مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
2012/10/29م
المقالات
2,322 زيارة
مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59))
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
بيّن الله في هذه الآيات مزيداً من نعمه على موسى وقومه حينذاك:
-
فقد أعلمهم موسى – عليه السلام – بأمر ربه أن توبتهم إلى الله هي أن يقتلوا أنفسهم جزاء فعلتهم تلك لاتخاذهم العجل إلهاً، وأنَّ هذا إن فعلتموه خيرٌ لكم عند بارئكم أي خالقكم، فهو خيرٌ لكم لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم، ويكون لكم الثواب منه سبحانه وإن لم تفعلوا فهو شرٌّ لكم، كلّ ذلك لأنهم قد كفروا باتخاذهم العجل واستوجبوا العذاب العظيم.
والآية تدلّ على أنهم فعلوا ذلك فأوقعوا القتل في أنفسهم حتى تاب الله عليهم، وذلك من دلالة خاتمة الآية (فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﮤ[ بعد أن ذكر الله ] فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي أن توبتكم هي قتل أنفسكم، وحيث إنَّ الله أخبرنا بعدها بأنه تاب عليهم فهذا يعني أنهم أوقعوا القتل في أنفسهم ومن ثمّ تاب الله عليهم.
-
ثم ذكّرهم الله سبحانه بنعمة أخرى على أسلافهم من قوم موسى – عليه السلام – عندما قالوا لنبيهم موسى – عليه السلام – لن نصدق بما جئتنا من عند الله حتى نرى الله جهرةً أي عياناً علانيةً، فصعقوا حينها وماتوا ثم بعثهم الله سبحانه من بعد موتهم لعلهم يشكرون.
وقوله سبحانه ( أَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) يعني أن الأمر الهائل الذي أهلككم رأيتموه رأي العين وهو نازلٌ بكم. وأصل الصاعقة الأمر الهائل الذي يؤدي بالمراد إلى الهلاك أو نحو الهلاك، غير أن ( ثمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) قرينةٌ على أن الصاعقة هنا أهلكتهم هلاكاً محتماً أي موتاً حقيقياً.
-
كذلك فإن الله سبحانه قد سخّر لهم السحاب يسير بسيرهم يظلهم من الشمس ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) وأنزل عليهم نوعين من الأكل طيبين ( وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) ليأكلوا من طيبات ما رزقهم الله ويشكروه على نعمه ولكنهم بدلاً من ذلك كفروا تلك النعم ووضعوا كفر النعم محلّ شكر النعم فظلموا، والظلم يرتب ضرراً فهم لو شكروا النعم لأثابهم الله سبحانه ولكنهم كفروا فاستحقوا العقاب، وهذا ضررٌ واقع عليهم فهم يستحقونه، ولذلك فإن ظلمهم واقعٌ بهم، فقد أضروا أنفسهم ولم يضروا الله شيئاً بظلمهم، وهذا معنى قول الله سبحانه ( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ).
-
ثم هم قد ظلموا أنفسهم مرةً أخرى، فبدل أن ينفذوا أمر الله بدخولهم القرية التي بينها الله لهم وأن يأكلوا من طعامها وتمرها أكلاً هنيئاً طيباً واسعاً ( رَغَدًا )، وفي ذلك دلالة إشارةٍ على سكناها كما في الآية الأخرى ( اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ) الأعراف/آية161، وأن يسجدوا لله شكراً عندما يدخلوا باب تلك القرية ويقولوا عند دخولهم ( حِطَّةٌ ) أي يضرعون إلى الله أن ييسر لهم دخولها وأن يحط عنهم خطاياهم، ولعل ذلك الباب هو المسمى باب حطّة من أبواب بيت المقدس، غير أنهم بدلاً من امتثالهم أمر الله فيدخلوا القرية ويأكلوا رغداً ويدخلوا الباب سجداً ويقولوا حطةٌ غيروا ذلك وحرفوه واستهزأوا بما قيل لهم، فظلموا وفسقوا فأذاقهم الله بذلك عذاباً أليماً.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قيل لبني إسرائيل ادخـلـوا الباب سجداً وقولوا حطةٌ، فدخلوا يزحفون على أستاهم فبدلوا وقالوا حطة حبة في شعيرة»
2012-10-29