حوار مفتوح: نظام الحكم
1995/12/31م
المقالات
1,887 زيارة
المادة 22: يقوم نظام الحكم على أربع قواعد هي:
1- السيادة للشرع لا للشعب.
2- السلطان للأمة.
3- نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين.
4- للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين.
تبيّن هذه المادة قواعد الحكم التي لا يوجد إلا بها، وإذا ذهب شيء منها ذهب الحكم، والمراد به الحكم الإسلامي، أي سلطان الإسلام، لا مجرد حكم. وهذه القواعد أخذت بالاستقراء من الأدلة الشرعية.
فالقاعدة الأولى:
وهي كون السيادة للشرع وليست للشعب. أما واقعها فهو أن كلمة اصطلاح غربي ويراد بها الممارس للإرادة والمسير لها، فالفرد إذا كان هو الذي يسيّر إرادته ويمارسها كانت سيادته له، وإن كانت إرادته يمارسها غيره ويسيرها كان عبداً، والأمة إذا كانت إرادتها أي مجموع إرادة أفرادها مسيرة من قبلها بواسطة أفراد منها تعطيهم برضاها حق تسييرها كانت سيدة نفسها، وإن كانت إرادتها مسيرة من قبل غيرها جبراً عنها كانت مستعبدة، ولهذا يقول النظام الديمقراطي السيادة للشعب، أي هو الذي يمارس إرادته، ويقيم عنه من يشاء، ويعطيه حق تسيير إرادته. هذا هو واقع السيادة الذي يراد تنزيل الحكم عليه. أما حكم هذه السيادة فهي أنها للشرع وليست للشعب، فالذي يسير إرادة الفرد شرعاً ليس الفرد نفسه كما يشاء، بل إرادة الفرد مسيرة بأوامر الله ونواهيه. وكذلك الأمة ليست مسيرة بإرادتها تفعل ما تريد، بل هي مسيرة بأوامر الله ونواهيه. والدليل على ذلك قوله تعالى: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به» فالذي يتحكم في الأمة والفرد، ويسير إرادة الأمة والفرد، إنما هو ما جاء به الرسول. فالأمة والفرد تخضع للشرع، ومن هنا كانت السيادة للشرع. ولهذا فإن الخليفة لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد، كما هي الحال في النظام الديمقراطي، وإنما يبايع الخليفة من الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، لينفذ كتاب الله وسنة رسوله، أي لينفذ الشرع، لا لينفذوا ما يريده الناس، حتى لو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا، ومن هذا الدليل استنبطت قاعدة السيادة للشرع لا للشعب.
وأما قاعدة السلطان للأمة:
فمأخوذة من جعل الشرع نصب الخليفة من قبل الأمة ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة. أما جعل الشرع نصب الخليفة ينصب من قبل الأمة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره»، وعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه ولم يعط بها». فالبيعة من قبل المسلمين للخليفة وليست من قبل الخليفة للمسلمين، فهم الدين يبايعونه، أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأمة لهم. وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»، وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيام لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية» وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية» وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، من بايع إماماً… فليطعه. فهو قد أخذ السلطان من الأمة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمة. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخذها على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فكون المسلمين هم الدين يقيمون الخليفة ويبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء.
أما القاعدة الثالثة:
وهي نصب خليفة واحد فرض على المسلمين فإن فرضية نصب الخليفة ثابتة في الحديث الشريف، فقد روي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية» ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو أن الرسول أوجب على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة، فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده. فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لم يبايع. وأما كون الخليفة واحداً فلما روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وهذا صريح بتحريم أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة.
وأما القاعدة الرابعة:
وهي لرئيس الدولة وحده حق تبني الأحكام فقد ثبتت بإجماع الصحابة، على أن الخليفة وحده حق تبني الأحكام، ومن هذا الإجماع أخذت القواعد الشرعية المشهور. «أمر الإمام يرفع الخلاف» «أمر الإمام نافذ» «للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات».
المادة 23: يقوم جهاز الدولة على سبعة أركان وهي:
1- الخليفة.
2- معاون التفويض.
3- معاون التنفيذ.
4- أمير الجهاد.
5- القضاء.
6- الولاة.
7- مصالح الدولة.
8- مجلس الشورى.
شرح المادة:
ودليلها فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قد أقام جهاز الدولة على هذا الشكل:
1- الخليفة:
فقد كان هو صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة، وأمر المسلمين بأن يقيموا لهم رئيس دولة حين أمرهم بإقامة خليفة وبإقامة إمام.
2- وأما معاون التفويض:
فقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر معاونين له، أخرج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر»، ومعنى كلمة وزيراي هنا معاونان لي، لأن هذا معناها اللغوي، وأما كلمة وزير بالمعنى الذي يريده الناس اليوم فهو اصطلاح غربي، ويراد به عمل حكم معين، وهو لم يعرفه المسلمون ويخالف نظام الحكم في الإسلام لأن المعاون الذي سماه الرسول وزيراً لا يختص بعمل معين، بل هو معاون يفوض إليه الخليفة القيام بجميع الأعمال تفويضاً عاماً ولا يصح اختصاصه بعمل معين.
3- وأما معاون التنفيذ:
فعمله من الأعمال وليس من الحكم، وبما أن الخليفة حاكم يقوم بالحكم والتنفيذ ورعاية شؤون الناس مما يحتاج إلى اساليب ووسائل أي يحتاج لأعمال إدارية وهذا يقتضي إيجاد جهاز خاص يكون مع الخليفة لادارة الشؤون التي يحتاجها للقيام بمسؤوليات الخلافة ومعاون التنفيذ هو أمير ذلك الجهاز.
4- وأما أمير الجهاد:
فقد كان صلى الله عليه وسلم هو القائد الفعلي للجيش، وهو الذي يباشر إدارته، ويتولى شؤونه. وكان يعين قواداً في بعض الأحيان للقيام بعمل من الأعمال، فقد عين عبد الله بن جحش ليذهب مع جماعة ليأتي له بأخبار قريش، وعين أبا سلمة بن عبد الأسد قائد سرية مؤلفة من مائة وخمسين رجلاً، وعقد له لواءها، وكان فيها من خيرة أبطال المسلمين من بينهم أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وأسيد بن حضير، وما يقوم به الخليفة بنفسه، فإنه يجوز أن يسند قيامه إلى غيره نيابة عنه، ومن هنا جاء تعيين أمير الجهاد.
5- وأما القضاة:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يولي قضاة يقضون بين الناس، فقد عين علي بن أبي طالب قاضياً على اليمن، ووجه راشد بن عبد الله أميراً على القضاء والمظالم، فقد جعله قاضياً وجعل له صلاحية النظر في قضايا المظالم.
6- وأما الولاة:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عيّن للمقاطعات ولاة، فقد ولى عتاب بن أسيد والياً على مكة بعد فتحها، وبعد أن أسلم باذان بن ساسان ولاه على اليمن، وولى غيرهما كثيراً من الولاة.
7- وأما مصالح الدولة:
فقد عين صلى الله عليه وسلم كتاباً لإدارة المصالح، وكانوا بمقام مديري الدوائر، فقد عين معيقيب بن أبي فاطمة كاتباً على الغنائم، وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز، وعين غيرهما لباقي المصالح، لكل مصلحة أو أكثر كاتباً.
8- وأما مجلس الأمة:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له مجلس معين دائماً، بل كان يستشير المسلمين حينما يريد، فقد جمعهم يوم أحد واستشارهم، وجمعهم يوم حديث الإفك واستشارهم، وجمعهم في غير ذلك. إلا أنه مع جمعه للمسلمين واستشارتهم كان يدعو أشخاصاً معينين بشكل دائمي يستشيرهم، وكانوا من نقباء القوم، وهم حمزة، وأبو بكر، وجعفر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وسليمان، وعمار، وحذيفة، وأبو ذر، والمقداد، وبلال. فكانوا بمثابة مجلس شورى له لاختصاصه إياهم دائماً بالشورى. ومن هذا يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قام جهازاً معيناً للدولة، على شكل مخصوص، وظل يسير بحسبه إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، ثم جاء خلفاؤه من بعده فساروا على ذلك، يحكمون حسب هذا الجهاز الذي أقامه الرسول بعينه، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولهذا فإنه يتعين أن يكون جهاز الدولة الإسلامية على هذا الشكل. قد يقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام المسؤول على المال منفرداً في مصلحة المال، مما قد يظن منه أن المالية جهاز خاص، وليس داخلاً في هذه الأجهزة. والجواب على ذلك هو أنه وإن كان الرسول عليه السلام قد أقام شخصاً معيناً للمال، وجعله مصلحة مستقلة، ولكنه لم يجعله جهازاً، بل جعله جزءاً من جهاز. فإن الولاة الذين كان يعينهم الرسول عليه السلام منهم من كانت ولايته عامة تشمل الحكم والمال، ومنهم من كانت ولايته خاصة تشمل الحكم، ويعين والياً خاصاً للمال. فقد بعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم والياً على اليمن، وجعل ولايته عامة تشمل الحكم والمال، كما جاء في الكتاب الذي أعطاه إياه. واستعمل فروة بن سيل على قبائل مراد، وزبيد، ومذحج، وبعث معه خالد بن سعيد العاص على الصدقة. وكان الوالي الذي يختص بالحكم يقال له والي الصلاة، وفي لفظ اصطلاحي، وكانت تعني الولاية على الناس في جميع الأمور للإدارة والقضاة والسياسة والحرب والعبادات وغيرها باستثناء جباية الأموال، وكان الوالي الذي يختص بالمال يقال له والي الخراج، وهي تعني جمع الزكاة، وخراج الأرض، وما شابه ذلك. وكان الوالي الذي تكون ولايته عامة يقال له والي الصلاة والخراج. وعليه فالمالية ليست جهازاً منفرداً، وإنما هي جزء من أعمال الإمارة، أي الولاية، قد يخصص بها والي غير والي الحكم، وقد تسند لوالي الحكم، ولكنها على أي حال ليس لها في مركز الدولة مرجع خاص، بل يرجع فيها للخليفة. فهي جزء من جهاز، وليست جهازاً خاصاً. وعليه فجهاز الدولة الذي أقامه الرسول يقوم على الأركان ليس غير.
1995-12-31