المسلمون على مفترق طرق والخيار الصحيح!
خاضت شرائح واسعة من الأمة في السنوات الأخيرة صراعًا مريرًا ضد الطغم الحاكمة. ظنت لوهلة أنها باتت على موعد مع التحرر والخلاص من البؤس والقهر والفقر والذل والظلم، إلا أن شياطين الأرض كانوا حاضرين لها، وقد اجتمعوا عليها من كل حدب وصوب لاستبقائها في حظيرة الاستعباد، فاستنزفوا طاقاتها، ودمروا مقدراتها، وشردوا شعوبها، ثم وضعوها على مفترق طرق بين خيارات أحلاها مر، الاستسلام المهين بلا قيد ولا شرط، أو الموت والتهجير والتشريد.
في ظل مآلات هذا الوضوع، صار شعار بعضهم، خير لنا أن نصمت وأن نرضى بالواقع حتى لا نصير كسوريا، فيما أخذ بعض مشايخ السلطان يرددون مقولة “رئيس” السلطة الفلسطينية محمود عباس أن الأهم هو تأمين الغذاء والأمان، مستدلًا على ذلك بما ورد في سورة إيلاف “أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. متجاهلًا أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث في قريش، وهي في حالة مشهودة من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي. لكن حمل الدعوة وتبليغ الرسالة كان أهم من ذلك كله، وقد أدى ذلك إلى الصدام مع سادة المجتمع الجاهلي، وإلى حصار المسلمين في شعاب مكة وتجويعهم ومطاردتهم وتعذيب من يقع منهم في يد جلاوزة قريش، وصولًا إلى هجرة المسلمين للحبشة ثم المدينة المنورة؛ حيث أقام رسولنا الكريم الدولة الإسلامية الأولى التي تمددت فتوحاتها وهزمت فارس والروم. وصار للأمة عز ومجد تفتخر به جيلًا بعد جيل. ولو اكتفى المسلمون بالأمن والطعام والاستقرار أو تقوقعوا على أنفسهم عندما هاجروا إلى المدينة لما كان لهم شأن يذكر بين الأمم.
إن الثورات التي اندلعت في مجموعة من بلادنا كانت دليلًا جازمًا على أن الأمة لم تكن غير مبالية، فضلًا عن أنها لم تكن ميتة قط، كما توهم كثيرون، إنما كانت بانتظار فرصة للانقضاض على جلاديها، وعندما شعرت بوجود بصيص من أمل انتفضت بوجه الظالمين، وأظهرت أنها على أتم استعداد للتضحية بالغالي والنفيس لنيل الكرامة والخروج من حالة الذل والهوان. إلا أن الأمور سارت على غير هدي واضح، وبقيت مقدرات الأمة ومكامن قوتها بيد الخصوم والأعداء، وظل البديل المطلوب تحقيقه لدى القوى العاملة في الميادين مجملًا أو غامضًا أو بعيدًا عما يؤدي إلى تغيير صحيح.
لهذا يجب أن يكون العمل للتغيير قائمًا على وعي وبصيرة في الغاية والطريقة والبديل، وأن لا يكون تمردًا جامحًا وفق ردة فعل أو ثورة كيفما اتفق، وفي منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وطريقته خير نموذج للاتباع، فقد قام مع أصحابه رضوان الله عليهم بالعمل المنظم الهادف لتغيير المجتمع الجاهلي وإقامة الدولة الإسلامية، حيث عمل على نشر دعوته بالحجة البالغة، وعلى تكتيل الناس حول “لا إله إلا الله”، كما تم العمل لكسب ولاء أصحاب القوة والمنعة لها، حتى أكرمه الله بنصرة أهل المدينة، التي شكلت نقطة ارتكاز لإعلان الدولة الإسلامية، فحمت المسلمين، ونشرت الرحمة، وحكمت بالعدل، ورفعت راية الإسلام خفاقة عالية.