تونس الخضراء تستعيد تاريخها الأخضر الوضَّاء
2016/11/27م
المقالات
2,504 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
تونس الخضراء تستعيد تاريخها الأخضر الوضَّاء
أبو المعتصم – فلسطين
لقد رسم الغرب الحاقد الماكر سياسات خبيثة لبلاد المسلمين، في مرحلة الثورات ضد الاستعمار الأول، بعد هدم الخلافة العثمانية، وكان من هذه السياسات الحيلولة دون الأمة وتاريخها وحضارتها؛ كي لا تستأنف الأمة هذا التاريخ المشرق والحضارة السامية؛ فانتهت هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الشعوب المسلمة ( مرحلة الثورات ضد الاستعمار)؛ بإخراج الاستعمار العسكري من كل بلاد المسلمين تقريبًا، لكنه بقي سياسيًا وفكريًا، عن طريق العملاء السياسيين والفكريين. ومن تلك البلاد التي خاضت غمار هذه المرحلة العصيبة (تونس الخضراء)؛ حيث بذل أبناء تونس الأباة المناضلون، تضحيات عظيمة وشهداء كثيرين لإخراج هذا المستعمر المغتصب تمثلت في ثورات عظيمة كان من أبرزها: ثورات القبائل المتعددة، التي بدأت من جامع عقبة بن نافع في القيروان، في بداية الغزو العسكري لتونس سنة 1881م، ثم امتدت هذه الثورات إلى مناطق عديدة في تونس في عهد هذا الاستعمار، وحربه للسيطرة على تونس، وخاصة في مناطق الجنوب ومناطق الساحل، وغيرها من مناطق في طول البلاد وعرضها، ثم كانت الثورات المنظمة من بداية سنة 1907م، ثم في سنة 1915م-1918م، وكذلك ثورات جامع الزيتونة 1952م التي قادها عدد من علماء الزيتونة، واستمرت هذه الحركة الجهادية التحررية من الثورات والمظاهرات، المنظمة وغير المنظمة، حتى سنة 1954م، وانتهت هذه الثورات والحركات الجهادية، وللأسف، بالمؤامرة الصورية الهزلية التي سميت بمعاهدة الاستقلال سنة 1956م، وتولى أحد رجالات الثورة – من عملاء الاستعمار – الحكم بتآمر مع الاستعمار الفرنسي وهو ( الحبيب بورقيبة)!!.
إن هذه التضحيات العظيمة وللأسف – ونتيجة غياب الوعي على الأهداف والغايات والتاريخ – قد استغلها المستعمر والتفّ على شعبها المناضل المثابر، فاستبدل الاستعمار العسكري بالاستعمار السياسي، فجاء بعملاء سياسيين بعد مرحلة الثورات مباشرة، وكان آخر هؤلاء العملاء حكومة (بن علي) التي ثار عليها أبناء تونس الأخيار الكرماء.
إن الاستعمار وعملاء الاستعمار السياسيين والفكريين قد حاولوا بكل ما أوتوا من قوة وطاقات وجهود وأموال – في الداخل والخارج – طمس هوية الشعب المسلم في تونس وفصله عن تاريخه وفكره وحضارته العريقة، وحاولوا كذلك نشر الفكر الغربي الوضيع في الشارع التونسي؛ مثل الحريات بكافة أشكالها، والديمقراطيات، وعملوا كذلك على نشر الرذيلة والأخلاق الفاسدة داخل المجتمع التونسي عن طريق القوانين القسرية؛ مثل تجريم الخمار ومنعه في الحياة العامة والخاصة في القانون 108 سنة 1981م، واعتبار الحجاب مظهر طائفي، ومنع تعدد الزوجات، ورفع سن الزواج إلى 20سنة عند الذكور و17 سنة عند الإناث في سنة 1957م؛ وذلك إبان حكم بورقيبة، وعملوا على نشر الفساد والرذيلة عن طريق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعن طريق السياحة، وعن طريق الاتصال المباشر مع أوروبا، وحاول الاستعمار أيضًا طمس اللغة العربية داخل المجتمع التونسي، واستبدال هذه اللغة باللغة الفرنسية ( فرنسة تونس)، إلى غير ذلك من سياسات تهدف إلى طمس هوية هذا الشعب وتاريخه وحضارته.
إلا أن ارتباط الشعب المسلم في تونس بتاريخه ولغته وحضارته كان أقوى من كل تلك المحاولات الإجرامية الخبيثة؛ حيث فاجأ – هذا الشعب المثابر العظيم – المستعمر الغاشم في أكثر من مرة بأنه شعب عريق، متصل بتاريخه وحضارته، ويرفض مشاريع الغرب وسياسته الوضيعة.
فكانت (المفاجأة الأولى) بعد سنوات طويلة من العمل الاستعماري – فكريًا وسياسيًا – وهي أنه برز من أبناء تونس من يدعو لإعادة الخلافة الإسلامية التي هدمها المستعمر من بلاد المسلمين، وقسم المسلمين بعدها إلى دول ودويلات؛ وذلك في بداية السبعينات من القرن الماضي. فجُنَّ جنون الغرب وأوعز إلى عملائه من حكام تونس باستخدام أقسى ألوان القمع والتنكيل لإزالة هذا الخطر الداهم من أرض تونس، فكانت الاعتقالات والسجون والتعذيب لدعاة هذا الفكر الأصيل في عهد بورقيبة وخلفه بن علي؛ فكانت الاعتقالات سنة 1981م-1983م في عهد بورقيبة، واعتقالات1990م- 2007م- 2009م في عهد بن علي، وبلغ الأمر بهذه الحكومات أن تضع القيود على الصلاة في بيوت الله عز وجل، ولكن هذه الحرب السافرة الإجرامية لم تثنِ هؤلاء الدعاة عن هدفهم وعن عملهم نحو التغيير؛ فاستمر العمل حتى داخل السجون، واستمر داخل تونس وخارجها!!.
ثم كانت (المفاجأة الثانية للغرب الكافر المستعمر) – عدو الله ورسوله وأمة الإسلام – وهذه المفاجأة كانت لا تقلّ أهمية عن سابقتها، إن لم تكن متأثرة بها؛ وهي رفض الشعب المسلم في تونس لعملاء الغرب السياسيين وسياساتهم وأعمالهم، والثورة العارمة ضدهم.. حيث انفجرت الثورة في سنة 2010م -لا أقول ضد بن علي – ولكن ضد عملاء الغرب وسياساته وفكره؛ العاملة في تونس لطمس هوية تونس وتاريخها، واستمرت هذه الثورة تطالب بإعادة تونس إلى تاريخها وحضارتها، لكن هذا الغرب بخبثه ودهائه وسياساته الماكرة استطاع أن يلتف على الثورة ويغير المسار قليلًا، ويحرفه عن وجهته الصحيحة، تمامًا كما فعل بالثورات الأولى في عهد الاستعمار؛ وذلك بمساعدة البعض من عملائه داخل تونس؛ وخاصة ممن ادعوا حرصهم على الثورة وأهدافها وغاياتها؛ من بعض الأحزاب الوطنية والإسلامية. وبدل أن يصل الشعب إلى غايته وهدفه السامي في ربط تونس بتاريخها وحضارتها؛ أصبح الهدف عند هذه الأحزاب العميلة الالتفاف على الثورة لربط تونس بأهداف الاستعمار، وإبقاء التبعية السياسية وقمع من يدعون إلى التغيير الحقيقي الصحيح. فهل انتهت الثورة عند هذا الحد؟ وهل استطاع قادة هذه المرحلة من عملاء الاستعمار، وقادة هذا الفكر الساقط إقناع الشعب المسلم في تونس بأن هذا هو الهدف، وان الشعب قد حقق غاياته وأهدافه؟ وهل سكت شعب تونس العظيم عن أهدافه السامية الجليلة النبيلة العريقة.!!.
إن هذه الأسئلة وغيرها قد أجابت عنها (المفاجأة الثالثة لعملاء الاستعمار) وأهدافه وغاياته؛ وهذه المفاجأة الجديدة كانت التوجه العام عند الشعب المسلم في تونس نحو تاريخه وحضارته، والمطالبة صراحة بإعادة حكم الإسلام، وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، واتهام هذه الزمرة المارقة بالتبعية والعمالة لقوى الشر والكفر، وارتباطها بالحقبة السابقة من الظلم والظلام.. لقد تمثلت مظاهر الرفض عند الشعب التونسي لهذه الزمرة المارقة الجديدة بعدة أعمال وأقوال كان أبرزها:
1- تجدد المظاهرات في معظم المدن التونسية ضد الظلم والفساد، وخاصة ضد الفساد الاقتصادي والسرقات، والمحسوبيات المستشرية في كل المجالات الاقتصادية.
2- عدم مشاركة غالبية الشعب التونسي للانتخابات الهزلية التي حصلت بعد الثورة، وكان لسان حال الشعب يقول نحن نفهمكم، ونفهم هذه الانتخابات المضللة؛ مرة للتأسيسي؛ ومرة للتشريعي.. ولا يوجد أي تغير ملموس على الواقع.
3- اتهام الشعب في تونس لقادة الأحزاب الجديدة بسرقة الثورة، والعمل للمصالح الخاصة، ومن ثم مطالبتهم بالرحيل صراحة؛ لأنهم امتداد لمرحلة الفساد السابق (مرحلة حكم بن علي).
4- التفاف الشعب حول قادة العمل الإسلامي الصحيح في تونس، وتنامي التأييد لهذا العمل يومًا بعد يوم، وخاصة بعد انكشاف قادة الثورة الجدد ممن سلمهم الاستعمار مقاليد الأمور، وانكشاف برامجهم السياسية والفكرية، وخاصة (حركة النهضة)؛ بعدما ظهر ما ظهر من دعوتها للرذيلة، وإباحة الشذوذ، والدفاع عن المثليين، وتمرير قانون تشريع بيع الخمور، وتشجيع السياحة وما يرتبط بها من فساد أخلاقي وعُري على الشواطئ، وكذلك دعم الحكومات المتعاقبة الفاسدة وإضفاء الشرعية على وجودها واستمراريتها في الحكم… إلى غير ذلك من أعمال وأقوال لا يرضاها الله ولا رسوله ولا المؤمنون!!.
لقد نجح حزب التحرير في العام الماضي 2015م نجاحًا منقطع النظير في عقد مؤتمر الخلافة الرابع؛ في قاعة الرياضة بالمنزه (القبة) في العاصمة تونس، تحت عنوان (شمال أفريقيا مرتكز لدولة كبرى) ؛ رغم كل محاولات الصد والرد والتضليل الإعلامي والسياسي لثني الناس عن حضور المؤتمر العظيم، إلا أن المحاولات باءت بالفشل الذريع، وانعقد المؤتمر، وكان الحضور ردًا واضحًا لقادة تونس الجدد بأنكم لستم قادة هذا الشعب، وإنما أنتم عبارة عن واجهات فرضت نفسها بالقوة على رقاب الناس، وإن القادة الحقيقيين هم من استطاعوا أن يجمعوا حولهم هذه الأعداد الضخمة من الناس رغم كل حملات القمع والتضليل والحرف عن المسار!!.
وفي هذا العام بدأ الحزب بالتحضير للمؤتمر الخامس بعد الثورة، بمناسبة هدم الخلافة في قاعة قصر المؤتمرات في العاصمة تونس، وبدأ أيضًا بشكل مواز العمل للصد والرد والتضليل من قبل الحكومة، وقد خرجت أصوات عديدة داخل تونس، تطالب بحظر حزب التحرير نهائيًا، واعتباره منظمة إرهابية يجب ملاحقتها، وإلغاء كل أعماله السياسية والفكرية داخل تونس؛ لكن هذه الخطوة لم يتجرأ القادة داخل تونس على تنفيذها خوفًا من كشف حجمهم الحقيقي أمام هذا الموج العالي المتدفق، وخوفًا من الزلزال والبركان الذي سوف يثور في وجوههم، تمامًا كما ثار في وجه سلفهم بن علي وقادة الفساد الجدد القدماء. وإذا ما أقدمت هذه الحكومة ورجالاتها المهزومون على هذه الخطوة الشريرة فسوف تكون – بإذنه تعالى – بداية النهاية لهذه العصابة، وسيكون مثل ذلك هو كمثل من يحاول تغطية الشمس من أن يصل نورها إلى الأرض، أو كمن يحاول وضع حواجز أمام الريح العاصف كي يوقفها عن الحركة ومتابعة السير، أو وضع الحواجز أمام موج البحر المتدفق ليوقف مسيرها نحو الشاطئ!!..
إن ما يجري في تونس الخضراء هذه الأيام نسأل الله العلي القدير أن يكون بداية الخير العميم؛ الذي سوف يمتد- بإذنه تعالى- إلى كل الشمال الأفريقي؛ لتكون تونس بالفعل مرتكز لدولة كبرى لتنطلق بعد ذلك ويضم كل العالم الإسلامي في دولة واحدة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ثم تنطلق هذه الدولة لتستأنف المسيرة من جديد إلى كل العالم؛ لتعود تونس وكل بلاد المسلمين مركز الإضاءة والنور في ظل هذا الظلام الدامس وهذا الظلم المستشري على وجه الأرض.
أما مكر الغرب وسياساته الخبيثة، وسياسيات عملائه داخل تونس وخارجها فإنها ستذهب هباء منثورًا، ولن ينال أصحابها سوى الخزي في الحياة الدنيا، وفي الآخرة… فالله سبحانه أقوى وأسرع مكرًا من مكر كل هؤلاء وهؤلاء، قال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ). وإرادته سبحانه فوق كل إرادة، وسيبزغ فجر الإسلام من تونس الخضراء جبرًا عن كل قوى الاستعمار لتستأنف تاريخها الأخضر الوضاء بإذن الله عز وجل؛ قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ). صدق الله العظيم .
2016-11-27