الاتفاق الأردني ـ الاسرائيلي
1992/12/08م
المقالات
1,956 زيارة
على نقيض توقعات المراقبين كان التطور الأبرز في مسار الجولة السابعة من المفاوضات، إعلان الجانبين، الأردني والإسرائيلي التوصل لاتفاق على جدول الأعمال «اتفاقية إطار» بينهما، واستعداد الجانب الأردني لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيلي، بحسب ما أعلن مسؤول إسرائيلي كبير لم يكشف النقاب عن هويته قائلاً: «إن الأردن تعهد كتابه التفاوض على معاهدة سلام» مع الدولة العبرية. وأكد التوصل لمثل هذا الاتفاق وزير الإعلام الأردني، محمود الشريف، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية.
واضح من تصريح وزير الإعلام الأردني أن المناقشات للتوصل لهذا الاتفاق بدأت قبل عام. وهذا ما يدحض كل الأنباء التي كانت تروج عن تعثر في المسار الأردني ـ الإسرائيلي، وعدم التوصل إلى اتفاق على جدول الأعمال. فالنقاش كان يدور حول القضايا الجوهرية والتوصل إلى جدول أعمال ليس المقصود به «أجندة» مفاوضات، بل المقصود، بحسب مسودة الاتفاق المنشور، التوصل إلى «اتفاقية إطار». وبحسب بعض المصادر تم التوصل إلى الاتفاق في الصيف الماضي، بين العاهل الأردني الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في لقاء عقد في منتجع مونترو السويسري.
منذ تولي رابين رئاسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة أعلن، في خطاب نيل الثقة في الكنيست الإسرائيلي، أن في برنامجه محاولة التوصل إلى حلول منفردة مع كل طرف عربي على حدة، ورفض الدعوة إلى سلام شامل على كل الجبهات معاً. وأتى توقيع الاتفاق بين الجانبين الأردني والإسرائيلي اختراقاً غير متوقع لجبهة دول الطوق، ويؤدي إلى اتفاق جزئي يخالف الاتفاق الشامل على كل الجبهات، ولا يربط بين مسارات الحل. فهو طعنة من الخلف لقرارات مؤتمر وزراء خارجية دول الطوق، الذي عقد في 25 تموز (يوليو) الماضي. ونصت قرارات المؤتمر على ترابط الحل والاتفاق على سلام شامل على كل الجبهات وعلى التنسيق بين الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات الثنائية(1) .
ويؤدي الاتفاق إلى الضغط على الجانب الفلسطيني المشارك في المفاوضات، للتسريع بالتوصل لاتفاق مع الإسرائيليين حول حكم إداري ذاتي في الضفة وقطاع غزة وكبح أية محاولات، ولو كانت خجولة، لرفع سقف الحل المطروح إسرائلياً.
اسقط الاتفاق، إذا فحصنا مضمونه، جوهر عملية الصراع في المنطقة فاستبدل عبارة «الشعب الفلسطيني» بكلمة «الفلسطينيين» في البند الأول منه: «الهدف تحقيق سلام عادل وشامل ودائم بين الدول العربية والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى». وهذا يعني التعامل مع الشعب الفلسطيني كمجموعة سكانية، فيكون الحل بين الدول، ويستبعد الشعب الفلسطيني، هذا إلى إسقاطه موضوع الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس، وقضية اللاجئين، والاستيطان في الأراضي المحتلة.
في البند الأول من القسم الثاني (من النص)، يتم التأكيد على المسار الأردني ـ الإسرائيلي، وفصله عن المسارات الأخرى. كما يقدم الاتفاق، على بند الأمن، تنازلاً أردنياً لمصلحة الجانب الإسرائيلي، عندما يتحدث عن «الإحجام عن أعمال أو نشاطات من أي من الطرفين قد تؤثر على أمن الطرف الآخر أو تحكم مسبقاً على النتيجة النهائية للمفاوضات». فهذا لا يعني النشاطات العسكرية وحدها، بل يعني تقويض حركة المعارضة الأردنية والفلسطينية في الشارع الأردني. وفي البند نفسه يتم وصم النضال الوطني بـ «الإرهاب».
وفي ما يخص قضية اللاجئين، يشير الاتفاق إلى «التوصل إلى حل عادل متفق عليه للنواحي الثنائية لمشكلة اللاجئين والأشخاص المشردين وفقاً للقانون الدولي». وهذا يعني شطب قضية ثلاثة ملايين فلسطيني. فالاتفاق يقصر الكلام على مشكلة ثنائية بين الأردن وإسرائيل، وحدود القضية هي الطرفان الموقعان، ويتم حلها وفقاً للقانون الدولي، وليس حسب قرارات الشرعية الدولية، ومنها القرار رقم «194» الذي ينص على حق العودة أو التعويض. أي أن الحل المحتمل هو إحالة القضية إلى إحدى المحاكم الدولية لبتّها. هذا يعني بوضوح شطب قضية ثلثي الشعب الفلسطيني واحالتهم إلى مشاريع التوطين والتهجير.
كما ورد في الاتفاق، في البند الخامس، تحت عنوان: «الحدود والقضايا الإقليمية، كلام على الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبارها أراض واقعة تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي»، وتالياً أسقطت هويتها الفلسطينية، وتحوّلت إلى أراض غير محددة الهوية، واعترف بسيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عليها. وشطبت مدينة القدس بشكل كامل، وكونها لا تخضع رسمياً للحكم العسكري الإسرائيلي فقد ضمتها إسرائيل سنة 1980. وفي ما يخص الحدود يتحدث الاتفاق على «تسوية الشؤون الإقليمية والاتفاق على حدود واضحة للحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل» وتعريف الحدود تحت الانتداب هو اعتراف بنهر الأردن حدوداً لإسرائيل.
ويشمل الاتفاق التطبيع في كل المجالات الاقتصادية والثروات الطبيعية والثروات البشرية والاتصالات والسياحة وحتى التعليم. ولا يربط التطبيق بأي تقدم في المفاوضات المتعددة الأطراف، ما يعني محاولة التوصل لاتفاق جزئي منفرد، وفك المفاوضات الثنائية من المفاوضات المتعددة الأطراف وهذا ما كانت تصر إسرائيل عليه بشكل دائم.
وفي نهاية الاتفاق إشارة إلى توقع تتويج المساعي الأردنية ـ الإسرائيلية المشتركة بمعاهدة سلام ـ وهي معاهدة اتفاق سلام ـ في نهاية المطاف.
لا بد من القول أن الوفد الفلسطيني المشارك في المفاوضات يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية إزاء ما حدث. فهو أفسح المجال للوفود الأخرى للتحلل من الالتزامات التي قدمتها في مؤتمر وزراء خارجية دول الطوق، بتقديمه مشروعه للحكم الذاتي، ومماشاة المشروع الإسرائيلي، والدخول في التفاصيل، أي في «الاشتباك التفاوضي» على حد تعبير محمود عباس (أبو مازن)، بدلاً من التمسك بتطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 في كل مراحل الحل على الجبهة الفلسطينية، والتأكيد على ممثلي القدس والشتات في المفاوضات، ووقف الاستيطان ومطالبة الآخرين بالتمسك بالمواقف المتفق عليها c
محمد دباغ ـ لبنان
1992-12-08