سؤال وجواب
1992/03/31م
المقالات
1,839 زيارة
تعقيباً على موضوع سؤال وجواب – الوارد في العدد السابق رقم 58 من مجل “الوعي” – بعد إعادة النظر فيه يكون جواب السؤال كما هو وارد أدناه.
السؤال:
بعد أن نالت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر 188 مقعداً في الدورة الانتخابية الأولى، كان من المتوقع أن تنال في الدورة الثانية الأكثرية الساحقة وكان المتوقع أن يكلفها رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة. والسؤال هو:
أ- هل يجوز شرعاً في مثل هذه الحال تشكيل حكومة بموجب دستور علماني ورئاسة رئيس جمهورية علماني؟ وهل يعتبر هذا مشاركة في حكم كفر؟
ب- نعلم أن الشرع يوجب التطبيق الكامل ودفعة واحدة (أي ليس بأخذ جوانب وترك أخرى، وليس بالتدريج) ولكن هذا يتطلب وقتاً قد يمتد بضعة أشهر، وقد يكون عن طريق سن القوانين وتمريرها على مجلس النواب، فهل هذا جائر شرعاً؟
الجواب:
قبل أن نبدأ بالإجابة نود أن نشير للأسس الشرعية الواضحة المأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، والتي هي معلومة من الدين بالضرورة عند علماء المسلمين.
1- أن الإسلام يجب أن يطبق تطبيقاً كاملاً في كل جزئية من جزئياته.
2- إنه لا يجوز أن تطبق بعض أجزائه دون البعض الآخر.
3- أن التطبيق يجب أن يكون فورياً ودفعة واحدة، وليس بالتدريج ولا على التراخي.
4- أن مشاركة المسلمين في حكم الكفر والطاغوت غير جائزة شرعاً.
كما نود أن نشير إلى أمر هام وهو أن دول الكفر، وعملاءهم من حكام المسلمين لا يمكن أن يمكنوا المسلمين – الذين يعملون لإقامة الخلافة، وإعادة الحكم بما أنزل الله – من الوصول إلى استلام الحكم عن الطريق الديمقراطي، وإن أي بلد يكون حكامه، والمسيطرون على جيشه عملاء لدول الكفر، ويحملون أفكار الكفر، ويعملون على تطبيقها لا يمكن أن يمكّنوا المسلمين الذي يعملون لإقامة الخلافة، وإعادة الحكم بما أنزل الله من الوصول إلى الحكم عن الطريق الديمقراطي.
وفي نفس الوقت يجب أن يدرك أن الطريق الديمقراطي ليس هو الطريق الذي يتبنى ويسلك لإقامة الخلافة وإعادة الحكم بما أنزل الله، وإنما الطريق إلى ذلك هو الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى إقامة الدولة الإسلامية. وهذا لا يعني أنه لا يجوز الوصول إلى الحكم عن طريق الأمة بواسطة الانتخاب ثم البيعة، بل هو جائز شرعاً وهذا ليس ديمقراطية.
الآن نأتي إلى الإجابة:
فالسؤال الأول الذي هو هل يجوز شرعاً في مثل هذه الحال تشكيل حكومة بموجب دستور علماني، وبرئاسة رئيس جمهورية علماني؟ وهل يعتبر هذا مشاركة في حكم كفر؟
جوابه: أنه لا يجوز شرعاً أن تقبل جبهة الإنقاذ في الجزائر تشكيل حكومة بموجب دستور علماني، وبرئاسة رئيس جمهورية علماني مع بقائهما والالتزام بهما، فقبول تشكيل حكومة على هذا الأساس، والالتزام به إنما هو قبول بالحكم بأنظمة الكفر، ومشاركة في حكم كفر. وهذا غير جائز شرعاً. ويكون واجب جبهة الإنقاذ في مثل هذه الصورة هو رفض تشكيل الحكومة، والبقاء في مجلس النواب، والعمل على تهيئة الظروف التي تمكنها من استلام الحكم، وإعلان الدولة الإسلامية، وإلغاء الدستور، ومبايعة خليفة، وإعلان الإسلام نظاماً للحكم والحياة. وما لم تتمكن من ذلك فلا يجوز أن تشكل حكومة، ولا أن تشارك في الحكم مطلقاً.
أما إذا طلب منها رئيس الدولة أن تستلم الحكم على أساس الإسلام باعتبار أنها حصلت على الأغلبية العظمى لأصوات الشعب الجزائري المسلم الذي يريد الحكم بالإسلام فإنها في هذه الحالة تقبل بذلك وتبادر باتخاذ الإجراءات اللازمة لهذا الاستلام، وذلك بأن تختار منها أميراً مؤقتاً ريثما يحصل انتخاب وبيعة خليفة، ويبادر الأمير المؤقت بالطلب من البرلمان إعلان إلغاء الدستور فوراً ووضع الإسلام مكانه نظاماً للحكم وللحياة، ثم يبادر الأمير المؤقت بالتلبس باتخاذ الإجراءات اللازمة لانتخاب الخليفة ومبايعته، فإذا ما تم ذلك ينتهي عمل الأمير المؤقت ويستلم الخليفة الحكم ويعلن عن تبني دستور إسلامي مأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، وله قبل إعلان تبنيه أن يعرضه على أعضاء مجلس النواب – الذي سيحول اسمه فيما بعد إلى مجلس الأمة أو مجلس الشورى – ليعطي رأيه فيه، غير أن رأي أعضاء هذا المجلس غير ملزم للخليفة.
وبذلك يكون الاستلام للحكم عن هذه الطريقة غير مناقض للإسلام، ويتحول الحكم من حكم كفر إلى حكم إسلام، وتتحول الدار من دار كفر إلى دار إسلام. وهذه الصورة لا يمكن أن تحصل إلا في الحالة ما إذا استطاعت جبهة الإنقاذ كسب أهل القوة النصرة إلى جانبها، زيادة على كسبها لغالبية أصوات المسلمين في الجزائر.
أما السؤال الثاني الذي هو، نعلم أن الشرع يوجب التطبيق الكامل ودفعة واحدة (أي ليس بأخذ جوانب وترك أخرى، وليس بالتدريج) ولكن هذا يتطلب وقتاً قد يمتد بضعة أشهر، وقد يكون عن طريق سنّ القوانين، وتمريرها على مجلس النواب. فهل هذا جائز شرعاً؟
فالجواب عليه إنما يكون مع الصورة التي يكون استلام الحكم فيها جائزاً لكونه استلم على أساس الأحكام الشرعية. أما استلام الحكم إذا كان أصلاً غير جائز لأنه مناقض للأحكام الشرعية، كما في الصورة الأولى فلا يكون لهذا السؤال محل فيه.
أما في حالة كون استلام الحكم كان جائزاً كما في الصورة الثانية فإن التطبيق يجب أن يكون كاملاً، ودفعة واحدة. أي يجب تبني ذلك ومبادرة التنفيذ الفوري المباشر لجميع الأنظمة والأحكام الشرعية، إلا أن مقتضيات تنفيذ بعض الأحكام يحتاج إلى إعداد وتمهيد، وبالتالي يحتاج إلى بعض الوقت لوضعه موضع التنفيذ والتطبيق، فأمثال هذه الأحكام تكون المبادرة الفورية فيها هي بالتلبس الفوري للعمل لتنفيذها فمثلاً: الجماعة التي تنال أغلبية المقاعد في البرلمان، ويسند إليها أن تستلم الحكم، وتقيمه على أساس الإسلام فإن تعيينها لأمير مؤقت منها أولاً يحتاج إلى بعض الوقت كي تجتمع وتختاره. ومثلاً: قيام الأمير المؤقت للطلب من أعضاء المجلس النيابي إلغاء الدستور القائم، وإعلان الإسلام نظاماً للحكم والحياة مكانه قد يحتاج إلى بعض الوقت كذلك، وإجراءات انتخاب الخليفة ومبايعته تحتاج كذلك إلى بعض الوقت، وعندما يستلم الخليفة الحكم بعد مبايعته فإنه سيعمل على تحويل أجهزة الدولة لتصير وفق أجهزة الحكم في الإسلام وهذا يحتاج إلى بعض الوقت. وإلغاء المعاهدات التي تتناقض مع أحكام الإسلام والمعقودة بين الدولة وغيرها من الدول الأخرى يحتاج كذلك إلى بعض الوقت. فأمثال هذه الأحكام مقتضيات وضعها موضع التنفيذ يحتاج إلى بعض الوقت. إلا أن احتياج تنفيذها لبعض الوقت لا يعني ذلك تركها للظروف والمناسبات، ولا تنفيذها بالتدريج أو على التراخي، بل يجب التلبس الفوري بالعمل لتنفيذها. كما حصل مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عندما انتقل رسول الله ﷺ إلى الرفيق الأعلى فإنهم لم يبايعوا خليفة بمجرد مفارقته للحياة، بل بادروا بالتلبس بالعمل لمبايعة خليفة لهم، وقد استغرق ذلك ثلاثة أيام حتى بايعوا أبا بكر خليفة، وكان هذا بإجماع منهم على ذلك.
ولهذا فإن القضايا والأحكام التي يقتضي تنفيذها بعض الوقت فإن التلبس بالعمل لتنفيذها يجب أن يكون فورياً، ويحرم تأخيره للظروف والمناسبات، كما يحرم أن يكون التلبس به على التراخي أو بالتدريج.
أما تبني القوانين فإنه من صلاحيات الخليفة، وليس من صلاحيات أعضاء مجلس الشورى، لكن للخليفة أن يعرض الأنظمة والقوانين التي يريد أن يتبناها قبل تبنيها على أعضاء مجلس الشورى لأخذ رأيهم فيها. غير أن رأيهم فيها غير ملزم للخليفة، لأن ذلك ليس من حقهم، وهم لا يملكون حق التشريع ولا حق سنّ القوانين. فالخليفة وحده هو صاحب الصلاحية في تبني الأنظمة والقوانين.
1992-03-31