وزارة الداخلية تهدد بطرد المسلمين من بريطانيا
1990/03/07م
المقالات
1,713 زيارة
كانت مسألة (سلمان رشدي) قد كشفت العداء الذي يكنه أهل الغرب عامة والإنجليز خاصة للإسلام والمسلمين. والآن بعد أن تفتحت عيون المسلمين ولمسوا فساد الرأسمالية الغربية كما لمسوا فساد الشيوعية والاشتراكية، وصاروا يعودون إلى الإسلام، ليس كعقيدة وعبادات فقط بل كنظام حياة ينظم كل الأمور، بعد أن حصل هذا صار الغرب يوجس خيفة من الإسلام والمسلمين.
في هذا الوقت الذي تترنّح فيه الاشتراكية وتُحْتَضرَ يقوم الشباب المسلمون في بريطانيا وغيرها بملاحقتها للإجهاز عليها وعلى الرأسمالية أيضاً التي لا تقل فساداً عن الاشتراكية. ونذكر الحادثة التالية:
في 02/11/89 وفي جامعة لندن دعيت (عصبة الاشتراكيين التروتسكيين الدولية) (Spaeticit League Forum, a front for the Trotskyist International Communist Leage) إلى لقاء عام. وقام الداعون بالتعرض للإسلام. فقام أحد الشباب المسلمين بالرد عليهم، وهاجم شيوعيتهم مبيناً بالأدلة تناقضها مع الواقع ومع العقل ومع الفطرة. وبين أن الإسلام وحده هو المبدأ الصحيح الذي ينقذ البشرية في الدنيا والآخرة. فلا الشيوعية ولا الرأسمالية.
وكان المسلمون في بريطانيا طالبوا ببعض الحقوق التي هم محرومون منها. فاجتمع بهم الوزير في وزارة (جون باتين) ووجه لهم خطاباً رفض فيه جميع طلباتهم، وحذرهم بشكل حازم (ولكنه ناعم) بأن الذي لا يعجبه المجتمع البريطاني كما هو يمكنه أن يرحل. وقد كتبت صحيفة التايمز اللندنية في 08/07/89 مقالاً تتحدث فيه عن مطالب المسلمين وعن موقف وزارة الداخلية منهم، وقد برز في المقال الحقد على الإسلام والمسلمين ]قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ[. وهذا المقال كانت قد ترجمته ونشرته مجلة «التحرير» التي تصدر في أميركا في عدد تشرين الثاني 1989. وقد رأت «الوعي» أن تطلع قراءها عليه ليعرف المسلمون حقيقة الغرب وحقيقة الإنجليز الذين سعوا لهدم الخلافة ومحو الإسلام، ]يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[
وفيما يلي مقال التايمز في 08/07/1989 بقلم: (كليفورد لونجي):
إن موجة الغضب في الجالية الإسلامية حول قضية الآيات الشيطانية، قد وضعت المسلمين أنفسهم والحكومة والمجتمع عموماً أمام نقطة انعطاف حرجة في تطوير العلاقات بين الجاليات في بريطانيا.
صحيح أنه لا توجد سابقة جلية أن يكتب وزير في الحكومة كتاباً مفتوحاً طويلاً ومعللاً إلى قادة جالية دينية في بريطانيا، كما فعل السير جون باتين الوزير في وزارة الداخلية هذا الأسبوع، حيث نشرت رسالته بالكامل في جريدة التايمز في 5 يوليو 89. ولكن لم يوجد أيضاً سابقة للوضع الحساس والمتزعزع الذي يوجد الآن.
إن وجود مليون أو أكثر من المسلمين في بريطانيا، لا يمثل بذاته تهديداً جذرياً للاستقرار الاجتماعي. ولكن عندما يتركز وجود هذا العدد بشكل كبير في مناطق معينة تبلغ ست مدن، وعندما يتحركون للمطالبة بشروط لا تسلم بها الأغلبية مقابل التزامهم بالهدوء والسلام، عند ئذ يلوح في الأفق خطر حقيقي. إن الباعث على رسالة السيد باتين هو حضوره الاجتماع الذي عقد في الأسبوع السابق بين وزير الداخلية دوجلاس هيرد وممثلين عن المسلمين، قام اتحاد المنظمات الإسلامية باختياره. إن رده يدل على كثير من التفكير الحريص من قبل وزارة الداخلية. وربما كان الذي تفتقده هذه الرسالة بشكل ضروري هو معرفة مدى الحد الذي قد يبلغه الموقف الإسلامي بشكل قوي وطبيعي انطلاقاً من تعاليم القرآن نفسه.
يتحدث السيد باتين عبر الرسالة عن النية الطيبة للحكومة تجاه المسلمين البريطانيين، وعن حقهم في البقاء مخلصين لمعتقداتهم كأفراد في مجتمع متعدد الأديان والعقائد والثقافات. ولكن على وزير الداخلية أن يعرف أن بعض معتقداتهم، بمعناها الظاهري على الأقل لا تنسجم مع مجتمع متعدد. إذ أن الإسلام لا يعرف العيش كثقافة أقلية، ذلك لأن الإسلام ليس فقط مجرد مجموعة من القواعد والعقائد الفردية الخاصة، بل هو فرق ذلك، عقيدة اجتماعية، وطريقة مختلفة جذرياً لتنظيم المجتمع بكامله.
إن أقصى تنازل قدمه كثير من المسلمين هو استعدادهم للعيش داخل بريطانيا وسط جزيرة مغلقة يحاولون فيها المحافظة على العادات الإسلامية والالتزام ضمنها بما يستطيعونه من أحكام الإسلام. وذلك باستثناء أقلية رفيعة الثقافة أدركت أن المجتمع البريطاني والقانون البريطاني لا يسمحان بهذا الاختيار في الخروج من المجتمع، كما أدركت أن هذا الوضع للعيش ليس هو المقصود من العيش في مجتمع متعدد الثقافة.
إن اتحاد المنظمات الإسلامية، الذي عبر في هذه المناسبة عن آراء معظم المسلمين في بريطانيا، رغم أنه لا يفعل ذلك دائماً، يستخدم هو أيضاً وبدون قيود مفهوم الثقافة المتعددة الأديان. فلقد أخبر الوفد وزير الداخلية أن المسلمين يرغبون «في القيام بدورهم الكامل ضمن نمط العيش في هذه البلاد مع الاحتفاظ بهويتهم الدينية والثقافية». لكن مطالبهم العملية لا تتفق مع هذا النموذج للتفاهم المتبادل وحيادية الحكومة: حيث طالب الوفد بلائحة حقوق للمسلمين في بريطانيا منها تغييرات في قانون الطعن بالذات الإلهية حتى يمكن محاكمة كتاب الآيات الشيطانية. وأن يعترف القانون الإنجليزي بتطبيق القانون الإسلامي في مجال الأحوال الشخصية، والمطالبة بمدارس إسلامية منفصلة وممولة من الدولة وهكذا..
لقد رفض السيد باتن بلباقة وحزم كل واحد من هذه المطالب. وفي الرسالة اللبقة المهذبة يوجد قول شديد لم يصرح به السيد باتن في رسالته وهو: إن مجرد وجود المسلمين في بريطانيا يمكن أن يكون فقط حسب الشروط التي تقبل بها الأغلبية. والذي لم يرغب في قوله لهم هو أنهم يستطيعون إعلان الحرب على قيم المجتمع البريطاني، بل يمكن أن يجعلوا العيش في بريطانيا في العشرين سنة القادمة تجربة لا يرضى بها أحد ويمكنهم أن يحققوا تنبؤات السير إنوك بول (المرعبة)، لكنهم يخطئون فهم بريطانيا إذا ظنوا أنهم يستطيعون كثيراً تحويلها نحو مثلهم الخاصة.
إن تصور المسلمين العام لبريطانيا ـ كمجتمع دب فيه الضعف وفقد اتجاهه، وبالتالي يمكن لهذا المجتمع أن يتنازل لأية مطالب يجري الإصرار عليها بشكل مباشر وكاف ـ إن هذا التصور مضلل بشكل خطير: ذلك لأن القبائل البيضاء في بريطانيا يمكنها أن تكون عنيدة ومتصلبة في كل صغيرة وليست أقل قوة في الدفاع عن معتقداتها شأن القبائل الملونة.
وستكون هناك كارثة إذا أصر المسلمون على وضع هذا الأمر على المحك، وهنا يكمن الخطر الحقيقي في قضية الآيات الشيطانية، إن الكتاب لم يصبح أكثر رواجاً لأن مئات الألوف من الناس يريدون أن يكتشفوا شواطئ الأدب الإنجليزي الحديث، ولكنه يُشترى كإيماءة من الناس ضد حرق المسلمين للكتاب، وأن كل مظاهرة تظهر على التلفزيون ستدفع بألف نسخة أخرى للبيع مذكية نوعاً آخر من النار.
إن كل أقلية دينية في بريطانيا «عدا الأقلية المسلمة» وجدت أخيراً أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على وضعها هو القبول بالحل الوسط، وأن النتيجة المنطقية لرفض الحل الوسط هو المزيد من الانفصال والمزيد من الاضطراب كما هو الحال في أيرلندا الشمالية. إذ أن إحراق الكتب سيؤدي دون جدال إلى حرق المكتبات، وأن الحديث عن القتل سيؤدي إلى القتل الحقيقي.
على المدى القصير تحتاج الحكومة إلى القيام بعملية مراجعة صعبة تأمل من خلالها (بالحزم الذي تعبر عنه بلغة هادئة معقولة كما هو الحال في رسالة السيد باتن) أن تجعل مسلمي بريطانيا يدركون أنهم قوة يمكن مقاومتها والسيطرة عليها وأنها ستصطدم بقوة ثابتة لا تتزعزع.
وكما أن البعض قد يخطئ في تقدير التصميم البريطاني بسبب العادة الإنجليزية التي تظهر بريطانيا بأضعف من واقعها، فإن البعض ممن رفع شعار «الموت لرشدي» قد بالغ في تصوير الأمر أكبر مما هو عليه، وهذا يدفعنا إلى وجوب تصحيح هذه الغلطة (العادة المشار إليها) بسرعة. وأخيراً فإنه إذا جرى محاسبة أي شخص على رفع هذا الشعار أو ترويج أو تشجيع مثل هذه المشاعر الإجرامية، وجرى اعتقاله لتحريضه على القتل، فإن هذا سيكون مثار الترحيب رغم أن النتائج قد لا تكون سارة بل قد تشتمل على خطر الشغب، ولكن مثل هذه الصدمة مع الأسف قد تكون ضرورية قبل أن تجد الجالية المسلمة نفسها أخيراً وجهاً لوجه مع الحقيقة القائلة بأن التسامح والتنازل والحلول الوسط حتى فيما يتعلق بالأمور السياسية، هو مطلب أساسي للعيش في بريطانيا وليس أمام هذه الجالية من حل أو خيار آخر.
1990-03-07