درجات إقبال الناس على الإسلام
1995/10/31م
المقالات
1,921 زيارة
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه.
كما أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) فقد طلب من رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يضرب الأمثال للناس بقوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ …)، وبقوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ)، وذلك لكي يقرب أفكار الإسلام إلى أذهان الناس، وقد استعمل في كثير من الأمثال أسلوب تشبيه الأشياء المعنوية بأشياء حسية يرونها رأي العين في بيئتهم، فكانت الأمثال بمنزلة وسائل إيضاح حسية لنقل الأفكار المعنوية.
وفي هذا الحديث النبوي يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيث ويشبه الناس ببقاع الأرض المتفاوتة الانتفاع بهذا الغيث.
فالهدى هو الإسلام والعلم هو العلم بالأحكام الشرعية العملية، وهو جزء من الإسلام، وعطفه على الإسلام هو من باب عطف الخاص على العام. هذا الإسلام بعقيدته وما ينبثق عنها من نظام، وما يبنى عليها من أفكار، هو الغيث الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، من أجل إحياء نفوسهم، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ …).
وكما يفهم من الحديث الشريف، فالناس بالنسبة لقبولهم الإسلام أربعة أنواع:
النوع الأول:
وهم الذين يشبهون الأرض الخصبة التي قبلت الماء، فأحياها وأنبتت ما ينفع الناس. هؤلاء هم الذين قبلوا الإسلام فآمنوا بعقيدته والتزموا بنظامه في جميع شؤون الحياة، ضابطين سلوكهم بهذا الغيث العميم الذي ملأ عقولهم ونفوسهم، فأصبحوا إسلاماً يتحرك على الأرض، مستهينين بكل ما يعترضهم من مغريات أو أخطار في سبيل التزامهم بهذا الدين. هذا النوع آخذ بجماعة الخير كله، فهو كما جاء في الحديث: «فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به».
ومن هذا النوع اليوم حملة الدعوة، الذين يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية لأن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية يتطلب شرعاً التلبس بفرض حمل الدعوة لإقامة الدولة، وهو فرض من أجل الفروض وأعظمها، وقد رتب الله على تركه إثماً عظيماً، يقرب من إثم الشرك بالله، قال صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وحتى يكون المسلم من هذا النوع الذي نفع وانتفع بالإسلام، عليه أن يلتزم بجميع أحكام الإسلام، ومنها حمل الدعوة لإيجاد دار الإسلام، والدولة الإسلامية.
النوع الثاني:
وهم الذين يشبهون الأجادب، وهي الأرض التي أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، هؤلاء هم الذين آمنوا بالإسلام وعملوا ما جاء به من أفكار وأحكام، فعلموها لغيرهم دون أن يلتزموا بها في أعمالهم فهم لم يجنوا ثمرة علمهم، بل جناها غيرهم، فهم وإن وعدهم الله بالثواب على نقلهم العلم كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها» إلا أنهم يدخلون في عموم قوله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ). فالإسلام نظام حياة للتنفيذ وليس فقط علماً للحفظ والنقل، لذلك نجد القرآن الكريم يكرر في كثير من الآيات صفة المسلمين المطلوبة شرعاً بأنهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لأن الله تعالى سيحاسب المسلمين يوم القيامة على أعمالهم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه).
النوع الثالث:
وهم يشبهون القيعان، وهي الأرض الرملية الخالية من عناصر الإنبات فهي “لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ”. هؤلاء دخلوا الإسلام وأعلنوا الإيمان بعقيدته وتعرفوا على بعض أحكامه، ولكنهم كما ورد في الحديث “لم يرفعوا بذلك رأساً”، فلم يظهر أثر للإسلام في أعمالهم أو أقوالهم، فهم مثل الذي قال الله تعالى فيهم: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وهم لم ينتفعوا بالإسلام ولم ينفعوا غيرهم به، وهم ظاهرة مرضية يجب معالجتها، وإلا انتقلت العدوى بها إلى غيرهم. ومعالجتها، وإلا انتقلت العدوى بها إلى غيرهم. ومعالجتها لا تتم إلا بالدولة الإسلامية التي يسعى النوع الأول لإقامتها، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
النوع الرابع:
وهم الذي يشبهون الصخور الصلدة الصماء، لا يدخلها الماء ولا يحتفظ به على سطحها، فهم كما وصفهم الحديث “ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به”، فقد ذكر الحديث النبوي واقعهم دون أن يذكر نوع الأرض التي يشبهونها، لأنه بعد أن ذكر الأنواع الثلاثة من الأرض، لم يبق إلا تلك الصخور الصماء التي لا تحتفظ بالغيث ولا تتأثر به، هؤلاء هم الكفار الذين لم يؤمنوا بالإسلام، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم، فكل من لم يقبل الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كافر، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، ويلحق بهؤلاء الكفار كل من أنكر حكماً من أحكام الإسلام القطعية كوجوب التحاكم إلى الإسلام، أو حرمة الربا أو إباحة الصيد. وبذلك يكون الناس حسب الحديث بعد تبليغهم الإسلام بشكل ملفت للنظر إما مسلمين وإما كافرين.
والمسلمون منهم من آمن بالإسلام وعلم أحكامه وعمل بها وعلمها، وهم المسلمون حقاً، الذين وعدهم الله بنيل رضوانه.
ومنهم من آمن به وعلم أحكامه وعلمها لغيره، ولكنه لم يعمل بها، أو آمن به وعلم أحكامه، ولكنه لم يعمل بها ولم يعلمها لغيره، وهؤلاء سيحاسبهم الله على تقصيرهم باعتبارهم مسلمين، لأنهم لم يلتزموا بهدى الله تعالى في حياتهم.
وأما الكفار الذين لم يقبلوا بهدى الله جملة وتفصيلاً فإلى جهنم وبئس المصير خالدين فيها أبدا.
1995-10-31