كلمة الوعي: أما لهذا التجبُّر الأميركي من حد؟ أما لهذه الأمّـة من منقذ؟
2016/09/27م
المقالات, كلمات الأعداد
1,802 زيارة
ما هي حقيقة ما يجري بين أميركا والعراق؟ أميركا عينُها على الخليج ونفط الخليج. عندما اندلعت الحرب بين العراق وإيران عملت أميركا على استغلالها للسيطرة على دول الخليج، لكنها فشلت رغم إذكائها لتلك الحرب ثماني سنوات. فخططت (أميركا) لحرب الخليج الثانية، وأغرت صدام حسين وورطته في احتلال الكويت، واتخذت من ذلك ذريعة للنزول في الخليج بقصد فرض هيمنتها عليه. ولكنها فشلت للمرة الثانية. وسبب الفشل الأميركي في المرتين هو كون حكام الخليج من أتباع الإنكليز الذين يعطونهم التوجيهات، والإنجليز رغم تظاهرهم بالتنسيق مع الأميركان ولكن التنافس بينهما على أشده.
أميركا كانت قادرة سنة 1991 على دخول بغداد وإسقاط نظام صدام، ولكنها تركته عن قصد لتتخذ منه فزّاعة لتخويف دول الخليج التي بقيت عصيّة على الأميركان، من أجل الوصول إلى الهدف وهو السيطرة على نفط الخليج. ولذلك فإن أميركا لا تكفّ، عبر لجان التفتيش، عن الإعلان عن وجود ترسانات هائلة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والجرثومية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، لدى العراق. وقد قام كلينتون رئيس أميركا في 11/11/97 بتحذير العراق من ضرب الكويت وضرب السعودية. وفي التصريح نفسه خوّف الأوروبيين بقوله: «ماذا سيحصل لو كان لديه (العراق) صاروخ يصل إلى أوروبا» وكانت وزيرة الخارجية أولبرايت حذرت الأوروبيين في 09/11/97 من تطوير العراق لصواريخ بعيدة المدى تستهدف باريس وأوروبا.
إن تحريك الأزمة بين أميركا والعراق في هذه الآونة جاء من جهة أميركا، رغم بروز أن العراق هو الذي حرّكها. أميركا استدرجت العراق ليظهر أنه هو البادئ. ريتشارد بتلر رئيس لجنة التفتيش عن السلاح في العراق قام بنقض اتفاقية بين سلفه رالف أكيوس وحكومة العراق. بموجب تلك الاتفاقية كانت لجنة التفتيش تتجنب الأماكن ذات الصفة السيادية الحساسة مثل القصر الجمهوري. ولكن بتلر أراد أن تكون جميع الأمكنة مفتوحة أمام اللجنة. وبتلر لا يقوم بمثل هذا التغيير لولا أن أميركا دفعته إليه. ثم حركت أميركا مجلس الأمن لا ليخفف العقوبات عن العراق بل لزيادة هذه العقوبات بمنع سفر جميع المسؤولين العراقيين في وزارة الدفاع والشرطة والاستخبارات ولجنة الصناعات العسكرية.
هذا الاستفزاز الأميركي للعراق مقصود لجرّه للرد. وهكذا كان، فقام العراق بمنع العناصر الأميركيين من التفتيش ثم طردهم. وهو يهدد طائرات المراقبة (يو 2) التي يقودها أميركان بالإسقاط. وقد شجّع العراقَ وقوفُ فرنسا وروسيا والصين ومصر في مجلس الأمن ضد زيادة العقوبات على العراق.
في الأصل لا يوجد عند العراق أسرار تحتاج إلى لجان تفتيش، ولا يوجد عند العراق أسلحة أكثر مما عند غيره من دول المنطقة. وأميركا تركت نظام صدام في السلطة قصداً. والمهمة الحقيقية للجان التفتيش هي التهويل والتخويف، وتصوير العراق أنه بعبع كان سَـيَـلْـتَهِمُ دول الخليج لولا الحماية الأميركية. كل ذلك لجعل دول الخليج ترتعب وترضخ للحماية الأميركية.
إذاً المشكلة الحقيقية ليست بين أميركا والعراق، بل المشكلة هي أن أميركا تناور لأخذ الخليج من الإنجليز. وما فَـتْحُ الخصومة مع العراق إلا ذريعة لذلك. وأميركا تُضَلِّل وتمثل على العالم.
ويقفز التساؤل: إذا كانت أميركا تسعى لخطف الخليج من نفوذ الإنجليز، فكيف نرى أن الإنجليز متضامنون مع الأميركان ومتحمسون لضرب العراق أكثر من الأميركان؟
والجواب: إننا نتوقع أن يكون اندفاع الإنجليز هو لتوريط الأميركان في ضرب العراق. ويبدو أن الإنجليز رتّبوا مع عملائهم وبعض حلفائهم خطة لزج أميركا في معارك تكون أميركا هي الخاسر فيها. ولن ندخل الآن في تكهّن أو توقّع عن تفاصيل تلك الخطة.
الضربة الأميركية الأخيرة للعراق (في أيلول 1996) لم تؤذِ نظام صدام بل زادته قوة. وهذا يؤكد أن هدف أميركا ليس نظام صدام.
ونحن نلاحظ أن أميركا أحضرت حاملتيْ طائرات إلى المنطقة: نيميتز وجورج واشنطن مع مجموعة كبيرة من القطع البحرية الأخرى. ونلاحظ أن قاعدة إنجيرلك في جنوب شرق تركيا تعج بالمقاتلات الأميركية. وأظهرت استطلاعات الرأي في أميركا تأييداً كبيراً (84 بالمائة) لضرب العراق، وكذلك أعضاء الكونغرس من الحزبين. وقد ارتفعت شعبية كلينتون إلى 59 بالمائة حين صار يهدد بضرب العراق. وهذه المؤشرات تدلّ على أن أميركا ستقوم بعمليات عسكرية ضد العراق. ولكن ليس من المتوقع أن تكون هذه العمليات، في حال حصولها، قريبة جداً. فهناك مؤتمر القمة الإسلامي في طهران في 09/12/97، وليس من المتوقع أن تقوم أميركا بعمل عسكري في المنطقة قبل ذلك. وقد تكتشف أميركا الفخ الإنجليزي وتؤجل عملها إلى ظرف أنسب. وها نحن نسمع أن كلينتون اتصل بيلتسين واتصل بشيراك (في 16/11/97) وطلب من كل منهما بذل مساعيه لإقناع العراق بالتزام قرارات مجلس الأمن. وفي الوقت نفسه صرّح صموئيل بيرغر مستشار الأمن القومي بأن في آخر النفق ضوءاً يُظهِر إمكان تجـنّب العمل العسكري.
وماذا بعد؟ إننا ننتظر هل سيضربوننا، متى سيضربوننا، كيف وأين سيضربوننا، ومن سيسود علينا بعد ضربنا الإنجليز أو الأميركان؟ وإذا عطفوا علينا ولم يضربونا فإنهم يحاصروننا، يمنعوننا أن نبيع نفطنا، ويمنعوننا أن نسافر، ويمنعون عنا الغذاء والدواء. يعاقبوننا في العراق وفي السودان وفي ليبيا وفي إيران. ويسلبون أرضنا ويهدمون بيوتنا ويقتلوننا في فلسطين وفي لبنان. هذا غير الفتن التي يشعلونها بيننا في أفغانستان وشمال العراق وجنوب السودان والجزائر وتركيا…إلخ. إهانة وإذلال لا يرضى به حُرٌّ عزيز.
فـي ندوة «مسـتقبل الوطـن العربـي» التي عقـدت في أبو ظبي قبل أيام قال الشيخ زايد: «لو تضامنّا لـمـا اسـتـخفّـت بنا إسـرائيل وطـمـعـت فـي حقوقنا ومقدساتنا». وقال: «لو تآزر العرب لما مارست أميركا ضغوطاً عليهم بلا مبرر». ونحن نقـول له: هذا صـحيح. ولكن لماذا لم نتضامن ولم نتآزر؟ وهل من أمل في أن نتضامن ونتآزر؟
الـجـواب بصـراحـة: حكـام الـعـرب قرارهـم ليـس بأيـديهم، وسياستهم لا تنبع منهم. هم عملاء لدول خـارجـيـة، وهـذه الدول متـنـافـسـة. حتى العمـلاء لدولـة واحـدة (أمـيركـا مثلاً) ليـس من مصلحتها تضامنهم وتآزرهم.
السبيل الوحيد للتوحّد هو الانفصال عن التبعية للغرب. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بأن يقوم رجال مخلصون، غير الطاقم الملوّث الحاكم الآن. وعندئذٍ هم ليس فقط يتضامنون ويتآزرون بل يتوحدون في دولة واحدة. وعندئذٍ سيقيمون هذه الدولة على عقيدة الأمة وشريعتها، أي أنها ستكون الدولة الإسلامية الجامعة، دولة الخلافة الراشدة.
هذه الدولة وحدها هي الأمل بإنهاء ذلنا وخوفنا وعبوديتنا تحت أقدام الدول الغربية. وبها وحدها نستحق نصر اللـه في الدنيا وثوابه في الآخرة.
(يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا اللـه ينصرْكم ويثـبـّتْ أقدامكم) .
2016-09-27