حكام المسلمين قديمًا وحديثًا ركائز الكفار في بلاد المسلمين وأدواتهم الخسيسة في حماية مصالحهم.
2018/05/22م
المقالات
7,126 زيارة
حكام المسلمين قديمًا وحديثًا ركائز الكفار في بلاد المسلمين وأدواتهم الخسيسة في حماية مصالحهم.
ما إن هدمت دولة الخلافة الإسلامية في 28 / رجب / 1342ه، حتى صارت بلاد المسلمين مجالًا حيويًا للدول الاستعمارية الكافرة، إنجلترا وفرنسا وروسيا وأميركا… لقد توغلت بريطانيا وفرنسا عسكريًا في أعماق الأرض الإسلامية، وتقاسمتا ميراث الخلافة العظيم محاصصةً بينهما تنفيذًا لاتفاقية سايكس – بيكو، بل ومن شدة حقدهما على الأمة الإسلامية ووحدتها، فقد عملتا على طمس معالم هذه الوحدة بتكريس الحدود السياسية القطرية بين بلاد المسلمين، العربية والأعجمية، بعد أن كانت هذه البلاد كتلة واحدة في دولة واحدة. وما زاد الطين بِلة، إنشاء كيان يهود في الأرض المباركة فلسطين كيانًا عدوًا للأمة بقصد استنزاف طاقات المسلمين نحو وهم الخلاص من هذا الكيان على الطريقة الاستعمارية، البريطانية والأميركية، وفي ذلك صرف لأنظار المسلمين عن قضيتهم المصيرية، الخلافة الإسلامية ووجوب إعادتها.
لم يكن الاستعمار البريطاني والفرنسي العسكري المباشر للبلاد الإسلامية إلا مرحلة أولى كان لها ما وراءها؛ فكان تشييد الكافر المستعمر لأنظمة الحكام العملاء ظلًا له يأمَنُه على مصالحه بعد خروجه الصوري أفظع ما في الأمر، وقد تولَّى هذه المهمة القذرة أبناء الجلدة الذين يتكلمون بألسنتنا، فأسند إليهم الكافر المستعمر مهمة إقصاء الإسلام عن الحكم، وإبقاء الأمة مِزَقًا وطنية وقومية نتنة تحول دون وحدتها في دولة واحدة مرة أخرى، وغير ذلك كثير وكثير مما أوكل الكفار به الحكام العملاء، فقام به هؤلاء الحكام على أبشع وجه، بل وأكثر مما كان يتوقع أسيادهم منهم! ثم جاء الزحف الأميركي من وراء المحيطات حاملًا معه مشاريع استعمارية جديدة وجدت رواجًا وقبولًا، ومن ثم أتباعًا وعملاء من أبناء الأمة يأخذون ويعملون بها نكايةً بعملاء بريطانيا وفرنسا، وطمعًا في كرسيٍّ معوج أو رتبة عسكرية يُحظر عليها أن تغبرَّ ساعة في سبيل الله. ومع تدفق الجيوش السوفياتية هي الأخرى وتغلغلها في آسيا الوسطى؛ دخلت بلاد المسلمين في دوامة معقدة، من النزاعات والصراعات المحلية والإقليمية، والتي كانت انعكاسًا لصراع دول الكفر وتزاحمها على النفوذ والهيمنة على بلاد المسلمين. يقول محمد المبارك في كتاب [الوحدة الإسلامية / ص: 43]: «أما الانقسام الذي حصل في القرن الأخير، ولاسيما في عهد الاستعمار وبعد الاستقلال فهو انقسام إلى دول تفصلها حدود حاجزة وتكوِّن مجتمعات أخذ بعضها يتباعد عن بعض، وتكونت لها عصبيات قومية أو إقليمية انعكست آثارها في نفوس الشعوب وتجسدت في كيانات وطنية وقومية متنافسة تنافس القبائل قديمًا بل متصارعة ومتعادية أحيانًا…» انتهى.
ومع تجذر الاختلاف المبدئي بين الدول الرأسمالية وبين الاتحاد السوفياتي من جهة، ووجود الخلاف على المصالح بين الدول الرأسمالية بعضها مع بعض من جهة ثانية؛ إلا أن ذلك كله لم يمنع هذه الدول مجتمعة من جعل الإسلام عدوًّا مشتركًا لها، واتخاذ استراتيجيات موحدة لضربه فكريًا، ومنع عودته سياسيًا إلى سدة الحكم. وكذلك لم يمنعها ذلك الاختلاف وذاك الخلاف من اعتبار المسلمين عدوَّهم الأوحد. وهذا ما يفسر تكتل الكفار قديمًا وحديثًا في مواجهة الأمة الإسلامية، قديمًا عندما تحزَّبت أحزاب المشركين – يهودًا ووثنيين – على المسلمين في غزوة الخندق، وحديثًا ما نراه ماثلًا للعيان في سوريا الشام، حيث التوافق الدولي والتكالب الأممي الشيطاني على ثورة الشام.
وباستقصاء مجمل الأزمات السياسية التي عصفت بالأمة الإسلامية، وتقليب الحوادث بعضها على بعض قديمها وحديثها؛ تتجلَّى لنا حقيقة سياسية لا غموض فيها، ألا وهي أن الدول الكافرة على شتى مشاربها الفكرية، ودوافعها الاستعمارية، لم يكن لها أن تلج بلاد المسلمين إلا بعد أن ارتكزت على العملاء من الحكام والسياسيين والمفكرين… فهم، أي العملاء، معول الكافر الذي هدم به دولة الإسلام ابتداء، وعينه التي ترقب حركتهم، وسيفه المسلط على رقابهم، ويده التي ينهب بها ثرواتهم، ورجله التي يجوس بها بلادهم. إن هذا الفهم ييسر على السياسي سبر أغوار القضايا السياسية محل البحث وموضع التفكير، ويمكنه من الوصول إلى أصل الداء العضال الذي دبَّ في سائر أعضاء جسد الأمة حتى النخاع، لا فرق في ذلك بين قطر وقطر. فإذا كانت فلسطين الأرض المباركة ترزح تحت حراب كيان يهود، فإن مصر أو الأردن أو السودان أو باكستان أو إندونيسيا… ترزح هي الأخرى تحت وطأة الملك الجبري المتسلط على رقاب الناس بجبروته وبطشه؛ من أجل ذلك عني الكافر المستعمر أشد العناية بتثبيت ركائزه من الحكام العملاء، وكل من تابعهم في غيِّهم، وسعى إلى مخادعة الناس وتضليلهم للقبول بهذه الأنظمة، والقبول بمشاريعه الاستعمارية من خلالها. ومع استعار هجمة الدول الغربية الكافرة على المنطقة الإسلامية، برز الصراع بينها على النفوذ والهيمنة، كُلٌّ يريد الاستئثار بالبلاد وما تحويه من مزايا استراتيجية تميزت بها بلاد المسلمين عن غيرها من بلاد العالم عبر هؤلاء الحكام. وهنا يحسن بنا أن نقسم الأنظمة العميلة للكافر المستعمر تبعًا لاختلاف ولاءاتها – لأميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو روسيا – وتعدد وظائفها الاستعمارية إلى أقسام متعددة؛ لأن هذا التقسيم يساعدنا على تحديد الأدوار الخيانية التي لعبتها هذه الأنظمة، ومن ثم يعيننا على تبصير المسلمين بخطورة هذه الأدوار ونتائجها المدمرة على صعيد الأمة ككل؛ ما يجعل مسألة التخلص من هذه الأنظمة، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية مكانها، أمرًا لا بد منه. ويمكن تقسيم وتصنيف هذه الأنظمة العميلة على النحو التالي:
أنظمة علمانية تعتنق عقيدة الكفر عن قناعة ظاهرة وتجاهر بالعداوة للإسلام والمسلمين:
إننا إذ نتحدث عن أنظمة أُشربت الولاء للكفار عن قناعة ليس دونها حجاب، وانسلخت عن عقيدة الأمة وتاريخها وثقافتها، وجاهرت بالعداوة والبغضاء للإسلام والمسلمين. نجد أنفسنا أمام نظام الكماليين صنيعة بريطانيا، ومعولها في هدم دولة الخلافة الإسلامية. فلقد اعتنق مصطفى كمال علمانية الغرب بكل ما فيها من كفر وطغيان، وجاهر بذلك على رؤوس الأشهاد، معلنًا تركيا جمهوريةً علمانيةً حديثة تقتفي أثر الغرب شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى بلغ به الغدر والحقد على الإسلام أن يطمس على كل ما هو من الإسلام أو يتصل به ولو من طرف. يقول علي محمد الصلابي في كتابه [الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط. ص. 474]: «لقد نفذ مصطفى كمال المخطط كاملًا، وابتعد عن الخطوط الإسلامية، ودخلت تركيا في عمليات التغريب البشعة، فأُلغيت وزارة الأوقاف سنة 1924م، وعهد بشؤونها إلى وزارة المعارف، وفي عام 1925م أُغلقت المساجد وقضت الحكومة في قسوة بالغة على كل تيار ديني، وواجهت كل نقد ديني لتدبيرها بالعنف، وفي عام 1931 – 1932م، حددت عدد المساجد، ولم تسمح بغير مسجد واحد في كل دائرة من الأرض يبلغ محيطها 500 متر، وأعلن أن الروح الإسلامية تعوق التقدم، وتمادى مصطفى كمال في تهجمه على المساجد فخفض عدد الواعظين الذين تدفع لهم الدولة أجورهم إلى ثلاثمائة واعظ، وأمرهم أن يفسحوا في خطبة الجمعة مجالًا واسعًا للتحدث عن الشؤون الزراعية والصناعية وسياسة الدولة، وكيل المديح له، وأغلق أشهر جامعين في استانبول وحول أولهما، وهو مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وحول ثانيهما وهو مسجد الفاتح إلى مستودع. أما الشريعة الإسلامية، فقد استبدلت وحل محلها قانون مدني أخذته حكومة تركيا عن القانون السويسري عام 1926م، وغيرت التقويم الهجري واستخدمت التقويم الغريغوري الغربي، فأصبح عام 1342هـ ملغيًا في كل أنحاء تركيا، وحل محله عام 1924م، وفي دستور عام 1347هـ/1928م أغفل النص على أن تركيا دولة إسلامية، وغير نص القسم الذي يقسمه رجال الدولة عند توليهم لمناصبهم، فأصبحوا يقسمون بشرفهم على تأدية الواجب بدلًا من أن يحلفوا بالله كما كان عليه الأمر من قبل. وفي عام 1935م غيرت الحكومة العطلة الرسمية فلم يعد الجمعة، بل أصبحت العطلة الرسمية للدولة يوم الأحد، وأصبحت عطلة نهاية الأسبوع تبدأ منذ ظهر يوم السبت وتستمر حتى صباح يوم الاثنين، وأهملت الحكومة التعليم الديني كلية في المدارس الخاصة، ثم تم إلغاؤه، بل إن كلية الشريعة في جامعة إسطنبول بدأت تقلل من أعداد طلابها التي أغلقت عام 1933م…»انتهى.
أنظمة دكتاتورية بوليسية قمعية جثت على صدر الأمة جبرًا وقسرًا:
تلاقحت الرذائل السياسية سفاحًا في اتفاقية سايكس – بيكو بين الكافرتين: فرنسا وبريطانيا، فأنجبت مسخًا من الكيانات الكرتونية سمَّتها (المملكة… الجمهورية… إمارة… سلطنة…) وأصدرت لهذا المولود – لا مرحبًا به – شهادة ميلاد، خطَّتها بدماء ملايين من شهداء الأمة الذين قضوا في سبيل تحرير بلادهم المستعمرة من الكافر المستعمر، وأضفت على هذا المولود – الرئيس ، الملك ، الأمير – هالةَ التحرر، وكأنه الزعيم الأوحد، والمخلِّص للبلاد من نير الاستعمار! ثم أتت الكافرة أميركا هي الأخرى بممسوخِين – حكام – جدد، وألبستهم لبوس التخلص من مخلفات الاستعمار القديم، وخاطت لهم قماط التبعية والانقياد لها بدلًا من العمالة لأوروبا – بريطانيا وفرنسا – وكذلك صنعت روسيا بحكام كتموا على أنفاس المسلمين في آسيا الوسطى ومازالوا.
ونظرًا لوجود التناقض العقدي والفكري بين الأساس الذي قامت عليه هذه الأنظمة جميعها، سواء ما كان منها تابعًا لأميركا أم أوروبا أم روسيا، وبين ما تؤمن به الشعوب الإسلامية من عقيدة إسلامية ينبثق منها نظام سياسي يحرم على المسلمين أن يجعلوا للكافر عليهم أي سبيل: ]وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا[ نظرًا لوجود هذا التناقض الذي يستحيل معه التلاقي بين الحق والباطل، مما يجعل الكفار وعملاءهم عاجزين عن مواجهة الإسلام فكريًا، وعاجزين عن تطويع الناس بقبولهم عن رضى واختيار؛ هنالك لجأ هؤلاء الحكام إلى استخدام القوة والبطش في تطويع الناس، وإرغامهم على الخضوع لجبروتهم. فامتلأت السجون بنازليها منهم، وارتفعت أعواد المشانق بالرقاب التي أبت أن تنحني إلا لله، وانتشر الذعر في كل مكان، وأُنشئت أجهزة المخابرات ومخابريها في كل ناحية، حتى ظنَّ الناس أن للحيطان آذانًا تسمع، أو أعينًا تبصر!
يقول علي بن نايف الشحود في كتابه [الأحكام الشرعية للثورات العربية/ص:21 – 23]: ولا يشك من له أدنى معرفة بأحوال الأنظمة العربية اليوم، أنها من أشد الأنظمة ظلمًا وطغيانًا وإجرامًا بحق شعوبها، فقد وقع في سجونهم من الجرائم ما لا يتصوره عقل، وتواتر هذا عن الأمن المصري والتونسي والليبي وفي كل بلد عربي، ما لا يستطيع معه أحد أن ينفيه، وبلغ بهم الإجرام أن يُرمى الإنسان من أعلى الأدوار حتى يموت، وأن يصعق بالكهرباء حتى يحترق، ويمشط بأمشاط الحديد حتى يتقطع، ويدفن حيًا، ويهتك عرضه، وتغصب أمامه زوجته وأخته وأمه… ثم أردف قائلًا: وقد أفسد هؤلاء الطغاة في مصر وتونس وليبيا وغيرها من البلدان العربية فسادًا عظيمًا ضجت منه الأرض، وسخطت منه السماء، فتجاوزوا الفساد الأخلاقي، إلى فساد جنائي وسياسي ومالي وإداري، حتى صارت أموال الشعوب نهبًا لهم ولزوجاتهم وأبنائهم، بينما يموت الفقراء في بلدانهم جوعًا وفقرًا…» انتهى. وجاء في [الموسوعة التاريخية/ج:10/ص:28] حول انقلاب حسني الزعيم في سوريا: قام الزعيم عقب نجاح انقلابه بحل البرلمان، وشكَّل لجنة دستورية لوضع دستور جديد وقانون انتخابي جديد، وأعلن أنه سيتم انتخابه من الشعب مباشرة، وبدأ بخوض الانتخابات الرئاسية كمرشح وحيد، وفاز فيها بنسبة 99.99% في (شعبان 1368هـ = يونيو/حزيران 1949م)، وقد نمت في عهده أجهزة المخابرات والأمن بطريقة غير مسبوقة، وتم استخدام أساليب الاعتقال والتعذيب مع المعارضين. أما أخطر سياساته فهي اتجاهه للتعاون مع الغرب بطريقة مبالغ فيها، ووقع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وبدأ يعتمد على الأقليات في المخابرات والجيش…» انتهى.
ومع انهيار الفكرة الشيوعية في مهدها، وتفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي؛ أنشأت روسيا هي الأخرى في آسيا الوسطى أنظمة بقيت في نهجها على ما كان عليه الحال في العهد الشيوعي البائد؛ حيث عدم الاعتراف بالأديان والتدين، فحاربوا الإسلام بلا هوادة، وقضوا على كل مظهر يربط المسلمين بدينهم وعقيدتهم، من هدمٍ للمساجد، وإغلاق لدور تحفيظ القرآن، ومنع المسلمات من لبس الحجاب، ومنع إظهار الشعائر الإسلامية… يقول أحمد معمور العسيري في كتابه [موجز التاريخ الإسلامي / ص: 472]: وخلال الفترة 1379 – 1404 هـ/1959 – 1983م كان شرف رشيدوف يقود الحزب الشيوعي في أوزبكستان، وقد أدار البلاد بواسطة مافيا منظمة تشرف على الدعارة والمخدرات والقتل، فتحكَّم في كل شيء تمامًا…: انتهى. ولا يفوتنا ههنا أن نعرج على إجرام المجرم اليهودي الهالك ( إسلام كريموف )- وريث الشيوعيين في الإجرام – بحق المسلمين في أوزبكستان، واضطهاده لشباب حزب التحرير الذين يملؤون السجون في البلاد، وارتكابه لمجزرة (أنديجان- 2005م) التي راح ضحيتها الآلاف من شباب الحزب ومناصريهم رميًا بالرصاص، في مؤامرة جبانة اشترك في تنفيذها السفاح كريموف وأجهزة الاستخبارات الروسية، وما نقموا منهم إلا أنهم قالوا ربنا الله، وعملوا لتحكيم شرع الله تعالى، وتطبيقه في دولة الخلافة التي فتحت هاتيك الديار منذ فجر الِإسلام الأول. ومما يدمي القلب، أن هذه المجزرة المروعة على فظاعتها، لم تحظ باهتمام إعلامي على غرار اهتمام وسائل الإعلام المعهود بحوادث من هذا النوع، بل دونه بكثير. ولكن يبدو أن كاميرا الإعلام تصاب بالعشى عندما تكون الضحية من أبناء المسلمين، بينما يكون بصرها حديدًا في حال كان الضحية كافرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أنظمة ذات صبغة قومية أو طائفية تظهر بمظهر المعادي للغرب الحريص على الأمة وقضاياها:
إن اعتماد الكافر المستعمر على عملائه من الحكام في إيجاد نفوذه، وبسط هيمنته، وتحقيق مصالحه في بلاد المسلمين، يجعل من الغباء السياسي كشف عمالة كل العملاء. فكان لا بد من تضليل الشعوب بإخفاء تبعية وعمالة بعض الدول، بل وإظهار هذه الدول وكأنها معادية للغرب، مناوئة لسياساته، متحررة من قبضته… وكان لابد من إيهام الناس بأنها تقف إلى جانب الشعوب وقضاياها، وتسعى لتحريرها وتبنِّي مصالحها…
ولما كانت القومية العربية في أوج توقدها لدى الشعوب العربية الباحثة عن الزعيم الأوحد، والمخلِّص المنتظر، وكانت مصر مهبط الأفكار الوافدة من الغرب في ستينات القرن الماضي. في هذه الأجواء المشحونة بالنزعة القومية؛ حيث مازالت صدمة احتلال الأرض المباركة فلسطين تفور وتغلي، ظهر جمال عبد الناصر معبود الجماهير زعيمًا قوميًا يبرق برسائل التهديد والوعيد للكيان اليهودي، وكأنه قاب قوسين أو أدنى من تحريك الجيوش لاستنقاذ فلسطين، واسترداد عزة الأمة المفقودة!
فَيا لَيتَ الصُّراخُ شَفى غَليلًا
وَيا ليتَ النُّباحُ حَمى عَميلا.
يقول محمود عبد الكريم حسن في كتابه [أدوار في خطة القضاء على الإسلام]: «وتكرَّرَ الأمرُ بعد ذلك في خططٍ مماثلة، من أبرزها صناعة أميركا لجمال عبد الناصر بوصفه زعيمًا عربيًا مميزًا، حصل على ثقةٍ كبيرةٍ منقطعةِ النظير من شعب مصر ومن الشعوب العربية، تمكن بها بعد ذلك من تنفيذ خطط أميركا، ومن جعل الشعوب تلهث لعقدين من الزمن تقريبًا خلف سراب، ولا تحصد إلا التخلفَ والهزائم، وتبادر بنفسها إلى ضرب ذاتها وطاقاتها، وإلى القضاء على كل أملٍ واعدٍ فيها. فلطالما خطب في الناس عن الوحدة العربية التي سيحققها، وعن الأمة العربية التي سيبني لها المكانةَ والعزة، وعن تحرير فلسطين شبرًا شبرًا وإزالة (إسرائيل)، وعن طرد أميركا والقضاء على الاستعمار. ولكن الذي فعله هو نشر الفساد والرذيلة، والانحطاط والكفر، وتفاهات الاشتراكية والقومية العربية، حتى جعل الناس كالسكارى. وكذلك فقد حارب الإسلام والمؤسسات الدينية كالأزهر، وتدخل في مناهج التعليم الديني وأفسدَها، وكان سببًا وأداةً لهزيمة حزيران 67، إحدى أكبر هزائم الأمة. ولم يَرَ منه الناس إلا الخطاباتِ الرنانة، وتمكينَ كيان يهود من احتلال مزيدٍ من الأراضي والمقدسات، وملاحقةَ الدعاة إلى الإسلام بحقدٍ كبير…» انتهى.
وفي إيران كان رضا بهلوي ركيزة للإنجليز وعقبةً أمام أميركا يعوق تصديها للاتحاد السوفياتي المحتل لأفغانستان، وكان على أميركا أن تأتي بنظام سياسي متغلف بغلاف إسلامي هذه المرة، بعد انكشاف سوءة القومية والقوميين العرب، فوقع اختيارها على (الخميني). لقد بلغت خدمة نظام الملالي لأميركا حدًا غير مسبوق، في أفغانستان قديمًا عندما أعانت المجاهدين لا لتحرير البلاد من السوفيات ؛ ولكن لدحرهم بعيدًا عن المنطقة خشية تهديد السوفيات مصالح أميركا، وحديثًا عندما مكنت إيران أميركا من احتلال أفغانستان والعراق وبإقرار من سياسييها، ومازالت إيران تمد أميركا بالعون في سوريا، حيث تساند نظام بشار بن أبيه، وتقتل أهل الشام بسلاحها الذي ظل خامدًا في ثكناته لم يُفجر ولو لمرة واحدة في وجه يهود وأميركا (الشيطان الأكبر) على غرار تفجير حكام إيران قذائف الخطابات الرنانة، تطحن وتطحن ثم لا تطحن إلا الهواء؟ وفي مقال له في [مجلة الوعي / عدد 342 – 343] كتب حسن الحسن تحت عنوان (دور محور الممانعة في الاستراتيجية الأميركية): «كما كان لا بد من التنبه إلى التضليل السياسي الذي يعتبر عاملًا أساسيًا في إدارة الصراع بين الدول وعنصرًا فعالًا في إنجاح مشاريعها، بل إنه يعتبر فنًا من فنون السياسة التي تعتمدها الدول لتحقيق مصالحها؛ لذلك تناور الدول وتعتمد إخفاء الحقائق لتحقيق أجنداتها، وهو ما عبر عنه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وينستون تشرشل بقوله لستالين أثناء لقائهما في طهران إبان الحرب العالمية الثانية: «إن الحقيقة ثمينة لدرجة أنه لا بد من حمايتها غالبًا بحرس من الأكاذيب». في هذا الإطار، برز في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط محور أطلق عليه محور الممانعة، وهو المحور الذي يتألف من النظام الإيراني والسوري وأتباعهما…»انتهى. كما كانت وثائق سرية قد كشفت أن الخميني الذي كان يعتبر أميركا «الشيطان الأكبر» كان يتلقَّى دعمًا خاصًا من إدارة الرئيس الأسبق كارتر من خلال إجبار الشاه محمد رضا بهلوي على مغادرة إيران وصعود معسكر الخميني بدلًا منه. وتضيف الوثائق أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطًا كبيرة أوصلت الشاه إلى طريق مسدود قبل أن تجبره على التنازل عن الحكم ودخول الخميني بدلًا منه. وفي إشارة إلى مفاوضات جرت خلف الستار بين المقربين من الخميني والإدارة الأميركية، ذكرت الوثائق أن الخميني لم يكن معارضًا لبيع النفط إلى إسرائيل… [السورية نت. 4 / 6 / 2016م ]. وحتى أميركا اليوم في ظل إدارة (ترمب) وحديثها المعلن عن عزل إيران، ورفع لهجة التهديد والوعيد تجاهها، فإنها – أي أميركا – لا يمكن لها إخفاء التلازم الاستراتيجي بين البلدين. فقد كشفت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية عن صفقات مرتقبة للولايات المتحدة بمليارات الدولارات مع إيران، على نقيض ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول نيته تضييق الخناق على الإيرانيين واتباع سياسة أكثر حزمًا. [الدرر الشامية 30 / 5 / 2017م]. وأما نظام بشار وأبيه من قبل، فقد سقطت ممانعتهما مع سقوط أول شهيد ثار في أرض الشام على هذا النظام الطاغية، وكر أميركا وجحر علمانيتها في المنطقة. وغير بعيد، ومنذ أيام الثورة الأولى في سوريا، أدركت أميركا ومعها الغرب معنى سقوط نظام بشار آخر معاقل العلمانية في المنطقة؛ من أجل ذلك مازالت أميركا تحشد قواها وقوى غيرها لمنع سقوطه.
أنظمة تسلَّقت على ظهر مذاهب دينية ونظام آل سعود نموذجًا:
لا نجانب الحق قيد شعرة عندما نقول: إن نظام آل سعود من أهم ركائز الكافر المستعمر في بلاد المسلمين. كانت إنجلترا قد حاولت عن طريق عميلها عبدِ العزيز بن محمد بن سُعود ضرب الدولة الإسلامية من الداخل، وكان قد وُجد للوهابيين كيان داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود، ثم ابنه عبد العزيز، فأمدَّتهْم إنجلترا بالسلاح والمال، واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة،
أي رفعوا السيف في وجه الخليفة، وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم. كان معروفًا أن هذه الحملة الوهابية عمل إنجليزي؛ لأن آل سعود عملاء للإنجليز في ذلك الوقت، وقد استغلوا المذهب الوهابي في أعمال سياسية لضرب الدولة الإسلامية، والاصطدام مع المذاهب الأخرى؛ لإثارة حروب مذهبية داخل الدولة العثمانية، دون أن يدرك ذلك أتباع هذا المذهب، ولكن عن وعي وإدراك من الأمير السعودي ومن السعوديين. وهكذا سار الأمراء السعوديون متخذين المذهب الوهابي أداة سياسية لضرب الدولة العثمانية دولة الخلافة، وإثارة حروب مذهبية بين المسلمين. ويقول حمادة إمام في مقدمة كتابه [دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية]: «تدخل عبد العزيز آل سعود ليلعب أخطر دور في التاريخ الحديث وخداع أهل فلسطين من فوق منبر الحرمين، ووجه نداء باعتباره بابا للإسلام، وكان فحواه أن أهل فلسطين عليهم أن يصدقوه أنه في حالة إيقاف ثورتهم سوف يساعده ذلك على إلزام بريطانيا بالتخلي عن اليهود وطردهم من الأراضي العربية. وقد تعهد بتنفيذ كافة المطالب الفلسطينية ومنها طرد اليهود، وعندما استجاب الفلسطينيون للنداء كان رد الفعل البريطاني أنها لم تطلب من أحد التدخل، وأن آل سعود تدخلوا طواعية…» انتهى. ولقد ظل الدور السعودي مواكبًا للتحركات السياسية الهادفة لتثبيت كيان يهود، ونزع الاعتراف بوجوده في المنطقة. كان ذلك من خلال مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بالاعتراف الشامل بكيان يهود، تلك المبادرة التي كانت أميركا قد نشرتها في صحيفة (نيوزويك) واسعة الانتشار في حينه، على أنها مبادرة الملك عبد الله. واليوم تتصدر السعودية المشهد الخياني بالتبشير بصفقة القرن، مع ما في هذه الصفقة– إن فُعلت – من نتائج وتداعيات لا يحمد عقباها.
ظل آل سـعود أمناء على خدمة الإنجليز تحديدًا إلى عهد قريب، ثم تقلُّب ولاء أسرة آل سعود الحاكمة، تارة نحو الإنجليز، وتارة أخرى نحو الأميركان… إلى أن استقر الأمر لأميركا على يد سلمان بن عبد العزيز وابنه، واللــذين عملا عــلى إقصـــاء رجالات الإنجليز مـن الأسرة الحاكمة على إثر عمليات الاعتقال والتوقيف والعزل الأخيرة، والتي حامت حولها شبهات وتخمينات كثيرة لدى المراقبين. ولكن من الواضح تمامًا أن ابن سلمان يسعى لإحداث نقلة نوعية بالبلاد، تنسخ مفهوم الدولة المتسترة بعباءة السلفيين، وتأتي بنظام سياسي يقتفي أثر مصطفى كمال، وكأن المذكور – لعنه الله – أضحى نموذجًا لكل منافق، لا أقول: يظهر الإسلام ويبطن غيره، بل يعادي الإسلام ويتبجح بغيره! وهذا ما أكده (دينيس روس) كبير مستشاري البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق (رونالد ريغان) عندما دعا واشنطن إلى مساندة ثورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرًا إلى أن ابن سلمان أكثر شبهًا بأتاتورك، ووصف هذا الخبير ولي العهد السعودي ابنَ سلمان البالغ من العمر 32 عامًا، بأنه أصبح القوة المحركة للتغيير في المملكة، ولفت (روس) إلى أن جهود ابن سلمان في تحويل المجتمع السعودي ترقى إلى ثورة تبدأ من الأعلى، رافضًا تشبيهه بشاه إيران، الذي اعتقدَ بأن بإمكانه أن يضفي الطابع الغربي على بلاده من دون تحديث جذورها الاجتماعية والدينية، مفضلًا تشبيهه بمؤسس تركيا الحديثة أتاتورك…» [مجلة الوعي /عدد : 377].
أنظمة تتستر بشعارات إسلامية ونظام أردوغان نموذجًا:
لم يأت حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي إلى الحكم في تركيا ليحكم بالإسلام، ولا حتى لينصر قضايا المسلمين، سواء في تركيا نفسها أم في خارجها. بل إن وصوله إلى الحكم لم يعدُ عن كونه ضغثًا أميركيًا على إبالة إنجليزية هذه المرة، وكأن العلمانية جوهرة ثمينة – وما هي كذلك – تنازعتها الدول الكبرى وعملاؤها المضبوعين بها، كلٌّ يريد أن يُزيِّنها بزينة مختلفة. فإذا كان الإنجليز والكماليون قد أعطوا علمانيتهم صبغة الدولة الحديثة المتحررة من مخلفات الماضي العثماني – حسب زعمهم – فإن أميركا عبر رجب طيب أردوغان وعدالته قدَّموا العلمانية ذاتها بصبغة إسلامية استهوت أهل تركيا المسلمين الذين ضاقوا ذرعًا بالكماليين وعداوتهم للإسلام والمسلمين. ويا بُعدَ ما بين الإسلام دين الله تبارك وتعالى وما بين العلمانية الكمالية والأردوغانية على حد سواء. فالإسلام يجعل الحاكمية حق لله سبحانه القائل: ]إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ[ لا ينازعه في هذا الحق إلا متورط في هلكةِ التاركين لدينهم المفارقين للجماعة. والعلمانية كفر محض تنازع الله في حاكميته. والإسلام يدعو المسلمين إلى الوحدة السياسية في دولة واحدة دولة الخلافة، روى مسلم في صحيحه: «إِذا بُويِعَ لِخَليفَتَينِ، فَاقتُلوا الآخِرَ مِنهُما» وما كانت العلمانية يومًا لتجمع الشعوب وتوحدها. والإسلام يوجب نصرة المسلمين بعضهم لبعض، قال تعالى: ]وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ[ وما كانت العلمانية لترفع ظلمًا عن مسلم قط.
وهكذا قدِمَت أميركا على المسلمين، وقَدَّمَت لهم نظامًا علمانيًا – نظام أردوغان – خائنًا لله ولرسوله والمسلمين، يتستر بشعارات إسلامية، ويتوارى وراء مواقف بهلوانية، ويستسذج العوام بخطابات حماسية، من غير أن يرى المسلمون منه على أرض الواقع غير المواقف السياسية التي لا تختلف في منطوقها ومفهومها عن مواقف عُتاة المجرمين، من أمثال مصطفى كمال في تركيا، وابن علي في تونس، والقذافي في ليبيا، ومبارك والسيسي في مصر…يقول محمود عبد الكريم حسن في كتابه: [أدوار في خطة القضاء على الإسلام]: «والأمر نفسه يفعله الغرب الكافر اليوم بالترويج لحاكم تركيا رجب طيب أردوغان، ويعتمد سائر أنواع الدعاية والضجيج لأجل ذلك. وإنَّ أدنى عملية تفكيرٍ تُري أن أردوغان لا يختلف في وظيفته عن مصطفى كمال أتاتورك وعن جمال عبد الناصر؛ من حيث الكيدُ للإسلام والمكرُ بأهله، بتنفيس صحوة المسلمين، وبمصادرتها وتوجيهها نحو مواجهة الإسلام، وبالترويج للكفر بعد تسميته إسلامًا معتدلًا، أو نموذجًا حديثًا للإسلام، وبتنفيذ السياسات الغربية وتحقيق الأهداف التي تحفظ مصالح الغرب الكافر وتحميها، وتحافظ على أمن كيان يهود، وتعقد معها المعاهدات الاقتصادية والعسكرية، وبفتح البلاد وزرع قواعد فيها للكفار وجيوشهم وطائراتهم، تحسُّبًا لقيام دولة الخلافة، واستعدادًا لضربها والقضاء عليها، وللقضاء على كل بارقة أملٍ عند الأمة للانعتاق من هيمنة الكفر والكافرين، وليحاربوا الإسلام ويدمِّروا بلاده ويقتلوا أهله، ويفرضوا أنظمتهم وقوانينهم وسياساتهم، كما يفعلون في سوريا وأفغانستان وغيرهما. وهذا من استراتيجية «الحرب على الإرهاب» التي تقودها أميركا…»انتهى.
منظمات ثورية حملت شعارات التحرير ومنظمة التحرير الفلسطينية نموذجًا:
أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري بإسناد من عميل أميركا جمال عبد الناصر، في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في العام 1964م؛ لتحميلها مسؤولية تصفية القضية الفلسطينية مع كيان يهود، على أساس حل الدولتين: دولة يهودية تنتشر ديمغرافيًا وتسيطر سياسيًا وعسكريًا على معظم الأرض المباركة فلسطين، ودولة فلسطينية كسيحة هزيلة تقوم على حدود ما يُعرف بالرابع من حزيران / 1967م.
جاء في كتاب (قضايا سياسية) من إصدارات حزب التحرير: «وبعد الفراغ من السلام مع مصر، زاد الثقل الأميركي في المنطقة، وانتقل العمل إلى الجبهة الشمالية، فأوعزت أميركا إلى (إسرائيل) باجتياح لبنان وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منه، فكانت حرب عام 1982م؛ حيث غزت (إسرائيل) لبنان وأجبرت عرفات على الرحيل عن لبنان تحت الضغط العسكري الإسرائيلي، والضغط الدبلوماسي الأميركي، إلى تونس. وقبل رحيله جاء وفد من الكونغرس الأميركي إلى بيروت وانتزع منه اعترافًا صريحًا بالكيان اليهودي، ليكون مقدمة لإبرام الصلح مع اليهود. ووقع عرفات في 25/7/1982م ما عرف بوثيقة ماكلوسكي التي قال عرفات فيها بأن: «المنظمة تعترف الآن بحق (إسرائيل) في الوجود» وقرأ عضو الكونغرس الأميركي ماكلوسكي أمام الصحفيين الوثيقة بحضور عرفات فقـال: «إن ياسـر عرفات وقع على وثيقة خطية بوصفه رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية تنص على أن منظمة التحرير تقبل بجميع قرارات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية…» انتهى.
وبعد توقيع منظمة التحرير اتفاقيات السلام مع كيان يهود في مدريد وأوسلو وما تبعها، واعترافها العلني بهذا الكيان، تحوَّلت المنظمة سياسيًا إلى سلطة تحت الاحتلال تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، من غير أن يكون لها من السيادة حظ ولا نصيب! ومنذ ذلك الحين، وحتى يومنا هذا، والسلطة الفلسطينية حارس أمني لكيان يهود، أسمى أماني كبرائها الصغار هو إنهاء عذابات الشعب اليهودي على أساس عقيدة (التنسيق الأمني المقدس). هكذا وبكل بساطة تحولت بندقية الرصاص إلى محبرة وقرطاس، وصُفِّدَت (صفد) بأغلال التنازل والاعتراف بيهودية الكيان المسخ المفسد للأرض والمدنس للمقدسات، واستُبدل السفاح السياسي بالسلاح الثوري، بل وصار ثوار الأمس سدنةَ التطبيع والتطويع، وأصبحت معركة التحرير منسفًا أُغرق بالمَرَق، ومُسخَّنًا بالبصل، وكنافةً نابلسية، ودفَّةً ومزمارًا ودبكةً شعبية، ومرثونًا وركضًا بل ورقصًا على عذابات شعبٍ مكبوت بين مطرقة اليهود وسنديان السلطة الوطنية الفلسطينية!
خاتمة:
أيها المسلمون، هؤلاء هم حكامكم الذين تقدمون لهم قربات الطاعة، وتوفون لهم نذور الولاء، وتحلفون بين أيديهم أيمان الوفاء… عطَّلوا شرع ربكم، وأماتوا سنة نبيكم – صلى الله عليه وسلم – والَوا أعداءكم ومازالوا يفعلون، عادَوا شعوبهم ومازالوا يتآمرون. إنهم حقًا خونة مارقون، وأشباه رجال مخنثون، وكفرةٌ أو فسقةٌ أو ظالمون… إنهم ليسوا منكم ولا أنتم منهم، أكثرهم ينتسبون لأعداء الملة حسبًا ونسبًا، دماء الإنجليز تتدفق في عروقهم، وحب اليهود يجري في أنفاسهم، وخدمة أميركا أسمى أمانيهم. ]إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ٢٠[.
أيها المسلمون، لقد أنبأنا الصادق المصدوق عن هؤلاء الحكام عندما قال: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» [مسند أبي داود الطيالسي].فقد كانت النبوة ثم انتهت بموت المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ثم كانت الخلافة الراشدة الأولى على منهاج النبوة، ثم انتهت بخلافة علي أو الحسن بن علي – رضي الله عن جميع الصحابة – ثم كان الملك العاض، ثم انتهى بهدم دولة الخلافة العثمانية في 28 / رجب / 1342ه، ثم جاءت حقبة الملك الجبري التي بدأت منذ هدم الخلافة العثمانية ومازالت حتى يومنا هذا، حقبة هؤلاء الحكام الطواغيت، الذين جرَّدوا الأمة من كل معاني العزة، فأسلموها لقمة سائغة لأعدائهم، وتطاولوا وتطاولوا وأفرطوا في الخيانة والخساسة حتى بلغ المسلمون بسببهم من الضعف والهوان مبلغًا لم يعهدوه من قبل… ثم أخبر المصطفى – صلوات ربي وسلامه عليه – عن الحقبة التالية لحقبة الظلم والظلام هذه بأنها ستكون خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة،
فاعملوا، أيها المسلمون، مع العاملين لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وانسفوا حقبة الملك الجبري بكل طواغيتها نسفًا، واعصفوا بعلمانيتهم عصفًا، وارصفوا شعاراتهم تحت أقدامكم رصفًا… واعبروا نحو تاريخ جديد تشرق فيه شمس الإسلام، شمس الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فتُحرر الأرض المباركة فلسطين، وتنزل الخلافة الأرض المقدسة، وتُفتح روما ولندن وباريس وموسكو وواشنطن… ]وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥[.
وَصَلِّ اللهُمَّ على سَيِّدنا مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَأَصحابِهِ أَجَمَعين.
2018-05-22