأعمال المادية ولم تنجح، وجربت الاهتمام بالسنن وترك الفروض العظيمة كالحكم بالإسلام وإقامة خلافته ولم تفلح بتغيير الواقع به، وجربت المذهبية والطائفية فكانت وبالًا عليها أودى بها بهذه الطريقة إلى خدمة الغرب، وتشرذمت الأمة بسببها وتفككت إلى سنة وشيعة، وصدق الله العظيم فيها حينما قال: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ) فلم يبقَ لهذه الأحزاب والجماعات والعلماء سوى العودة لطريقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في التغيير والالتزام بها والعض عليها بالنواجذ، والسير بها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع؛ لأنها هي المنجية؛ فقد أنشأ رسول الأمة صلوات ربي وسلامه عليه جماعة وحزبًا هم صحابته، فلم يجدِ نفعًا أن يغير بمفرده، بل كان بهذا الحزب كالقلب والعقل بالنسبة للجسم، كل منهما لا يستغني عن الآخر، فكانت جماعة ثقف عقليتها رسول الأمة بثقافة الإسلام، ودعم نفسيتها بالطاعات والقربات لله، وأوجد منها شخصيات إسلامية تتميز بعقلية ونفسية إسلامية؛ لكي تحمل هذا الدين للآخرين؛ فحملته بالفعل حق حمل، ونشرته خير نشر، ثم عمد رسولنا الكريم إلى الاستعانة بأهل القوة والمنعة بدافع الحماية، حماية صحابته وحزبه المستضعف من بطش الكفار، ثم الأمر الآخر وهو تبليغ الإسلام للناس؛ حيث ما كانت تستطيع نشره بدون هذه القوة، وقد أفضى هذان الأمران إلى إيجاد دولة تحكم بالإسلام، وهذه الدولة شكلت كيانًا سياسيًا تنفيذيًا لأحكام الإسلام، طبقته في الداخل وعملت على نشره في الخارج. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد من السماء قد كوَّن كتلة وتقوَّى بها، فكيف للعالم والفقيه الذي يريد أن يبلغ الإسلام وينشره ويكشف الحقائق والمؤامرات ويضرب عقائد وأفكار الكفر المدسوسة ويتصدى لها ويشجع الأمة على الجهاد ويقول الحق ويعمل على نهضة الأمة… والذي بسبب هذه الأعمال سوف يحاربه الحكام العملاء والمأجورون والمدسوسون على الأمة… فكيف له أن لا يكون في إطار جماعة تعينه ويعينها ويفقهها في الدين وتساعده في نشر فكر الإسلام، فكيف يكون هذا؟! لذلك كان واجبًا على هذا العالم الجليل أن يكون ضمن حزب، أو هو ينشئ حزبًا يعمل على تغيير هذا العالَم المنحط به وفق الشرع، ويعمل على نهضته وتوعيته. فبمعزل عن هذا الحزب أو تلك الجماعة لا يمكن التغيير، كما أنه من السهل التعرض لهؤلاء العلماء وتهديدهم وإخافتهم والتخلص منهم رغم أن عقيدة الأجل والرزق والقضاء والقدر وأخذهم بعقيدة التوكل على الله والأخذ بالأسباب قد تشربتها عقولهم وقلوبهم… لذلك كان لا بد من وجودهم في هذا الحزب. فبوجودهم في هذا الحزب أو الجماعة تُضمن استمرارية الفكر وهذه الثقافة التي بها تحيا، لا الأمة فقط بل العالم بأسره. فبمعزل عن العلماء تضيع الأمة، ويهلك الحرث والنسل، ويستولي أعداؤها عليها، ويورَث الجهل والفقر، ويضيع الدين، ويشرد العباد، وتحتل البلاد، وتتفشى المعاصي، ويستعر القتل بين أبناء الأمة… وهذا هو حالنا اليوم، كالغنم القاصية تلتهمها ذئاب الغرب كيفما تشاء. وللأسباب السالفة الذكر، كان لا بد من توريث هذا العلم لعلماء جدد يُقَوِّمُون هذه الأمة، ويقيمون دينها، ويجددون عهدها مع الله، ويكملون مسيرة من سبقهم من العلماء فينهضون بهذا العلم الأمة ، والتي ستبقى ببقاء هؤلاء العلماء وتفنى بفنائهم، فالأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، بل علمًا يورثه عالم لعالم إلى قيام الساعة. نعم بهذا العلم والعلماء تُضمن نهضة الأمة وقيام مشروعها العظيم والمتمثل بقيام خلافتها الإسلامية؛ فتعود الأمة إلى سابق عزها كما كانت بفضل هذه الخلافة، والتي تضمن الأمن والأمان في الدنيا الآخرة. نعم، إنه لحري بكم أيها العلماء أن تنضموا لجماعة تخشى الله، جماعة واعية صادقة لا تخشى في الله لومة لائم، لديها مشروع حضاري عظيم فيه بيان لكل نظام من أنظمة الحياة في الاقتصاد والحكم والقضاء والتعليم والصحة والإسكان وغيرها من شؤون الحياة. فالآية الكريمة (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ ِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) أوضحت ذلك وأجلت الحقيقية التي لا يمكن أن تغشى عنها المـُـقل والعيون، ولا يتعامس عنها إلا ضالٌّ ومنحرف يتبع هواه، نعم هذه الآية التي أوصت بوجود جماعة تدعو للخير وهو الإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،الخطاب فيها عام لكل مسلم مخلص يبتغي وجه الله ورضاه، فما بالنا بالعلماء وهم رأس الأمر؟! فكيف يكون التغيير بدون العلماء؟! لا شك أنه سيكون إلى وبال، فكان من المحتم أن يكون هؤلاء العلماء في رأس هذه الجماعة، فهم ورثة الأنبياء الذين لم يرثوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهمًا ولا دينارًا، بل ورثوا فكرًا وشرعًا ودينًا، هو الإسلام العظيم؛ ولذلك كان لامتناع العلماء الالتحاق بجماعة الحق أثر عظيم في انحطاط الأمة وتخلفها؛ مما قادها إلى مناخ نحرها. فالله الله ياورثة الأنبياء، ياشهداء الله في الأرض، أما آن لكم أن تجمعوا أمركم وتصدقوا مع الله وتعقدوا وتخلصوا نيتكم بالعمل الخالص لله في كتلة تقوم بالنهضة وترفع شأن أمتكم وتزيل عنها غبار الذل والهوان؟ أما آن؟. ألا تعلمون أنكم بسبب تقاعسكم عن دوركم في حمل الدعوة كنتم سببًا رئيسًا في انحطاط الأمة وتخلفها وارتهانها بيد الخارج. نعم إن من أسباب انحطاط المسلمين ووصولهم لدرك الشقاء هو تخلي العلماء عن دورهم الفاعل والكبير؛ فكان هذا مجلبة للبلاء والشقاء وشماتة الأعداء، فقد زوَّر العلماء الحقائق وباعوا دينهم بعرض من الدنيا هو زائل، وأفتَوا بغير حكم الله، ونافقوا وداهنوا الحكام خشية البطش، ولم يخشوا الله رب الحكام. ففي زمننا الحاضر أفتَوا بجواز دخول أميركا للعراق، وأفتَوا بجواز العلاقة مع الأميركان بحجة أنهم أصدقاء، وأي أصدقاء وهم أعداء؟! وقد أفتَوا بجواز الربا وأنه استثمار، وأفتَوا بحرمة العمليات الاستشهادية وأنها انتحار، وأفتَوا بجواز انتخاب الحكام رغم أنهم حكام حكموا بغير ما أنزل الله، فهم لا يعدون ولاة أمر، وأجازوا انتخاب مجلس النواب رغم أنه يقوم بمهام محرمة من سن قوانين وإجازتها رغم أن النظام الذي يجب أن يحتكموا إليه هو نظام الإسلام، وأجازوا الاقتتال بين المسلمين، رغم أن الاقتتال يجري لمصلحة أسيادهم التابعين للغرب أميركا وبريطانيا، وها هي تجتمع الدول العربية مع المجرم نتنياهو رئيس كيان يهود للتطبيع معها دون حياء أو خجل، والعلماء ساكتون، فأي بلاء هذا ؟! فأين كلمة الحق والتي ستحاسبون عليها؟! نعم فأين تقوى الله أيها العلماء ومخافته؟! أين علماء مصر والسعودية وتركيا وإيران وباكستان وتركيا والعراق وتونس وقطر وسوريا والإمارات واليمن وفلسطين والسودان والمغرب من كل ما يجري في بلادهم وبلاد المسلمين؟! أرضيتم بهذا الذل وبهذه الحياة الدنيا وركنتم إليها، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل؟! هذا وقد وصف الله عز وجل الركون للحياة فقال سبحانه: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) فأين كلمة الحق؟! أين الخشية من الله؟! فمن الذي يستحق الخوف منه: الله عز وجل، أم الحكام المأجورين؟! فهؤلاء العلماء خافوا على أنفسهم من بطش فجاملوا الأنظمة ولم يبينوا أن أنظمة الحكم التي يحكمون فيها الحكم فيها للشعب وليس للإسلام، وخلطوا الإسلام مع الكفر وزينوا أنظمة الكفر كما زين بنو إسرائيل اللحوم وجملوها وباعوها…. إن الأمة الناهضة هي التي تقيم وزنًا وقدرًا لعلمائها وتحتضنهم؛ ولكن لا لأي عالم، بل للعالم العامل الرباني التقي النقي الورع… وليس للعالم العميل الذي باع ولاءه لشيطان هذه الأنظمة الطاغوتية.
إن العروة لا بد من أن تتوثق بين الأمة وعلمائها، فالعلماء يقولون كلمة الحق، والأمة تنفذ هذا الحق وتتعلم من هذا العالم العلم الذي به تحيا القلوب والعقول وتنار به الدروب بعد ضلال وشقاء. إن علاقة العالم بالأمة كعلاقة اليد بالنسبة للأخرى، من أجل تنمية ورعاية الجسم، وفي الواقع من أجل نهضة الأمة قال تعالى:
( وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ).
نعم إنه بصلاح العلماء صلاح كل من الأمة والحاكم والجيش، فكل من هؤلاء بحاجة للعلماء ليهتدوا بهديهم، وليعلموا أحكام الله في حقهم، ولنصحهم وتقويمهم إذا ما اعوجوا؛ فهؤلاء كالنجوم يهتدى بهم في ظلمات هذه الأيام، وهم الموقعون عن الله، وهم من يستنبطون الأحكام من الأدلة التفصيلية للسير بحسبها… فالزلة منهم كارثة، والسِّنة والغفلة مصيبة تعيد الأمة إلى الوراء؛ لأن الأمة تسير بحسبهم إما بالطريق المستقيم أو المعوج، فهم بحق البوصلة التي توجه الأمة إما إلى انحرافها ونحرها أو إلى نجاتها، ونتذكر موقف الإمام أحمد بن حنبل العالم الجليل كما سبق في قصة خلق القرآن والذي رفض أن يقول كلمة عذره الناس بقولها لكي يتخلص من بطش الحكام، فقد أبى ذلك كل الإباء. نعم هؤلاء هم العلماء العاملون الأتقياء الأنقياء المخلصون الجريئون في قول كلمة الحق، الذين ينظرون إلى الآخرة نظرة إيمان وعقيدة، ويترجمونها إلى واقع يرى رأي العين، فهنيئًا لهم، وهنيئًا لمن سار على نهجهم. وهناك سؤال يدور في الذهن، وهو كيف تنهض الأمة بعلمائها؟
إن نهضة الأمة لا يكون إلا بشرع الله ينفذ ويحكم به في الأرض. والذي يطبق هذا الشرع هو السلطان ومعه العالم الرباني التقي الورع القوي في الحق والذي يقوِّم أي انحراف خشية الضلال والسقوط في الهاوية، هاوية الجهل والالتواء عن المنهج القويم. فإذا حاد الحاكم عن الحق قوَّمه هذا العالم الحق، وإذا ما أدخل حاقد خبيث ماكر فكرًا مخالفًا للإسلام تصدى له بكل قوة ليمحو أثر هذا الفكر السقيم ويجعله أثرًا بعد عين، فيكشف زيفه وخطأه. أما إذا حاد العالم نفسه عن الطريق المستقيم نصحه وقوَّمه عالم آخر من علماء المسلمين، فإن الأمة لا تخلو من عالم ربانيِّ. وهذا من نعم الإسلام أن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد هذا الدين ويحفظه من أي انحراف. نعم إن العلماء بهم تستقيم الأمة وتصير الأمور إلى خير، وبدونهم تهلك الأمة؛ فإذا خلت الأمة من العلماء فمن أين تهتدي للطريق؟ وهذه هي مقولة العالم الجليل أحمد بن حنبل حينما طلب منه تلامذته مجانبة الحق بحجة التقية، فأبى ذلك كل الإباء وقال: «إذا أجاب العالم تقية، فمتى يتبين الحق؟!» أن العالم الحق يعلم خطر عدم قول الحق في وقته، ويعلم أنه مهلكة للأمة وحالقة للدين؛ لأن ذلك يؤدي بالأمة إلى الضلال، ويضيع الحق، وينتشر الفساد، وتؤول الأمور إلى ضياع حكم الله. نعم بهؤلاء العلماء الذين يمتلكون الفكر الصحيح ينتشر فكر الإسلام القويم وتسود المفاهيم الصحيحة وتزهق المفاهيم المغلوطة. فمن خلال أمثال هؤلاء العلماء تسير الأمة باتجاه تحقيق التغيير الإسلامي ونحو النهضة، فيسود في الأمة الفكر والرأي العام للإسلام المنبثق عن الوعي العام للأمة والذي يطالب بتغيير الواقع وتغيير الدولة بكل مكوناتها ودستورها الوضعي فيشكل هذا ضغطًا عامًا على السلطة لا تقدر على مواجهته، مضافًا إليه وعي أهل القوة من الجيش والقبائل؛ ما سيدفعهم إلى نصرة دينهم وأمتهم وهم مطمئنون. نعم لقد دلت السيرة النبوية العطرة أن الخلافة تحتاج لكي تقوم إلى الرأي العام المنبثق عن الوعي على إسلام الحكم، وتحتاج إلى أهل القوة. وحتى بعد قيام الخلافة وقيامها بتطبيق الإسلام في مختلف شؤون الحياة في كل جوانب الحياة، في الحكم والاقتصاد والقضاء والتعليم… فإنها بحاجة إلى علم هؤلاء العلماء، ومناصحتهم للحكام، والقيام معهم على أمر الله. فالله الله يا أمة محمد، لتدفعي العلماء نحو الوقوف موقف الحق في كل المواقف؛ لذلك كان على مريدي النهضة من العلماء، إذا كانوا يبتغون براءة الذمة امام الله:
1- التوجه إلى الله وإخلاص النية له والالتزام بالعهد، إن العهد كان مسؤولًا.
2-نشر فكر الإسلام وتوعية الأمة بعقيدة الإسلام وما يتعلق بها من أفكار وأحكام الشرع بالدروس والمحاضرات والنقاشات والندوات والجلسات وغرس عقيدة الأجل والرزق والقضاء والقدر من الله، في نفوس وعقول الأمة وبث روح الأمل فيها وأن يكونوا بوصلتها، وأن تكون عقليتهم مبنية ليست على المصلحة، بل على الحكم الشرعي حصرًا.
3-نصح الحكام وحثهم وأطرهم على الحق أطرًا، وقصرهم على تطبيق الإسلام، والحرص على أن تكون دولة الخلافة راشدة على منهاج النبوة، والحرص على أن يكون مشروع دستور الخلافة مأخوذًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقفوا في وجه أي سلطان جائر؛ ليكون عملهم هذا أفضل جهاد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
4-كشف المؤامرات والدسائس القادمة من الغرب وأذنابه، والتي تحاك ضد الأمة وبيانها وعدم كتمانها.
5- دعوة أهل القوة من الجيش والقبائل والطلب منهم أن يقفوا مع الأمة ومع الحق بنصرتها ومؤازرتها والأخذ على يدها، ودفعهم لأن يقتدوا بسعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن عز وجل لموته، وأن ينبذوا هؤلاء الحكام ويلفظوهم كلفظ النواة من الثمرة ويقيموا دولة الإسلام على أنقاضهم، وينصِّبوا خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلوات ربي وسلامه عليه. فالأمة توَّاقة لعودة الإسلام ولنصرته.
6- صناعة علماء وتوريث العلم لهم لكي يكونوا عونًا لنشر الإسلام.
7- التحاق هؤلاء العلماء المخلصين بجماعة الإسلام التي نذرت نفسها لإقامة الدين على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن إقامة الدين لا يكون إلا بحزب أو جماعة، ويكون العلماء من ضمنه.
نسأل الله العظيم الكريم أن يمنَّ علينا بدولة كريمة تحكم بالإسلام، ويعَزُّ بها المسلمون، وأن يقودها علماء ربانيون إلى الخير إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.