يا خالدَ المجدِ يفنى الدهرُ والحِقَبُ
.
|
|
وتَكْسِفُ الشمسُ والأقمارُ والشهبُ
.
|
وأنتَ باقٍ رفيعُ العزِّ خالدُهُ
.
|
|
في الأرض ذِكْرٌ وفي الفِردوسِ مُنْقَلَبُ
.
|
واختاركَ اللهُ سيفاً صارماً حُطِمتْ
.
|
|
به الطواغيتُ والتيجانُ النُّصُبُ
.
|
ما خضتَ معركةً إلا وكان بها
.
|
|
لسيفكَ النصرُ في الميدانِ والغَلَبُ
.
|
يَوْمٌ بِمُؤْتَةَ مشهودٌ لفارسها
.
|
|
والخيلُ تَنْقَضُّ والميدانُ يَصْطَخِبُ
.
|
وخَرَّ زَيْدٌ شهيداً فوقَ ساحتها
.
|
|
وصاحِباهُ، فلاحَ الموْتُ يَقْتَرِبُ
.
|
فكنتَ للجندِ نِبراساً بظلمتها
.
|
|
إلى النجاةِ، وزالَ الخوفُ والعَطَبُ
.
|
وفي اليمامةِ كَذّابٌ بها أَشِرٌ
.
|
|
يختالُ بالكفْرِ تيهاً جَيْشُهُ اللَّجِبُ
.
|
وسارَ جيْشٌ من الإيمان معتصمٌ
.
|
|
بالله، منتصرٌ لله، مُحْتَسِبُ
.
|
والخيل تَقْتَحِمُ الميْدانَ مرعدةً
.
|
|
كالسيل قد حَطَّة في جَرْيهِ صَبَبُ
.
|
والموتُ يلتهمُ الأرواحَ في نَهَمٍ
.
|
|
والأُفْقُ داجٍ ونارُ الحرب تَلْتَهِبُ
.
|
ألقيتَ نَفْسَكَ خلْفَ السورِ مقتحماً
.
|
|
وِرْدَ الشهادةِ سَلْسالاً لمن شربوا
.
|
حديقةُ الموتِ قد حطَّمْتَ رهبتها
.
|
|
بساعديْكَ، فخافَ الخوفُ والرَّهَبُ
.
|
كأنَّها وَهيَ غضبى في تَوَقُّدِها
.
|
|
عُرْسٌ دعاكَ إليه الشوقُ والطّرَبُ
.
|
يا فاتحاً فوْقَ مَتْنِ المجدِ مَرْكَبُهُ
.
|
|
وَمِنْ ورائِكَ جنْدُ الفتْح قد رَكِبوا
.
|
تسيرُ النورُ في يُمناك تسكبُهُ
.
|
|
من كوثرٍ في ثنايا الرُّوحِ يَنْسَرِبُ
.
|
فمن جبينكَ ضوءُ الشمس مُقْتَبَسٌ
.
|
|
ومن حسامِكَ غَيْثُ اللهِ مُنْسَكِبُ
.
|
قد جئتَهُمْ من رِمالِ البيدِ عاصفةً
.
|
|
يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
.
|
وجِئتَهُمْ من قضاءِ اللهِ صاعقةً
.
|
|
يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
.
|
فجحفلُ الرومِ من زلزالها صَعِقٌ
.
|
|
وعَرشُ قيصرَ مُنْدكٌ بها خَرِبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمانَ واليرموكُ ما برحتُ
.
|
|
ذكراهُ في كل قلب خافقٍ يَجِبُ
.
|
مسطورةً بحروف النور نقرؤها
.
|
|
لها من الخُلْدِ في سِفْرِ العُلا نَسَبُ
.
|
أوقدْتَ جذوتَها حرباً مقدّسةً
.
|
|
تفورُ والرومُ في نيرانِها خَطَبُ
.
|
قد أَعْجَبَهُمْ على اليرموكِ كثرتُهمْ
.
|
|
وما أعدّوا ما عَدّوا وما جَلَبوا
.
|
فجلجلتْ صيحةُ التكبير تصعقُهُمْ
.
|
|
فزُلزِلوا في لظى الميدان واضطربوا
.
|
ضاقتْ عليهمْ فجاجُ الأرض إذْ عَلِموا
.
|
|
ألا نجاةَ لمن صالوا ومن هَرَبوا
.
|
لَمْ ينجُ منهمْ وهمْ في حرّ وَقْدَتِها
.
|
|
إلا الأسيرُ وإلا السَّبْيُ والسَلَبُ
.
|
ولّى هِرَقْلٌ فلم تنفعْهُ سطوتُهُ
.
|
|
ولا الجنودُ ولا الرهُّهبانُ والصُّلُبُ
.
|
وودَّعَ الشام توْديعاً بلا أَملٍ
.
|
|
يرجوه، وَهْوَ حَسيرُ النَّفْسِ مكتئِبُ
.
|
وزغردَ النصرُ في اليرموك تحملهُ
.
|
|
بُشْرَى تَهُشُّ لها الأرواحُ والهُدُبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمان كم من طالبٍ أَمَداً
.
|
|
جاراكَ نحوَ المعالي فاتَهُ الطَّلَبُ
.
|
أفنيت عُمْرك في جَهْدٍ وفي دَأَبٍ
.
|
|
وما لَوى ساعدَيْك الجَهْدُ والدأبُ
.
|
«تبكي عليك البواكي» قالها عُمَرٌ
.
|
|
لمّا قضَيْتَ، ولا مالٌ ولا نَشَبُ
.
|
سيفٌ ودِرْعٌ وتُرْسٌ عن نفاستها
.
|
|
تأخّرَ الدُرُّ والياقوتُ والذّهَبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمان أَقْبِلْ كي ترى عَجَباً:
.
|
|
خُضْرُ الربوعِ على اليرموكِ تَنْتَحِبُ
.
|
أقبِلْ فإن جموعَ الرومِ يَقْدُمُها
.
|
|
هِرَقْلٌ عادوا غُزاةً بعدما غُلِبوا
.
|
وعادتِ الشامُ تبكي فَقْدَ فاتِحها
.
|
|
والقدسُ تُسْبى ومَسرى النورِ يُسْتَلَبُ
.
|
تبكي فتوحَ صلاحِ الدين في رَجَبٍ
.
|
|
أغضى الجهادُ وأغضى بعدَهُ رَجَبُ
.
|
كتائبُ الفتحِ قد فُلَّتْ صوارمُها
.
|
|
وخيْلُها هدَّها الإعياءُ والتَّعَبُ
.
|
يا فاتح الشامِ سَلْها كيف ساكنُها
.
|
|
وكيفَ أضحى يباباً رَبْعُها الخَرِبُ
.
|
وسَلْ فلسطين هل غاضت مناهِلُها
.
|
|
وهل تَعَرّى أَسَىً بستانُها الطَّرِبُ
.
|
يا نفحةَ التينِ والزيتونَ هَلْ عَبَقٌ؟
.
|
|
يا شُعْلَةَ الطورِ هل للنور مُنْقَلَبُ؟
.
|
قد صَوَّحَتْ في بروابيها حدائقُها
.
|
|
وحُرِّقَ التينُ والزيتونُ والعنَبُ
.
|
والنهرُ في السهلِ مسجورٌ، وقدْ نَضَبَتْ
.
|
|
من وابلِ الغيثِ في آفاقها السُّحُبُ
.
|
يا قائد الفتحِ أينَ الأمس نَلْمَحُهُ
.
|
|
طيْفاً من النور يدنو ثُمَّ يَحْتَجِبُ
.
|
نراكَ في كُتُبِ التاريخِ مكتئباً
.
|
|
يلوحُ في مقلتَيْكَ اللوْمُ والعَتَبُ
.
|
مَجْدٌ بسيفك قد شُدَّتْ أواصرُهُ
.
|
|
في كل ناحيةٍ أُمٌّ له وأَبُ
.
|
واليومَ تبصرُهُ نهباً لمن نَهَبوا
.
|
|
ومغنماً سائغاً سهلاً لمن رَغِبوا
.
|
ساحاتُ نصركَ أسرى تحت أرجلِهمْ
.
|
|
ونصل سيفكَ مسلوبٌ ومغتصَبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمان والأمجادُ واجمةٌ
.
|
|
في كفِّ من سرقوا الأمجاد أو سَلَبوا
.
|
وأمّةٌ النورِ خلفَ الليل قابعةٌ
.
|
|
ثكلى يُطِل كئيباً وجهُها التَّرِبُ
.
|
أقبلْ وسَلْ قَبْلَها أطلالَ أندلس
.
|
|
وكيف عادت سبايا غيدُها العرَبُ
.
|
تفرقوا شِيَعاً من بعد وحدتهمْ
.
|
|
وأَلقَوُا من منارِ المجدِ أو نّصّبوا
.
|
وبعدما شيَّدَ الماضونَ نهضتَها
.
.
|
|
وما بَنَوْا من منارِ المجدِ أو نَصَبوا
.
|
أضاعها الكأسُ واللذات جامحةً
.
|
|
واللهوُ والتَّرفُ الفتّانُ واللّعِبُ
.
|
وما بَنَوْا من قصور العُهْرِ أو كنزوا
.
|
|
وما تَساقَوْا مِنَ الآثَامِ واكْتَسَبوا
.
|
واليوم عاد لنا التاريخ في دَمِهِ
.
|
|
مُضَرَّحاً وعَذارى المَجْدِ تُغْتَصَبُ
.
|
فكمْ تداعَوْا إلى ميدانِ مؤتمرٍ
.
|
|
وكمْ تنادَوْا وكمْ نادَوْا وكَمْ نَعَبوا
.
|
قد أَوْقَروا السمعَ من تَردادِ ما هتفوا:
.
|
|
سَيْناءُ والقدسُ والجولان والنقَبُ
.
|
وليس من فيلق للقدس ينصرُها
.
|
|
إلا الجرائدُ والمذياعُ والخُطَبُ
.
|
ألقوْا فلسطين في بشر مُعَطَّلَةٍ
.
|
|
وقارفوا الفَعْلَةَ الشنعاء وارتكبوا
.
|
وأقبلوا بعدها يبكون قد حملوا
.
|
|
قميصَ يوسف يعلوهُ الدمُ الكَذِبُ
.
|
إذا تصفحْتَ في الأوطانِ سيرتَهُمْ
.
|
|
يُغْنيكَ مختصرٌ عنها ومقتضَبُ
.
|
عُبّادُ آلهةٍ في قُدْسِها سجدوا
.
|
|
المالُ والجاهُ والألقابُ والرُتَبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمان أين العادياتُ، على
.
|
|
سُرُوجهِنَّ يطيبُ الجَرْيُ والخَبَبُ
.
|
هَلاّ تعودُ إلينا اليومَ أجنحةً
.
|
|
في السُّحْبِ، تُمْطِرُ سِجّيلاً بها السُّحُبُ
.
|
طيراً أبابيل ترمي جندَ أبرهةٍ
.
|
|
وفوقَ مسرى الهُدى ميدانُها الرَّحِبُ
.
|
هَلاّ يعودُ بُراقُ النور يغمرُها
.
|
|
قد شحَّ أو كاد يخبو نورُها الشَّحِبُ
.
|
لعلَّ خفقَ جناحيْهِ يُلامِسُها
.
|
|
فتنجلي حالكات الليلِ والكُرَبُ
.
|
|
] ] ]
|
|
أبا سليمان يعيا كل من كتبوا
.
|
|
يعيا البيانُ ويعيا الشعرُ والأدَبُ
.
|
وإنما هو وَحْيٌ شاقه نَسَبٌ
.
|
|
للخالدين، فراحَ الحَرْفُ يَنْتَسِبُ
.
|
يَعُبُّ من صَفَحاتٍ كُلُّها عَجَبٌ
.
|
|
وفي سَمَواتها لا ينتهِي العَجَبُ c
.
|
|
|
|
|
|