في رحاب الوحي: الجهاد
1996/05/30م
المقالات
1,689 زيارة
قال تعالى في سورة التوبة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ).
ذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: فأمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار لإصفاقهم -أي إجماعهم- على هذا الوصف وخص أهل الكتاب بالذكر إكراما لكتابهم ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل وخصوصاً ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وملته وأمته، فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة وعظمت منه الجريمة على محلهم.
قال ابن العربي أبو الوفاء علي بن عقيل في مجلس النظر يتلوها ويحتج بها، قال (قَاتِلُوا) وذلك أمر بالعقوبة ثم قال (الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون) وذلك بيان للذنب الذي أوجب العقوبة. وقوله: ولا باليوم الآخر تأكيدا للذنب في جانب الاعتقاد (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) زيادة للذنب في مخالفة الأعمال (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) إشادة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ثم قال: (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) تأكيداً للحجة لأنهم كانوا يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ويقول الإمام محمد بن احمد الكلبي في تفسيره كتاب التسهيل لعلوم التنزيل في تفسير هذه الآية: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) أمر بقتال أهل الكتاب ونفي عنهم الإيمان بالله، لا كما يدعي حكام المسلمين اليوم من إثبات الإيمان لهم لقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله، ونفى عنهم الإيمان باليوم الآخر لأن اعتقادهم به فاسد، فإنهم لا يقولون بالميعاد والحساب ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله لأنهم يستحلون الميتة ولحم الخنزير، وغير ذلك ولا يدينون دين الحق أي لا يدخلون الإسلام من الذين أوتوا الكتاب مبيناً للذين أمر الله بقتالهم.
وحين نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك لقتال النصارى. حتى يعطوا الجزية. اتفق العلماء على دفع الجزية من اليهود والنصارى ويلحق بهم المجوس. “عن يد” أي عن استسلام وانقياد “وهم صاغرون” أي أذلاء.
ويقول الأستاذ محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير في تفسير هذه الآية:
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) أي فاقتلوا الذين لا يؤمنون إيماناً صميماً بالله واليوم الآخر وإن زعموا الإيمان فإن اليهود يقولون عزير ابن الله والنصارى يعتقدون بإلوهية المسيح ويقولون بالتثليث (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) أي لا يحرمون ما حرم الله في كتابه ولا رسوله في سنته، بل يأخذون بما شرعه لهم الأحبار والرهبان، ولهذا يستحلون الخمر والخنزير وما شابههما، (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) أي لا يعتقدون بدين الإسلام الذي هو دين الحق. (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) هذا بيان للمذكورين أي من هؤلاء المنحرفين من إليه ود والنصارى الذين نزلت عليهم التوراة والإنجيل (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ )أي حتى يدفعوا الجزية لكم منقادين مستسلمين. وهم صاغرون أي أذلاء حقيرين مقهورين بسلطان الإسلام.
من هنا نرى أن الله عز وجل أمرنا بمقاتلة الكفار جميعاً حتى يدينوا بدين الإسلام أو يستسلموا لدين الإسلام وسلطانه لأن الله سبحانه وتعالى أرسل هذا الدين رحمه للعالمين، للمسلم رحمة له في الدنيا وسعادة أبدية في الآخرة، وللكافر رحمة له في الدنيا فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق البشر وأوجد فيهم الغرائز والحاجات العضوية التي تصدر عنها جميع أفعال البشر ولذلك جاء الله سبحانه وتعالى لهذه التصرفات بالحلول الصحيحة ولهذا وجب على المسلمين تبليغ هذا الدين للناس جميعاً ودعوتهم إليه، فإما أن يؤمنوا به وإما أن يخضعوا لسلطانه. وإن أهل الكتاب هم كفار وليس كما يدعي الحكام والملوك العرب، ويصفونهم بالمؤمنين، والقتال لا يحصل إلا بوجود الإمام الذي يحمل راية الهاد في سبيل الله ولذلك لا يمكن تحقيق هذا الفرض وهو الجهاد في سبيل الله إلا بإيجاد الدولة التي تحمل راية الجهاد. وإيجاد الإمام هو من أهم الفروض التي فرضها الله على المسلمين لأنه بدون الإمام تتعطل أحكام الشرع ويقعد المسلمون عن الجهاد، فلا يصل هذا الدين إلى الناس كافة.
فإلى العمل لإيجاد الخلافة وتطبيق شرع الله وإزالة هذه المهانة والمذلة عن المسلمين، ليعودوا كما كانوا وكما يجب أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس ندعوكم أيها المسلمون فإن لم نفعل ذلك فسنبوء بغضب الله وستبقى المهانة والمذلة واقعين علينا.
قال تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا )أي إن لم تنفروا يعذبكم الله عذابا موجعا باستيلاء العدو عليكم في الدنيا كما هو حاصل الآن وبالنار المحرقة في الآخرة ويهلككم الله ويستبدل قوما آخرين خيراً منكم يكونوا أسرع استجابة لرسوله وأطوع.
يقول القرطبي: فوجب بمقتضاها – أي هذه الآية- النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم، على أن تكون كلمة الله هي العليا. ويقول: العذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو وبالنار في الآخرة. وطالما أنه لا يتوقع من هؤلاء الحكام تنفير الناس للجهاد في سبيل الله فإنهم فوق كونهم يحكمون بأنظمة الكفر فيجب على الأمة أن تغير عليهم وتغيرهم.
1996-05-30