السؤال:
صدرت فتاوى عن مراجع إسلامية تجيز استدعاء الدول متعددة الجنسية والاستعانة بها كما استدعت السعودية ودول الخليج القوات الأميركية وغيرها من الدول العربية، وصدرت فتاوى عن مراجع إسلامية أخرى تحرّم ذلك. فما قولكم في ذلك؟
الجواب:
قبل الدخول في الإجابة نريد لفت النظر إلى مسألة هامّة، وهي أن الذين يتولوْن مراكز رسمية للإفتاء، في مثل هذه الأنظمة، واقعون في بلوى عظيمة. الأنظمة الحالية هي أنظمة كفر لا تحكم بما أنزل الله إلا في جوانب قليلة. وكلما لزم الأمر يطلب الحاكم من المفتي الرسمي (لأن الإفتاء الرسمي عبارة عن وظيفة لخدمة النظام) الفتوى التي تدعم موقفه. الحاكم يسير حسب مقتضيات الظروف الدولية وليس حسب مقتضيات الأحكام الشرعية، والحاكم لا يسأل المفتي عن حكم الشرع بل يطلب منه فتوى شرعية لتبرير موقفه وعمله، فالحاكم هو الذي يفصّل الفتوى ويطلبها، والموظف (أي المفتي الرسمي) يعمل بمهارته للبحث عن نصوص أو لتأويل النصوص وليّ أعناقها ليقدم لمولاه الحاكم ما طلبه. والموضوع الوارد في السؤال أعلاه تضاربت فيه أهواء الحكام فتضاربت فتاوى الموظفين. ورَأيْنا مثل هذا الموقف يوم صالح السادات إسرائيل، إذ صدرت الفتوى الرسمية في مصر تبارك عمل السادات، وصدرت الفتاوى الرسمية في سائر بلاد المسلمين تحرّم ذلك. ونحن نرى أن المفتين الرسميين يفتون للحاكم أن يحكموا بغير ما أنزل الله.
لذلك فإن على المسلمين أن يميّزوا بين الفتوى التي يصدرها المفتي لتبرير أعمال الحاكم وبين تلك التي يصدرها دون أن تكون فيها عليه ضغوط أو فيها له مصلحة. فإذا رأوا أن الفتوى هي مسايرة للحاكم أو مسايرة لمصلحة من مصالح المفتي فعليهم أن يتوقفوا ويفكروا ويدققوا قبل الركون إلى تلك الفتوى لقوله تعالى: ]وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ[. ونحن نرى أن الرجل التقيّ العالم لا يقبل أن يكون مفتياً رسمياً (أي موظفاً) في مثل هذه الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله. وبئس هذا المركز الذي يجعل المفتي من أعوان الحاكم الظالم الفاسق.
نعود إلى السؤال. لن نتعرض لجميع ما صدر من فتاوى لأنها كثيرة، بعضها صدر من مراجع رسمية وبعضها من (علماء) ليست لهم صفة رسمية وبعضها صدر من جمعيات أو أحزاب أو أفراد عاديين.
نحن سنتعرض لفروع المسألة وهي أكثر من الاستعانة بدول كافرة.
هنالك من سلّط الفتوى على أن هناك فئة باغية وفئة مبغيّاً عليها.
وهناك من سلّط الفتوى على أنه حصل سلب للأموال واعتداء على الناس.
وهناك من سلّطها على من تسبب بدخول القوات الأجنبية.
وهناك من سلّطها على استدعاء القوات الأجنبية والاستعانة بها.
بخصوص الفئة الباغية والفئة المبغي عليها لا بد أن نضع المسألة على صعيدها وفي إطارها الصحيح قبل الخوض فيها. فالأصل هو أن المسلمين أمة واحدة هي الأمة الإسلامية وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يكون لها رئيس واحد هو خليفة المسلمين. ولا يجوز أن يكون المسلمون ممزقون إلى دول، ولا يجوز أن تكون بلادهم ممزقة إلى مقاطعات مستقل بعضها عن بعض. هذا هو الأصل وهذا هو الإطار. ولا يستطيع أي عالم أو أي مفتٍ أن ينكر هذا لأن النصوص الكثيرة أثبتته ولأن واقع حياة المسلمين قبل أن تمزقهم يد الكافر المستعمر عاشت عليه على مر التاريخ.
بعد الحرب العالمية الأولى وبعد الحرب العالمية الثانية استولى الكفار على بلاد المسلمين ومزقوها إلى قطع صغيرة ليسهل عليها حكمها واستعمارها على قاعدة (فَرِقْ تَسُدْ)، حتى صارت للمسلمين 46 دولة: جعلوا لكل منها حدوداً ودستوراً ورئيساً وعلماً ونقداً ومركزاً في هيئة الأمم. وجعلوا لمجلس الأمن الدولي حق التدخل لحماية استقلال هذه الدويلات أي جعلوا لمجلس الأمن حق التدخل لإبقاء التجزئة ومنع الوحدة.
الشرع الإسلامي أمرنا بالوحدة: أمة واحدة في دولة واحدة تحت راية خليفة واحد في بلاد موحدة.
الكفار المستعمرون مزقونا إلى بضع وأربعين دويلةٍ وجعلوا مجلس الأمن وصياً علينا.
هذا هو صعيد المسألة وهذا هو إطارها.
فإذا قام حاكم من حكام المسلمين الآن وأراد أن يوحد بلاد المسلمين هل يكون باغياً وتنطبق عليه آية البغي؟ أو يكون عمله مشروعاً ويجب على بقية المسلمين مساعدته. الجواب واضح، وهو أن عمله مشروع وواجب المسلمين مساعدته.
رُبَّ قائل يقول: لماذا لا يكون التوحيد بالاتفاق والتفاهم بدل الاجتياح والاحتلال؟ والجواب هو أن التوحيد بالاتفاق والتفاهم هو الأصل وهو المفروض أن يحصل لأن الشرع يفرض على كل طرف أن يبادر إليه. ولكن الواقع الذي يحصل هو عكس ذلك فنحن نرى أن عدد الدويلات في البلاد الإسلامية في تزايد وليس في تناقص بعد أن زيّن لهم عدوهم التجزئة وسمّاها استقلالاً. والدول الكافرة التي أوجدت هذه التجزئة أوصلت إلى الحكم فيها أُسراً وحكاماً يتشبثون بالكرسي ويحافظون على الأوضاع التي أقامها وليّ نعمتهم. وإذا هددهم أحد يطلبون النجدة من مجلس الأمن الذي يرسم خرائط البلاد.
الشعوب بشكل عام تريد الوحدة ولكن الحكام على دين أسيادهم من دول الاستعمار يرفضون الوحدة إلا إذا كانت لخدمتهم وخدمة أسيادهم.
فالتوحيد بالتفاهم ممنوع وتقف في سبيله شتى العوائق. وبذلك يصبح التوحيد بالإجبار والإرغام أمراً مشروعاً.
وبذلك فلا قيمة شرعية لفتوى مفتي مصر سيد طنطاوي الذي قال بأن على المسلمين مقاتلة العراق لأنه فئة باغية. ولا قيمة شرعية لفتوى متولي شعرواي الذي أعطى الفتوى نفسها، ولا قيمة شرعية لفتوى ابن باز وغيره من شيوخ السعودية الذين اعتمدوا الرأي نفسه.
أما الاستيلاء على الأموال فالأموال نوعان: نوع من الأموال الفردية وهذا لا يجوز مسه أو الاعتداء عليه، ونوع من الأموال التي بعهدة الدولة وهذه تصبح بعهدة الدولة الجديدة تتصرف بها التصرف المشروع. وأما الاعتداء على كرامات الناس وأعراضهم فلا يجوز بشكل من الأشكال.
أما مسألة الاستعانة بأميركا وحليفاتها من الدول الكافرة وطلب دخول قواتهم إلى بلاد المسلمين وخاصة إلى السعودية ليصبحوا هم الحماة للبيت الحرام وللحرم النبوي فهذه مسألة من الكبائر. وهذه لم يتجرأ على إصدار الفتوى بها إلا قلة من الموظفين في الإفتاء. أما غيرهم فقد فرقوا بين استدعاء أميركا ومن معها وبين اجتياح العراق للكويت.
نحن لم نطلع إلا على جهتين بررتا (على استحياء) استدعاء أميركا إلى السعودية والخليج: الجهة الأولى علماء السعودية وعلى رأسهم عبد العزيز بن باز، والجهة الثانية جاد الحق شيخ الأزهر. ولا شك أن هؤلاء صدرت إليهم الأوامر فانصاعوا. هم لم يأتوا بدليل ولا يمكن أن يأتوا بدليل صحيح، لأن الدليل هو ضدهم. ابن باز بنى فتواه على قوله: «هو أمر جائز تحكمه الضرورة». وهو يقول بأن الأميركان بعيدون عن الحرمين وأن خروجهم مكفول.
ونسأل فضيلته: أنتم استدعيتم أميركا (والأصلح أن أميركا أمرتكم باستدعائها) لحماية السعودية بما فيها من مال ونفط وأرض وناس والحرمين. فالحَرَمانِ الآن بحماية الأميركان وليس بحماية المسلمين ولو شاءت أميركا أن تمنع المسلمين من العمرة أو الحج لفعلت. أما قولك بأن خروج الأميركان وحليفاتها مكفول فقول غريب! كيف تستطيع أن تكفل ذلك إلا إذا كانت ثقتك بصدق الأميركان ثقة لا تتزعزع. وكيف تثق بأميركا وهي العدو الأكبر للإسلام والمسلمين وهي الداعم الأول لوجود دولة اليهود في فلسطين. إنا نربأ بك أن تبني فتواك على ثقة عمياء بعدوٍ غادر لئيم. وأنت تقول بأن الضرورة حتّمت الاستعانة بأميركا في وجه العراق. وعلى فرض أن العراق ظالم أليست أميركا أشد عداوةً؟ أليس الجندي الأميركي رِجساً، فكيف تستدعيه لحماية البيت الحرام من الجندي العراقي؟
نحن نفهم أن ما يدور في ذهنك هو المحافظة على الأسرة الحاكمة وعلى النظام القائم الذي أنت دعامة من دعائمه. أميركا، نعم، تدعم النظام السعودي القائم وتحمي بتروله لأنه يعود إليها، وأميركا تتخذ من السعودية قاعدة لها. وإذا كانت أميركا تراعي شعور المسلمين قليلاً ببقائها بعيدة عن البيت الحرام فهذا من باب دعم الأسرة الحاكمة لأن الأسرة الحاكمة جعلت من السعودية مزرعة لأميركا.
ولو ارتقى ولاؤك من هذه الأسرة إلى الله، وصرت تفكر على أساس شرعي مجرد عن المصالح والمراكز لتبيّن لك أن النظام السعودي يستحق الهدم لا الدعم. ونحن لا ندعو إلى استبدال نظام عراقي بنظام سعودي. إننا ندعو لإقامة نظام الإسلام الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما شيخ الأزهر فقد بنى فتواه على أمر أوهن، على شفا جرفٍ هار. وخلاصة قوله أنه لا ضير إذا استنجدت الشعوب العربية من حول الكويت بجيوش الدول العربية والإسلامية وغيرها «لان استنجادها بتلك القوات على اختلاف جنسياتها إنما هو قائم على مبدأ الاتفاقات والتعاهد الدولي». فشيخ الأزهر يعتبر أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية حسب شرعة الأمم المتحدة يعتبرها دليلاً شرعياً، أي هو يعتبر شرعة الكفر دليلاً شرعياً. وابن باز أيضاً استند في فتواه إلى المواثيق الدولية. علماً أن المواثيق الدولية المعمول بها الآن هي شرعة كفر.
أما من الذي تسبب في دخول أميركا وحليفاتها إلى السعودية والخليج، فالواقع أن السعودية ودول الخليج هي مستقلة شكلاً، أما فعلاً فهي مستعمرة. حكام هذه الدول هم عملاء بكل معنى الكلمة ولا يبتّون أمراً صغيراً كان أو كبيراً إلا بعد معرفة رأي أسيادهم الكفار وبعد أخذ الموافقة عليه.
ونريد أن نذكّر أننا في إجابتنا هذه لا ندافع عن صدام ولا نمدح نظام صدام ولا نقف في صفه ضد صف السعودية. فصدام ما زال يطبق أنظمة الكفر التي يطبقها غيره. ولكننا نؤيد توحيد بلاد المسلمين ولو بالقوة. ونقف مع المسلمين ضد الأميركان وضد عملاء الأميركان الذين استدعوهم إلى الخليج وإلى السعودية، لأننا هكذا نفهم الشرع فهماً مجرداً عن التبعية والمصالح الخاصة والارتباط بالوظيفة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين¨