دونالد ترامب وكلينتون… ونظريتي قيادة العالم والهيمنة عليه
2016/11/27م
المقالات, كلمات الأعداد
4,713 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
دونالد ترامب وكلينتون…
ونظريتي قيادة العالم والهيمنة عليه
قال المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية (دونالد ترامب) إنه سيفكر بجدية في إغلاق عدد من المساجد، ووضع عدد آخر تحت الرقابة، كما تعهد بإصدار هويات شخصية خاصة للمسلمين، وربما إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل وتتبع جميع المسلمين المقيمين في أميركا، وأنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووصف المرشح الرئاسي الأميركي (دونالد ترامب) السعودية بالبقرة الحلوب؛ التي تدر ذهبًا ودولارات… مطالبًا النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته، كبديل عن الحماية التي تقدمها القوات الأميركية لآل سعود داخليًا وخارجيًا، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة، ولم يعط الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بذبحها، أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها. وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أميركا، وأعداؤها، وعلى رأسهم آل سعود، كما نوه ترامب للكويت، وأنها لم تدفع ثمن تحريرها من الغزو العراقي لها، وأنها لم تدفع أكثر من 16 مليار دولار.
وقال ترامب في مناظرة مع المرشحة الديمقراطية (هلاري كلينتون): (يجب إعادة النظر في كل الاتفاقيات التجارية مع البلدان الأخرى ومراجعة الاتفاقيات الدفاعية مع اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك تحدث عن إيران والصين وغيرها. وقد وصف بعض الساسة الأميركان (ترامب) بالغباء والجهل بالسياسة، وعدم إلمامه بالأساليب الدبلوماسية في خطاباته، وعدم إدراكه للمهددات الأمنية للأمن القومي الأميركي. قد يكونون هؤلاء محقون في وصف خطابات (ترامب) بهذه الأوصاف، وقد تكون هذه هي شخصيته، ولكن ما لا يجب أن يُغفل عنه، هو أن ترامب هذا مرشح عن حزب يعتبر من أعرق الأحزاب في أميركا، سيما وأن جميع المرشحين للرئاسة في الحزب الجمهوري قد انسحبوا لصالحه، مما يشير بقوة إلى أنه المرشح المفضل لدى الجمهوريين، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن ترامب يمثل توجه الحزب الجمهوري، وهو ما اصطلح عليه «بسياسة الهيمنة على العالم»، في مقابل» قيادة العالم»، وقد أثار هذا الأمر جدلًا واسعًا بين الأميركيين، ليس على المستوى السياسي والفكري فحسب، بل حتى في المستويات الأدنى.
لقد مرت أميركا بهذه الحالات الجدلية الواسعة، ثلاث مرات، وقد تمخضت عنها في الحالتين الأولى والثانية تحولات كبيرة جدًا في السياسة الخارجية الأميركية، وكانت الأولى عند قيام الدولة الأميركية، والتي نشأت أساسًا على الحرية، وكان شعبها يعشق الحرية ولا يرضى عنها بديلًا. فكان الجدل محتدمًا حينما طرحت فكرة تكوين جيش من عدمه، حيث كان الجيش يرمز في نظر الكثيرين للقوة والهيمنة، وهذا أكبر مهدد للحرية، ولكن بعد نقاش وجدال حامٍ، تم التوافق على تكوين جيش يكون بعيدًا عن العمل السياسي. ونما هذا الجيش إلى أن صار أقوى جيش في العالم (يكتوي بناره القاصي والداني)
أما الحالة الجدلية الثانية، فقد نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وانحصرت أفكارها بين العزلة والانفتاح على العالم، واستمر الجدل حولها لثلاثة عقود حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي أخرجت أميركا من عزلتها، فانفتحت على العالم ، حتى سيطرت عليه سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
أما الجدلية الثالثة والتي نحن بصدد الحديث عنها، فقد ألقى جورج بوش الأب بحجرها الأول بعد الحرب على العراق، وإخراجه من الكويت، وحينما رأى بوش ذلك التفوق الهائل لأميركا على قريناتها ، حينها خرج على العالم بخطابه الشهير أمام الكونغرس بالنظام العالمي الجديد. ويؤرخ البعض لهذه الجدلية الثالثة بإعلان الرئيس ريغان عن مبادرة الدفاع الاسترتيجي المقترحة والتي عرفت بحرب النجوم. ومع انتهاء القرن العشرين وبداية الألفية الميلادية الثالثة، حاولت إدارة جورج بوش الابن أن تغير قواعد اللعبة فأسقطت سياسة المشاركة التي انتهجها كلينتون، وبدأت تفرض على الدول الكبرى سياستها بالإكراه، وانسحبت من عدة اتفاقيات دولية منها على سبيل المثال اتفاقية كيوتو، ومحكمة الجنايات الدولية، واتفاقية سالت لتخفيض نشر الأسلحة البالستية وغيرها. وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتوفر للإدارة الأميركية فرصة نادرة للتفرد وإعلان سياسة الهيمنة، والتي أعلن عنها بوش الابن بكل وضوح بعبارته الشهيرة، (كل من ليس معنا فهو ضدنا)، والتي تم بموجبها احتلال أفغانستان، ومن ثم العراق في محاولة منه لوضع يده على مصادر البترول الرئيسية في بحر قزوين وبترول الشرق الأوسط، تأكيدًا على المقولة: «إن السيطرة الاستراتيجية على مناطق البترول حتى ولو كانت تحت ستار (اتفاقيات تعاونية) ستكون رصيد سيطرة عالمية حاسمة».
كان خلف جورج بوش حشد من المحافظين الجدد، المتحمسون لهذه الفكرة، أمثال نائبه ديك تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد ونائبه، وريتشارد بيرل رئيس مجلس السياسات الدفاعية، ودوغلاس فيت، وجون بلتون، وكوندليزا رايس وآخرون، وقد استندوا جميعهم على مفكرين ومخططين مرموقين يشاطرونهم هذه الأفكار، حيث كتب عالما السياسة البارزين )(جيمس فيرون) و (ديفيد ليتين) في عام 2004م: «تتحرك الولايات المتحدة الآن نحو شكل من الحكم العالمي، أو بشكل أكثر استفزازًا، إمبريالية ما بعد الحداثة، وتشير المعايير إلى خليط معقد من بنى الحكم المحلي التي تتطور في البوسنة، كوسوفو، تيمور الشرقية، سيراليون، وأفغانستان، وربما على المدى الطويل في العراق، وكما كانت الإمبريالية التقليدية تتضمن هذه الجهود درجة عالية من السيطرة على السلطة السياسية المحلية، والعوامل الاقتصادية الأساسية من قبل الدول الخارجية..» وقد خلص (فيرون)، و(ليتين) إلى نتيجة مفادها أنه ينبغي إعادة الاتفاقيات الحالية ذات الصلة التي تم تجاهلها، نحو اعتماد شكل الوصاية الجديدة.
وفي ذات السياق كتب عالم السياسة (ستيفن كرازنر) في عام 2004م: «إذا تركنا تلك الدول المنهارة ذات الحكومات السيئة على هواها، فلن تصلح نفسها لأن قدرتها الإدارية محدودة، أقله فيما يتعلق بالأمن الداخلي، ولا تستطيع القوى المهيمنة التغاضي عن خيارات ما ستكون عليه بنية الحكم الجديد، وكيفية إنشائه وبقائه، وللتخفيف من المخاطر العالمية، وتطوير حياة الأفراد في مثل أنظمة الحكم تلك، ينبغي إضافة حكومات مؤسساتية بديلة، مدعومة من قوى خارجية مثل الوصاية».
وقد عينت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندليزا رايس (ستيفن كرازنر)، رئيسًا للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية في 04/02/2005م، وغيرهم كثيرون ممن يضيق المقام لذكر آراءهم.
وفي مقابل هذا الطرح تبنى الديمقراطيون طرحًا مغايرًا في أسلوبه، حيث يرون أن قيادة العالم، تحقق نتائج أفضل لمصالح أميركا من فكرة الهيمنة، وهي تتمثل في إشراك الدول الكبرى في اتخاذ القرارات وحل القضايا الدولية، وما إن جاءت إدارة بيل كلينتون حتى أرست قواعد لنظام دولي جديد، قائم على سياسة المشاركة، والتي تجلت في حسم مشاكل البلقان في البوسنة والهيرسك وكوسوفو، بالمشاركة مع الدول الأوروبية، وكذلك تجلت في تفكيك الأسلحة النووية في كل من أكرانيا وروسيا البيضاء بالتفاهم مع روسيا. وتم كذلك توقيع مذكرات تفاهم بين أميركا والدول التي كانت في السابق جزءًا من المنظومة الشرقية، واشترك في توقيع بعض التفاهمات كل من بريطانيا وألمانيا. ثم سار أوباما على نهج كلينتون في سياسة المشاركة، كما نرى الآن في سوريا، وفي ما يسمى (الحرب على الإرهاب).
وكما اعتمد بعض أصحاب فكرة الهيمنة على بعض المفكرين وعلماء السياسة، كذلك اعتمد دعاة القيادة على مفكرين وعلماء، وعلى رأس هؤلاء مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، البروفيسور زيغينيو برجينسكي، صاحب كتاب (الاختيار) الذي حشد فيه كمًا هائلًا من الشواهد والبراهين لإثبات أن فكرة قيادة العالم أوفر حظًا في توفير مصالح أميركا وأمنها القومي. ونفتبس من كتابه بعض المقتطفات للاستشهاد: «من الواضح أن الاتحاد الأوروبي عندما يبدأ بتحديد مصالح سياسته الخارجية لن يبقى مجرد متفرج سلبي على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أيًا تكن، ولا داعم متذمر لها، بل إن الشرق الأوسط بالذات، هو الذي دفع الاتحاد الأوروبي، لا إلى البدء بصياغة استراتيجية حقيقية مشتركة فحسب، إنما التحدي للاحتكار الأميركي للفصل في نزاعات المنطقة أيضًا، ففي إعلان إشبيليا الصادر في 22/06/2002م اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة في صياغة تصور لحل سلمي للصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني، يختلف بشكل جوهري عن التصور الأميركي، كما أن الخلافات الحادة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن عواقب الحرب على العراق، والتغيير السياسي المحتمل في إيران قد يحث على مزيد من الحزم الأوروبي… تمتلك أميركا على المدى القصير القوة والإرادة لإهمال أوروبا، ويمكنها أن تسود باستخدام قوتها العسكرية، وأن تدفع أوروبا مؤقتًا على التكيّف مع ذلك. إن الولايات المتحدة تمتلك الوسائل التي تمكنها من العمل بمفردها، كما أثبتت في إسقاط النظام العراقي، لكن المسألة تصبح أكثر تعقيدًا، وتتبدد فرص النجاح الأميركي المنفرد سريعًا عندما تؤخذ في الحسبان النتائج بعيدة المدى، كحدوث اضطراب استراتيجي عنيف… وفي الشرق الأقصى شرعت الصين في إعادة تعريف نفسها من قوة ثورية إلى قائد معترض لآسيا، وتهيمن الصين حاليًا على تجارة معظم دول جنوب آسيا، ويتزايد حضورها الاقتصادي والسياسي في آسيا الوسطى، وقد صرح الرئيس الصيني في مارس 2003م: «لا يمكن أن تصبح آسيا مزدهرة بدون الصين» وقد داومت الصين واليابان وكوريا الجنوبية على عقد لقاءات قمة ثلاثية منفصلة، وسعت إلى تكوين تكتل اقتصادي آسيوي. ولا يخفي بعض القادة الآسيويين الرغبة في التخلص من الهيمنة الأميركية. وكذلك فإن لروسيا مواقف مشابهة لأوروبا والصين، وغيرها من الدول المتململة من الهيمنة الأميركية».
ويخلص بريجنيسكي إلى القول: «إن بروز حركة أوروبية وأخرى آسيوية معاديتين لأميركا قد يحول دون تشكيل إطار العمل اللازم للأمن العالمي، وخاصة إذا غذته الأحادية الأميركية؛ لذا ينبغي أن تدفع الحاسة تجاه ذلك الخطر جهود الولايات المتحدة لتعميق الروابط الأميركية الاستراتيجية مع المناطق الشرقية والغربية وتوسيعها». هذا هو طابع الجدل الذي يدور في الأوساط الأميركية والذي وجد له متنفسًا في الانتخابات الحالية.
لكن المثير للاستغراب حقًا انحياز بعض أبناء المسلمين إلى أحد المرشحين، فقد طالعتنا إحدى الصحف السودانية بعنوان أن الشعب السوداني يقف مع مرشحة الرئاسة الأميركية كلينتون، كما أن بعض القنوات الفضائية العربية تظهر انحيازًا واضحًا لأحد المرشحين، بل لقد قرأت مقابلة لأحد من يوصفون بأنهم محللين سياسين ينصح الحكومة السودانية أن تحسن اللعب وتحدد موقفًا من الانتخابات الأميركية يمكنها من كسب نقاط تعاطف لصالحها. كل هذ يحدث في البلاد الإسلامية، مع العلم أن أيًّا من السياستين (الهيمنة أو القيادة) لا ناقة لنا نحن الأمة الإسلامية ولا جمل فيها، فهي سياسة متعلقة بالدول الكبرى، وما نحن سوى المسرح الذي يمثل ساحة صراع للدول الكبرى والتنافس على الغنائم. فهل هذا يليق بمن أنزل الله عليهم من فوق سبع سماوات قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ)؟! إن القرآن كله حق وصدق، ومع ذلك، فإن هذا الوصف لا ينطبق علينا اليوم، وبإنعام النظر نجد أننا لم نصبح أمة واحدة، كما وصفت الآية الكريمة حال خير أمة أخرجت للناس، ولم نقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما اشترطت الآية . فبدل هذا الذل والهوان، وبدل أن نتخير السكين التي نذبح بها أجمهورية أم ديمقراطية، بدلًا عن هذا وذاك، ينبغي علينا أن نبحث في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ومنهج نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، عن كيف نكون أمة واحدة تعمل بالإسلام، أمة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، بل أمة تحمل الإسلام رسالة هدى وخير للعالم أجمع.
2016-11-27