استحقاق النصر في رمضان يتطلب نصرة من القوات المسلحة المسلمة لعودة الخلافة
2013/07/29م
المقالات
1,959 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
استحقاق النصر في رمضان يتطلب نصرة من القوات المسلحة المسلمة لعودة الخلافة
مصعب بن عمير – باكستان
قال العزيز الجبار، في كتابه الحكيم: ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ). إن هذه الآيات لتؤكد للمؤمن الخاشع قلبه، الذارفة عيناه لكلام الله، أنّ أعظم سلاح تمتلكه الأمة هو نصر الله سبحانه وتعالى، المعز المذل.
صحيح أنّ القوات المسلحة يجب أن تعد العدة والعتاد للقتال بشكل كافٍ لإرهاب العدو وبث الرعب في قلوبهم، سواء أكان بالصواريخ أم بالطوربيدات البحرية، إلا أنّ هذا يجب أن يكون امتثالاً لأوامر الله ونواهيه، ومقروناً عندهم بالإيمان العميق والثقة بنصر الله ووعده. وصحيح أنّ قيادة القوات المسلحة تعد الخطط العسكرية المحكمة لإدارة الحرب، ولكنهم يتوجهون إلى الله سبحانه وتعالى ليسدد رميهم وينجح خططهم في ذلك.
إنه متى اتخذت القوات المسلحة المسلمة من القتال في سبيل الله مهمة لهم، وكانوا حريصين على تمكين الإسلام في الأرض، وحريصين على توحيد الأمة تحت راية الإسلام، وكانوا يُقيمون الليل تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى حتى يكون بصرهم الذي يُبصرون به، وسمعهم الذي يسمعون به، ويدهم التي يبطشون بها. فإنهم بذلك يستحقون النصر من الله سبحانه وتعالى.
إنّ الإيمان والتوكل على الله لتحقيق النصر يضاعف من قوة العتاد العسكري التي تمتلكها القوات المسلحة أضعافاً مضاعفة، ويحقق لهم انتصارات لا يمكن تصورها، ولقد وصل الأمر بقوات العدو الكافرة أن تعتقد بأنّ المقاتلين المسلمين ليسوا من جنس البشر، إنّما من الجن، وأنّ لون دمهم أزرق، لا أحمر، كما امتدح جنرالات من الكفار مهارات المسلمين لقرون، مثل الجنرال رومل من القوات المسلحة الألمانية، حيث أقرّ بأنّ سر نجاحه في ساحة المعركة كان باتباعه استراتيجيات خالد بن الوليد رضي الله عنه في المعارك.
فمن منا لا يرجو النصر على أيدي القوات المخلصة في شهر رمضان القادم؟ وهو شهر البركات والرحمة، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى فيه لازم، وهو شهر تغلق فيه أبواب النار وتصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنة، وفيه الصيام والقيام، وفيه ليلة خير من ألف شهر! إنّه شهر رمضان، الشهر الذي كانت تحقق فيه الأمة انتصارات منقطعة النظير، لأنّ تعلقهم بالله في شهر رمضان كان أعظم سلاح لهم، فكانت الأرض تُطوى أمامهم، وتشع بنور الإسلام.
ألم تسمعوا بالسابع عشر من رمضان، في السنة الثانية للهجرة؟ حين نصر الله المسلمين نصراً مؤزراً على قريش -أكبر قوة قبلية في جزيرة العرب- في معركة بدر، عندما قادهم سيد الأنبياء وخاتمهم، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. تذكروا أجدادنا الشجعان الذين كانوا يقفون بصلابة في ساحات المعركة وهم أقل عدة وعدداً من العدو، إلى درجة أنّهم كانوا يتناوبون على ارتداء الدروع! تذكروا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي كان يعد العدة وبعد ذلك يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى طالباً النصر كما لو أنّه لم يعدَّ شيئاً، فهل من مثال أوضح من هذا المثال يدلل على أنّ النصر بيد الله سبحانه وتعالى وحده؟! ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
وماذا عن العشرين من رمضان، في السنة الثامنة للهجرة؟ حين فُتحت مكة المكرمة، فمنّ الله على المسلمين بنصرٍ أزال العقبة الرئيسية أمام نشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية. فبفتح مكة انتهت هيمنة قريش على الآخرين، ومُهد الطريق أمام التوسع السريع للدولة الإسلامية في جميع أنحاء الأراضي. فانظروا كيف ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعركة على رأس عشرة آلاف مسلم، يسيرون وهم صائمون حتى وصلوا إلى مكة المكرمة، وانظروا كيف قدم أبو سفيان لمفاوضة النبي عليه السلام وهو يرى بأم عينه قبائل عديدة منضوية تحت لوائه، موحدة بالإسلام في دولة واحدة، مما أضعف الروح المعنوية عنده إلى درجة اعترافه بالهزيمة. وانظروا إلى قوات المسلمين وهي تطوي الأرض بعون من الله سبحانه وتعالى، تهزم قوات العدو في يوم واحد، حين كان النصر المبين الذي مهّد الطريق للفتوحات التي تعدَّت شبه الجزيرة العربية، بعد توطيد دعائم الاستقرار داخلها، حيث قال الله سبحانه وتعالى: ( ذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
وحتى بعد رحيل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وحتى بعد انتهاء عصر النبوة من بعده، فقد واصلت الأمة نشر نور الإسلام بالقوات المسلحة، فقد كانوا على علمٍ تام بمسؤوليتهم تجاه رسالة الإسلام، وعلى يقين بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرسل إلى شعب معين فقط، بل للبشرية جمعاء إلى قيام الساعة.
وبالفعل فقد فتحت الأندلس في الثامن والعشرين من رمضان، في السنة الثانية والتسعين للهجرة، حيث كان رمضان محفزاً للخليفة الوليد لإرسال سبعة الآف رجل بقيادة طارق بن زياد لفتح إسبانيا، فعبروا المضيق، واستولوا على القلعة التي كانت على الصخرة التي عرفت فيما بعد باسم جبل طارق، ثم تقدمت قواته إلى الجزيرة الخضراء في جنوب إسبانيا، وقد شارك موسى بن نصير نفسه في فتح إسبانيا، حيث قاد قوة كبيرة في طريقه إلى إشبيلية، واستولى كذلك على كارمونا.
كما أنّ الانتصار التاريخي على الصليبيين، في معركة حطين، حصل أيضاً في شهر رمضان، في السنة الرابعة والثمانين وخمسمائة هجرية (1187 م)، حين هاجم الملك المسيحي من الكرك -الذي كان يسمى بأرناط- مجموعة من الحجاج المسافرين لبيت الله الحرام، فقتل ونهب وعذب الرجال والنساء، وكان يقول لمن يقتل من الحجاج: «اذهب وأخبر محمداً وأسأله إن كان يستطيع حمايتك»، وعندما وصل الخبر إلى صلاح الدين -فإنّه، وعلى الرغم من غضبه- بعث برسالة إلى الملك أرناط يذكّره فيها باحترام اتفاق السلام بينهما، وطلب منه إطلاق سراح جميع الأسرى وإعادة المسروقات، ولكن الملك رفض طلب صلاح الدين، وأعدّ جيشاً قوامه خمسون ألف مقاتل لخوض معركة حطين، لكن الصليبيين وبقيادة ملوك القدس والكرك وطرابلس قد هُزموا بشكل ساحق، حيث أُسر العديد من الأمراء والفرسان. وقدر الله سبحانه وتعالى أن يواجه صلاح الدين الملك أرناط (جزار الحجاج الأبرياء) فأخبره صلاح الدين قبل قتله له بيديه أنّه قاتله للاعتداء على شرف وكرامة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولقتله المسلمين الأبرياء.
وكانت معركة عين جالوت في رمضان، في السنة الثامنة والخمسين وستمائة هجرية (1260م) ضد التتار انتصاراً كبيراً آخر للمسلمين. ففي نهاية عام ست وخمسين وستمائة هجرية شنّ التتار أحد أكبر هجماتهم على أرض الخلافة الإسلامية، مما مكّنهم من الاستيلاء على عاصمة الخلافة (بغداد)، وقتل الخليفة المعتصم بالله، واحتلال ثلاثة أرباع البلاد الإسلامية، ثم اتجهوا نحو مصر والمغرب، آخر معقل للمسلمين، وبعثوا رسالة تهديد إلى أمير مصر (محمود سيف الدين قطز) تتضمن العبارات التالية: «لقد خرَّبنا الأرض، ويتَّمنا الأطفال، وعذبنا الناس وقتلناهم، وانتهكنا أعراضهم وأسرنا قادتهم، فهل تعتقد أنّه يمكنك الهروب منا؟ فانتظر هنيهة حتى تعرف ما هو قادم لكم…»، فرد عليه قطز بما يليق به، فقتل وفداً من التتار وترك جثثهم معلقة في عاصمة بلاده، مما رفع من معنويات الناس من جهة، وأرهب أعداءه وجواسيسهم والموالين لهم من جهة أخرى، فأدرك التتار أنّهم يواجهون زعيماً ليس كغيره من الزعماء الذين واجهوهم من قبل. ثم حشد قطز المسلمين للتحضير للمعركة التي لا مفر منها تحت قيادته، واستعان بالعلماء لتوحيد المسلمين من أجل الوقوف والدفاع عن الإسلام وتحرير الأراضي الإسلامية، فاحتشد المسلمون مسلحين بالإيمان ومدججين بالأسلحة اللازمة لمواجهة العدو، ثم حان الاشتباك مع العدو في ساحة المعركة في عين جالوت يوم الجمعة، الخامس والعشرين من رمضان، في السنة الثامنة والخمسين وستمائة. رأى قطز أن كفة المعركة قد ترجحت لصالح التتار في البداية، فصعد على صخرة ورمى خوذته وهتف بـ «وإسلاماه…وإسلاماه»، داعياً الجيش إلى الحفاظ على وحدته ومحاربة أعداء الله، فلما رأى الجيش وجه قطز واحمراره، وضربه لأعداء الله بسيفه بقوة، وانخراطه بين صفوف العدو، حولّ الجيش المسلم المعركة لصالحه، حتى سُحق جيش التتار وفر من بقي منهم، فكان النصر للإسلام والمسلمين. ولما رأى التتار استرداد المسلمين عافيتهم واستعادتهم قوتهم فروا نحو أوطانهم، فحرر قطز بلاد الشام (سوريا اليوم، وفلسطين، ولبنان، والأردن وما حولها) في غضون أسابيع.
فهكذا استفادت القوات المسلمة من بركة رمضان لتحقيق النصر بعد النصر على أعداء المسلمين على مر العصور، فكان شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحات.
إنّ على هذه الأمة إدراك الأهمية الكبيرة لرمضان هذا العام، عام ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثين هجرية، حيث أعداد القوات المسلحة في هذه الأمة قد تجاوز الستة ملايين جندي، أمّا بالنسبة للسلاح، فإنّها تمتلك الدبابات والطائرات والسفن وحتى الأسلحة النووية، وهي قادرة على أن تذيق أعدائها مرارة الهزيمة، خاصة وأنّ بلاد المسلمين محاطة بأعدائها الجبناء في فلسطين وسوريا وأفغانستان وكشمير، الذين ينكِّلون بالمسنِّين والأطفال والنساء، والزرع والضرع. إنّ على هذه الأمة الكريمة -سواء القوات المسلحة منهم أم المدنيين- أن تسعى إلى نصرة الإسلام والمسلمين.
والسؤال الذي يُطرح هنا هو، كيف نعيد رمضان إلى مكانته، كشهر الانتصارات على أعداء الإسلام والمسلمين؟ وما الذي يمنع القوات المسلحة في بلاد المسلمين من الاستجابة لصرخات الرجال المصابين، والنساء الثكالى والأطفال اليتامى؟ فكيف يتم التشهير بالنبي عليه الصلاة والسلام ولا مجيب!؟ وكيف يتجرأ الكفار على تكرار شرورهم مراراً وتكراراً؟!
لم يعد لدى المسلمين حاكم يحكمهم بالإسلام، بل وبدلاً من ذلك يحكمهم الخونة وعملاء الكفر الذين يخدمون أسيادهم فقط ولا يطبقون دين الله في الأرض، فهؤلاء الخونة يستقبلون المسؤولين من الأعداء ويتلقون منهم الأوامر بدلاً من إرسال رسائل تحدٍّ تهز عروشهم. فهم يستجيبون لصرخات استغاثة المسلمين في سوريا وفلسطين والعراق وكشمير وأفغانستان بحبس القوات المسلحة في ثكناتها! كأنهم ينتظرون أوامر الكفار بالهجوم عليهم!!
إنّ واجب المخلصين في القوات المسلحة هو إعطاء النصرة من أجل عودة الخلافة، وعندها فقط ستعود القوات المسلحة الإسلامية إلى ما كانت عليه، قوات تحرر البلاد وتنشر الرسالة السماوية في جميع أرجاء المعمورة، قوات الكرامة والشجاعة والبسالة والقوة والتحدي، قوات مرهوبة الجانب لا تعرف الوهن، يقول عز وجلّ: )) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ((
2013-07-29