تنافس على الترميم أم على النفوذ؟
1992/07/31م
المقالات
1,740 زيارة
بقلم: حسن محمد
من الملفت على الساحة الإقليمية أخيراً اشتداد التنافس بين الحكام السعوديين والحكام الأردنيين، حول موضوع ترميم وإصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة في القدس. فالملك فهد استجاب لنداء مدير منظمة اليونسكو. وأعلن عن استعداده لتمويل كافة الدراسات وتكاليف جميع أعمال الترميم والإصلاح مهما بلغت. أما الملك حسين فقد فاجأ الجميع بعدم قبوله قيام أحد غيره بهذه الأعمال، وأنه سيمولها من حسابه الخاص وليس من مال الدولة الأردنية.
وهنا يتساءل المرء، هل انتابت هؤلاء صحوةُ ضمير، فهم يتنافسون، كل منهم يريد أن يكفّر عن ما اقترفت يداه بحق الإسلام والمسلمين والمقدسات. أم أن المسألة شيء آخر. لذلك لا بد من البحث واستقراء الأمور لعلنا نستطيع إدراك مرامي هذه الأعمال والدوافع لها.
وقبل كل شيء لا من استقراء أحداث أزمة الخليج، والنتائج التي أسفرت عنها ومحاولة كشف بعض الملابسات والالتباسات، لندرك الواقع والأبعاد المترتبة عليه. من المعلوم أن السعوديين ينقمون على الملك حسين موقفه أثناء أزمة الخليج، فقد كان إلى جانب صدام قبل وبعد غزو الكويت، وترك للشعب الأردني حرية التعبير عن مشاعره إزاء الأزمة هذه، إضافة إلى أنه طلب من البرلمان إن ينادوه بالشريف حسين وليس بالملك حسين، وقد فُسِّرَ طلبه حينذاك أن الرجل يريد أن يستعيد موقع جده الشريف حسين في مكة، قبل أن يستولي عليها آل سعود بعد الحرب العالمية الأولى، هذا الموقف جعل السعوديين يقبلون بكل التفسيرات التي طرحت، وأن الملك حسين وصدام حسين ورئيس اليمن علي عبدالله صالح، متفقون على الإطاحة بحكم آل سعود وتغيير المعادلة القائمة في المنطقة بما يخدم هذا التوجه. وقد نشط الأميركان في استخدام هذه الفزاعة، وأوهموا آل سعود بأن رأسهم مطلوب من قبل جيرانهم ودول محيطهم وأن عرشهم في خطر وحثُّوهم على قبول المساعدة من أميركا وطلبها لحمايتهم، دون تبصّر أو حساب للأبعاد والنتائج التي سيسفر عنها هذا الطلب وهذه الحماية. وبعد انتهاء الحرب كان توجه السعوديين يصب في خانة مقاطعة الأردن والتضييق عليه ومعاملته معاملة المهزوم صدام.
أما الملك حسين فله أسبقيات: ففي العام 67 استدرج عبدالناصر للحرب مع إسرائيل، وسلم في هذه الحرب الضفة الغربية بما فيها القدس ومقدساتها. ومؤخراً وقبل الولوج في المحادثات السلمية أعلن عن فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية وبالفلسطينيين، وهو منذ العام 67 وما قبلها متهالك للصلح مع إسرائيل ولو منفرداً. وجوده الشريف حسين ساعد الانجليز على هدم دولة الخلافة مقابل الوعد بتنصيبه ملكاً في المنطقة، لكن الانجليز استقدموا آل سعود وطردوه من الحجاز ونفوه إلى قبرص وبقي إلى أن مات هناك. وجده الملك عبدالله قتله الانجليز في العام 52 في المسجد الأقصى، لأنهم أحسوا منه محاولة للانتقال من عمالتهم لعمالة أميركا. وهو الآن يفاجأ بتقدم الملك فهد لإصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة والقفز من فوقه للالتقاء بإسرائيل. يساعده في ذلك حسني مبارك عارضاً الوساطة بينه وبين اليهود.
أما أميركا التي مهدت لعميلها رابين للنجاح بالانتخابات الإسرائيلية فتريد أن تكمل عملها في المنطقة، فهي تريد صلة مباشرة بين آل سعود واليهود، وليس عن طريق الآخرين. فهي تبني الآمال الكبار على تعاون اليهود وآل سعود في المنطقة، وهي تريد دول وحكام الخليج أيضاً أن يكون بينهم وبين اليهود مثل هذا التعاون. أما بالنسبة للعراق فهي ليست في عجلة من أمرها بالنسبة لصدام حسين. لأن قائمة المطلوبات الأميركية من العراق لا تزال طويلة، وليس من أحد أقدر على المساعدة في تنفيذها من بقاء صدام على رأس السلطة هناك.
ومؤخراً طلبت أميركا من الأردن وضع قوات دولية في أراضيه لمنع خرق حصار المقاطعة مع العراق، لأن الأردن هو الدولة الوحيدة التي تخرق هذا الحصار وبشكل خطير، ولذلك لم يستجب الأردن لهذا الطلب الأميركي ونفى هذا الزعم، وأنه حسب قول الأردن ملتزم قولاً وعملاً مقاطعة العراق إلا في الأمور التي سمح له التعاطي بها لتحصيل ما له من ديون متراكمة على العراق. ولكن أميركا هددت بأن الأردن إذا لم يلتزم كلية المقاطعة ولم يقبل بنشر المراقبين في أراضيه فمن الممكن أن تتأثر علاقاته مع أميركا، ومن الممكن أن يتأثر سلباً برنامج المساعدات المخصص للأردن من أميركا. فهذا الموقف الأميركي وسيلة ضغط ضد الملك حسين لمحاولته منع التقارب الإسرائيلي السعودي تحت مظلة إصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
أما خدام الحرمين الشريفين، ومحاولته توسيع نطاق خدماته لتشمل الحرم الثالث، فالظن أن هذه المحاولة مقصود منها أبعاداً تفوق وتزيد في سعتها وخطورتها موضوع إصلاح الأقصى وترميم قبة الصخرة.
1- أن النداء الذي أطلقه مدير منظمة اليونسكو، طالباً المساعدة لترميم وإصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة، يعني عملياً أن هذه المقدسات إرث عالمي، وليس لها مكانة خاصة تزيد عن كونها آثاراً كأبي الهول والأهرام أو برج بابل، ومنظمة اليونسكو ترى من مسؤوليتها الدولية صيانة هذه الآثار، للمحافظة عليها وإمتاع مشاهديها عندما يزورونها للسياحة، وأن استجابة الملك فهد لهذا النداء، نداء مدير منظمة اليونسكو، هي إقرار لهذه الصفة من قبله وأوّل قبول من المسلمين بالتخلي عن الأقصى والصخرة لتشرف عليها المؤسسات الدولية وتبعدها عن موقعها في عقيدة المسلمين.
2- إن التقدّم بالتبرعات لإصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة وهي تحت الاحتلال اليهودي ترزح في الأسر، يعني التسليم بهذا الواقع ومشروعية هذا الاحتلال لهذه الأماكن وللقدس قبلة المسلمين الأولى. وليس أدل على هذا القبول من توسيط حسني مبارك لأخذ موافقة اليهود للسماح للدولة السعودية والملك فهد بإجراء الإصلاحات اللازمة.
3- إن إصلاح المسجد الأقصى وقبة الصخرة، يستدعي فيما يستدعي تشكيل لجان من خبراء عدة ومهندسين والقيام بالزيارات والتفاوض على أمور، منها المقبول ومنها غير المقبول، وبالتالي فإن السماح للسعوديين بالقيام بالإصلاحات يعني أيضاً بروز مطالب عند الطرف الآخر، ليس أقلها الاعتراف وتبادل التمثيل الدبلوماسي، بل قد يجر إلى حالة من التطبيع بين إسرائيل وآل سعود ستكون فريدة بحد ذاتها، وهذا ما تهدف إليه أميركا، وهو أن يصل اليهود في علاقاتهم المباشرة مع السعوديين، أي دخول الجزيرة العربية والوصول إلى الخليج وإيجاد العلاقات بينهم وبين دوله وحكامه. ولا نستبعد أن يفاجئنا اليهود بطلب ترميم إرثهم في خيبر والمدينة المنورة. ومبادلة السماح هذا بالسماح ذلك. علماً أن وفداً يهودياً جاء قبل بضعة أشهر من أميركا (بواسطة السفير بندر بن سلطان). وذهبوا إلى خيبر وأقاموا صلاتهم فيها.
4- من الممكن أن توظف الصلات المباشرة بين إسرائيل والدولة السعودية في عزل الملك حسين عن بعض القضايا والمواقف، ولا يستبعد أن سارت الأمور كما هو مخطط لها ومطلوب منها أن تصل، أن يصير الملك حسين وكيان الأردن بالذات موضع مساومة بينهم، (فالكرم) السعودي لا حدود له واليهود وأطماعهم والرعاية الأميركية لهم استعداء على المسلمين لا حدود لها.
والله سبحانه وتعالى نسأله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يمد العاملين لكبح جماح الكفر وإعلاء كلمة الله تعالى بالعون والنصر
1992-07-31