فساد الحضارة الرأسمالية وقرب انهيارها (2)
الساريسي المقدسي
تسعى هذه المقالة إلى تبيان أن فساد الحضارة الرأسمالية أمرٌ مُقَرٌ به حتى عند أهلها، ولكنها مع فسادها لن تسقط من تلقاء نفسها، ولا بد من استبدال حضارة أخرى بها، فإما أن تتطور هذه الحضارة من أهلها وهذا غير قائم، وإما أن يتبنى أهل الرأسمالية حضارة أرقى منها كالإسلام وهذا غير مطروح عندهم، وإما أن تتدافع مع حضارة أخرى فتطيح بها وهذا غير موجود حاليًا. وبالتالي فلا خلاص للعالم من فساد الرأسمالية وشرورها إلا بالتدافع معها، ولا مرشح لذلك سوى أهل الإسلام وَفقًا لما تقتضيه سنن الله التي مضت في الأمم، وسينتهي فسادها بفرض دولة الإسلام حضارتها عليهم طوعًا أو كرهًا.
1.هل انهيار الحضارة الرأسمالية حتمي:
بالرغم من الزهو الحضاري الفارغ لدى السياسيين الأميركيين على وجه الخصوص مثل كيسنجر وجوزيف ناي وبريجينسكي الذين خرجوا بفكرة أن الحضارة والدولة الأميركية هي «لا تاريخية» بمعنى لا تنطبق عليها سنن التاريخ، فإنه لدى تطبيق الأسباب والسنن المتعلقة بانهيار الحضارات على الحضارة الرأسمالية، نجد بأنها إلى زوال ولو بعد حين. فقد بان فسادها وظهر عدم صلاحيتها حضاريًا حتى لإسعاد أهلها؛ ولكن الذي أخَّر فشل وانهيار الحضارة الرأسمالية هو قيام الرأسماليين بترقيعها بالاشتراكية، ثم دوام أقلمتها مع الواقع، فطبيعة الرأسمالية أنها تتلون عقيدة ونظام حياة مع تلون الحياة، وهي بنت اللحظة، وحين تتجاوز محنتها تنقلب على كل النظريات وتعود كرتها الأولى، ويظهر هذا جليًا في كل هبوط اقتصادي حاد، فتتدخل الدولة في السوق بعد أن كانت ممنوعة من ذلك، ثم بعد أن تستقيم الأوضاع تعود لميكانيكية السوق الذاتية المتحررة من هيمنة الدولة.
وهناك أيضًا شكل من أشكال تداول السلطة الديمقراطي بين الأحزاب السياسية مما يؤجل ظهور فساد النظام الرأسمالي في السياسة والاقتصاد، وهناك أيضًا نوع من المساواة الشكلية لجميع الناس أمام القضاء، وهناك إعطاء الفرص للأفراد للتقدم العلمي والمادي، كل هذه الأمور عدَّلت من الظلم الرأسمالي الشديد وبالتالي خفَّفت من حدة الامتعاض والرفض الشعبي له. وكذلك يغلب نمط التفكير البراغماتي على الرأسماليين، وهو يعطي قدرة واسعة على «التمطط» وكذلك على اختراع الوسائل للقفز فوق الأزمات وخاصة الاقتصادية، مما أوجد عند أهلها قدرة عالية على إدارة الأزمات والخروج من المآزق، بتصديرها إلى العالم بواسطة الاستعمار والاستغلال، وعبر التهديد باستخدام القوة الغاشمة لمن يقاومهم.
فلولا الاستعمار لما استطاعت الدول الرأسمالية الصمود سياسيًا ولا استطاعت تحقيق أي نمو اقتصادي، فقد نهبت الدول الرأسمالية أفريقيا وأجزاء عظيمة من آسيا، كما قامت أميركا منذ قرون باستعمار أميركا الجنوبية واللاتينية، مما أمدَّ الدول بثروات هائلة، وسمح لها هذا كله بأن تعطي شعوبها رفاهية محدودة تجعلهم يرضَون عن نظامها بشكل أو بآخر، وأطال ذلك في عمرها على حساب الشعوب المستعمرة المقهورة.
إن فساد الحضارة الرأسمالية ثابت حتى عند أهلها، فهل هناك مؤشرات على محاولة تبديل ذاتي للحضارة الرأسمالية يحدث في الغرب الآن؟ والجواب: لا! فقد قام أهل هذه الحضارة سابقًا – وبسبب شدة معاناتهم منها – بمحاولة لاستبدال الشيوعية بها، ولكن المبدأ الاشتراكي ذاته فشل ولم يصلح لحل المشاكل الإنسانية، فكان مصيره المحتوم هو الزوال. وعليه لا يوجد أي مؤشر على وجود محاولات جادة وجديدة لإيجاد مبدأ فكري جديد للعالم الغربي كخيار أول، سوى بعض الأصوات في الأوساط الأكاديمية والمحترفة والبحثية وبعض السياسيين الذين يدعمون تغييرات «اشتراكية» لترقيع النظام وجعله أكثر عدالة.
أما الخيار الثاني، وهو محاولة استبدال الحضارة الرأسمالية بأخرى من خارجها، فلا وجود – على صعيد العالم – لأية حضارة بديلة فعليًا للرأسمالية، ولا توجد مؤشرات على إمكانية أخذ الرأسماليين بالإسلام أو غيره من الحضارات بشكل طوعي.
أما الخيار الثالث، وهو فرض حضارة خارجية على الرأسماليين بالقوة، فلا وجود له حاليًا بسبب عدم وجود صراع حضاري حقيقي مع أية حضارة أخرى تزاحم الرأسمالية فعليًا. ويجدر بالذكر أن المفكر «هنتنغتون» في كتابه (صراع الحضارات) قد استعرض العالم، فلم يجد حضارة تصلح بديلًا للرأسمالية سوى الإسلام، فنبَّه إلى الخطورة الكامنة في حضارة الإسلام. ولكن أهل الإسلام أنفسهم لا يخوضون صراعًا حضاريًا حقيقيًا مع الرأسمالية لإزالتها؛ وذلك بسبب غياب دولة الإسلام التي تشكل النموذج البديل للرأسمالية وتنشر حضارته بالدعوة والجهاد. ولكن الدول الرأسمالية – وعلى رأسها أميركا – من جانبها تستشعر خطورة الإسلام عليها كحضارة وطريقة عيش، فتقوم بشن حروب استباقية عليه لمنع مزاحمته لحضارتها.
والخلاصة أن الحضارة الرأسمالية – رغم فسادها وانكماشها – لن تنهار، وستبقى هي حضارة الغرب في المستقبل المنظور، ومن المستبعد أن تُستبدل حضارة أخرى بها بشكل ذاتي، ولا توجد حضارة في العالم تزاحم حضارة الغرب وتشكل بديلًا مناسبًا للبشرية؛ ولذلك فلا يوجد حاليًا تهديد حقيقي لحضارة الرأسمالية من أية حضارات أخرى (سوى الإسلام من ناحية نظرية).
2.فما هو مآل الحضارة الرأسمالية في المستقبل؟
إذا كانت الحضارة الرأسمالية فاسدة وتسبب شقاء الإنسان، فلماذا ما زالت قائمة ولم تنهَرْ كما انهارت الشيوعية؟ ولماذا تعتبر الرأسمالية حضارة فاسدة، مع أنها نهضت بالغرب علميًا وصناعيًا، ووفرت لهم أسباب العيش المادي الرغيد؟
لقد استطاعت الرأسمالية القيام بالترقيعات وطعَّمت نفسها بالاشتراكية وشيء من العدالة الاجتماعية وما زالت تتأقلم مع الواقع، وقد تطورت – في ظل الرأسمالية – العلوم والصناعات والتكنولوجيا والأسلحة وغيرها من الأمور المدنية، مما أوهم الناس بملاءمة هذه الحضارة للبشر. ولكن إلى متى سيبقى النظام الرأسمالي قادرًا على التأقلم والترقيع وإدارة الأزمات؟
إنه من الواضح أن النخبة العلمانية الرأسمالية قد نفدت منها الأفكار الإبداعية لكيفية حل مشكلات المجتمع المعقدة. وهم قد ركنوا إلى قوة حضارتهم بعد انهيار الحضارات المنافسة؛ لذلك سيركنون إلى الراحة والاستقرار، ثم ستنحط هذه الحضارة شيئًا فشيئًا، وستستعصي عليها المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وستزداد بالذات حدة أزماتها الاقتصادية، ولن تجد مخرجًا منها إلا بتصديرها إلى غيرهم بالمزيد من الاستعمار والاستغلال والتوحش. وهذا سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية داخليًا، كما حصل في حركة «احتلوا وول ستريت» في أميركا، ثم ما يحدث حاليًا في فرنسا في حركة «السترات الصفراء»، وربما يؤدي هذا إلى أن تنقسم بعض دولها – كأميركا – أو تضعف، وقد تشتعل حروب بين أهل هذه الحضارة أنفسهم نتيجة الأطماع الاستعمارية والتنافس على الثروات، وعلى الصعيد الخارجي سيزداد كره العالم للرأسمالية وستظهر في أطراف العالم مقاومة مختلفة الأشكال لاستعمارها، وقد تشتعل حروب دولية؛ ولكن لا يوجد أي مخرج ولا أي بديل لهذا العالم عن هذه الحضارة الرأسمالية الفاسدة.
إن الحضارة الرأسمالية – رغم فسادها – فإنها لن تسقط من تلقاء نفسها؛ لأن الفراغ ضد سنن الحياة، فصار لا بد من استبدال حضارة أخرى بها، فما هو مستقبل ومآل هذه الحضارة إذًا؟
إننا كمسلمين، ومن خلال معرفتنا بسنن الله ومعرفتنا بأسباب زوال الحضارات والأمم، ندرك أن هذه الحضارة فاسدة ولا تصلح لإسعاد البشر؛ بسبب عوامل ذاتية فيها نابعة من عقيدتها الفاسدة، وعدم اعترافها سوى بالقيمة المادية، علاوة على عدوانها وظلمها وتعاليها على غيرها من البشر، فهي التي أفرزت العبودية والاستعمار والصراعات الدموية بين البشر. علاوة على أنها سببت الشقاء لأهلها بحروبها القومية والحدودية، ثم خاضت حربين عالميتين خلال القرن العشرين قتلت عشرات الملايين من أهل أوروبا والعالم.
إن سنن الله في الأمم فاعلة، وهي ستفعل فعلها في الرأسمالية كما فعلت في غيرها، فالله جعل لكل أمة أجلًا، وهذا ينطبق على أمم الرأسمالية ودولها، ولكن هذا لا يحدث ذاتيًا، وستكون نهاية هذه الحضارة الفاسدة فقط بأسباب خارجية، أي بتدافع غيرها من الأمم معها لإيقاف إفسادها، فالله تعالى سنَّ سننًا لإهلاك الفاسدين كسنة الإملاء، وسنة إهلاك المترفين، وسنة التداول، وجعل خاتمة سننه سنة وراثة الصالحين والمتقين للأرض. وها قد علا رأس المترفين (ترامب) في رأس أكبر دولة رأسمالية ليفسق في بلده وفي العالم، فيحق عليه قول ربنا وسننه فيدمر الله أميركا وكل حاملي حضارة الرأسمالية التي تعلي شأن المترفين وتزيدهم غنى وترفًا وتمكن لهم من الفسوق والعصيان والطغيان.
ولكن سنة التدمير الشامل للقرى والدول كانت موجودة قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد بعثته لا يوجد إهلاك شامل كما حصل للأقوام السابقة المكذبة لأنبيائها، وإنما يعاقبها الله بمختلف صنوف العذاب حسب نوع الجريمة التي يقترفونها، أو يسلط عليهم عباده المؤمنين فيتبِّرون ما علا به أهل الفساد والظلم تتبيرًا. ولذلك سيسلط الله عليهم عبادًا له ليتدافعوا معهم، ثم سيهلك الله المترَفين المفسِدين، ولتزول دولتهم الحالية، ولتعلو دولة غيرهم. فمن هو المرشح من الأمم لدفع إفسادهم؟
إننا نرى أن ذلك سيكون – بمشيئة الله – بواسطة المتقين الصالحين ورثة الأرض بعد الرأسمالية، وهؤلاء هم المسلمون. وبما أن حضارة الإسلام مميزة، وبقاءها من سنن الله فهي لن تفنى، بل ستعود من جديد لتتجسد في دولة تحمل الإسلام، ليتحقق وعد الله بالتدافع والصراع بين الحضارة الصالحة والحضارة الفاسدة فتصرعها وتنتصر عليها.
وسيجد أهل الإسلام بأن الظروف الدولية فيما حولهم مواتية لنشر حضارتهم، وسيجدون تأييدًا من شعوب العالم التي قُهرت وظُلمت من الرأسمالية، كما وجدها أجدادهم الصحابة عند فتحهم للعراق والشام ومصر، وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا، وسيبلغ ملك أمة الإسلام ما زواه الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بمشيئة الله.
3.تخوف المفكرين والسياسيين من انهيار الرأسمالية
إن توقعات سقوط الحضارة الغربية وانهيار الرأسمالية وعلى رأسها أميركا بوصفها قائدة الحضارة الرأسمالية، ليست قاصرة على بعض مفكري المسلمين، بل هي صدرت وما زالت تصدر من مفكري وسياسيي الغرب أنفسهم. فهم يدركون من دراسة التاريخ أنه لطالما انهارت مجتمعات، ولم تخلُ حضارة على مر التاريخ، وإن بدت في ظاهرها قوية، من مواطن الضعف التي قد تدفع بالمجتمع إلى الهاوية.
فعلى سبيل المثال، المفكر الأميركي المشهور بول كينيدي نشر كتابًا بعنوان (صعود وسقوط القوى العظمى) عام ١٩٨٧م، فذكر أن الولايات المتحدة تزحف عليها أعراض عن سقوط الإمبراطوريات، وتنبأ فيه بسقوط الإمبراطورية الأميركية بالمعنى التاريخي للكلمة، بما يعني اضمحلال قوتها تدريجيًا لصعود قوى عظمى منافسة مثل الصين نتيجة عوامل داخلية بنيوية، وأنه إذا زادت الالتزامات الاستراتيجية للدولة العظمى عن إمكاناتها الاقتصادية فإنها تسقط، وهذا هو المصير الحتمي لأية إمبراطورية!
وهو أمر اختلف معه «شبنجلر» الذي رأى أن كل حضارة كيان قائم بذاته، وأن الحضارة ظاهرة متفردة، تتخشب وتتيبس مفاصلها، ثم تنهار. ووقّت شبنجلر لنهاية الحضارة الغربية بعنوان صارخ: «أفول الغرب»، وهو موت لا راد له، على امتداد القرون القادمة. ويرى شبنجلر أنّ هناك عاملين رئيسين يؤديان إلى اندثار الحضارة، وهما وجود قوة أكبر من قوة الحضارة نفسها، وكذلك أنّ هذه الحضارة قد وصلت إلى صورتها النهائيّة.
وشبّه بنيامين فريدمان – الخبير الاقتصادي السياسي – المجتمع الغربي بالدراجة الثابتة التي يُسيّر عجلاتها النمو الاقتصادي، فإذا ما تباطأت هذه الحركة الدافعة إلى الأمام أو توقفت، ستهتز ركائز المجتمع، مثل الديمقراطية والحريات الفردية والتسامح وقبول الآخر. ولو لم نستطع إعادة الحركة إلى العجلات، سينهار المجتمع برمته.
ويدّعي جورج باكر أن تراجع أميركا يرجع إلى عدم المساواة، حيث يقول: «إن عدم المساواة يحوّل المجتمع إلى نظام طبقي، ويفسد الثقة بين المواطنين، ويستنزف الرغبة في تصور حلول طموحة لمشاكل جماعية كبيرة… وهو يقوّض الديمقراطية».
ويرى نيال فيرغسون أنه لن يكون هناك تراجع بطيء وثابت في صدارة أميركا للعالم، فهو يقول: «…بدلًا من ذلك، فإن الإمبراطوريات مثلها مثل جميع الأنظمة المعقدة التي توازن نفسها، تظهر في حالة توازن واضح لفترة غير معروفة، ثم تنهار فجأة دون سابق إنذار».
ويقول راندرز «مع حلول عام 2050، سينقسم المجتمع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى طبقتين، إذ تعيش حفنة من الأثرياء في رغد من العيش في حين تتدهور الأوضاع المعيشية للغالبية. ومن ثم ستنهار العدالة الاجتماعية».
أما أولريش شيفر في كتابه انهيار الرأسمالية (أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود) سنة 2010، فيخلص إلى نتيجة مفادها أن المستقبل مرهون بمدى التغير الذي سيطرأ على الأخلاقيات السائدة في المجتمع، وعلى إدراك الجميع أن مبدأ المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحرة. وإذا تم تجاهل هذه الحقائق فإن مصير النظام الرأسمالي معرض للمصير نفسه الذي آلت إليه الاشتراكية، وهو الانهيار والاختفاء من الوجود.
وأما المؤرخ الأميركي ويل ديورانت فيعتبر بأن الانهيار الأخلاقي والديني والقيمي في مقدمة عوامل سقوط الحضارة، ويذكر بأن الحضارات العظيمة لا تنهزم إلا عندما تدمر نفسها من داخلها.
4.مؤشرات نهوض المسلمين وعودة حضارتهم
لقد انتهى عصر انضباع المسلمين بالحضارة الغربية بعيد الثورة الصناعية في أوروبا، والذي أدى – في حينه – إلى اهتزاز ثقة الكثير من المسلمين بحضارتهم دون قناعة حقيقية بصدق أفكار الرأسمالية، ثم هدمت الخلافة وتبعها ضياع مبدأ وحضارة الإسلام من الوجود الدولي، ووضع الاستعمار أفكار الرأسمالية في مجتمعات المسلمين بالقوة، وطبق عليهم نظامه الرأسمالي خصوصًا في الاقتصاد والحكم.
ولكن بعد الهزات العنيفة التي مرت بالمسلمين، وبروز دعاة النهضة الحركية في الأمة، ومشاهدة المسلمين لعورات الحضارة الرأسمالية، ثم الموقف العدائي للغرب من دينهم، كل هذه العوامل وغيرها أوجدت تراجعًا كبيرًا في تأثر المثقفين والمفكرين والمسلمين عمومًا بحضارة الغرب، وعاد شيء من الثقة للمسلمين بحضارتهم وضرورة عودتهم لها.
ثم لما ظهر للعالم هزات النظام الرأسمالي في الاقتصاد ومناداة بعض الغربيين بالاستفادة من الاقتصاد الإسلامي الخالي من الربا، عادت الثقة لكثير من المسلمين بأحكام الاقتصاد الإسلامي. وعادت الثقة لهم أيضًا بأنه يشكل البديل الصالح والعملي في السياسة والحكم، فوجد رأي عام وتأييد كبير لتطبيق الشريعة وللخلافة، كونها جزءًا من دينهم وحضارتهم وتاريخهم وتراثهم العريق.
وتجربة ثورات الربيع العربي في الثورة على الظلم هي من علامات عودة الحيوية الحضارية للأمة، وبداية اتخاذها زمام المبادرة بحيث أصبح لديها تطلع إلى إرادة حرة مستقلة بعد استلاب سلطانهم الذاتي، فأرادت تغيير الأنظمة التي توالي الغرب، ولكنها لم تتسلح بالبديل الحضاري الذاتي، أو خشيت أن تتبناه خوفًا على الثورات من بطش الحكام أو من وقف الدعم الذي تتلقاه من بعض الدول المجاورة، وانحناء أمام الزخم الإعلامي المضاد، فصرفتهم هذه الأمور عن تبني البديل الحضاري الإسلامي بشكل واضح.
وهذه المؤشرات على نهوض المسلمين وعودة ثقتهم بأفكار الإسلام وأحكامه ونظامه لا بد وأن ينتج عنها عودة سلطان الإسلام في بلادهم، وعودة حضارتهم إلى التطبيق العملي في دولة وَفقًا لسنن الله في الدول والحضارات. وهذه العلامات هي أهم ما في الخلاصة هنا وهي ما يعول عليه، وهي أهم عند المستنيرين من مؤشرات تراجع أو انحطاط الحضارة الراسمالية ذاتها، وأهم لدينا من التواكل وانتظار أن يدمر الله أميركا بفسادها وترفها بعوامل ذاتية.
-
خاتمة
إننا ندرك من زاوية سنن الحضارات أن حضارة الرأسمالية الفاسدة لا بد وأن تنهار حقًا بالتدافع الحضاري مع المسلمين إن عاجلًا أو آجلًا. وعندنا أيضًا مبشرات كثيرة متضافرة في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف على أن المستقبل للإسلام، وأن الله تعالى سيستخلف المسلمين في الأرض حتى يبلغ ملك أمة محمد عليه الصلاة والسلام وخلافتهم ما بلغ الليل والنهار، وأن الإسلام سيلقي بجرانه على الأرض بعز عزيز أو بذل ذليل.
ولكن متى سيحدث ذلك؟ وكيف؟ وأين؟ فليس لدينا ولا نملك جوابًا محددًا.
والأمر الجاد ذو الأهمية هنا، أن نكون – نحن المسلمين – مستأهلين لهذا الاستخلاف الرباني، وأن نكون على أهبة الاستعداد لهذا التحول والاستبدال الحضاري بما لدينا من عمق في فهم وتبني الأفكار الحضارية والأنظمة الشاملة المنبثقة عن عقيدتنا ومبدئنا، واثقين بها بلا دخن ولا خلط لحضارة الإسلام بغيرها من حضارات البشر الفاسدة.
ندعو الله تعالى أن يجعل ذلك اليوم الذي يهلك الله فيه أميركا وأوروبا وحضارتهما الرأسمالية قريبًا غير بعيد، وأن يجعل دفعهم وزوال إفسادهم ثم استبدالهم بأيدي المسلمين. اللهم آمين.