خبر وتعليق
2009/01/02م
المقالات
2,314 زيارة
خبر وتعليق
هذا خبر نقلته صحيفة “الوطن” السعودية الصادرة في 29/11/2008م، ونحن بدورنا ننقله وننقل ما صاحبه من آراء وتعليقات؛ لأنها تكشف مدى البعد عن تطبيق الإسلام في مسألة الإقراض بالربا، ناهيك عن سائر المسائل، في بلد كان مهبط الوحي، ويدعي العلماء فيه أن حكامه هم أولياء أمور تجب طاعتهم… ومن ثم نعلق عليه تعليقاً شرعياً عسى أن يحرك قلوب وعقول المسلمين، وخاصة في بلاد الخير هناك.
55% من السعوديين لا يمتلكون مساكن خاصة
كشفت دراسات علمية حديثة أن 55% من المواطنين السعوديين لا يستطيعون “تملك” مساكن خاصة دون مساعدة مالية، في حين أن “تَمَلُّك” المسكن المناسب ليس فقط أملاً يسعى إليه كل مواطن، بل هو في الحقيقة “حق” ينبغي تضافر جميع الجهود المخلصة لتوفيره، حسبما ذكرت صحيفة “الوطن” السعودية في عددها الصادر في 9-11-2008.
ونبّه خبراء الاقتصاد والمحللون الماليون والمستثمرون إلى مخاطر حقيقية أخرى ترتبط بهذه القضية، وهي ارتفاع نسبة فوائد قروض التمويل العقاري في البنوك السعودية مقارنة بالبنوك في السوق العالمية، الأمر الذي يكرس “حرمان” كثيرين من امتلاك مسكن خاص. وأوضحوا أن تلك النسبة تتراوح بين 4.5% و7% كفائدة تحصيلية من القرض بعد السداد حسب الفترة الزمنية المتاحة للعميل، مشددين على أن ارتفاع نسبة الفائدة يُمثّل “مشكلة اقتصادية” لدى العملاء المستفيدين من القروض، لاضطرارهم إلى قبول سداد الفوائد باعتبار ذلك هو الحل الوحيد لتملك مسكن. وأرجعوا ارتفاع فوائد قروض التمويل العقاري إلى أسباب عديدة، منها: عدم وجود منافذ تمويلية متخصصة خلاف البنوك التجارية المعدودة، ورداءة البيئة الهيكلية للسوق. وطالبوا بالتوسع في التمويل العقاري، والعمل على خفض نسبة الفائدة، والاكتفاء بتحويل راتب العميل إلى البنك لضمان السداد دون الحاجة إلى رفع نسبة الفائدة، وذلك لتوفير مسكن لكل شاب.
بداية أبرزت دراسات اقتصادية مختصة من خلال الإحصاءات والأرقام العديد من الحقائق، حيث تؤكد الدراسات أن المملكة أقل دولة خليجية في نسبة تملك المساكن، حيث يمتلك نحو 22% من المواطنين السعوديين مساكن، في حين تصل النسبة إلى 90% في الإمارات، و86% في الكويت. وتوضح أن 55% من السعوديين لا يستطيعون تملك منازل دون مساعدة مالية، وأن أكثر من نصفهم يقطنون مساكن مستأجرة، فيما يؤكد باحثون وخبراء أن أكثر من 75% في المجتمع من فئة الشباب الأقل من 30 عاماً، الأمر الذي يستدعي التوسع في التمويل العقاري.
أمر آخر مهم تلفت إليه الدراسات الحديثة هو حاجة السوق إلى إيجاد شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، لتهيئة شركات التطوير العقاري لتوفير المسكن المناسب للمواطن. وكذلك حاجتها لإيجاد آليات تمويل متطورة، لتمويل المشاريع الإسكانية المقدرة بإجمالي يزيد على 2.4 تريليون ريال في السنوات العشرين المقبلة. (الدولار يعادل 3.75 ريالات).
وقالت صحيفة “الوطن”: إنها رصدت فوائد قروض التمويل العقاري في البنوك السعودية بحساب متوسط فوائد السداد لمواطن متوسط راتبه 8 آلاف ريال ويرغب في شراء منـزل على فترة سداد 30 عاماً، فاتضح أنها متقاربة. تصل الفائدة في بنك الرياض إلى 5.5% في حال استلام قرض تمويل عقاري عن طريق المرابحة بحد أقصى 20 سنة. أما عن طريق الإجارة فتبدأ من 4% إلى 6.5% قابلة للزيادة بنسبة 1% حسب أسعار السوق العقارية كل عام، ويتم استقطاع 40% من الراتب الشهري. وفي البنك العربي يتم تحصيل فائدة من السداد تصل إلى 4.5% وفي البنك الأهلي تصل نسبة فائدة تسديد القرض إلى 4.75% وتتراوح مدة التسديد ما بين 5 سنوات إلى 30 سنة. أما في مصرف الراجحي فتصل نسبة فائدة تسديد القرض إلى 3.5% عند التسديد خلال 5 سنوات، و4.25% خلال 10 سنوات، و4.5% خلال 15 سنة، و5% خلال 20 سنة. وتصل النسبة في بنك سامبا إلى 4.75%، أي تسديد قرض بقيمة 480 ألف ريال خلال 25 سنة بمتوسط 40% من الراتب الشهري، يصل المبلغ الذي سيتم سداده إلى 960 ألف ريال، أي ضعف أساس القرض.
في ساحة أحد البنوك التقت الصحيفة بعميلات تقدمن للاقتراض، منهن مَن انتهت من الإجراءات، وأخريات في طور السداد، وتؤكد كل من المواطنات ليلى العيسى وفاتن الغريبي ونوف الرسام أن راتب كل منهن الأساسي لا يتعدى 8 آلاف ريال، الأمر الذي جعل البنك يضع السقف الأعلى للقرض مبلغ 330 ألف ريال، وهو لا يكفي لشراء منـزل للسكن لارتفاع أسعار العقارات. ويلفتن إلى أن عليهن أن يسددن ما يزيد على 900 ألف ريال، ويجزمن بأن معاناة استخراج أوراق للقرض تسببت في إرهاق شديد للمواطن، حيث يشترط توفير شهادات من جهات عدة، أولها جهة العمل التي يعمل فيها المواطن، والثانية من مكتب عقاري مختص لإثبات استحقاق العقار لتلك القيمة. أما الشهادة الثالثة فمن الصحة، والرابعة من التأمين، والخامسة من صاحب الملك العقاري، الأمر الذي يعاني معه العميل معاناة شديدة لاستخراج موافقة لصرف القرض من البنك، مؤكداً ارتفاع نسبة الفائدة وضغطها الكبير على العميل، حيث يتم سداد 40% من الراتب الشهري للعميل.
ويصف عضو مجلس الشورى الدكتور سالم القحطاني نسبة الفائدة على القروض البنكية بأنها “عالية جداً” سواء كانت وفق الشريعة الإسلامية أو القروض الأخرى، كما أن تسديدها “مرهق”، مشيراً إلى أنها ارتفعت بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة. ويقول: “إن النسب الحالية اجتهادات من البنوك، فهي التي تحدد وفق قوانين من مؤسسة النقد السعودي”، موضحاً أن مجلس الشورى أنهى أخيراً أربعة أنظمة، هي: نظام الرهن العقاري، ونظام التمويل العقاري، ونظام الشركات، ونظام قضاء التنفيذ.. وهي تخدم من يريد إنشاء منازل للسكن أو الاستثمار.
أما الدكتور سليمان السكران أستاذ العلوم المالية المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن فيوضح أن ارتفاع نسبة فوائد القروض بشكل عام يرتبط على الدوام بمستوى المخاطر للمقترض مقروناً بحجم الأموال التي يمكن أن تقترض. ويُرجع ارتفاع نسبة الفوائد على القروض الاستهلاكية أو السكنية في المملكة إلى عدة أسباب مهمة، منها: تنافسية المؤسسات التي تمتلك الأموال للإقراض، وتفردها بشكل قريب من “الاحتكار”، نظراً لعدم وجود منافذ تمويلية متخصصة سوى البنوك التجارية المعدودة، ورداءة البيئة الهيكلية للسوق سواء المعلوماتية أم التشريعية، وغير ذلك من الأمور التي تساعد على خفض تكاليف الإقراض. ويلفت الدكتور السكران إلى أن حجم الطلب “كبير” الأمر الذي زاد في تأثيره بسبب تركيبة المجتمع السكاني، وعدم اتخاذ إجراءات حقيقية لفك الاختناق على طلب المساكن. ويحذر من التأثير السلبي لذلك الارتفاع على الاقتصاد في السوق السعودية على المنظورين القريب والبعيد إذا لم يتم توفير تمويل يتفق وحجم المخاطر للمقترض، وإلا صارت التكلفة عالية تُترجم إلى أرباح عالية للمقرضين، بينما سيظل المقترض مديناً لفترة طويلة، علاوة على الازدياد في معدلات التضخم لكون السكن جزءاً مهماً في حساب مؤشر سعر الاستهلاك.
ويؤكد الدكتور عبد الوهاب القحطاني أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن السوق العالمية لا تصل إلى تلك الفوائد، مشيراً إلى أنها قد تزيد من نسبة عدم القدرة على السداد وتراكم الديون لدى العميل لتكون قضية أشبه بالرهن العقاري حيث يتم رهن الرواتب للعملاء فضلاً عن الشروط المجحفة، الأمر الذي يتسبب في اضطرار العميل لطلب قرض آخر لتسديد القرض الأول ما يؤدي إلى مشكلات اقتصادية أخرى. ويجزم بأنه على السوق الاقتصادية تحديد نسبة الفوائد للقروض وليس البنك؛ لأن الأخير لديه خطة تمويل استثمارية بنسب معينة، فيتوقف عن ضخ التمويل العقاري، وتبقى نسبة كبيرة من المواطنين تتطلع لتلبية احتياجات القروض الشخصية الملائمة لإقامة المساكن. ويشير الدكتور القحطاني إلى أن اقتصاد السوق، بما فيه العرض والطلب، هو المخول للتحديد، وأن أفضل آلية لضمان التسديد دون رفع الفوائد هي وجود جهات مختصة في السوق محايدة عن البنوك تكون مسؤولة عن السداد. ويشدد على ضرورة أن يكون تحويل راتب العميل إلى البنك المقرض هو الضمان الأفضل للسداد، دون أدنى حاجة إلى رفع نسبة الفائدة. ويشير الدكتور القحطاني إلى سيولة البنوك السعودية الحالية لتمتع السوق العقاري السعودي بارتفاع قيم السيولة المستثمرة، والتي ترتفع باستمرار تبعاً لارتفاع الطلب على كل مكونات النشاط العقاري، والتي تمكن من تحقيق السداد دون فوائد مرتفعة. ويرى أن النسبة المعقولة للفائدة لا ينبغي أن تتجاوز ما بين 2.5% و3% كفائدة كفاية تضمن للبنك استعادة ديونه، دون ارتفاع نسب الفوائد، مؤكداً أنه كلما ارتفعت نسبة الفائدة زادت نسبة المخاطرة.
=========
إن أول ما يشعر به المسلم الغيور على دينه عندما يقرأ هذا الخبر هو الضيق والانزعاج الشديد، بسبب ما حواه من ذكر للتعامل بالربا في أرض الحرمين الشريفين، في المكان الذي تنـزّل فيه أمر الله ومنه تحريم الربا بصيغة هي من أشد الصيغ صراحة في التحريم وتهديداً ووعيداً لمن يقارفه (آكله وموكله وكاتبه وشاهديه). فالخبر ذكر في وسيلة إعلامية ونقلته بكل أريحية حيث استرسلت بنقل الخبر من غير أي حرج وكأنه أمر اعتيادي، وورد فيه أن البنوك السعودية تتعامل بالربا وبعضها يسميها الفائدة وبعضها يسميها المرابحة وهي التسمية الأخيرة للربا. وورد فيه أسماء شخصيات سياسية واقتصادية تقر بالربا وتعتبره من طرق الإقراض الاعتيادية. هذا ولا يخفى أن الدولة السعودية هي التي ترعى كل ذلك، وتجري معاملاتها المالية والتجارية والاستثمارية بحسب أنظمة الغرب في التعامل المالي القائم على الربا والشركات المساهمة والبورصات ونظام الإقراض… فهذه البلاد الصحراوية بالإجمال حباها الله سبحانه وتعالى من الخيرات ما جعلها من أغنى الدول، ولكن الدولة هناك بدلت نعمة الله معصية وفسقاً وظلماً، فبدل أن تطبق حكم الله في البترول كملكية عامة وترده إلى المسلمين كافة، أخذت تتصرف به وكأنه ملكية خاصة يستأثر به الحكام دون غيرهم وكأنه ملك لهم. وبدل أن تستثمره في بلاد المسلمين وبالطرق الشرعية، أخذت تستثمره في الخارج وعلى الطريقة الغربية في التعامل بالربا، وهل هناك أصرح من هذا المقال في تعامل الدولة والشركات والبنوك والمؤسسات المالية التجارية فيها بالربا. والأصرح منه أن ترى المصارف المختلطة الأجنبية – السعودية منتشرة في أنحاء المملكة، وها هو النظام الذي ترعاه الدولة يدفع المسلمين إلى التعامل بالربا بحجة تأمين مساكن لهم، وفي التعامل بالبورصات وتداول أسهم الشركات السعودية على نفس طريقة المقامرة الموجودة في الغرب، حتى إنه نقل أن قيمة الأسهم الخليجية تراجعت بنسبة 47% في الأزمة المالية الأخيرة في حين اقتصرت خسائر الأسهم الأميركية على 41% والأسهم المسجلة في لندن على 37%. وفي أزمة الرهن العقاري الأميركي أصيبت الشركات الخليجية والبنوك الخاصة والعامة بخسائر فادحة، يجري التعتيم عليها لأن أرقامها فاضحة. وهذا الانخراط الخليجي جعل دولها شريكاً في الأزمة بنظر الغرب ما جعله يطالبها بأن تؤدي نصيبها من الخسائر. فقد ذكرت صحيفة السياسة الكويتية خبراً أكدت مصداقيته بقولها: علمت “السياسية” من مصادر شديدة الاطلاع في 20/11/2008م أن الولايات المتحدة فرضت على السعودية مبلغ 120 مليار دولار لمساعدتها على تخطي الأزمة، و40 مليار دولار على الكويت، و60 مليار على قطر، و70 مليار على الإمارات… وهذه مبالغ خيالية تفرضها أميركا على دول الخليج للمساعدة (الإجبارية) على اعتبارها أنها شريك استثماري عالمي، ولها مصلحة في استقرار الاقتصاد العالمي. وكذلك فعلت بريطانيا في زيارة براون الأخيرة لدول الخليج ولكن لم يذكر شيء عن قيمة المبالغ التي طلبها… وهذه الطلبات هي لإنقاذ الشركات الرأسمالية من الإفلاس ولإنقاذ النظام المالي الرأسمالي من السقوط… إنهم يريدون أن يشاركوا في إنقاذ ما يريد الله هدمه…
إن خسائر دول الخليج جراء الأزمة المالية العالمية متعددة الوجوه: فهي وقعت في خسائر تراجع قيمة الأسهم، ووقعت في خسائر اشتراكها بالأزمة العقارية حيث إنها باعت واشترت فخسرت المبالغ الضخمة، ثم والآن تفرض عليها الدول الغربية الرأسمالية المبالغ الطائلة كضريبة إنقاذ. وفي المقابل رأينا كيف يعيش المسلمون في السعودية، حيث إن 55% لا يملكون بيوتاً، وحيث إن الطريق الوحيد المفتوح أمامهم لذلك هو طريق الإقراض الربوي الذي ترعاه الدولة وتجعله من المعاملات القانونية التي يتوجب الإيفاء بالتزاماتها والعقوبات على الإخلال بعقودها، وليس في ذلك أدنى مغالاة، فالسعودية كدولة شريك أساسي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ولها أسهم فيه، وهي تقر كل قوانينه القائمة على الربا وكل ما يغضب الله… وتشارك في ظلمه.
فهل يعقل أن يكون المسلمون في السعودية لا يمتلكون بيوتاً لسكنهم، في حين أن على السعودية أن تدخل في الحل الذي تفرضه أميركا على غيرها من أجل حل مشكلة السكن لحوالى 3 ملايين أميركي، ومن أجل إنقاذ الشركات الرأسمالية من الإفلاس؟
إن عين الدول الغربية تركز النظر على مبلغ (2.5) تريليون دولار وهو مقدار استثمارات دول الخليج في الغرب كيف تنهبها، أو لنقل كيف تستردها لأنها في قرارة نفسها الاستعمارية أن هذه الأموال هي أموالهم، ولأن البترول هو لهم وإن كان موجوداً في أراضينا. فما أن حلت كارثة الرهون العقارية حتى وجدت السبيل ميسراً أمامها لطب إشراكها في الحل. بالرغم من أنها وقعت بجب الشيطان نفسه الذي وقع فيه غيرها.
هذا من جهة الحكام والحكم في السعودية، أما بالنسبة للعلماء فإن ظاهرهم الادعاء أن السعودية هي دولة إسلامية، ويشيرون إلى بعض الأحكام الشرعية التي تطبقها الدولة على طريقة (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [التوبة 19] لإظهار أنها بهذا التطبيق هي إسلامية، في حين أنها لم تقم أصلاً على ما يتطلبه الإيمان بالله من إقامة الدولة على أساس الحكم بالإسلام كله، سواء في سياستها الاقتصادية أم سياستها الخارجية أم نظام الحكم وشكله، وما يوجبه الله سبحانه فيه على الحاكم المسلم الذي هو الخليفة ومن ينيبه عنه في الحكم أن يحكم بالإسلام، ويحذره من أن يفتن عن بعض ما أنزل الله. قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة 49] و(بَعْضِ) هنا تشمل فيما تشمل الحد الأدنى وهو أن يكون حكماً واحداً. فكيف بهذا الكم الواضح من الأحكام الشرعية التي تتركها فلا تحكم بها؟! بل فكيف بهذا الكم الفاضح من التصرفات التي يحرمها الشرع وتتصرف بها الدولة السعودية كإحدى العلاقات المقننة لديها؟!
فأين العلماء من مثل هذه الأحكام الشرعية المتروكة والتصرفات المحرمة؟… أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب عليهم من الله تجاه حكامهم؟ أين أفضل الجهاد؟ وأين سيد الشهداء فيهم؟ أين هم من العمل على التغيير على هؤلاء الحكام بحسب طريقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في التغيير؟ أين عقيدة الولاء والبراء عندهم؟
إننا نرى أن قسماً كبيراً من هؤلاء العلماء، وخاصة الذين أظهرتهم الدولة على أنهم وجوه العلم الذين يرجع إليهم في الفتاوى، نرى أنهم يسيرون مع الحكام في السعودية في كل ما يفعلون، ويؤولون النصوص بما يوافق سياستهم، ويسكتون عن كل ما يخالفون فيه الشرع. فقد سكتوا عن الربا الذي تعاقره الدولة تحت اسم جديد هو (المرابحة)، وأقروا الشركات المساهمة بالرغم من مخالفتها الصريحة للإسلام، وسكتوا عن حكم النفط كملكية عامة، وسكتوا عن ترك تغطية الدولة العملة بالذهب كما يأمر الإسلام، وسكتوا عن ربط دولتهم لعملتها بالدولار، وسكتوا عن فتح سوق البورصة عندهم مع ما في ذلك من مخالفة للإسلام بالإضافة لما يحمله التعامل بالبورصة من بيع على بيع، ومن بيع المسلم لما لا يملك، ومن بيع مال بمال. وبالخلاصة أصبحت التعاملات المالية في السعودية فيما يتعلق بالدولة والأفراد المتمولين والشركات الخاصة والبنوك تقوم على التعاملات التي يقرها النظام الرأسمالي ويحرمها الإسلام…
إننا نتوجه إلى المسلمين بعامة، وإلى العلماء منهم بخاصة، أن ينظروا بنور الله، وأن يقوموا بحق الله عليهم في المناصحة وقول الحق مهما كان مراً. فقد أخذ الله من العلماء ميثاق تبيين العلم وعدم كتمانه. وميثاق العمل على أطر الحاكم على الحق أطراً وقصره على الحق قصراً. وميثاق تغييره إن لم يقم حكمه على الإسلام في كل شؤون الحياة.
إن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى أحكام الإسلام الحقيقية، إلى علماء حقيقيين يستنبطون هذه الأحكام من مظانها الشرعية وليس من تعليمات وتوصيات الحكام فيها. وإن أحكام الإسلام للحياة ليست أحكاماً متفرقة، بل هي كل يأخذ بعضها ببعض لتشكل مع بعضها نظاماً متكاملاً، كل حكم فيها له أدلته الشرعية الخاصة به وطريقة استنباطه الشرعية الواحدة… وإن هذا النظام المتكامل المتعلق بكل شؤون الحياة الدنيا، والقائم على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر لا يقوم به ولا ينفذه إلا خلافة إسلامية راشدة يقوم منهاجها على منهاج النبوة، يتحقق بها وعد الله ورسوله في آخر الزمان. نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بذلك، ونسأله أن يكون قريباً.
2009-01-02