كلمـة الوعي: الرئيس الإيراني خاتمي يدعو إلى الحضارة الغربية وإلى الحرية الغربية
2016/09/27م
المقالات, كلمات الأعداد
1,853 زيارة
في عام 1995م ألقى الدكتور محمد خاتمي كلمة في ندوة نظمتها كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران، وكان عنوان الكلمة »التنمية والحرية«، وبعد أن أصبح خاتمي رئيساً للجمهورية تم تكليف محمد علي أبطحي بترجمة الكلمة إلى العربية وتسليمها لصحيفة الحياة، التي قامت بنشرها في 10/11/1997م. والملفت في هذه الكلمة أن الرئيس خاتمي دعا إلى »الحرية« وإلى العبور من خلال »الحضارة الغربية« حتى تحصل الرفعة ويحصل التجدد والتنمية، وقد ترددت لفظة (الحرية) في هذه الكلمة أربعاً وأربعين مرة.
قال الرئيس خاتمي حرفياً ما نصه: »يتلخص فحوى كلامي بالآتي: أولاً: لن يكون أي تحول إنساني وفاعل ما لم تكون هناك مشاركة إرادية واعية للبشر في إيجاده. ثانياً: يتمثل الشرط الأساسي في حضور الإنسان ومشاركته الواعية الحرة في ظاهرة التقدم والتغيير بوجود فكر مستقل وفاعل (بعنوان كونه تياراً متجدداً وحياً في المجتمع) إلا في إطار الحرية. والنتيجة التي يفضي إليها السياق الآنف، إنه لا يمكن أن ننتظر طروء أي تحول إيجابي في أي مجتمع، إلا بوجود الحرية ورسوخها فيه. على أن نوضح مباشرة أن ما نعنيه بالحرية بشكل دقيق هي: حرية الفكر، وتوافر عناصر الأمن في إبدائه وتهيئة المقدمات اللازمة لتأمين تلك الحرية وضمان هذا الأمن.
وبحثي هذا الذي أقدمه بين يدي الأساتذة الأجلاء في هذا الملتقى، يدور حول هذه المسألة بالذات. إسمحوا لي قبل أن أتناول الفكرة الأساسية أن أمر على نقطة بشأن التنمية ذاتها، مضمونها: أن التنمية التي تطرح في هذا العصر هي شأن غربي، وهي تنطوي على مفهوم صاغه أهل تلك الديار. فإذا ما كان المراد من التنمية مفهومها ذاك، فلا مناص للراغبين بها من أن ينتحلوا الحضارة الجديدة تلك.
إن التنمية بمعناها المعاصر هي ثمرة وحصيلة للحضارة الجديدة، وإذا ما جاءت تلك الحضارة فستترافق معها التنمية تلك. فليس جزافاً كلام من يذهب إلى أنه يتعين أولاً قبول العقل الغربي حتى يتهيأ الطريق لانبثاق التنمية، بل بمقدورنا أن نستكمل تلك القناعة بالقول: علاوة على قبول العقل والرؤية الغربية، ينبغي أن تؤخذ الطريقة إلى النهج الذي يتسق مع تلك الرؤية.
بيد أن قناعتي الشخصية أن التنمية بمعناها المعاصر، ما هي سوى ضرب من ضروب التحول، وصيغة من صيغ التكامل والتقدم في المجتمع الإنساني، لا أنها الصيغة الوحيدة لذلك والتعبير الذي لا ثاني له.
يقيناً إن تلك الصيغة للتنمية والتغيير تحظى بالكثير من المزايا والفوائد البشرية كما أعتقد أيضاً أنها تنطوي على الكثير من النواقص والأضرار.
ففي إطار تلك الحضارة والنموذج التنموي المنبثق عنها، أُغفلت الكثير من الحقائق، حقائق صار غيابها من الساحة منشأ لنواقص وثغرات حيوية، بل سبباً لآلام راحت تحوط مسيرها.
وبالنسبة لنا عندما نطرح السؤال التالي: ماذا علينا أن نفعل في مضمار التنمية؟ لا نستطيع – بل لا ينبغي لنا – أن نعود القهقرى 400 سنة إلى الوراء، أي إلى نقطة البداية التي انبثق منها الغرب. بل بين أيدينا التجربة الغربية الهائلة. وإذا ما كنا أهل تدبير واعتبار، فما علينا سوى أن نشق طريقنا إلى المستقبل
ملاحظة هذه التجربة الضخمة ومعنى ذلك أن نبذل العناية بمزايا هذه التجربة ونواقصها، كي نتوفر على اختيار الأفضل وبلوغه.
وبديهي أنّ نِطاق الاحتكار في أن لا يكون النموذج السائد للتغيير والتقدم الذي يكتسب وصف التنمية، هو النموذج الوحيد، لا يعني بحال إنكار حقيقة الحضارة الجديدة. بل يمكن القول صراحة إن أي تحول فاعل لن ينبثق في إطار الحياة القومية التي تنشد الرفعة والتجدد، ما لم تمر من صميم حضارة الغرب، كما يتمثل شرط التحول الإنساني بمعرفة الحضارة الغربية ووعيها ولمس روحها الماثلة بالتجدد. إن من لا يعرف هذه الروح لا يستطيع أبداً أن يحقق تغييراً نافعاً في حياته. أجل إن الشرط في التحول الأساسي هو تجاوز الحضارة الغربية. والمراد من وعيها معرفة الأسس الفكرية ومرتكزات الحضارة الجدية الكامنة وراء ظواهرها.
ولكن المؤسف أن شعوباً مثلنا ما زالت تفتقر لمثل هذه المعرفة حتى إننا حسب تعبير المرحوم الدكتور عبد الهادي الحائري لم نتعرف حتى الآن وعلى نحو صحيح على »وجهي الحضارة الغربية« وغالباً ما يأتي تعاطينا مع الغرب على أساس سطحي. أي أننا نتعاطى مع وجه واحد ونهج واحد من نهجي الحضارة الغربية ينتهي إلى الإعجاب حدّ الافتتان أو الصدود حدّ الكراهة والنفور، وكلاهما آفتان في المعرفة العلمية.
وما أراه أن البحث في التنمية مسبوق ببحث أساسي حيال السؤال الآتي: ما هي الحضارة الغربية؟ وكذلك السؤال عن طبيعة علاقتنا بهذه الحضارة، وما ينبغي أن تكون عليه. فإذا ما تم البحث حول هذين السؤالين بشكل صحيح فإن البحث حيال التنمية ذاتها سيبلغ نتيجة – ربما – على نحو أسرع وأكثر سلامة«. انتهى المقطع الأول من كلمة الرئيس خاتمي.
وتعليقاً على ما جاء في كلمته هناك نقطتان هامتان ينبغي التوقف عندهما طويلاً:
النقطة الأولى: مفهوم الحرية.
النقطة الثانية: الحضارة الغربية.
أما فيما يتعلق بالنقطة الأولى وهي »الحرية« فقد عرفها خاتمي في نهاية كلمته بقوله: »إن مرادي من الحرية في هذا المضمار هو: حرية الفكر وتوافر عناصر الأمان في إبرازه والتعبير عنه، وتهيؤ المقدمات الكفيلة بالحفاظ على هذه الحرية وضمان أمن الأحرار وأصحاب الفكر«. وإذا أردنا أن نطبق هذه العبارة على الواقع بحسناته وسيئاته، فماذا سنحكم على الشيخ منتظري؟ وأين يا ترى سيكون موقعه؟
من ناحية فكرية قام الرجل بممارسة »حرية الفكر« ولم تتوافر له عناصر »الأمان« في »إبرازه والتعبير عنه« ولم يتم توفير »ضمان أمن الأحرار وأصحاب الفكر«، فما معنى هذا؟
وبمقتضى كلام خاتمي لم يكن سلمان رشدي يستحق الفتوى بإهدار دمه، لأنه لم يَزِدْ عن ممارسة حرية الفكر قولاً وعملاً. وضجت حينئذٍ أوروبا وأمريكا غيْرةً على الحريات وحرية الفكر وحصانة المفكرين.
إن الحريات عند الغرب لها قداسة نابعة من عقيدتهم وحضارتهم. هذه الحريات التي تطلق العنان لكل رذيلة وشر والتي من أبرزها ما يلي:
1 – حرية الاعتقاد، وبموجبها يجوز عندهم أن يصبح الإنسان مسلماً ويمسي كافراً، والحديث الشريف يقول: »من بدّل دينه فاقتلوه«.
2 – حـريـة الرأي، وبمـوجبها يجوز أن يهاجم الفرد دينه ودين غيره والمقدسـات جمـيـعـهـا وتجـوز الغيـبـة
والنميمة وقذف المحصنات بالالتفاف على القانون.
3 – الحرية الشخصية، وبموجبها يجوز للفتاة والشاب أن يخرجوا عن أمر ولي الأمر دون حسيب أو رقيب.
4 – حرية التملك، وبموجبها يجوز أن يمتلك الإنسان عن طريق القمار والزنا والسرقة والربا والرشوة والاحتكار والغش والاحتيال.
والإسلام لا يقر هذه التصرفات »الحرة« كما يفهمها ويمارسها الغرب لأن تصرفات البشر محكومة بالشرع ومنضبطة بالحلال والحرام، أو ما يجوز وما لا يجوز شرعاً، أما الحرية المقابلة للعبودية »الرق« فهي شأن آخر ولا نظن أن أحداً يقصدها هذه الأيام في كلامه.
وبما أن الرئيس خاتمي ذكر كلمة الحرية على إطلاقها فإنه يعني بها المعنى المتعارف عليه عالمياً، أي معناها كما يفهمها مطلقوها الأصليون، وهذا فيه من الخطورة الشيء العظيم.
أما عن النقطة الثانية وهي »الحضارة الغربية« وأنها الطريق إلى التنمية، أو أنها الحضارة الجديدة. فمن المعروف أن الحضارة هي مجموعة المفاهيم عن الحياة، وأن لكل أمة صاحبة عقيدة حضارتها المغايرة لحضارة أصحاب العقائد الأخرى، وهذا ينطبق على الأمة الإسلامية التي تملك حضارة نابعة من عقيدتها الإسلامية، ولا يجوز لها شرعاً استيراد حضارة أخرى مهما علا شأنها لأن ذلك يتناقض مع عقيدتها. ويبدأ التناقض بالأسس وينتقل إلى كل التفاصيل، فحضارة المسلمين تنطلق من الاعتراف بوجود الخالق سبحانه وتعالى، وأن الكون والإنسان من مخلوقات هذا الخالق وأن هناك حياة آخرة وحساباً وجنة وناراً، وأن الإنسان مكلف برسالة، وملزم باتباع كل تفاصيلها. بمعنى آخر إن الدين والحياة لا ينفصلان، بل يتحكم الدين بكل شؤون الحياة.
أما الحضارة الغربية فهي تبدأ من عقيدة فصل الدين عن كل شؤون الحياة، أو فصل الدين عن الدنيا، وفصل السلطة الروحية عن السلطة الزمنية، كما يقولون زوراً وبهتاناً، وهذا يتجسد في القول المشهور »دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله« فالحضارة الغربية لا تعترف أصلاً بالدولة الدينية ولا بالحاكم الملتزم بالدين الذي يأخذ موقعاً في السلطة. وينطبق ذلك على موقف الغرب من دولة إيران، فهم يستغربون كثيراً وجود »رجال دين« في قمة السلطة ويستغربون وجود دولة تُدْخِل الدين في السياسة أو تأخذ الدين إلى مواقع السلطة السياسية. وهذا يؤكد تناقض حضارة الغرب مع الحضارة الإسلامية، ويؤكد تناقض وجهات النظر في الأسس وفي الفروع.
أما عن القول بأن الحضارة الغربية »جديدة« فإن ذلك يعني من ضمن ما يعني أن الحضارة الإسلامية قديمة وأن على المرء أن يختار الجديد ويترك القديم. ولا يخطر ببال المسلم هذا الخاطر حينما يفتش عن الحق والصواب، فالدين الحق والحضارة الحقة لا تقاس بالجِدَّة والقِدَم أو بتاريخ انطلاقتها، بل تقاس بصوابيتها وبقربها أو بعدها عن العقيدة.
أما إن كان يقصد بالحضارة بعض إنجازات المدنية من علوم واختراعات وصناعات فهذا شأن آخر وهو ليس من الحضارة في شيء، وكان يجب وضع النقاط على الحروف بدقة ووضوح حتى لا يقع المستمع أو القارئ في الالتباس، لأن هذه المسألة من المسائل الحساسة في ظل صراع الحضارات الجاري الآن والذي يتحدث عنه مفكرو الغرب. ولا يخطر بالبال أن المسألة زلة لسان لأن هذا الموضوع تكرر في مناسبات عدة، وقد فهم الغرب الرسالة الموجهة، وعلق عليها مراراً، وليس آخرها ما قيل في المؤتمر الذي انعقد في طهران وجمع فيه 54 دولة من دول المنطقة المحيطة بنا في كرنفال دعائي مهيب.
2016-09-27