أميركا وبقية دول الغرب الكافرة المستعمرة تحتل بلادنا وتأخذ نفقات هذا الاحتلال. وتحاربنا بسلاحها وتأخذ منا ثمن السلاح. وترسم الخطط وتحرّض ليحارب بعضنا بعضاً وتأخذ منا تكاليف الخطط والتحريض. وتأخذ بترولنا وثروتنا ونقودنا وجهودنا. وبعد ذلك تمنّ علينا أنها تساعدنا وأنها تحافظ على سيادتنا واستقلالنا وتحافظ على سيادة القانون وحقوق الإنسان.
إنها تهزأ بعقولنا وتريدنا أن نصدّق أنها صديق. وحين لاحظت أن غالبية المسلمين عرفوا عداوتها ويستعدون لمقاومتها تملّكها الرعب والاضطراب.
صدام حسين لامس الإسلام ملامسة خفيفة في بعض تصريحاته، إذ أشار إلى الأماكن المقدسة في السعودية وإلى أن أميركا تسيطر الآن على هذه الأماكن وحض المسلمين والعرب على التحرك ضد أميركا، فظهر الارتباك والرعب على بوش. وبرز ذلك في الخطاب الذي ألقاه بوش في 15/08/90 في وزارة الدفاع الأميركية. قال بوش: «إن العمل الأميركي في الخليج لا يتعلق بالدين أو بالطمع أو بالفروقات الثقافية كما يحاول العراق تصويره». وأضاف بوش: «عن صدام ادعى أنها جهاد العرب ضد الكفار… وهو من استعمل الغاز السام ضد الرجال والنساء والأطفال في بلده، وهو الذي غزا إيران في حرب كلّفت أرواح أكثر من نصف مليون مسلم» وأضاف: «صدام حول الغنى إلى الفقر بسبب الحرب التي شنّها على المسلمين الآخرين» وأضاف: «صدام يصوّرها صراعاً بين العرب والأميركيين، والحقيقة أن صدام هو الذي يهدد الآن الأمة العربية في حين أننا نسعى إلى مساعدة أصدقائنا العرب» وأضاف: «نحن لسنا وحدنا ضد صدام بل تقف معنا الدول العربية والإسلامية المحيطة به».
إن هذه العبارات من بوش تدل على أنه يرتعد خوفاً من تحول المواجهة بين أميركا والعراق إلى مواجه بين أميركا والعرب ويخاف أكثر وأكثر من تحولها إلى مواجهة بين أميركا والمسلمين. ولذلك كرر كلمة العرب والمسلمين مرات كثيرة وحاول أن يصوّر أميركا هي صديقة العرب وصديقة المسلمين وأن العراق هو عدو العرب وهو عدو المسلمين.
وكان إعلام السعودية حريصاً على التشديد أن الأميركيين ومن معهم من القوات المتعددة الجنسية هم بعيدون عن الأماكن المقدسة. ووزعت قيادة القوات الأميركية تعليمات على جنودها أن لا يتحرشوا بالنساء في السعودية وأن لا يظهروا بالمظهر الذي يمكن أن يستغل في دعاية دينية تثير المسلمين ضدهم.
وكانت أميركا حريصة أن تشارك الدول العربية وغيرها من البلاد الإسلامية في إرسال قوات إلى السعودية والخليج لتقف بجانب القوات الأميركية ضد العراق. أميركا كانت حريصة على ذلك ليس لحاجتها إلى القوة، إذ أنها قبلت بإرسال قوات رمزية فقط، بل لحاجتها إلى موقف داعم لموقفها كي لا تظهر أنها ضد العرب والمسلمين وأن العرب والمسلمين ضدها. ولهذا السبب أيضاً كانت حريصة على انعقاد مؤتمر القمة العربية الطارئة في القاهرة التي دعا إليها حسني مبارك لتكون دعماً لدعوة أميركا وغطاءً لدخولها واحتلالها للسعودية والخليج. المغرب أرسلت قوات ومصر وسوريا والباكستان وثوار أفغانستان ولذلك فإن بوش يتبجح بأن أميركا ليست وحدها.
وأميركا كانت حريصة وما زالت على استصدار الفتاوى من مختلف المراجع الإسلامية بمشروعية استدعائها والاستعانة بها. هيئة كبار العلماء في السعودية أصدرت فتوى أنه يجوز لولي الأمر أن يستعين بالدول الصديقة (وعلى رأسها أميركا) وقد وضعوا أسماء أفراد هذه الهيئة كلهم لإعطاء الفتوى قوة حين تصدر بإجماعهم. وأصدر شيخ الأزهر فتوى مماثلة أنه يجوز الاستعانة بالدول القوية إسلامية وغير إسلامية. وأصدر كثير من الجماعات والجمعيات والشيوخ فتاوى في هذا المجال ونحن متأكدون أن هذه الفتاوى طُلبتْ من هذه الجهات وأن أميركا هي التي حركت هذا الطلب بالقنوات المناسبة. هؤلاء (العلماء!) من حيث يدرون أو لا يدرون يصدرون الفتوى التي تطلبها أميركا، وبالصيغة التي تحددها أميركا (أميركا تحددها للحكام وهؤلاء بدورهم يطلبونها من المراجع الموظفة عندهم).
وهناك أقوال عن استعدادات تجري في رابطة العالم الإسلامي لعقد مؤتمر عالمي يعقد في 10/09/90 في مكة المكرمة يُدعى إليه عدد من العلماء والمفكرين المسلمين لتحميلهم وجهة النظر السعودية (الأميركية).
كل ذلك تسعى إليه أميركا كي تضمن أن لا يتحرك المسلمون ضدها وضد احتلالها وضد مصالحها وضد رعاياها في العالم. أميركا تدرك الآن أكثر من الماضي أن الأمة الإسلامية إذا تحركت بدافع روحي إسلامي ستجرف في طريقها عملاء أميركا ومصالح أميركا ونفوذ أميركا، ولذلك هي تحذر كل الحذر من إثارة الأمة الإسلامية.
إذا كانت أميركا تدرك خطر الأمة الإسلامية وقوّتها فهل تدرك الأمة الإسلامية قيمة ذاتها. الأمة الإسلامية وصفها الله في كتابه العزيز بأنها خير أمة أخرجت للناس، وإذا كانت قد كَبَتْ فهي تتحفز للنهوض ولكل جود كبوة. وهي أمة عريقة ظلت الدولة الأولى في العالم قروناً، وقد حملت رسالة النور والهداية للعالم وما زالت هذه الرسالة بحاجة إلى من يستأنف حملها. وهذه الأمة حباها الله ثروة مادية كبيرة وموقعاً جغرافياً هاماً.
هذه الأمة ما زالت أميركا وحلفاؤها وعملاؤها يعتبرونها قصعة طعام كما جاء في الحديث الشريف: «يوشك أن تَداعى عليكم الأمم كما تَداعى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتها. قلنا: أَوَ مِنْ قِلّةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم يومئذٍ لكثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل. ولينزعنَّ اللهُ مهابتكم من صدور عدوكم وليقذفنّ في قلوبكم الوَهَن. قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت».
هذه الأمم التي تداعت بقيادة أميركا، من جميع العالم إلى بلاد المسلمين، هل حقاً تداعت للمحافظة على القانون الدولي؟ هذا كذب. لماذا أميركا ودول الغرب ومجلس الأمن لم تحرك ساكناً عندما احتلت إسرائيل الضفة القطاع وسيناء والجولان ولبنان؟ ولماذا أميركا ضربت عُرض الحائط بالقانون الدولي حين احتلت بنما وغرينادا؟ إنهم يحتقرون عقول البشر حين يزعمون أنهم جاءوا لحفظ القانون الدولي أو أنهم حريصون على أسرة آل الصباح.
إنهم جاءوا لأطماعهم. إنهم يعتبروننا قصعة طعام سائبة ليس لها ملك فجاءوا وملكوا القصعة وملكوا أصحابها.
في خطابه نفسه الذي ذكرناه أعلاه يقول بوش: «نحن في عصر جديد… يحمل وعوداً. ولكن أحداث الأسبوعين الماضيين تذكرنا بأن لا بديل من الزعامة الأميركية، وأن الزعامة الأميركية لا يمكن أن تكون فعالة في غياب القوة الأميركية».
أميركا (وحفاؤها) عدو ولن تقنع المسلمين أنها صديق لهم. إنها صديق لدولة اليهود وليس للمسلمين. وإذا استطاعت استصدار بعض الفتاوى لمصلحتها ومصلحة احتلالها فسرعان ما تتبخر هذه الفتاوى وسيجرفها وعي المسلمين على الإسلام وستحرف معها أصحابها إذا لم يتراجعوا عنها.
البلاد الإسلامية لن تبقى بقرة حلوباً ولا مجرد قصعة طعام يتداعى عليها المستعمرون. لقد أخبرنا رسول الله بأننا سنصل إلى مثل هذه الحالة وأن الأمم ستتكالب على نفطنا وخيراتنا. وحذرنا من مرضنا وهو «حب الدنيا وكراهية الموت». فلا تكرهوا الموت أيها المسلمون، إنه حق والأجل لا يتقدم ولا يتأخر. ولا تغرنّكم الدنيا وحب الدنيا أيها المسلمون فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. وتحركوا لتواجهوا أميركا بإيمانكم وعزيمتكم. أنتم في بلادكم أقوى من أميركا. أنتم أصحاب حق وأميركا معتدية، وبلادكم ليست لأميركا. فلا ترضوا أن تظلوا طبق طعام يتكالب عليه المستعمرون.
الدول التي جاءت لغزو الخليج وأخذ النفط، هذه الدول تأخذ جميع التكاليف والنفقات من السعودية والكويت. إنها تأتي لتأخذ نفطنا وتدفّعنا الثمن. وقد عرضت على السعودية الآن صفقة أسلحة بثلاثة مليارات دولار وقررت بيع مصر صفقة أسلحة وبيع تركيا صفقة أسلحة، لماذا هذه الأسلحة؟ لأنها لازمة في معركة أميركا ضد المسلمين. أميركا تقتل المسلمين بالسلاح بأيدي المسلمين وتأخذ ثمن تكاليف وضع الخطط التي يتذابح فيها المسلمون. وبعد ذلك تمنّ أميركا علينا بأنها صديق وبأنها جاءت لحمايتنا وبأنها جاءت للمحافظة على القانون الدولي.
فأين أنتم يا أصحاب العقول ويا أولي النهى؟!¨