الكلمة التي ألقاها المهندس عطا أبو الرشته في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 14/08/1990 في عمان.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
في يوم الخميس العاشر من محرم 1411هـ الثاني من آب 1990م دخلت القوات العراقية إلى الكويت ثم ضمتها إليها فأصبح البلدان بلداً واحداً، ثم تفاعلت الأحداث وتفاقمت، وجُن جنون أميركا، فحشدت الحشود وحركت الجيوش في البر والبحر والجو، في شرق الجزيرة العربية وفي الخليج، وفرضت على مجلس الأمن أن يتخذ أقسى القرارات الملزمة لجميع الدول لمقاطعة العراق وفرض حصار كامل عليه، ثم عمدت إلى تأزيم الموقف واختلاق الأكاذيب بشكل وقح لتوجد المبررات لضرب العراق عسكرياً. واتخذت من الأراضي السعودية قاعدة لحشودها لتنطلق منها العمليات العسكرية، ثم استطاعت في مؤتمر القمة الأخير أن توجد تغطية لأعمال بمشاركة عسكرية من بعض الدول في البلاد العربية.
وقد تذرعت في اتخاذ هذه المواقف والتدخلات الوقحة بالمحافظة على القانون الدولي، وحماية الأصدقاء، وبتأمين بقاء إمدادات النفط في العالم آمنة، ولحماية الأمن القومي الأميركي، والمصالح الأميركية.
وقبل أن نبيّن رأينا في ذلك لابد أن نذكر حقيقة تاريخية لهذه المنطقة وموقف الدول المتصارعة عليها.
لقد استطاعت الدول الكبرى الكافرة المستعمرة القضاء على الدول العثمانية وهي آخر دول إسلامية، وتمكنت من إلغاء الخلافة فيها على يد مجرم العصر كمال أتاتورك. ثم بعد ذلك تقاسمت هذه الدول المتآمرة بلاد المسلمين، ومزقتها إلى دويلات طبقاً لاتفاقيات عقدتها حينذاك فيما بينها، كان أبرزها اتفاقية سايكس ـ بيكو.
ولما كانت هذه الدول تعلم أن سر عظمة بلاد المسلمين هو وجودها في دولة خلافة واحدة فقد حرصت منذ ذلك الوقت وإلى اليوم على الحيلولة دون عودة الخلافة الإسلامية. وحاربت كل ما من شأنه أن يبرز مفهوم الإسلام السياسي والجهاد، وشجعت فكرة فصل الدين عن السياسة والحفاظ على استقلال كل دولة في بلاد المسلمين كما آلت إليه بعد التجزئة، ولضمان ذلك شجعت هذه الدول على أن تكون ضمن هيئات إقليمية ومنظمات دولية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية ورابطة العالم الإسلامي الخ وهي كلها هيئات تكرس التجزئة وتحافظ على الانفصال.
كان هذا شأن دول الاستعمار، ولذلك فهي لما علمت بإجراء ضم العراق للكويت هاجمت وماجت وألّبت العالم وكأنها تعد لحرب عالمية جديدة بحجة الحفاظ على المصالح الأمنية.. إنهم في الوقت الذي يحتفلون فيه ويبتهجون بوحدة الألمانيتين، يحشدون لضرب وحدة العراق والكويت وفي الوقت الذي يعترضون فيه على ضم بلدين من بلاد المسلمين لبعضهما لا يعترضون عندما يكون الضمن من الدول الكافرة لبلاد المسلمين.
لقد احتل اليهود فلسطين وضموا الجولان وجنوب لبنان وغيرها، فلم تحشد الحشود ولم تحتج لا أميركا ولا بريطانيا ولا غيرهما، لأن فلسطين والجولان وجنوب لبنان كلها بلاد إسلامية، وقد ضمت أثيوبيا أرتيريا، فلم تحتج لا أميركا ولا بريطانيا ولا غيرهما، لأن أريتريا بلد إسلامي.
ولقد ضمت أسبانيا سبتة ومليلة فلم تحتج لا أميركا ولا بريطانيا ولا غيرهما لأن سبتة ومليلة بلاد إسلامية. ولقد ضمت تنجانيقا زنجبار فلم تحتج أميركا ولا بريطانيا ولا غيرهما لأن زنجبار بلد إسلامي.
كذلك ضمت فرنسا الجزائر فلم تحتج أميركا ولا بريطانيا ولا غيرهما لأن الجزائر بلد إسلامي. ولقد ضمت روسيا جمهوريات الجنوب القفقاس فلم يحتج أحد لأن جمهوريات الجنوب والقفقاس بلاد إسلامية. أما عن اعتراضها على التدخل في شؤون الدول الداخلية، فهي تقر التي تتدخل جيوشها صباح مساء في أماكن كثيرة من العالم. لقد تدخلت في جرينادا وبنما وليبيريا، وسابقاً تدخلت في لبنان.
إن حشود هذه الدول وجنونها المستعر في حقيقته صراع على مناطق نفوذ، للتحكم بمقدرات هذه الأمة والحيلولة دون عودتها قوية في دولة خلافة واحدة مميزة في العالم.
لقد قامت أميركا بهذه التحركات المسمومة لفرض الهيمنة الأميركية التامة على الخليج ولنهب ثرواته النفطية الهائلة وللدفاع عن المصالح الأميركية، ولم تكن دفاعاً عن الكويت ولا عن آل الصباح، ولا كانت حفاظاً على القانون الدولي، وهي التي لا تقيم للقانون الدولي أي وزن.
إننا نجد لزاماً علينا أن نبيّن ما يلي:
أولاً: إن الاعتداء على أي بلد من بلاد المسلمين من قبل أية دولة أو دول كافرة سواءً كانت أميركا أو غيرها يجعل قتالها فرضاً على جميع المسلمين ويكون الحكام في بلاد المسلمين ملتزمين بتحريك الجيوش دونما إبطاء لقتال الدولة المعتدية مثل أميركا وإسرائيل وغيرها ويكون القادرون على القتال جنوداً في هذه الجيوش حتى يرد الاعتداء، وعلى الأمة أن تجبر حكامها على ذلك إن هم لم يقوموا به.
ثانياً: يتوجب قطع العلاقات الديبلوماسية وغيرها مع جميع هذه الدول على الفور وبدون تأخير.
ثالثاً: إن الاستعانة بالدول الكافرة حرام شرعاً، وجريمة فادحة، وخيانة لله ولرسوله والمؤمنين، فمن يجعل بلاده مهابط لطائرات أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها من الأعداء أو مقراً لجيوشها يستعين بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لضرب المسلمين يكون قد حارب الله ورسوله وأذل نفسه قبل أن يذله الله. ولن تغفر الأمة له هذه الجريمة حتى وإن ظن أن حصونه ما نعته وكذلك كل حاكم في بلاد المسلمين يرسل جيشه ليقف صفاً مع الدول المستعمرة موالاة لهم وتغطية لأعمالهم، فإنه يصيبه ما أصاب أولئك المستعينين بالكفار ويحيق به ما يحيق بهم من خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة.
رابعاً: إننا لا نؤيد أياً من أنظمة الحكم القائمة في العالم الإسلامي لأنها لا تحكم بالإسلام ولكننا نؤيد كل وحدة تقوم في بلاد المسلمين لأنها فرض عليهم لا خيار لهم ولا مندوحة عن تنفيذه.
خامساً: إن الأحداث الراهنة أكدت كما هي دائماً أن هيئة الأمم المتحدة ما هي إلا مطية سياسية لأميركا تستصدر منها ما ترتئيه من قرارات وتستخدمها لمصالحها وأطماعها كما أنه لا يجوز شرعاً أن نسمح لمجلس الأمن أو لهيئة الأمم أو لأية دولة من هذه الدول الكافرة بأن تتدخل لحل قضايا المسلمين. وعليه فقد آن الأوان لجميع الدول في بلاد المسلمين أن تنسحب على الفور من هذه الهيئة الظالمة.
سادساً: إن ثروات وأموال هذه البلاد ليست ملكاً لأحد ولا هي نهباً لأي طامع وإنما هي حق وملك لأهل البلاد جميعاً، حتى وإن سُلبت وأودعت خزائن الاستعمار.
سابعاً: إننا مطمئنون لنصر الله، ونؤكد أن أمة يكون الجهاد ذروة دينها لن تخيفها حشود الأعداء، ولن يعجزها القضاء على كل طامع بها ول كانت أميركا ذات الصلف والغطرسة التي سوف يُدمى أنفها، وتكسر هيبتها فوق تراب الجزيرة إن شاء الله. وستلفظ هذه الأمة من بينها من يستعين بالدول الكافرة عليها ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[. ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[ ¨