في الذكرى السادسة للحرب على العراق: الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر
2009/04/11م
المقالات, كلمات الأعداد
1,958 زيارة
في الذكرى السادسة للحرب على العراق:
الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر
ست سنوات عجاف مرت على احتلال الولايات المتحدة للعراق (وقبلها كان احتلال أفغانستان ومازال)، ومآسي استعمارها له مازالت تترى على رؤوس أهله، بل المسلمين في كل مكان. فمزاد القتل فيه تعدى مؤشره المليون قتيل منذ أكثر من سنة (بحسب مركز استطلاعات الرأي «أوبنيون ريسيرش بيزنس»). وهناك 2.3 مليون عراقي مشرد داخل البلاد و2.3 مليون لاجئ خارجها (بحسب المفوضية العامة التابعة للأمم المتحدة). وهناك حوالى مليوني أرملة ومطلقة (بحسب تقرير قدمته وزارة التخطيط العراقية منتصف عام 2007م). وزادت معدلات سوء التغذية بين الأطفال من 19% خلال فترة العقوبات الدولية قبل الغزو (أيام حكم كلينتون) إلى 28% في عهد بوش الابن (بحسب تقرير لمنظمة أوكسفام العالمية صدر في شهر يوليو/ تموز سنة 2007م) وقتل حوالى 350 عالماً نووياً وأكثر من 200 أستاذ جامعي متخصصين بالمواد العلمية المختلفة. وتم القتل بواسطة الموساد (الإسرائيلي) بالتعاون مع قوات الاحتلال الأميركي (وفق ما كشفته صحيفة «البيّنة الجديدة» في 10/12/2007م. وبحسب تقرير أوكسفام المذكور سابقاً بلغت نسبة البطالة ما بين 60% و70% من القوة العاملة في العراق.
وذكرت أن 43% من العراقيين يعيشون على دخل أقل من دولار واحد يومياً. هذا والكل يعرف أن البلد قسم سياسياً على أساس طائفي وعرقي ومذهبي، وتم فيه تسعير النعرات الطائفية بتنفيذ تفجيرات لمراكز دينية بشكل مخطط له أن تستتبعه عمليات خطف وقتل وتهجير وتعذيب… طائفي متبادل. وقد تم كشف بعض منفذيها من الأميركيين بالجرم المشهود… هذا كله كان ممزوجاً بإجرام أميركي وبتوحش لا مثيل له من استعمال مفرط للقوة، واستعمال للأسلحة المحرمة دولياً ومن اعتقال وتعذيب، وما حدث في أبو غريب وضج العالم كله منه كان فضيحة العصر (وحدث مثله في غوانتانامو وباغرام…)… أما الزراعة، والصناعة، والنفط، والكهرباء، ومرافق المياه، والطرق، والجسور، والاتصالات البريدية، والمستشفيات… فحدث ولا حرج. كل ذلك تم تحت شعارات: (نشر الديمقراطية) و(المحافظة على الحريات) و(محاربة الإرهاب) و(القضاء على الطغيان)… وفوق كل ذلك جاءت بحكام دمى عملاء لها، خونة لأمتهم، وجعلتهم على رقاب المسلمين، وبهم قسمت البلاد، وبهم تريد أن تديم بقاءها فيها، وبهم تريد أن تديم استعمارها لها إذا خرجت منها هذا هو النموذج الديمقراطي الذي أرادته أميركا زعيمة الحضارة الغربية الفاسدة الظالمة المتوحشة الخالية من القيم إلا المادية.. للعراق ولسائر حكام المنطقة وشعوبها.
ويمكن أن يسجل لبوش أنه من أكثر حكام العالم نازية. ولكن هذا كله لم يكن ليحدث لولا موافقة الكونغرس الأميركي بمجلسيه الذي أعطى الضوء الأخضر له ليحتل العراق، والشعب الأميركي قاده حكامه كالغنم إلى هذه المجزرة التي لم توفره ولم توفر بلاده واقتصادها وموقعها الاقتصادي، ومكانتها الدولية، وحضارتها… فقد أصابها ما أصاب العراق وأكثر. فقد وقعت أميركا بشر فعلتها وتكبدت خسائر بشرية ونفسية ومالية وعسكرية واستراتيجية، وفوق هذا كله سقوط حضاري مدوٍّ حتى أخذ البعض يتساءل: من الذي سقط: بغداد أم واشنطن؟
– فبالنسبة للخسائر البشرية: بلغت خسائر جنودها 4260 جندياً بينما أصيب حوالى 32 ألف (بحسب إحصاءات البنتاغون) أما على صعيد الدراسات المستقلة فقد بلغت حوالى 28 ألف قتيل. أما الإصابات (جرحى ومعاقين ومصابين بإصابات خطيرة خرجوا على أثرها من الخدمة) فالعدد 48733 (بحسب دراسة أصدرها مركز قدامى المحاربين الأميركيين في مدينة مرجنتاو سنة 2007م).
– وبالنسبة للخسائر النفسية: فقد أشارت الدراسة السابقة نفسها إلى إصابة 12422 جندياً بإعاقات نفسية خطيرة. وفي حالات اضطراب عقلي يشكل خطراً على حياة أسرهم. وهؤلاء ذكر أنهم يعانون من عقدة الزيف والاكتئاب والهلوسة والكوابيس والأرق والانفعالات السلبية الخطيرة. وكشفت دراسة أعدها باحثون في جامعة كاليفورنيا ونشرت نتائجها في 12/03/2007م أن ربع الجنود الأميركيين العائدين من العراق وأفغانستان يعانون من اضطرابات عقلية. وأكثر من نصفهم يعانون من أكثر مرض عقلي. أما الانتحار فقد ذكرت دراسة أعدها الجيش الأميركي أن عدد الجنود الذين انتحروا في سنة واحدة هو 121 جندياً. وعدد الذين حاولوا الانتحار 2100 جندي.
– بالنسبة للخسائر المالية: كشف كتاب نشر في الولايات المتحدة سنة 2008م شارك في وضعه الأميركي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيجْليتْز أن احتلال العراق سيكلف الأميركيين ما لا يقل عن 3 تريليون دولار بحلول عام 2017م. هذا ولا يخفى أن الأزمة المالية العالمية التي تسببت بها الولايات المتحدة كانت من ثمرات حرب أميركا على المسلمين في كل مكان. والتي سيكون من تداعياتها إزاحة أميركا عن التفرد في زعامة المال بواسطة الدولار إلى انتهاج سياسة المشاركة الدولية في السياسة المالية، والاعتماد على سلة عملات بدل تفرد الدولار.
– بالنسبة لآثار الحرب العسكرية: ترك 30% من المجندين الجدد الخدمة خلال 6 أشهر، الأمر الذي دفع الجيش لخفض معاييره لأداء الجندي، وإصدار مذكرة عسكرية تقضي بعدم تسريح الجنود بسبب ضعف لياقتهم البدنية أو ضعف أدائهم، أو بسبب الحمل، أو تعاطي الكحول والمخدرات، وذلك لتغطية النقص المتزايد بسبب القتل والجرح والترك ويذكر هنا أنه تم تسجيل فرار 5500 جندي من الخدمة. ويضاف إلى ذلك النقص في الاحتياط المستعد للقتال (بحسب تقرير نشره معهد دراسات السياسة الأميركية). وكذلك انفرط عقد التحالف العسكري الدولي الذي تشكل إبان الغزو. فقد بدأ بـ31 دولة لينتهي الآن بـ4 دول. حتى إن مختلف التصريحات قد صدرت من بعض القادة العسكريين الأميركيين تذكر أن الجيش الأميركي بات منهكاً ولا يستطيع أن يخوض أو يفتح حروباً جديدة حالياً.
– بالنسبة للتداعيات الاستراتيجية: لقد أدى إخفاق الولايات المتحدة في حسم الحرب في العراق (وأفغانستان) إلى تزعزع موقفها الدولي. وفشلها في خطة تفردها في حكم العالم. وهذا شجع الدول المنافسة لأميركا لأن تستغل هذا الإخفاق فتتجرأ وتنافسها في أفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية… وأصبحت أميركا في مأزق كبير عبر عنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بقوله: إن الولايات المتحدة في ورطة: فهي لا تستطيع البقاء ولا تستطيع الانسحاب.
بالنسبة للسقوط الحضاري: وهو الأهم والأكثر ثقلاً عليها، فقد انكشف المبدأ الرأسمالي عن أقبح صورة له، ولم تنفع معه كل وسائل البهرجة والتزييف. بل أكثر من ذلك فقد وقع العالم كله، نتيجة لهذه الحرب المتوحشة، بأزمات اقتصادية لا يملك الغرب الرأسمالي حلاً لها. وهذا هو الإفلاس الحضاري بعينه. وأصبحت مسيرته الحضارية متجهة نحو الهاوية، وأصبحت المطالبة بالتخلص منه ومن أزماته المتكررة مطلباً دولياً.
والمفارقة العجيبة في هذا الصراع الحضاري الدولي أن الإسلام يصعد بنفس وتيرة الهبوط الرأسمالي. بتناسب عكسي لا يملك الغرب أن يوقفه. فالغرب لم يعد يملك إلا القوة المادية مع إفلاس تام في فكره الأساسي. ومقاييسه وأنظمته للحياة. والقوة المادية لم تنفع مع المسلمين، بل جعلتهم يستيقظون على واقعهم أكثر، جعلتهم يعرفون الغرب الكافر على حقيقته ويدركون مدى عداوته للإسلام وللمسلمين. ويعون على أهمية دينهم في الحياة، وبالتالي يرجعون وبوتيرة أسرع إلى أن ينقادوا لهذا الدين في الحياة، وإلى أن يقودوا العالم كله بهذا الدين المتين. وإننا في هذا الصراع نستذكر قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «… إن هذا الدين متين، ومن يشادّه فإنه يغلبه».
عندما أعلن بوش حربه على الإرهاب قال إنها حرب عالمية، وإنها حرب قيم، فهذا يعني مما يعني أنه يقر بعالمية الإسلام وبمشروعه الحضاري العالمي، وهو يريد أن يحاصر امتداده العالمي، ويمنع إقامة الخلافة (التي ذكرها بالاسم أكثر من مرة) والتي وصفها بأنها «إمبراطورية عالمية». وقال إنها حرب وقائية وهذا يعني مما يعني أن الإسلام يتقدم على المسرح الدولي، وأنه سيصل إلى الحكم وهو يريد أن يستبق وصوله بضربة قبل أن تكتمل قوته بإقامة دولته.
إن الغرب في حربه على الإسلام مصر على النصر، مصر على أن لا تقوم للمسلمين قائمة الخلافة، والمسلمون في المقابل يجب أن يصروا على النصر لأن الأمر متعلق بالنسبة لهم، بطاعة الله في إقامة الدين، متعلق بالسير على خطى سيدنا وحبيبنا وأسوتنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في إقامة الدولة الإسلامية. والمسلمون لن يتم لهم التخلص من أوضاعهم المأساوية التي صنعها لهم الغرب إلا بالتخلص من أهم أعوانه وهم الحكام. وطريقة التخلص من هؤلاء الحكام هم أهل القوة من ضباط الجيوش في هذا الزمان، وبذلك فقط يكتمل عقد الخلافة، بجواهره الثلاث:
– أمة تريد الإسلام والحكم به وهي موجودة.
– حزب يستطيع أن يحقق للمسلمين مشروعهم العالمي بإقامة الخلافة الراشدة وهو موجود.
– أنصار لله، متمثلين بأهل القوة من ضباط الجيوش، ينصرون هذا الحزب (كما فعل أنصار المدينة (رضي الله عنهم) مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقيم فيهم الخلافة التي تحكمهم بما أنزل الله تعالى، ولتحمل الإسلام رسالة هداية إلى العالم عن طريق الدعوة والجهاد. فتعود سيرتها الأولى.
إن الأمة الآن حتى يكتمل عقدها هي بانتظار جوهرة النصرة المعقود عليها الآن خير التغيير. قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
2009-04-11