روسيا تخوض حربًا دينية استعمارية ضد مشروع الأمة
(الخلافة الإسلامية)
إن أي حرب تقودها الدول لا بد أن يقدم حكام هذه الدول مسوِّغات يبررون بها إعلان هذه الحرب أمام شعوبهم. وكثيرًا ما تكون هذه المسوِّغات غير حقيقية، يقوم الحكام باختلاقها أو بتزويرها، أو بتهيئة أجوائها، أو باستدراج الخصوم لإيجادها، أو بادعاء وجودها… لإقناع شعوبهم بها…
أما الحرب العالمية التي تقودها أميركا على الإسلام والمسلمين، فقد اجتمع في مبرراتها كل ما ذكرناه من اختلاق وتزوير وتهيئة أجواء، واستدراج وادعاء… واخترع لها شعار (الحرب على الإرهاب) وقامت أميركا بتهويش دول العالم على هذا الشعار حتى أصبح شعارًا عالميًا يتم التذرع به للتدخل في بلاد المسلمين، واستباحة دمائهم وأعراضهم والتهجم على دينهم، ومنع إقامة نظام الخلافة عليهم، وفرض أنظمة حكم علمانية كافرة عليهم، وتنصيب حكام عملاء لهم، حتى وتغيير خرائط دولهم من جديد عبر ما تسميه بـ (مشروع الشرق الأوسط الجديد) حتى لم يعد خافيًا على أحد أن هذه الحرب حقيقة هي على الإسلام وعلى مشروعه الرامي إلى إقامة دولة الخلافة، وأن المقصود بالإرهاب عند هؤلاء هو الإسلام، وبالإرهابيين هم المسلمون الذين يعملون لإقامة حكم الله في الأرض.
أما ما هو حظ روسيا من هذه الحرب الظالمة على الإسلام ومشروعه العظيم في إقامة الخلافة؟
إن روسيا، بعد سقوط المبدأ الشيوعي وفرط منظومة الدول التابعة له، قد عادت أدراجها في التفكير الإمبراطوري، بعد أن رأت نفسها أنها تمتلك معطم القوة العسكرية التي كان يمتلكها الاتحاد السوفياتي، وهي تقدمت على مسرح الصراع الدولي تريد أن يكون لها حظًا مما يجري من (الحرب على الإرهاب) واشتركت بناء على رغبة أوباما في مشاركته التدخل في سوريا لمصلحة دولته لقاء بعض المكاسب المتفق عليها بينهما… ولإبعاد أوروبا عن منافسة أميركا على استعمار المنطقة من جديد.
إن أكثر ما يلفت النظر في التدخل الروسي المباشر في سوريا والذي أعلن عنه تحت شعار (الحرب على الإرهاب) هو التنسيق الأميركي الروسي؛ فهذا التدخل بدأ في 30/09/2015م وهو اليوم التالي للقاء أوباما مع بوتين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/09/2016م، وهذا التنسيق قد تجلى بتوافق وزير خارجية أميركا كيري مع نظيره الروسي ضمن مؤامرة تقودها أميركا موزعة فيها الأدوار على عملائها، فارضة على الآخرين مشاركتها هذه الحرب على شروطها وبقيادتها. أما لماذا التركيز على سوريا بالذات؛ فذلك لأن سوريا، من بين كل الثورات التي قامت في وجه الحكام العملاء، كانت الأصدق في التعبير وفي الموقف، والأشد إصرارًا على رفض مخططات الغرب، والأكثر صبرًا على ما أصابها؛ فهي أبدت رفضًا جادًا لنظام أميركا العميل والذي أذاقها أبشع أنواع القهر والذل والإضلال والإفقار والتهميش… ورفضًا لإرادة أميركا في استبدال حكم عميل آخر ببشار، ورفضها الحلول التي تحاول أميركا فرضها عليها عبر مؤتمر جنيف.
مبررات التدخل الروسي:
أما المبررات التي اتخذتها روسيا أمام شعوبها لتلقى تأييدًا منها على تدخلها وتورطها في هذه الحرب القذرة على الإسلام والمسلمين فهو اللعب على وتر الدين والأقليات، فصورت لشعوبها أن دخولها في هذه الحرب هو لمصلحتها، فهي حرب على أعداء دينها من الإرهابيين الذين يريدون استعمار العالم بإرهابهم من جديد، وروسيا هي من ضمن أهدافهم، باعثة مشاعر الخوف والكراهية من هذه الظاهرة عليهم، نابشة لتاريخ حروب المسلمين معها، مصورة أن هذه الظاهرة تريد أن تصل إليهم وأن تفرض دينها عليهم، وقدمت لها كل المبررات التي تجعل هذه الحرب التي تخوضها روسيا هي حربًا مقدسة؛ فاستخدمت الكنيسة الأرثوذكسية من أجل ذلك، وهذه نشطت في الداخل والخارج، وكان مدار نشاطها حول تهجير مسيحــيي الشرق، والمطالبة بحماية حقوق المسيحيين بالشرق الأوسط، ودعوة المسيحيين إلى الوقوف في وجه الإرهاب، وجمع الكنائس الأخرى معها على الهدف نفسه. وفي التفاصيل:
إن نظام بوتين، كغيره من حكام أنظمة الدول الغربية الرأسمالية في استخدام الدين لأهدافهم التوسعية، استخدم في حربه على الإرهاب الكنيسة الروسية الأرثوذوكسية التي تدعي أنها تمثل 125 مليونًا من الأتباع، وهو حاول ويحاول أن يستفيد منها في إيجاد التأييد الشعبي له داخل روسيا وخارجها، وفي مباركة ما يقوم به الجنود الروس من إجرام تحت شعار (الحرب على الإرهاب) ومن ثم راح يوسع مهمة الكنيسة الأوثوذوكسية فيدفعها لأن تجمع معها سائر الكنائس (القبطية والكاثوليكية…) في مهمة إيجاد التجييش لمحاربة الإسلام تحت حجة محاربة الإرهاب، وتحت عنوان حماية المسيحيين أو الأقليات، وبالتالي إيجاد التأييد الدولي لما يقوم به من عدوان على أهل المنطقة من المسلمين. وأمام هذا الواقع، نجد أنفسنا أمام قائدَين طموحَين: بوتين رئيس الدولة الطموح، وكبريل رئيس الكنيسة…..
أما بوتين فهو يسعى لأن يعيد أمجاد الإمبراطورية الروسية، بأن يصبح (القيصر العظيم)، أو أن يضم اسمه إلى سجل الأباطرة العظماء في تاريخ الإمبراطورية الروسية، ومن الأعمال الخالدة بنظر الروس التي تجعل حكامها أباطرة أمران:
1- التوسع في احتلال الأراضي، وضم هذه الأراضي إلى الدولة وجعلها إمبراطورية مترامية الأطراف وقد كان هذا يتم مع كل إمبراطور، فقد ابتدأت روسيا دوقية ووصلت لأن تكون إمبراطورية مترامية الأطراف، تتوسع مع كل إمبراطور…
2- السعي الدائم للخروج مما تعتبر نفسها محاصرة فيه جيولوجيًا بما يسمى الخروج إلى المياه الدافئة؛ وذلك لأن روسيا دولة قارية كبرى، وهى تعاني تاريخيًا وجغرافيًا من البحار المغلقة أو المياه المتجمدة؛ لذلك فهى تسعى دائمًا نحو البحار المفتوحة، أو المياه الدافئة كما يطلقون، وظل سعيها دؤوبًا للسيطرة على مناطق خارج حدودها…
فروسيا تقوم حدود دولتها على التوسع، وهي ليست ثابتة في أذهان أباطرتها، والخروج إلى المياه الدافئة هو أحد أهم أهداف اباطرتها…وهي تعتمد في ذلك على القوة فقط، وهذه النظرة موجودة منذ ما قبل الاتحاد السوفياتي، وكان أباطرتها العظام بنظرهم كإليزابت وبطرس الأكبر وألكسندر الأول… كانوا يقومون بذلك، ثم مع تبني المبدأ الشيوعي استطاعت أن تحقق ذلك الهدف بيسر باسم هذا المبدأ، ثم هي تقلصت إثر سقوط الاتحاد السوفياتي وفرط منظومته، ثم هي الآن تسعى ذلك المسعى من جديد مع بوتين…
ومن هنا، فإن أميركا ودول أوروبا الغربية تنظر إلى الأطماع الروسية من خلال هذه النظرة، فهي قامت باحتلال شبه جزيرة القرم مؤخرًا بحجة حماية الروس الذين يعيشون فيها، وتنظر إلى سائر الدول التي تجاورها بالنظرة نفسها؛ لذلك تتخوف دول أوروبا الغربية من هذا الوحش الروسي القابع على حدودها والمهدد لها، ومن هذا المنظور تعتبر الخطر الروسي خطرًا وجوديًا قابعًا على حدودها، وخطرًا على أميركا من زاوية التنافس الدولي على مركز الدولة الأولى في العالم. وهو لا يقل خطرًا عليها عما يشهده العالم من حرب على الإرهاب. فالكل متفق على محاربة الإرهاب أو الإسلام. ولكن كل دولة من هذه الدول (دول أوروبا وأميركا وروسيا) وهي تحارب الإرهاب (الإسلام) تحذر غيرها، وتعمل جادة على تعزيز موقفها في المحاربة، تمامًا كما حدث في الحرب العالمية الثانية حين كان محور الحلفاء يضم الدول الأوروبية المشتركة فيها مع روسيا وأميركا، ولكن الانتصار الذي حققه هؤلاء لم يحصد ثماره إلا أميركا وروسيا. أما أوروبا فقد دفعت الثمن غاليًا حيث دمرت ووصل اقتصادها إلى الحضيض؛ ما جعلها تحتاج إلى أميركا لتنهضها اقتصاديًا، فكان لها ذلك كنوع من الاستعمار الجديد والخضوع للسياسة الأميركية واستجداء أميركا إبقاء قواتها في أوروبا لحمايتها من الدب الروسي المخيف، الدائم النظر إلى التوسع والاحتلال وإلى الخروج إلى المياه الدافئة… وهكذا يتم التعامل الآن مع الحرب على الإرهاب من ناحية الصراع الدولي. ومن هذه الزاوية يمكن أن تنقلب المواقف رأسًا على عقب، أو سرعان ما تتبدل المواقف والتحالفات، وتطفو الأهذاف الخفية على السطح، في حال تم القضاء على تنظيم الدولة، وتم إعلان انتهاء الحرب على الإرهاب. ومن هنا يظهر أن أجندات الدول الداخلة في هذه الحرب متداخلة، متغايرة، متباعدة، متنافرة…
فظاهر الأمر مع بوتين أنه يريد محاربة الإرهاب، وفي الحقيقة هو يريد من خلال حربه على الإرهاب أن يحارب عودة الإسلام إلى المسرح الدولي عن طريق منع المسلمين من إقامة دولة الخلافة، وكذلك هو يريد أن يحافظ على التواجد العسكري لروسيا في سوريا في ظل أي نظام جديد سيحكم سوريا، بل قل أن يفرض ذلك… فروسيا اليوم تراهن على نظام الأسد باعتباره الضامن الباقى للنفوذ الروسي شرق البحر المتوسط، والذى يفتح لقاعدتها البحرية موقعًا على المياه الدافئة، وهي تتدخل في الصراع في سوريا من هذا الباب، والذى يعنـيها هو أن يظل نظام الأسدـ أو بديله ضامنًا للمصالح الروسية بالتواجد فى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط… إنه «الدب» الروسي الذى يسعى دائمًا إلى المياه الدافئة، ويغلف أهدافه القومية بمبادئ دولية ومصالح إقليمية ويطرح مبدأ حماية المسيحيين والأقليات، وهو دب يده ثقيلة في مسعاه هذا.
أما كبريل، فإنه لم يكمل في منصبه كرئيس للكنيسة الروسية الأورثوذكسية الثلاث سنوات، وهو خلفَ البطريرك ألكسي الثاني الذي استطاع توحيد الكنيسة في الداخل، مع فرعها في الخارج وتحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية، واعتبر هذا الأمر إنجازًا دينيًا وسياسيًا هائلًا ساهم بعودة روسيا إلى الساحة الدولية. وهو، أي كبريل، شخصية دينية تنزع إلى السياسة، ويتطلع إلى إعادة إحياء روسيا القيصرية مستغلًا موقعه لتعزيز هذا التوجه، وهو في هذا التوجه يلتقي مع تطلع بوتين ونزعته الإمبراطورية من خلال مد الجسور العقائدية مع العالم؛ حتى إن المقارنات تعقد بينه وبين أحد أهم وأشهر بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المعروف بالبطريرك نيكون الملقب بالمصلح الكبير أو الحاكم الأكبر (1605م – 1681م)، والذي تمتع بسلطة روحية، وبقوة تأثير ونفوذ سياسي غير مسبوق وكذلك هي شخصية البطريرك كيريل، فإنها تنحو لجهة السياسة، فهو بطريرك روسي بدرجة سياسي ودبلوماسي يتجاوز دوره الكنسي إلى ما هو أهم وأخطر في إعادة إحياء روسيا القيصرية عبر استخدام الصبغة الدينية، ومن خلال مد الجسور العقائدية مع العالم. وهذا الدور يزعج أميركا ويجعلها تنظر إليه بقلق. ويبين ذلك التقرير الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية العام الفائت ويذكر أن: «الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تشهد مزيدًا من النفوذ السياسي في روسيا، وجاء في التقرير أيضًا أن «مراقبين أعربوا عن قلقهم من تزايد السلطة السياسية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية»، فدائما ما وقف المسؤولون الحكوميون على رأي مسؤولي الكنيسة في سياساتهم، ويحق للكنيسة أن تدرس أي قانون سيطرح على البرلمان» (الشرق الأوسط/إميل أمين 6 ديسمبر 2011)
والشواهد كثيرة على قيام الكنيسة الروسية بدور سياسي متجاوزة تعاليمها يصب في مصلحة سياسة دولتها:
موسكو تستخدم الكنيسة الأرثوذكسية:
ومن الشواهد على موضوع إظهار اهتمام روسيا بمسيحيي سوريا بالذات:
– إهداء روسيا تمثالًا برونزيًا ضخمًا جدًا للمسيح الذي نصب على قمة جبل «شيروبيم» في بلدة صيدنايا بريف دمشق. وضخامة التمثال تطلبت لنصبه 3 أيام من العمل، كما جعلت بالإمكان مشاهدته حتى من لبنان والأردن وفلسطين، نظرًا لوضعه على ارتفاع يتخطى ألفي متر. والنصب عبارة عن عمل مؤلف من 3 أجزاء يضم تمثالًا برونزيًا للمسيح مع نصبين آخرين لآدم وحواء. (زمان الوصل 20/10/2013)
– أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية عن استعداد الكرملين لبحث طلب نحو 50 ألف سوري منحهم الجنسية بمجرد استلام طلبهم الجماعي. (عكس السير 19/10/2013)
ومن الشواهد على قيام تعاون وتنسيق وثيق بين الدولة الروسية وكنيستها:
– قيام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بإجراء مقابلات منتظمة مع وزارة الخارجية الروسية لمناقشة أجندتها خارج الحدود الروسية، إذ استشعر لديها بعض الخبراء حماسة لدعم الكرملين في مواقفه (الشرق الأوسط/إميل أمين: 20 نوفمبر 2012)
في نهاية عهد رئيس وزراء روسيا بوتين، وخلال حملته الانتخابية للحصول على فترة رئاسية ثالثة، وصف البطريرك كيريل بوتين بأنه «معجزة الرب» (الشرق الأوسط/إميل أمين: 20 نوفمبر 2012)
– مشاركة الرئيس فلاديمير بوتين في قداديس الكنيسة بشكل منتظم (العربية نت: 30 سبتمبر 2015م)
– وأفادت الصحيفة أن الرئيس الروسي الجديد فلاديمير بوتين قد سعى قبل ثلاثة أشهر ونصف شهر من أجل تحقيق فوز ساحق، إلى حشد دعم الرموز الدينية في بلاده، متعهدًا تخصيص عشرات ملايين الدولارات لإعادة بناء أماكن للعبادة وتمويل الدولة المدارس الدينية. غير أن رئيس الدائرة البطريركية للعلاقات الخارجية في الكنيسة المطران هيلياريون طلب من الرئيس بوتين عوض المال أن يقطع له وعدًا بحماية الأقليات الدينية في المنطقة. (الشرق الأوسط/إميل أمين: 20 نوفمبر 2012)
ومن الشواهد على تقاطع مهمة البطريرك كبريل مع أغراض أصحاب القرار السياسي.
– زيارة البطريرك كيريل (اسمه العلماني فلاديمير غونديايف) إلى سوريا في هذا التوقيت الملتهب هي زيارة دينية ذات خلفية سياسية. ورأى نائب رئيس دائرة البطريركية للعلاقات الخارجية في الكنيسة نيكولاي بالاشوف أن الزيارة نجحت في تسليط الضوء على الاهتمام الروسي بالأوضاع في سوريا، متغلبة على ما سماه «حصارًا معلوماتيًا» تعتمده التغطية الإعلامية الأحادية للصراع القائم في البلاد. وأضاف: «إن الازمة الأخيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط زادت أهمية تدخل الكنيسة مباشرة في السياسات الخارجية». [نيويورك تايمز] وعلقت الصحيفة بما يلي: «وهذه الزيارة الأخيرة التي قام بها بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية إلى سوريا قد ألقت بظلالها على المساحة التي تتقاطع فيها مهام رجال الدين مع أغراض رجال السياسة، وذكرت أن هناك مخاوف على مستقبل مسيحيي سوريا في حال إرغام الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي وترك السلطة» (الشرق الأوسط/إميل أمين: 6 ديسمبر 2011)
ومن الشواهد على سعي الدولة الروسية لتبني حماية المسيحيين في سوريا:
– أعلن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا أن بلاده تدرس في الوقت الراهن احتمال التوجه إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بمبادرة لاستصدار قرار أممي لحماية المسيحيين في الشرق الأوسط، ويعكف خبراؤنا في الوقت الراهن على تحضير مشروع لمثل هذا القرار، وقال خلال جلسة طاولة مستديرة في موسكو، وكرّست لبحث أوضاع مسيحيي المشرق: «إن العمل مستمر وبشكل هادف عبر قنوات وزارة الخارجية الروسية لتوحيد جهود المجتمع الدولي على صعيد حماية مسيحيي المشرق» (البعث: -تاريخ13-11-2014)
– أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي له اليوم مع الرئيس السوري بشار الأسد، عن قلقه لما أسماه «اضطهاد وتصفية المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى» من قبل المتطرفين في سوريا. (مركز الشرق العربي28/9/2016).
– أعلن لافروف: «الشرق الأوسط هو مهد المسيحية، ويعيش المسيحيون في المنطقة منذ ألفي سنة، وعلينا أن نحول دون خرق النسيج الحضاري في هذه المنطقة».
– قال مفوض الخارجية الروسية لحقوق الإنسان قسطنطين دولغوف إن عدد السكان المسيحيين في سوريا منذ بداية النزاع المسلح تراجع من 2.2 مليون نسمة إلى 1.2 مليون (مقابلة مع صحفية إيزفيستيا نشرت في 29/12/2015)
الكنيسة الروسية تنشط مع الكنائس الأخرى للعمل على حماية المسيحيين في سوريا.
– تعانق البابا فرنسيس ورئيس الكنيسة الروسية الأرثوذكسية البطريرك كيريل وتبادلا القبلات في العاصمة الكوبية هافانا بعد نحو ألف عام من انفصال الأرثوذكس الشرقيين عن روما… وقال البابا فرنسيس «أخيرًا» لدى دخوله هو وكيريل من بابين متقابلين لحجرة في مطار هافانا لبدء محادثات مغلقة. وأضاف البابا «نحن إخوة»… وفي اعلان مشترك، عبر رئيسا الكنيسة الكاثوليكية وأكبر كنيسة أرثوذكسية عن الأسف «للجروح الناجمة عن نزاعات في الماضي البعيد والقريب» بين المسيحيين… وقال البابا فرنسيس إن «الاتحاد بات على الطريق الصحيح» بهذا اللقاء غير المسبوق منذ الانقسام الذي حدث في 1054 بين كنائس الشرق والغرب.
– استقبل البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وعموم روسيا، اليوم الأربعاء بمقره الكنسي بالعاصمة الروسية، البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية حيث جرت مناقشة آفاق التعاون واستئناف الحوار بين الكنيستين الروسية والمصرية وأوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط… وأعرب البطريرك كيريل سعادته لاستئناف الحوار بين الكنيستين وقال: «من الضروري استئناف الحوار بيننا، والذي بدأ في العام 1985 ولكنه للأسف، توقف بعد ذلك»… وعبر البابا تواضروس عن حرص الكنيسة القبطية المصرية على مواصلة التعاون والتقارب والتفاهم مع الكنيسة الروسية، وقال : «توجد الكثير من الهموم المشتركة، التي تهم الكنيستين المصرية والروسية، وعلى رأسها أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط».
– أشار البطريرك كيريل إلى عراقة وقدم العلاقات بين الكنيستين الروسية والسورية مبينًا أن روسيا كانت على الدوام تجد من واجبها العمل على مساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط عندما ينشأ خطر عليهم.
ومن الشواهد على أن الكنيسة تدعم الدولة وتدعو إلى ضرب الإرهاب لحماية المسيحيين.
– أعربت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا عن دعمها قرار موسكو شن غارات جوية في سوريا ووصفت ذلك بانه «معركة مقدسة». (قريش: 30/09/2015)
– نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن رئيس قسم الشؤون العامة فسيفولود تشابلن أن «القتال ضد الإرهاب هو معركة مقدسة اليوم، وربما تكون بلادنا هي القوة الأنشط في العالم التي تقاتلها».
– وأعلن رئيس قسم الشؤون العامة فسيفولود تشابلن أن الكنيسة تدعم قرار روسيا نشر قواتها الجوية في سوريا لمهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية. وأضافت أن «هذا القرار ينسجم مع القانون الدولي وعقلية شعبنا والدور الخاص الذي تلعبه بلادنا دائمًا في الشرق الأوسط».
كيان روسيا اتحادي… فسيفساء قابل للفرط والانهيار
يقوم كيان الدولة في روسيا على جملة من التناقضات، تستحق أن تفهم، وأن تقرأ، لتساعدنا على فهم أفضل لهذا البلد، ولتساعدنا على وضع تصور لكيفية مواجهته… إن هذا الواقع الذي قامت عليه الدولة الروسية على مدى قرون وجعل من روسيا دولة كبرى مترامية الأطراف (هي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، حيث تغطي نسبة ثمن مساحة الأرض بمساحة 17,075,400 كيلومتر مربع) لا بد من الوقوف على حقائق متعلقة بتكوينه السياسي والديموغرافي لتعرف مواطن القوة ومواطن الضعف فيه. فروسيا هي (اتحاد فيدرالي مكون من 83 كيانًا يضم 21 جمهورية معظمها يتمتع باستقلال ذاتي في شؤونها الداخلية، وتمثل كل جمهورية مجموعة عرقية واحدة أو أكثر في مجملها، و46 أوبلاست (إقليم مستقل ذاتيًا) و9 كرايات (مقاطعات مشابهة لأوبلاست إلا أنها غالبًا ما تكون مناطق نائية بأعداد قليلة من السكان) و4 أوكروجات (منطقة ذات استقلال ذاتي) ومدن فيدرالية (هي مدن كبرى تحت الإشراف المباشر للسلطات الاتحادية وتتصرف كمناطق منفصلة) وينتمي سكان الاتحاد الروسي إلى 160 مجموعة عرقية مختلفة يتحدثون نحو 10 لغات. وهي تاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بأكثر من 143 مليون نسمة. تمتدُّ روسيا في شمال آسيا و40% في أوروبا).
إن الناظر في تكوين هذا الكيان المتعدد الكيانات والمختلف الأعراق… يجد أن عامل التوسع والاحتلال الذي لازم تفكير أباطرتها وكان عاملًا في توسعها حتى غدت تلك الدولة الكبرى، هو نفسه عامل ضعف وعامل تفكيك وفرط لها. فهذا الاتحاد تم تجميع وضم مكوناته من خلال الاحتلال العسكري المباشر أو سياسة الاحتواء التي تقوم على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعمل المخابراتي… وما حدث مؤخرًا من احتلال روسي لشبه جزيرة القرم وفصلها عن أوكرانيا لهو مثال حي عن الأطماع الروسية في الاستحواذ على المزيد من الأراضي، وسبق ذلك مناطق أبخازيا وأوسيتيا بعد اقتطاعها من دولة جورجيا، وهي تمتلك في أجندتها قائمة من الدول التي تريد أن تضمها… هذا الوضع من الاتحاد الفيدرالي يشكل حالة غير مستقرة في الدولة الروسية قد تؤدي إلى انهيارها في أي لحظة كما انهار من قبلها الاتحاد السوفياتي واتحادات أخرى، وقد عبر بوتين صراحةً عن هذه المخاوف ومنها محاولة استقلال جمهورية الشيشان عن روسيا في شمال القوقاز، والذي قمعه بوحشية في حرب دامية استمرت بين عامي 1999م و 2009م. وفي سلسلة من المقابلات التي أجراها عام 2000م أعلن بوتين أن «جوهر الوضع في شمال القوقاز وفي الشيشان هو استمرار لانهيار الاتحاد السوفياتي وإذا لم نفعل شيئًا بسرعة لوقفه فإن روسيا كدولة في شكلها الحالي سينتهي وجودها، وكنت مقتنعًا أنه إذا لم نوقف على الفور المتطرفين في الشيشان، فسوف نواجه يوغوسلافيا جديدة في كامل أراضي الاتحاد الروسي». ويذكر أن بوتين يعاني عقدة تجاه انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث وصفه في عام 2005م بأنه «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين». وهو لا بد أنه يتخوف وبشدة على هذا الكيان الاتحادي من الفرط والانهيار في حال سمح لدولة الخلافة أن تصل إلى الحكم، خاصة وأن دولة الخلافة هذه سيكون لها حدودًا مع هذا الاتحاد الفيدرالي، وبالأخص أن فيها مسلمين تصل نسبتهم إلى 20% من مجموع عدد السكان.
ومرة أخرى تظهر الحاجة ماسة إلى إقامة دولة الخلافة لحل كل مشاكل المسلمين، ولوضع حد للعدوان عليهم من كل حدب وصوب، ومنه ذلك العدوان الروسي السافر المجرم الذي لن يمر، إن شاء الله تعالى، من غير حساب. قال سبحانه: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة]
هذا الذي بسطناه في هذه الكلمة يفسر سبب هذه المؤامرة الكونية واجتماع ملل الكفر على منع عودة دولة الخلافة الإسلامية التي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستكون في آخر هذا الزمان حيث قال: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» والتي يعمل لها حزب التحرير، وإنها لكائنة بإذن الله، ﴿… وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم]q