السؤال: جاء في «الوعي» العدد 61 مقال فيه دعوة للدول أن لا تلتزم بقرار مجلس الأمن رقم 748، وأن ينسحبوا من منظمة الأمم المتحدة، وأن يقيموا بدلاً منها منظمة جديدة لإنصاف المظلوم ومنع الظلم وإشاعة العدل بين البشرية جمعاء (مستدلاً بحلف الفضول).
والسؤال هو:
أ- هل مثل هذه الدعوة قابلة للتطبيق أو هي مجرد كلام نظري؟
ب- مطالبة الدول القائمة في البلاد الإسلامية بإقامة منظمة أليس إقراراً باستمرار التجزئة وكيف يطلب ذلك من هذه الدول، وهي عميلة للغرب، وتطبق أنظمة الكفر؟
ج- إقامة منظمة تضم دولة (أو دول) المسلمين ودول الكفر لمنع الظلم في العالم أليس يجعل المسلمين يقاتلون في خندق واحد مع دول الكفر؟
د- التزام المسلمين بميثاق لمنظمة دولية لمنع الظلم أليس يعني التزاماً بوقف الفتوحات ووقف المبادرة إلى الجهاد؟
الجواب:
لسنا نحن أو من يطرح فكرة شق منظمة الأمم المتحدة وهدمها وإقامة منظمة أخرى بدلاً منها فقد سبق أن طرحت هذه الفكرة السياسية في كتاب “مفاهيم سياسية…” للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله الصادر سنة 1969 الطبعة الثالثة ص 170 – 175 وص 179 – 180.
وهذا الطرح قابل للتطبيق وسيطبق بإذن الله. فالدولة الإسلامية (الخلافة) أو أية دولة إسلامية تقوم على أساس الإسلام لا يجوز لها شرعاً أن تقبل بشرعة الأمم المتحدة الموجودة الآن لأنها شرعة كفر وتقوم على ميثاق كفر. إذاً ستنسحب الدولة الإسلامية من منظمة الأمم المتحدة هذه. وهي إما أن تعمل على إقناع دولة أخرى على الانسحاب وإما أن تعيش معزولة عن العالم. والعزلة عن العالم ليست واردة، فهي حتماً ستعمل على أن ينسحب غيرها. وهذه الدول التي تنسحب (وتكون قليلة أول الأمر) سيحاول العالم (بقيادة المنظمة القديمة) أن يقاطعها ويعاقبها، وهذا يتطلب منها أن تتعاون هي فيما بينها لمنع أذى الحصار الدولية. هذا التعاون يحتاج إلى أنظمة وقواعد تقوم على أسس منع الظلم، وإحقاق الحق، وإشاعة العدل بين البشر. وهذه الأسس والقواعد تشكل ميثاقاً لمنظمة جديدة تكون نواة لمنظمة تنمو وتزداد لتنافس ثم تسقط المنظمة القديمة التي هي عبارة عن مزرعة للدول الاستعمارية وخاصة أميركا لأنها تمارس من خلالها هيمنتها وديكتاتوريتها على العالم ونسمي ذلك شرعة دولية.
القسم الأكبر من الدول يلمس الظلم والتحيز والمكيالين ويلمس الاستئثار في المنظمة الحالية، ولكنهم عاجزون وجبناء وينتظرون من (يعلّق الجرس). الدولة الإسلامية ستعلق الجرس وتكرّ السبحة بعد ذلك وستنسحب كل الدول المظلومة من المنظمة الظالمة وستعاونون فيما بينهم.
هذا العمل الذي ستقوم به الدولة الإسلامية – بمشيئة الله وتوفيقه – يلزم إيجاده كرأي عام في الأمة الإسلامية وفي العالم، لأن الدولة الإسلامية تعتمد على دعم الأمة الإسلامية. وكلما كان وعي الأمة الإسلامية أكبر وقناعتها أوضح وأعمق كلما كان دعمها أقوى والثقافة حول دولتها أشد واستعدادها للصبر والتضحية أكثر. وإيجاد الرأي العالم في العالم ضد هذه المنظمة العالمية الظالمة لا بد منه ليكون أداة مؤثرة في هدم هذه المنظمة الظالمة.
وإذا أردت أن تشرح فكرة الأمة فهناك ظروف مناسبة لطرح تلك الفكرة لا يجوز إغفالها. والآن رأت الدولة الإسلامية كيف أن دول الغرب وعلى رأسها أميركا سخَّرت ما تسميه الشرعية الدولة لضرب العراق وحصاره ثم لحصار ليبيا مع أن إسرائيل تتمرد وتتحدى وهي تنال المكافآت. والأمة الإسلامية والعالم يدرك أن أميركا لم تكن حريصة على الكويت ولا على النظام الدولية بل على مصالحها.
هذا الظرف لا يجوز أن يمر دون أن تطرح فكرة فساد المنظمة ووجوب هدمها، ولو طرحت الفكرة في ظروف أخرى لما وجدت تفهماً واستساغة. ولذلك كان إنزال هذه الفكرة للأمة في هذا الظرف (مع أن الفكرة موجودة في الكتب وتدرس فردياً من زمن بعيد) أمراً مناسباً جداً. والمفروض الاستمرار في طرق هذه الفكرة باستمرار وبأساليب مختلفة حتى تتغلغل في الأمة: في الدعاة والمفكرين والسياسيين وعامة الناس والعالم كله.
هذه هي إجابتنا عن البند “أ” من السؤال، أما البند “ب”:
التجزئة في البلاد الإسلامية حاصلة الآن وهي موجودة من فترة غير قصيرة، ولا يجوز شرعاً أن تستمر، ولا يجوز أن يصدر من المسلم حاكماً كان أو محكوماً، حزباً كان أو فرداً ما يفيد مشروعية التجزئة واستمرارها. ونحن دعونا دول العالم بها فيها الدول القائمة في البلاد الإسلامية:
إلى دعم تنفيذ قرار مجلس الأمن، وهذا لا شبهة فيه، وإلى الانسحاب من المنظمة الظالمة، وهذا لا شبهة فيه أيضاً، وإلى إقامة منظمة بديل، وهنا ترد الشبهة التي سأل عنها السائل.
حين تكون الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) موجودة فإنه لا يجوز لها أن تدخل في منظمة مع أية دولة قائمة في البلاد الإسلامية، فدولة الخلافة هي دولة جميع المسلمين عرباً وعجماً، وكل المسلمين يعتبرون رعايا لدولة الخلافة وكل دولهم يجب أن تنضم إليها. ولا يجوز لدولة الخلافة أن تقوم بأي عمل يشعر بأنها تعترف بانفصال واستقلال هذه الدول عنها.
أما الآن ودولة الخلافة لمّا توجد بعد فإنه يجوز شرعاً أن ندعو الدول القائمة في المسلمين لأن تتعاون فيما بينها، ولو وصل هذا التعاون إلى حد دخول منظمة واحدة تقوم على أسس رفع الظلم، وإشاعة العدل، وإحقاق الحق. ولا يعتبر ذلك إقراراً باستمرار التجزئة، لأنه سبق أن طلبنا من هؤلاء جميعاً أن يتوحدوا في دولة واحدة، يكون الحكم فيها بما أنزل الله. وما نطلب منهم من نصرة المظلوم، وإشاعة العدل، وإحقاق الحق هو ما يطلبه الإسلام من المسلمين. وأن ما يوجبه الإسلام على المسلمين فإنه مشروع لنا أن نطلبه من حكام المسلمين ليقوموا به كالطلب منهم أن يقاتلوا إسرائيل، وأن لا يدخلوا في مفاوضات للصلح معها، وكالطلب منهم أن لا ينصاعوا لقرارات مجلس الأمن ضد العراق أو ضد ليبيا، وطلبنا منهم أن ينسحبوا من المنظمة العالمية وأن يعملوا على إقامة منظمة عالمية بدلاً منها تقوم لرفع الظلم وإحقاق الحق هو من مقتضيات طرح هذه الفكرة السياسية. وهذا الطرح لهذه الفكرة لا يستدعي أن يصاحبه الطلب منهم أن يتوحدوا في دولة واحدة يكون الحكم فيها بما أنزل الله ما دام هذا الطلب سبق أن طلب منهم مراراً، وهذا لا يعتبر إقراراً بالتجزئة ولا إقراراً بالحكم بغير ما أنزل الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن ينفذ خطة سياسية معينة في عام الحديبية استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه معتمرين دون أن يكرر عليهم الطلب أن يتركوا دينهم وأن يؤمنوا به. ولا يعتبر ذلك إقراراً منه لهم على شركهم بل رأى أن تنفيذ خطته السياسية تقتضي أن يستنفرهم معه.
لذلك فإنه تجوز دعوتهم لأن ينسقوا لمقاتلة إسرائيل ولأن ينسقوا لمساعدة البوسنة – الهرسك، وكذلك تجوز دعوتهم لأن ينسقوا فيما بينهم للوقوف في وجه الظلم الذي يقع عليهم من دولة كبرى أو صغرى، أو من منظمة الأمم المتحدة. وهذا التنسيق يمكن أن يكون نواة لإقامة منظمة عالمية جديدة.
ولا يجوز أن يغرب عن البال أن الذي يدعو حكام المسلمين للتنسيق فيما بينهم ومساعدة بعضهم بعضاً يجب عليه أن يكون واضحاً وصريحاً أن لا يقرّ بالتجزئة الحالية ولا يبررها، ويجب عليه أن يبين موقفه أنه إذا كان يدعوهم للتعاون والتنسيق فهذا لا يغني عن إقامة الوحدة الكاملة فيما بين دولهم، وأنه إذا كان يدعوهم للتعاون والتنسيق فهذا لا يغني عن إقامة الوحدة الكاملة فيما بين دولهم، وأنه إذا يدعوهم إلى أعمال جزئية طلبها الشرع فهذا لا يغني عن تطبيق جميع الشريعة الإسلامية عن طريق إقامة الخلافة الإسلامية. يجب عليه أن يكون ذلك واضحاً منه كي لا يفهم أنه يقرّ بواقع التجزئة وواقع تطبيق أنظمة الكفر.
أما عن البند “ج” من السؤال فلم يرد في المقال المذكور أن يقاتل المسلمون في خندق واحد مع دول الكفر. والعبارة التي وردت تشير إلى أن المنظمة التي يحث على إقامتها ليست دولة عالمية، وهي تردع الظلم بما لها من هيبة وقوة معنوية، وقوة رأي عام عالمي، لا بالقوة المادية.
أما البند “د” من السؤال وموضوع الاشتباه فيه من أن المسلمين بميثاق لمنظمة دولة لمنع الظلم وإحقاق الحق وإشاعة العدل يتناقض مع كون الدولة الإسلامية ستكون دولة جهاد وفتح.
فنقول: الأساس أولاً من طرح هذه الفكرة السياسية هو زعزعة أركان المنظمة العالمية، وإيجاد رأي عام عالمي ضدها لهدمها، حتى لا تبقى أداة بيد أميركا والدول العظمية لتنفيذ سياساتها، وفرض هيمنتها، وتحقيق مصالحها ولقهر الشعوب وظلمهم.
أما إقامة هيئة عالمية جديدة لإشاعة العدل، ورفع الظلم، وإحقاق الحق، وطرح العقائد والأفكار لتكون موضع بحث ونقاش، وليست هي دولة عالمية، ولا تتخذ القوة المادية طريقة لرفع الظلم وإشاعة العدل، وإنما تنفذ ذلك بقوة الرأي العام العالمي، وبالعامل المعنوي فإن مؤسسة بهذا النوع لا يكون هناك إشكال فيها لتقوم دولة الخلافة بتأسيسها، أو الدخول فيها إذا أسست من غيرها على هذه الأسس.
ودولة الخلافة تحمل للعالم الخير والهدى والرحمة والعدل وتحمل ذلك أولاً بالدعوة منها ومن الأحزاب الإسلامية، وبذلك يكون ظالماً من يقف أمامها بقوته المادية ليحول دون توصيلها هذا الخير وهذا العدل والرحمة والهدى للناس. والظالم يجب أن يُكف عن ظلمه، وهي لا تتحول إلى استعمال القوة المادية إلا عندما تقف القوة الظالمة لتمنع وصول الخير والهدى للناس. وبذلك يكون قتالها قتالاً لظالم لكفه عن ظلمه, وهذا مما يتسق مع ما تقوم عليه المنظمة الجديدة من أسس إشاعة العدل ورفع الظلم. ودولة الخلافة لا تكره الناس حتى يكونوا مسلمين. على أن توسع دولة الخلافة يكون توسعاً طبيعياً، فهي لن تعلن الحرب على العالم بمجرد قيامها، وإنما تعمل على تهيئة الظروف والأوضاع قبل قيامها بأية عملية توسع وسيكون استخدامها لحمل الدعوة منها ومن الأحزاب الإسلامية من ضمن وسائل تهيئة الأوضاع والظروف، وهي تعلن أنها تحمل الخير للعالم.
وبناء على ذلك يكون دخولها مع غيرها من دول الكفر في منظمة لرد الظلم، ونصرة المظلوم بناء على ميثاق يتضمن قواعد يقرها الشرع الإسلامي. والظلم الذي تفهمه الدولة الإسلامية هو الظلم الذي يعتبره الإسلام ظلماً£